منتديات سدير

منتديات سدير (http://www.sudeer.com/vb/index.php)
-   ¨° مِحبرةُ كتاباتك °¨ (http://www.sudeer.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   إميل. (http://www.sudeer.com/vb/showthread.php?t=164251)

رحّال 23-08-2017 09:48 AM

إميل.
 
هنا - إن شاء الله - سيكون الحديث عن كتاب:-
(إميل - تنشئة الطفل من المهد إلى الرشد
للفيلسوف والكاتب (جان جاك روسو).
وسيكون الحديث عبارة عن حلقات متسلسلة.

رحّال 23-08-2017 09:50 AM

التعريف بالكاتب.
 
ولد جان جاك روسو في جنيف بسويسرا في 12 يونيو 1712. توفيت والدته بعد ولادته مباشرة، ووالده، وهو صانع ساعات
يدعى إسحاق روسو، تخلى عنه عمليا في سن الثانية عشرة.
وقد أمضى روسو في هذا العصر المبكر سنوات عديدة كمتجول يعيش في بيوت أصحاب العمل والصديقات
وعمل كموظف ونقاش ومعلم خاص. وبحلول عام 1742، عندبلوغه الثلاثين ، كان قد شق طريقه إلى باريس،
حيث عمل بعدة أعمال، وكان مهتماً بالموسيقى وسعى إلى احترافها.
وفي باريس أصبح صديقاً للفيلسوف والكاتب والموسوعي الفرنسي دنیس دیدرو، وهو من قادة حركة التنوير
التي سبق وأن تحدثت عنها بالتفصيل في سنابات سابقة.
كان أول نجاح لروسو ككاتب وهو في الأربعين من عمره، عندما حصل على جائزة أكاديمية ديجون
لمقالة الأول الذي كان جواباً على سؤال طرحته الأكاديمية وكان نص السؤال هو :-
"هل ساهم التقدم الحضاري في إفساد أو تطوير الأخلاق"، وكان جواب روسو سلبياً حيث قرر أن الحضارة في معظمها
أفسدت الأخلاق الإنسانية والخير في البشر. هذه الفرضية التي لازمت جميع أعماله الفلسفية.
في عام 1761نشر أول اعماله السياسية وهو "خطاب في اللامساواة" أو ""بحث في منشأ وأسس عدم المساواة".
كما نال سمعة لا بأس بها بعد أن نشر روايته العاطفية "جولي"، إلا أن حظوظه بدأت بالتبدل في العام التالي.
في عام 1762 صدر لروسو "العقد الإجتماعي" و "إيميل"، الكتاب الذي سنتحدث عنه إن شاء الله.
كلا الإصدارين واجها هجوماً من السلطة ومن المثقفين على حد سواء.
وقد تم إحراق الكتابان علانية في باريس، وأمرت السلطات الملكية الفرنسية حينها باعتقال روسو الذي هرب إلى مدينة
نيوشتايل السويسرية، وهناك تخلى عن جنسيتة وبدأ العمل على سيرته الذاتية "اعترافات"، وقضى السنوات اللاحقة
في الهرب من السلطات الفرنسية وكذا من معاصريه.
في الثاني من يوليو سنة 1778 وبعد بضع سنوات من عودته إلى فرنسا قادماً من اسكتلندا حيث كان يلتمس
اللجوء مع الفيلسوف البريطاني ديفيد هيوم توفي روسو فجأة.
وعلى الرغم أن وفاته كانت مريحة للحكومة وللكثير من اعداؤه في المؤسسة الفرنسية إلا أنه وجد التقدير اللائق سنة 1794
عندما أمرت حكومة الثورة الفرنسية بأن يتم تكريمه كبطل وطني ووضع رماد جثته في البانثيون أو مقبرة العظماء.
على الرغم من أن روسو لم يتلق تعليماً رسمياً إلا أنه أمضى سنوات عمره في القراءة خصوصاً في الفلسفة و العلوم
السياسية والأدب القديم والحديث.وقد تأثر بأسلافه مثل هوبز و غروتيوس ومونتيسكيو ولوك، وسعى للجمع بين أفكار
المنظرين على طرفي نقيض من الطيف السياسي.
ففي بعض الحالات يتبنى وجهة نظر المحافظين مثل هوبز وغروتيوس، الذين قالوا أن التبعية الموافقة للسيادة
المطلقة أو الملكية هي الوسيلة الوحيدة التي تمكن البشر من الخلاص وفي نفس الوقت شارك روسو اهتمامات
الليبرالين مثل مونتيسكيو ولوك في وجوب المحافظة على حرية الأفراد من تسلط الدولة.
على الرغم من أنه كان يحترم هذه التأثيرات الحديثة المتعارضة إلا أن روسو كان كلاسيكياً مخلصاً.
نرى هذا في اعجابه العميق بسياسة أرسطو والمجتمعات المدنية في العصور القديمة، مع اقراره أن النظام الديموقراطي
الذي كان يطبق في اسبارتا غير ممكن التطبيق في العصر الحديث.
وكان مشروعه الفلسفي هو وصف مرور البشر من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع المدني وفهم الفضائل المختلفة
في كل حالة وإيجاد الطريق الوسط بينهما.
كان السياق الفلسفي الرئيسي لعمل روسو تاريخياً فيما يعرف بعصر التنوير الذي كانت انطلاقته من فرنسا وكان
اساطينه هناك مثل فولتير و دیدرو، و دالمبير الذي كان لكل منهم افكاره الخاصة إلا انهم اتفقوا على أن العقل البشري
والعقلانية والمعرفة يمكن أن تكون العوامل الرئيسية في التقدم البشري.
كما أنهم كانوا معادين للعقيدة الدينية والخرافات والإيمان الأعمي من أي نوع.
وعلى الرغم من أن روسو يعتبر في بعض الأحيان من الشخصيات الرئيسية لعصر التنوير، إلا أن علاقته
معقدة مع كثير من ممثليها وكذا مع طريقة تفكيرهم. ففي بداية حياته المهنية حافظ روسو على الصداقة الفكرية مع فولتير
وساهم ببعض المقالات في موسوعة ديدرو التي كان من المفترض أن تجمع كامل المعرفة البشرية المسجلة حتى وقتها.
ألا أنه فيما بعد أختلف معهما. وخرج عن الأفكار التنويرية فدافع عن الإيمان الديني، وانتقد الفوائد المحتملة لما يرونه
في منطق العقل البشري.
كان لفكر روسو تأثير تاريخي واسع. فكتاباته وضعت الأسس الفكرية للثورة الفرنسية والأمريكية. اعترافاته افتتحت النوع
الحديث من السيرة الذاتية وأثرت كثيراً في النظرية الأدبية وتقنية السرد لأكثر من قرنين من الزمان.
وقد حاول روسو بصفته منظراً أن يصف بدقة الأسس المنطقية التي يقوم عليها المجتمع المدني الحديث.
ونجد صدى أفكاره في كثير من أعمال الفلاسفة الإجتماعيين الأكثر تأثيراً من هيقل إلى ماركس إلى فوكو.
والزبدة أن روسو شخصية مؤثرة في تاريخ الغرب الفكري.

رحّال 23-08-2017 09:51 AM

صور من حياته.
 
حياة روسو لم تخلو من المغامرات والمواقف السعيدة منها والحزينة والتي أثرت بشكل واضح في فكره.
عاش روسو محروما من والدته التي توفيت قبل أن تكتحل عيناه برؤيتها؛ ففقد بذلك حنانا لا يعوض أبداً
فروسو يعتبر مولده أول ماحاق به من نحس وتعاسة؛ يقول في الإعترافات:"
إذ ولدت بعد عشرة أشهر، ضعيفا سقيما وقد كبدت أمي حياتها، وكان مولدي أول ماحاق بي
من نحس وتعاسة ولم يقص عليا أحد قط كيف احتمل أبي هذا المصاب ولكني أعرف أنه لم
يتعز أبدا، وكان يخال أنه يرى زوجته في شخصي دون أن يقوى على أن ينسى"
وقد تأثر روسو بالعديد من الكتب والمؤلفات لمفكرين سبقوه؛ في الزمن والمولد والنشأة
وتعلم روسو للقراءة كما ورد في اعترافاته، فلقد كان يذكر أول مرة قرأ فيها؛
فكان روسو يقرأ بعض من القصص التي خلفتها والدته والتي كان القصد منها في البداية أن
يتعلم القراءة بالاستعانة بالكتب المشوقة، وقد ذكر بأنه بفضل هذا الأسلوب إستطاع أن يكسب حذقا بالحياة العادية
هذا ما جعل لإحساسه أن يتنبأ قبل فكره، فقد أعطته هذه القصص فكرة عن الحياة، بل وأعطته خبرة كان لا بد منها؛
فتجربته هذه كانت ممزوجة بحب المطالعة أكثر من أي شيء
آخر يقول ر وسو
: "ولقد تنبه إحساسي قبل أن يتنبه فكري...وهو شيء يحدث لجميع البشر، ولكني كنت أكثر من سواي
خبرة به وتجربة له، ولست أدري ماذا كنت أفعل قبل أن أبلغ الخامسة أو السادسة ولا أعرف كيف تعلمت القراءة...
كل ما أذكره أول مرة قرأت فيها وما كان لها من تأثير، فقد اتخذتها تاريخا لما درجت عليه من شعور مستمر
بالذات ...وقد كانت أمي قد خلفت بعض قصص غرامية، شرعت في قراءتها مع أبي عقب العشاء، في كل ليلة،
وكان القصد من ذلك في البداية مجرد تدريبي على القراءة، بالاستعانة بالكتب المشوقة، وكان الشغف لم يلبث
أن دب فينا، فكنا نتناوب القراءة دون توقف، وننفق ليالي بأكملها في هذا العمل،
وكنا نعجز عن التحول من الكتاب حتى نفرغ منه، وكان أبي يقول أحيانا في استحياء،
وهو يسمع العصافير تشرع في الشقشقة مع مطلع النهار هيا بنا إلى الفراش ....كأنني أنا الطفل ولست أنت، وبفضل
هذا الأسلوب الخطر استطعت أن أكتسب حذقا بالغا للقراءة والفهم"
" ليس هذا فحسب بل إنني حرزت أيضا دراية بالعواطف المشبوبة، كانت نادرة بالنسبة لطفل في سني فباتت جميع مشاعر
الحياة مألوفة لدي، ولم أكن أدرك كنهها كنت أحس بكل شيء دون أن أفقه كنه أحاسيسي...
لكنها أوحت لي بأفكار خيالية غريبة عن الحياة الإنسانية، لم تقوى التجربة وقوة التفكير على أن تبرئني تماما
منها طيلة حياتي"
"وفرغنا من الروايات في صيف 1719فإذا الشتاء التالي يوافينا بمادة تختلف عنها، إذ أننا لم نكد نستنفذ مكتبة أمي
حتى تحولنا إلى نصيبها الذي آل إلينامن مكتبة أبيها، وكانت بها بعض الكتب الدسمة، لحسن الحظ...
فقد كانت جزءا من مكتبة جمعها قس، كان في الوقت ذاته عالما، كما كان رجلا ذا ذوق وذكاء وكان من
هذه الكتب (تاريخ الإمبراطورية والكنيسة)"للسيور" و(رسالة في تاريخ العالم)"لبوسيه"و(حياة مشاهير الرجال) ل "بلوتراك"
و(تاريخ البندقية)لـ"نافي" و(التطورات) و(الأصول) ل"أوفيد" و(العوالم) و(حوار الموتى)لـ "فونتيل" وبعض مؤلفات
"موليير".

رحّال 23-08-2017 09:54 AM

من أفكار العصر الذي عاش فيه.
 
كان السائد في الغرب هو مذهب الخطيئة المتأصلة والتأكيد على الشر المتأصل في الطبيعة البشرية، حتى ظهرت الحركة الطبيعية التي تقول بأن الطبيعة البشرية تتضمن صفات الخير فيها وكانت هذه الحركة ركيزة لأراء مفكرين في العصور التالية منهم جان جاك روسو.
الفلسفة الطبيعية بكل بساطة هي الإعتماد على عناصر الطبيعة في تفسير التغيير الحاصل في الظواهر الطبيعية، وتفسير التنوع الحاصل في العالم الطبيعي والاجتماعي والاخلاقي، وأن الطبيعة هي الحقيقة الوحيدة في هذا الكون وأن الحياة الإنسانية جزء منها، وتستبعد كل ما يتجاوز العقل والخبرة، وهي امتداد لحركة التنوير.
ويعتبر جان جاك روسو رائد هذه الحركة فهو أول من وضع الأسس والمباديء لهذا الإتجاه.
الإعلاء من شأن الطبيعة البشرية والحط من شأن المدنية القائمة وقتها /والدعوة إلى تنظيم المجتمع وإعادة بناء
الدين بما يتفق والطبيعة البشرية والإيمان بالعواطف والمشاعر الإنسانية والإيمان بالطبيعة الخيرة للإنسان، وبوجوب تربية الطفل بما يتفق مع طبيعته وميوله وحاجاته.

رحّال 23-08-2017 09:58 AM

من أفكار روسو.
 
من أهم أفكار روسو أن الإنسان صالح مادام في احضان الطبيعة،/ فإذا انتقل الى المدينة مسته يد الشرور والآثام.
والسبب هو ظهور الملكية الخاصة التي تصنع التفاوت الإجتماعي بين البشر ويظهر التمايز الطبقي، ويحرص الأغنياء على اكتناز الثروة وتقل بالتالي فرص الفقراء في الحصول على نصيبهم العادل من الثروة.
وعندها تظهر مشاعر الحقد والكراهية والحسد.
ولكي يحافظ الأغنياء على حقوقهم تصدر القوانين المنظمة للملكية والتي تدعم أوضاعهم داخل المجتمع، فيزداد النفاق وتختفي الصداقة المخلصة وتضعف الثقة المتبادلة وتسود ظواهر لم يعرفها المجتمع في الحالة الطبيعية.
هو يرى بأن مصادر التربية هي الطبيعة، والإنسان، والأشياء، وأنه إذ لم تتلاءم التربية الصادرة عن هذه المصادر الثلاثة ساءت تربية الفرد.
يقول في هذا الصدد:" التربية تأتينا إما من الطبيعة، أو من الإنسان، أو من الأشياء، فنمو وظائفنا وجوارحنا الداخلي ذلكم هو تربية الطبيعة، وما نتعلمه من الإفادة من ذلك النمو ذالكم هو تربية الناس. وما نكتسبه من خبرتنا عن الأشياء التي نتأثر بها، فذالكم هو تربية الأشياء".
وفي رأيه أن الطبيعة تتطلب أن يكون الأطفال أطفالاً قبل أن يكونوا رجالا ولا يجوز أن نفرض عليهم حياة الراشدين وأفكارهم ومقاييسهم في السلوك، لأن الطفل ليس رجلاً صغيراً لكنه كائنا في طريق النمو.
و رأى ضرورة العناية بنشاط الطفل وإتاحة الفرصة أمامه ليتحرك بحرية، ليلعب ويتمتع بحياة الطفولة والتقليل من الأوامر والنواهي التي يصدرها الكبار له لأن التضييق على الطفل قد يؤدي إلى ضرر بالغ وأن التربية الأولى الذي تقدم للطفل يجب أن يكون قوامها المحافظة على القلب من الرذيلة، وعلى العقل من الزلل، وليس على تلقين مبادئ الفضيلة والحق".

رحّال 23-08-2017 10:02 AM

عن الكتاب.
 
كتب روسو كتاب إميل أو تربية الطفل من المهد إلى الرشدوهو في الخمسين من عمره ، وهذا يعني أنه تصور طفولته ومراهقته وشبابه من خلال التجربة التي تطمس أوهام تربيته المضطربة التي كانت تخلو من كل نظام ولم يبق إلا المثل التي يؤمن بها.ولعل الجملةالتي كان يكررها"دعونا نحول حواسنا إلى أفكار" ترسم التصور.
وفي هذا الكتاب أوضح روسو آراءه التربوية عن المجتمع والتربية،
لقد ألف روسو كتاب أميل أبان إنجازه العقد الاجتماعي ونشره بعد عدة أشهر من نشر العقد الإجتماعي، وقد قال أنه كلفه عشرين سنة من التفكير وثلاث سنوات من العمل؛ وعند ظهور الكتاب لم يقابل في البداية بذلك التهليل الذي صاحب كتابات روسو دائما، صحيح انه قوبل بإعجاب هائل في الجلسات الخاصة ، لكنه لم يثر إعجاباً عاماً ، رغم ما أكده له أصحاب الرأي وقادة الفكر من أنه أحسن ما كتب على الإطلاق.
هو يقرر أن أي محاولة إصلاح تبدأ من النشء أي من الأطفال باعتبارهم نواة المجتمع الأولى؛ لأن غرس المبادئ والأخلاق في نفوس النشء هي الركيزة التي تكون المجتمع الصالح.
وقد حرص روسو أن يوضح لنا كيف أن الأفكار الواردة في "أميل" مكملة لمبادئه.
وهو كتاب يجمع بين فن المقالة و الرواية ، يتحدث فيه عن رجل افتراضي أسمه إيميل.
وفيه يتتبع روسو تطور هذا الرجل والتعليم الذي يتلقاه. التعليم الذي يهدف إلى خلق الفضائل التي يرى فيها روسوالمثالية في الرجل الطبيعي، والذي لم يتعرض للتشويه بواسطة المجتمع الحديث.
ووفقاً لروسو فإنه لا يمكن أن نرعى ونحافظ على الصلاح والطيبة إلا وفقاً لهذا النموذج التعليمي.
ويذكر أن هدفه من هذا الكتاب هو رسم الخطوط العريضة لهذا النموذج، وهو النموذج الذي يختلف كلياً عن النماذج المستخدمة وقتها.
النموذج الذي يقترحه روسو هنا هو تفاصيل تربوية محددة لكل مرحلة من مراحل الحياة.
منهج تربوي يتوافق مع الصفات والميزات الخاصة بكل مرحلة من مراحل التطور البشري.
ولذا قام بتقسيم الكتاب إلى خمسة أقسام أو كتب كما أسماها وكل كتاب يتكلم عن مرحلة.
في الكتاب الأول يتحدث إلينا عن تربية الطفل إلى سن الخامسة، وفي الثاني من الخامسة إلى الثانية عشر، وفي الثالث من الثانية عشر إلى الخامسة عشر، وفي الرابع من الخامسة عشر إلى العشرين، و الكتاب الخامس يتكلم فيه عن تربية المرأة والتى أسماها "صوفي".

رحّال 24-08-2017 09:58 PM

الكتاب الأول.
 
الكتاب الأول: يبدأ بعبارة يخرج كل شيء من يد الخالق صالحا، وكل شيء في أيدي البشر يلحقه الإضمحلال.
بالنسبة له، فإن أفضل طريقة لكي يبدأ الطفل في التطور بطريقة صحية هو العيش في "حالة طبيعية" بعيدا عن التأثيرات الفاسدة للمجتمع،
يقول في أحد أهم اقتباسات الكتاب "إن الطبيعة تريد أن يكون الأطفال أطفالاً قبل أن يكونوا رجالاً، فإن كنا نريد أن نقلب هذا الوضع فسوف ننتج ثماراً قبل أوانها، ليس فيها نضوج ولا نكهة، ولا تلبث هذه الثمار الفجة أن يدب إليها الفساد، وللطفولة أساليبها في النظر والتفكير والإحساس"
هذا البيان مثير للإهتمام لأنه يرى الأطفال كشيء طبيعي تماماً وغير فاسد مثل الفواكه التي لا يمكن أن تنمو وتزدهر في المدينة محرومة من الهواء
النقي، في اكتظاظ وزحام لا يسمح لجذورها بالإنتشار.
ومهمة التربية عند روسو أن تمنعه من الاحتكاك بالمجتمع لئلا يدمر هذه الحياة الصالحة ويحولها إلى فساد،
فيحدثنا عن الطفولة الأولى حتى سن الخامسة،وأهمية العناية بالجسم وضرورة اهتمام الأم بنفسها،
وأهمية منح الطفل الحرية منذ ولادته دون تكبيله بأي نوع من القيود التي تحول دون حريته،
ويرى بأن هذه المرحلة-مرحلة الطفولة-هي أخطر مراحل التربية، وهي بكل ما فيها موكلة إلى النساء،
فالإنسان يولد ضعيفاً في حاجة إلى قوة، ومجرد من كل شيء في حاجة إلى عون،
وهو يرى بأن الناس في الحالة الطبيعية سواسية، وأن الأم مهمة في حياة الطفل فإذا لم تكن هناك أم فليس هناك طفل،
ويحرص على عدم تربية الطفل على يد الغرباء ورأى أنه من الأفضل أن تكون الأم الحقيقية هي المرضعة والمربية،
ويكون المؤدب والموجه هو الأب الحقيقي ليحصل الانسجام والتفاهم بين المرضعة والمؤدب؛
وهذا ما يجعل عملية الانتقال من يد المرضعة إلى يد المؤدب سهلة لا تكلف الطفل عناء الانتقال من مرحلة إلى أخرى.
كما تحدث روسو عن صفات المربي الفاضل، ورأى أنه لابد للمربي أن تكون له خبرة سابقة في التربية مرة واحدة على الأقل،
إضافة إلى ذلك أنه رأى بأن تعليم العاديين-أي التلاميذ متوسطي الذكاء هو الذي يصلح مثلا يحتذى في التعليم،
ثم يتحدث عن تأثير الطبيعة والإقليم في التربية و يقارن بين سكان الشمال والجنوب والغرق بينهم،
إضافة إلى المستوى الاجتماعي ومراعاة هذا الجانب في التربية؛ فإعداد الطفل الفقير ليس كإعداد الطفل الغني،
ومهما يكن فالتربية الطبيعية ينبغي أن تعد الرجل كي يكون لائقا للحياة في جميع الظروف البشرية.
وهنا يؤكد أيضا على التربية النفسية التي يدعوها المتدرجة،
ويمكن أن نلخص أفكار هذه المرحلة في هذه النقاط الأربع :-
السماح للطفل بتوظيف جميع ملكاته وقدراته، وخاصة الحركة
توفير الرغبات المادية
مساعدته في الاحتياجات الحقيقية لا الاحتياجات الوهمية
التعلم من خطاب الطفل وتوقع احتياجاته الحقيقة.
هذه كانت أهم الأفكار التي وردت في كتاب إميل في المرحلة الأولى أو الكتاب الأول ونلاحظ أنه ركز على دور
الطبيعة في التربية بكل أشكالها.

رحّال 24-08-2017 10:01 PM

الكتاب الثاني.
 
أما عن الكتاب الثاني: فهو معنون بتربية الطفل الأخلاقية، ويشرح لنا فيه روسو حياة إميل من السنة الخامسة إلى الثانية عشر من عمره؛
حيث يرى روسو أن الطفل في هذه المرحلة يصبح جاهزا للتعليم و التعلم،
وأغلب هذا الكتاب يدور حول ثلاثة أفكار رئيسية هي :- اكتشاف الطفولة، التعليم السلبي، وتعليم الحواس.
ويؤكد روسو هنا على أنه يجب أن لا نعلم الطفل تعليما نظاميا، بل يترك ليتعلم بالتجربة والنشاط الحي في الطبيعة، أو بالتجارب الحسيّة المباشرة.
وعلى أنه ينبغي ألا يتعاطى الطفل سوى الأشياء التي تناسب عمره و تفكيره واهتمامه بشكل مباشر،
وهنا يمكننا القول أن التربية في هذه المرحلة تركز على تربية الجسد والحواس،
فالعقل يجب أن يتعلم الطاعة على أنها واجب طبيعي، ويجب أن نبعد الطفل من الشر ويشير هنا إلى انتهاء
مرحلة الطفولة
وهنا هو يركز على هذه الأفكار :-
· دعه يعتمد على الأشياء لا على الأشخاص
· دعه يتعلم بالطريقة الصعبة - من خلال التجربة
· قدم له المساعدة فقط عند الحاجة
· عدم تحميله ما لا يطيق.
· أفضل قيمة هي منحه الحرية الكاملة ولكن تحت المراقبة.
· لا دروس لفظية، و لا عقوبات.
وصيغ التعليم التي يجب أن تبدأ في هذه المرحلة هي:
التعليم الأخلاقي: الشيء الرئيسي الذي يجب تدريسه هو "عدم الحاق الضرر بأي شخص"
التعليم الفكري: تدريب الحواس أولا، ثم الأفكار ثم يأتي الحكم. يجب تعلم لغة واحدة في كل مرة.
و يجب أن يشعر الطفل بأهمية التعلم.
كما يجب أن يتعلم الانضباط: من الطبيعة لا من الأشياء.
ويجب أيضا أن يكون قادراً على استخلاص المفاهيم الأساسية التالية:
فكرة الملكية: ما هو لنا
فكرة العقد: احترم لتُحترم.
فكرة العدالة: ما يدين به الآخرون لنا
قول الحقيقة.
الصلاة: الشخصية وليس مجرد طقوس
الخيرية: تدرس كموقف وقيمة
الأخلاق: المستفادة من البالغين من خلال مشاهدتها

رحّال 24-08-2017 10:04 PM

الكتاب الثالث.
 
الكتاب الثالث: تحت عنوان الغلام من الثانية عشرة إلى الخامسة عشرة، وهوعن التربية الذهنية و بداية التعليم الإيجابي
عنده، حيث يرى أنه ينبغي أن نعوده على ملاحظة ما يدور حوله،
وأن نعلمه من كتاب واحد هو كتاب العالم المحيط به فيتعلم الجغرافيا بمشاهدته المباشرة للطبيعة إضافة إلى تشجيعه وتعليمه الاعتماد على نفسه في التعليم،وهنا تبدأ مرحلة التفكير والتعقل ، كما يجب أن نمنعه من مقارنة نفسه بسواه من الأطفال؛ لأنه لن يجني من ذلك إلا الحسد والغرور، فليكن هو معيار نفسه، إضافة إلى كل هذا لا بد أن يدرس العلاقات الاجتماعية ويقدر الفنون المختلفة على أساس منفعتها الحقيقية.
ونلخص أفكار هذا الفصل بالتالي :-
الجغرافيا: يجب تعريفه بطريقة معرفة الإتجاهات حول المنطقة باستخدام الأدوات الخاصة. هنا الدقة ليست مهمة بقدر اكتساب الثقة بالنفس.
التعليم: يجب أن يتم ذلك باستخدام أساليب عملية في المختبرات وورش العمل وليس من الكتب.
العلاقات الاجتماعية: يجب أن يدرس أهمية الرفقة.
العمل اليدوي: هذا سيعده لأي طارئ قد ينشأ.
الأساليب التي تنطوي عليها هذه المرحلة هي:
التعليم الابتدائي: يجب أن يكون ذلك سلبيا بحتا. لا تعلمه الفضيلة ولكن أزرع في قلبه كره الرذيلة وفي عقله رفض الضلال.
التعليم الأخلاقي الإيجابي: لا يمكن تحقيق ذلك إلا بإعطاء مثال على حسن السلوك . يتعلم الطفل الأخلاق من خلال مراقبتة للبالغين.

رحّال 24-08-2017 10:06 PM

الكتاب الرابع.
 
أما الكتاب الرابع: فهو تحت عنوان المراهقة والتعليم الديني، وهو من أجمل فصول الكتاب في نظري يتضمن التربية الخلقية والدينية، حيث يؤكد روسو أن أول شعور يحس به الطفل هو أن يحب نفسه، أما الشعور الثاني فهو محبة الآخرين، ويرى أن المبدأ الأساسي في الأخلاق أن قواعد السلوك لا تأتي نتيجة لدروس فلسفية عالية، بل هي مكتوبة في أعماق كل إنسان بشكل طبيعي وبأحرف لا تمحى ويرى أن الصوت الداخلي(الضمير) هو المبدأ الأساسي للعدالة والفضيلة، والفضل يعود إليه بتأمين سعادتنا أوشقائنا، بسماع صوته وعدم سماعه تتقرر حالتنا على الأرض ومن ثم الحياة الأبدية، فقد وهبنا الله الضمير كي نحب الخير، والعقل كي نتعرف إليه، والحرية كي نختار طريقة؛ وفي الثامنة عشر من عمره يتعلم مبادئ الدين الأولى فلا نفرض عليه أي مذهب أو ديانة ونترك له الخيار.
ومن الأفكار في هذا الكتاب أنه لا يتوجب منع التعبير عن العواطف
وأن نركز على التوازن في حب الذات والذي يجب أن لا يزيد أو يقل عن حده.
· الصداقة للجميع ويجب أن تأتي في المقام قبل حب الذات.
· العدالة الفطرية: وهذه لا تقوم على العقل ولكن على حب الآخرالمستمد من الحب الذاتي.
دراسة حياة العظماء والتي تبين لنا دور النوايا الحسنة وكذلك النوايا الشريرة. كما يجب أن يعلم أن الحروب هي من صنع الإنسان وليست من صنع الطبيعة.
· كما أن الأخلاق تستند على الحب الذاتي ووفقا لروسو "الفضيلة" هي الحب الذاتي الذي يمتد للآخرين.
· الدين: يجب أن يتم تدريسه مرة أخرى من الطبيعة وليس من الكتب.
· التربية الجنسية: يأتي هذا بعد التعليم الديني، ويجب أن يعطى من قبل شخص يثق الشاب به،و يجب الإجابة على الأسئلة في هذا الشأن بكل وضوح.
والكتاب الرابع هو الكتاب الذي من أجله منعت السلطات الفرنسية الكتاب وأحرقته علانية وخصوصاً حديثه في العناوين الفرعية "التربية الدينية"
و"اعترافات كاهن سافوا" الذي جادل فيهما روسو ضد وجهات النظر التقليدية للدين .
وللفائدة أعترافات كاهن سافوا أو (عقيدة قس من جبال السافوا) هو عنوان الكتاب الرئيسي الذي أختار الدكتور العروي له أسم (دين الفطرة).

رحّال 24-08-2017 10:09 PM

الكتاب الخامس.
 
الكتاب الخامس يتحدث عن تربية المرأة التي أسماها (صوفي)
يقول في تربيتها :- ينبغي أنت تكون صوفي امرأة على نحو ما ينبغي أن يكون أميل رجلاً، أي تكون حائزة لكل ما يتفق وتكوين نوعها وجنسها بحيث تصلح لملء مكانها جسديا وخلقياً.
هو يرى أن المرأة مجعولة كي تروق الرجل وتخضع له، لذا يجب أن تسعى للفوز برضاه بدلاً من أن تتحداه.
فعنفوانها الخاص بها قائم على مفاتنها، وبتلك المفاتن يجب أن ترغمه على شحذ قوته واستخدامها.
ويقول أن الكائن الأعظم أعطى الرجل ميولاً لاحد لها وفي نفس الوقت أعطاه العقل الذي به ينظم هذه الميول.
واعطى المرأة رغبات غير محدودة ولكنه شفعها بالحياء، وهذا من باب تكريم النوع البشري.
و يقرر أن الجنس الأقوى هو السيد في الظاهر، أما في الواقع فهو معتمد وتابع للجنس الأضعف.
ويفصل في هذا الأمر بكلام لطيف.
كما أنه يؤكد على أن المرأة تناط بها مهمة ربط الأسرة برباط واحد.
كما يؤكد على أن الرجل الخائن هو رجل غاشم متوحش،
أما المرأة الخائنة فهي تحطم الأسرة وتقطع جميع روابط الطبيعة وهي هنا تشفع الخيانة بالخديعة.
ويفرق بين تربية الرجل وتربية المرأة لأن التكوين والخلق والمزاج ليس واحداً، لذا لاينبغي أن تكون التربية واحدة.
صحيح أن الغاية من أعمال الرجل والمرأة مشتركة، ولكن الأعمال نفسها متباينة.
وفي أحد التجليات يقول (كلما أشبهت الفتاة الرجل قل سلطانها عليه، وعندئذ يغدو الرجال هم السادة عليهن بحق، لا في الظاهر فحسب).
ويكرر هنا ما ذكره في الكتاب الأول من أن عناية النساء هي الأساس الذي تقوم عليه التربية الأولى للرجال.
ويضيف أنه على النساء كذلك تتوقف أخلاق الرجال وعواطفهم وأذواقهم وطباعهم ومسراتهم ولذاتهم وسعادتهم.
ويؤكد على أن التهذيب للجسم هو الأولى والأول وهو ترتيب مشترك بين الجنسين، إلا أن الموضوع يختلف فالرجل الغرض منه زيادة القوة، وللمرأة زيادة الرونق.
ولكن هذا لا يعني أن تخلو تربية الرجل من الرونق وتربية المرأة من القوة، فكلاهما محتاج لبعضها.
كما أنه يركز على أنه متى تزوجت الفتاة فلابد أن تكف عن الظهور في المحافل العامة وتغلق عليها باب دارها، وتقصر جهودها على تدبير بيتها ورعاية أسرتها.
أيضاً هو يطالب بتعويد الفتيات على الكف عن اللهو وهن في ذروة النشوة به وتكليفهن بمهمة مختلفة تماماً من غير تردد ومن غير تذمر.
ثم يتحدث عن فوائد الرقة بالنسبة للنساء، ومساويء حدة الطبع والعناد.
ويبرز خصلة الدهاء في المرأة بقصة لطيفة، وأنها بهذه المهارة تتمكن من حفظ مركزها نداً له، بل وتحكمه من حيث تطيعه.
وأنه لولا حسن حيلتها وكياستها لتبدد شمل الأسرة.
ثم يتكلم عن الزينة فيقول ( إن المرأة ذات الذوق الأصيل تعرف كيف تختار زينة جيدة تناسبها وتثبت عليها.
أما من لا ذوق لها فلا تعرف ماذا تختار لنفسها، فلا تثبت عند زي ولا زينة، وتختار كل يوم جديدا).
ثم يستمر ويفصل في اساسيات تعليم المرأة والفروق بينها وبين الرجل وما يراه البعض نقصاً في المرأة بينما هو في الواقع ميزة.
ثم في التعليم الديني للفتاة، والتوفيق بين قانون الإحساس الداخلي وقانون العرف العام.
ووجوب معرفتها أحوال الدنيا لأن هذا أحفظ لها من شرور الرجال والاعيب الغواية.
ومن الإقتباسات الرائعة هي قوله ( كل فتاة لم تذق السعادة في حجر أمها وفي رحاب بيت أبيها هيهات أن تسعد أطفالها)
ثم يتكلم عن الفرق بين الفتاة التي ربيت على التقوى الحقيقية والفتاة التي تربت على المواعظ اللفظية.
كما أنه يتوجب أن نبين لها أن الجمال الجسدي وحده لا يكفي لكسب قلب الرجل واحترامه وإن كان كافياً لتحريك شهوته واثارة نزواته,
وأن الرجل لن يقدّر إلا الفتاة الطاهرة العفيفة.

رحّال 24-08-2017 10:11 PM

صوفي.
 
بعد هذا يبدأ في الحديث عن صوفي وأنها إمرأة كسائر النساء، وأنها تستطيع حتى الإستفادة من عيوبها.
ويتحدث عن أواصفها و عن ملابسها، وأتقانها الفنون النسويّة وخصوصاً فنون الإبرة وبالذات حياكة المخرمات أو (الدانتيل) وكذا اتقانها لفنون التدبيرالمنزلي، وإن كان يصفها بأنها موسوسة بالنسبة للنظافة، فكل شيء يهون إلا أن تلحقها أو تلحق ملابسها قذارة ما.
وأن السبب في هذا هي أمها التي زرعت فيها هذا الإحساس كونها كانت تركز على أهمية النظافة والإبتعاد عن كل ما يوسخ الثياب.
ويواصل في وصف أخلاقها و عاداتها، وحبها للفضيلة لأنها الطريق الوحيد للسعادة الحقيقة، ولأن المرأة الفاضلة صنو الملائكة.
وقال أن من كمال تربية صوفي أنها تعرف نفسية الرجال وعيوبهم كما تعرف أيضاً زذائل النساء، والزوجة يجب أن تعرف مقدماً أن الزوج مخلوق ناقص لتوطن نفسها على معاشرته وسياسته.
وأنها تعرف مثلاً أن النساء يكثرن من الغيبة والنميمة ولكنها لا تتحدث في غيبة أحد إلا بكل طيب، ولا سيما في حق النساء. ذلك أن النساء لا يظلمن
إلا عندما يتحدثن عن بنات جنسهن، أما رأيهن في الرجال فنزيه لتجرده من الغرض. ( عاد هاذي ما أدري عنها).
ثم يتحدث عن تهذيبها وأن هذا التهذيب هو تهذيب عميق لا تهذيب الأساليب الخارجية في السلوك فقط.
وعن أحترامها لمن هم أكبر منها سناً، أما مع أترابها فلكل مقام مقال عندها. وهي ترحب بالثناء ما دامت دوافعه سليمة تطمئن إليها أما المدح الذي يستخدم فخاً للفتيات فلا تستريح له.
مع أنها ترغب في الحب إلا أنها لم تجد الشخص الذي يستحق احترامها وكما باحت لأمها ( رغبة بلا احترام لا يمكن أن تتقبلها الحياة).
وتقع في حب خيالي لبطل رواية (تليماك)، ومع أنها تعلم أنه صورة خيالية إلا أنها تبحث عن شخص يشبهه، وتتساءل لماذا يمتنع وجود هذا الشبيه.
وتقرر أن مثل هذا الشخص موجود وأنه ربما كان يبحث عنها، يبحث عن نفس تعرف كيف تحبه، ولكن من هو ، وأين هو؟
ثم ينتقل إلى القول أن الرجل لا يليق به أن يتزوج من طبقة أعلى منه، بل يحسن به أن يختار من هم دونه قليلاً أو على شاكلته.
كما يؤكد على مراعاة الكفاءة من حيث الثقافة والعقلية. فالجاهلة السقيمة الفكر لا تصلح كمربية لأطفالها ولا كشريكة لزوج ذي عقل وفطنة.
وإن كان لا يحبذ أن تكون المرأة من ذوات النبوغ، لأن النبوغ سيخلق لها مجداً شخصياً، ولهذا ينادي أن تبقي صاحبات النبوغ عوانساً.
ثم ينتقل إلى الشكل ويقرر أن الشكل هو أول ما يلفت انتباه الرجل ولكن على العاقل الذي ينشد زواجاً باقياً أن يهرب من المرأة بارعة الجمال.
وخير ما يوصي به هو الشكل المقبول الذي لا يثير الرغبة بل الطمأنينة.
وهذه هي صوفي التي لا تسحر الناظر للوهلة الأولى ولكن سحرها يزداد يوماً بعد يوم بالمعاشرة، فهو سحر يعمل تدريجياً ولا ينبلج إلا بالمعاشرة والمخالطة.
ولذا سيشعر به الزوج أكثر مما يشعر به سائر الناس.

رحّال 26-08-2017 03:02 AM

البحث عن زوجة.
 
في هذا الفصل تبدأ رحلة البحث عن زوجة لأميل، ويفتتح الكلام بالحديث عن السفر والفرق في الوسيلة والغاية.
وأنه حتى تستمتع بالسفر فيتوجب أن يكون السير على الهوى، تسرع تارة وتتمهل تارة.
فالغاية ليست سبب المتعة لوحدها بل الرحلة كذلك، والفرق بين الترحال في الهواء الطلق والسفر في عربة كالقفص.
وأن السفر على صهوة الجياد لا يضاهيه إلا السفر على الأقدام، ففي وسعك أن ترحل متى تشاء وأن تقف عندما تريد.
ولعل هذا يماثل في زمننا هذا السفر بالطيارة والسفر بالسيارة.
ثم يستشهد على فوائد مثل هذا السفر بطاليس وأفلاطون وفيثاغورس.
و يسافر هو وأميل على هذا النحو حتى أنسدت بهم المسالك فقابلوا فلاحاً أخذهم إلى كوخه وأكلوا ما تيسر إلا أنهم لم يصلوا للإكتفاء فقال لهم الفلاح لو أن الله هداكما إلى السفح الآخر من التل لوجدتم أستقبالاً خيراً من استقبالي وأخذ الفلاح يمتدح أهل تلك الدار.
ووصف لهم الفلاح الدار ومن خلال الغابة وصلوا للبيت عند المساء مبللي الملابس بعد أن صادفتهم غيمة ممطرة.
فقابلهم صاحب البيت الذي تبدو عليه مهابة عز سالف، فأدخلهم وأخذهم إلى جناح صغير، ولكنه نظيف و وثير وأشعل النار، وكانت الفرش ناصعة البياض
تفوح منها رائحة عطر طيب.
وبعد أن جفت ملابسهم التحقوا برب المنزل في غرفة الجلوس، الذي قدمهم إلى زوجته التي استقبلتهم بكل أدب ولطف وطيبة، وكانت نظراتها الفاحصة موجهة إلى أميل.
وعلى شأن الضيوف قدمت العائلة موعد العشاء ودخلوا غرفة الطعام فوجدوا على الطاولة خمسة أطباق. وبعد أن جلسوا دخلت شابة وأنحنت بأدب
وجلست بحياء من غير أن تتكلم.
ثم بدأ الحديث عن ضياعهم في الغابة فقال صاحب الدار " يبدو لي ياسيدي أنك شاب ظريف وعاقل، وهذا يدعوني إلى الإعتقاد أنكم وصلتم هنا مكدودين،كأبطال قصة تليماك.
أميل لم يكن قد قرأ هذه القصة وإن كان قرأ الأوديسة، ولكن الفتاة تضرجت بالحمرة خجلاً، فنظرت الأم إلى الأب الذي غير الموضوع.
وصار الزوج يمتدح زوجته ووقفتها معه في الضراء التي لحقت به، والبنت تقز أميل من تحت لتحت.
وبعد أن نطقت الأم أسم ابنتها صوفي وقع هذا الأسم موقع الموسيقى في أذن أميل فهذا هو الأسم الذي أطلقه على فتاة أحلامه.
وبعدها صار هو أيضاً يقز ولكنه لم ير الملامح التي رسمها لفتاة أحلامه، وصار يدرس كل لمحة وكل حركة وكا ايماءة منها. وتمنى لو نطقت ولو بكلمة واحدة ليسمع صوتها.
وحست البنت أنه مشغول بها، والأم أيضاً لاحظت هذا وإن كانت مرتاحة للوضع بمجمله.
المهم تكلمت البنت أو كما في الكتاب "وتحدثت الفتاة بعذوبة صوتها الطبيعية وفي حياء زاد من تأثير صوتها. ومن أول مقطع أيقن أن هذه هي فتاته
بعينها".
فوجم لا يتكلم، ولا يجيب على الأسئلة. لأنه لا يرى شيئاً سوى صوفي. ولا يسمع أحداً سوى صوفي. فإن قالت كلمة فغر فاه. وإن غضت بصرها غض بصرة. وإن تنهدت تنهد. فكأنما تحولت نفسه في لحظة واحدة وارتبطت بروحها.
نامو هاك الليلة وفي الصباح استيقظ أميل وأعتنى بلبسه وزينته على غير العادة، وتوقع المربي أن يرى صوفي متأنقة ولكن للعجب وجدها في ثوب أبسط من ثوب الأمس وقد أهملت زينتها بعض الشيء ولكن في مستوى من النظافة لا يبارى.
وعرف أنها تهدف إلى غاية بعيدة فهي لا تريد أن تسحر بزينتها وزخرفها بل بشخصها.
المهم ودعوهم بعد أن طلبوا الأذن بزيارتهم مرة ثانية فوافقت العائلة، وبس طلعوا إلا أميل يقول للمربي وش رأيك نستأجر بيت قريب منهم .
قال له المربي خبل أنت، وش بيقولون واحد بات عندهم وطلع واستأجر بيت قريب منهم خلك عاقل ولا تجيب الكلام عليك وعليها وخل نستأجر بيت بعيد شوي.
طبعاً رد أميل رد كل عاشق " مالي ومال الناس"، فقال له المربي فكر فيها لا تفكر بنفسك فسمعة الفتاة سريعة الخدش وليست كسمعة الفتى.
استأجروا منزلاً بعيد قريب، وكانت الزيارة الثانية وتكررت الزيارات وتوالت المحادثات الأنفرادية بين الشابين وتمكن الحب من قلب أميل.
المشكلة إنها ما قالت شيء ولا بينت شيء، وأخيراً قال لها أنه ينوي طلب يدها للزواج من والديها فلم تعارض.
وكلم المربي والمربي بدوره كلم الأبوين فكان الرد أن صوفي تملك زمام نفسها والأمر بيدها.
الأمر يعود عندها إلى أن تقييمها له لن يكون نزيه كون هناك فارق بينهما فهي فقيرة وهو غني، المشكلة أن أميل عندما ظن أنه لم يكسب حبها أصبح يعمل على كسب عطفها بإثارة شفقتها.
وقفلت معه ولا عاد يدري وش يسوي، وكانت هي عندما تلاحظ هذا عليه تعطيه نظرة وتسبيلة فيغدو أسلس قياداً مما كان قبل.
ولما نفذ صبره تكلم مع معلمه، فتكلم المعلم مع صوفي فأخبرته ولكن طلبت منه أن لا يخبر أميل إلا أنه أقنعها بوجوب إخباره.
علّم أميل بالسر فأستغرب أميل لأنه لم يتصرف يوماً ما على أنه غني. ولم يستطع أن يفهم كيف يؤثر المال في قيمة الشخص أو خلقه.
فلما أطلعه المعلم على نظرة الناس وأنهم يزنون الشخص بماله، وأن هذا هو العرف السائد، قرر أميل أن يتخلى عن المال.
فقال له المعلم يا ولدي أركد، فما يدريك أن فعلك هذا سيزيد الهوة بينكما.
كما أنها لاتخشى الثراء وإنما أثر الثراء على نفس صاحبه. وأخبره أن يطلعها على كنوز قلبه.
فصار أميل يعلمها الغناء، وصلح البيانو القديم اللي عندهم ودوزنه، وصار يعلمها الرسم، وتطور الأمر حتى وصل إلى القبلة الأولى ولكن أمام أمها.
ومشت الأمور كما يرغبان على الرغم من بعض المنغصات هنا وهناك إلا أنها كانت تمر سريعا.

رحّال 26-08-2017 03:05 AM

المنديل.
 
كان المعلم وأميل يزورون العائلة على صهوات الجياد ولكن بعد أن عرف أميل أن صوفي تخاف منها أصبحوا يزورونهم على الأقدام.
وفي أول رحلة لهم على الأقدام تقابلوا في الطريق حيث كانت صوفي وأمها يمشون تريضاً وعندما شاهدت صوفي قطرات العرق تتصبب من أميل
سحبت منديلها وقدمته له حتى يمسح العرق، وهنا طار أميل نشوةً وحلق سعادة.
رمزية منديل الحبيبة رمزية كبيرة قد لا يعرفها أبناء هذا الجيل، وهي رمزية مشتركة في جميع الثقافات ومنها ثقافتنا العربية.
فعندما تعطي فتاة منديلها لشاب فهذا يعني وكأنما هي تعطي جزءاً منها، ومنديل الحبيبة ليس قطعة من قماش ، إنما قطعة من القلب ..
وأحياناً لا يسلّي العشاق شيء في هذا العالم إلا هذا المنديل !. ويخفي منديل الحبيبة ، خافيات النفس وخفاياها.
والشعر والأغاني والقصص تمتليء بحكايا المناديل.
فقد غنت فيروز يا مرسال المراسيل خذ لي بدربك ها المنديل، وعبدالعزيز محمود منديل الحلو يا منديله، على دقة قلبي بغني له، والعندليب في ميل وحدف منديله، كاتب على طرفه أجي له.
طبعاً هذا كان قبل زمن الكلينكس، والسكايب، والواتس، والسناب.
وربما أفرد حديثاً عن المنديل ورمزيته في الحب في القادم إن شاء الله.
وكان الفصل فصل الصيف وكان النهار قصيراً ومشوار العودة طويلاً مما يجعل أوقات الزيارة قصيرة لذا أقترحت الأم أن يستأجرا غرفة قريبة يقضوا فيها الليل في أيام الزيارة.
هذا الإقتراح وجد قبولاً ووافق هوى في قلب أميل فصفق طرباً وعانقتها صوفي بلا تفكير.
شوي شوي توثقت العلاقة وزادت الألفة وكان المعلم يترك أميل يذهب وحده أحياناً، وحيث أن صوفي لم تسمح له بالزيارة إلا مرتين في الأسبوع فقد كان
أميل يقضي بقية الأيام في ممارسة هواياته ويساعد الفلاحين ويشاركهم العمل، وكانوا يدهشون من مهارته في استخدام الأدوات وكأنه فلاح أباً عن جد.
وكان يجود على الفلاحين بخبرته وصداقته وبمساعدات مالية للقيام بالإصلاحات التي يقترحها، ويعيد بناء بعض الأكواخ على نفقته، ويشتري بقرة لمن لا يملكها، ويعين الضعيف حتى يأخذ حقه من القوي، وإن سمع بعاشقين يعوزهما المال ليتزوجا جهزهما على نفقته.
وكثيراً ما تناول طعامه لدى الفقراء الذين يزورهم أو الفلاحين الذين يساعدهم.
فأشعرهم بالصداقة وبالمساواة بينه وبينهم في الإنسانية فهو كان يبذل الإحسان من شخصه وعواطفه قبل أن يبذله من ماله.

رحّال 26-08-2017 03:07 AM

الهواية، المهنة.
 
صوفي لم تكن تسمح لأميل إلا بزيارتين في الأسبوع، وكان يهزه الشوق لرؤيتها فيذهب محاولاً الإقتراب من بيتها لرؤيتها ولكنه يصد نفسه متى ما أقترب أقتراباً حقيقياً من بيتها, وكل هذا حتى لايفقد كرامته فيسقط من عين نفسه ومن عين صوفي.
كما قلنا أنه كان يستغل وقته في هذه الأيام لممارسة هوايته.
ولعلكم تذكرون في الكتاب الثالث أن الشاب لابد أن يتقن مهنة يدوية تحسباً للظروف وقد أختار المعلم مهنة النجارة لأميل.
لذا كانا من حين لآخر يعملان لدى صاحب مصنع وكانا يعملان تحت الظروف ذاتها التي يعمل تحتها كافة العمال.
وكان والد صوفي يأتي أحياناً للمنصنع ويرى أميل يعمل، فيعود ويمتدح صنيعه أمام زوجته وأمام صوفي وكانت صوفي تحس بنشوة عظيمة وهي تسمع هذا الحديث من والدها.
وتم الإتفاق على أن يفاجئوا أميل في المصنع، وفي اليوم المحدد حضروا فوجدوا أميل منهمكاً في العمل ولم يلاحظ قدومهما حتى لفت المعلم نظره.
فطار فرحاً ليرحب بهما وأحضر كرسيين حتى يجلسا ثم عاد ليكمل العمل.
طبعاً كان في ملابس مبتذلة، أشعت الشعر إلا أن منظره لم يثر الضحك عند صوفي بل أثار الإعجاب وتأثرت بهذا المنظر فقد تأكدت أن هذا هو الرجل
الذي يناسبها، الرجل الذي يستطيع التأقلم مع ظروف الحياة، الرجل الذي يستطيع أن يعمل من أجلها، ويكسب لها معاشها.
وسألت الأم صاحب المصنع كم تدفع لهاذين الصانعين، فقال أدفع له عشرين صلداً وأقدم لهما الطعام، ولكن هذا الشاب يمكن أن يكسب أكثر
لأنه أمهر صانع في الأقليم. وهنا أسرعت الأم إلى أميل وعانقته وهي تبكي فرحاً وتناديه : ولدي ، ولدي.
بعد فترة قالت الأم لأبنتها يتوجب أن نعود، ثم قالت لأميل هل ستذهب معنا، فقال أميل الكلمة لصاحب المصنع فأن سمح لي ذهبت معكم.
فقالت الأم لصاحب المصنع هل تستطيع أن تستغني عنه؟ فقال صاحب المصنع لا أستطيع لأن هذا العمل عاجل ويجب تسليمه بعد يومين.
نظرت الأم إلى أميل وقالت : ما عندك شيء تقوله؟ فنظر إلى فتاته الواقفة بجانب أمها بحنان ثم قال للأم ها قد رأيتي أنه يجب أن أبقى.
وفي طريق العودة قالت الأم لأبنتها : كان المفروض أن يجيب طلبي ويلبي دعوتي، فهو ليس بحاجة للمال الذي يعطيه أياه صاحب المصنع.

رحّال 26-08-2017 03:11 AM

التمهيد للأسفار.
 
قال المعلم لأميل (ماذا أنت صانع إذا جاءك أحد بنعي حبيبتك) طبعاً لكم أن تتخيلوا حالة أميل والإضطراب الذي أصابه، والضيق الذي لحق به.
لكن المعلم طمأنه وقال إنها بخير وأنها تنتظره هذا المساء، ولكن لم قال المعلم ما قال؟
لأن أميل بعد أن وقع في الغرام أصبحت العاطفة لديه هي المؤثر والمحرك، لذا لم يعد قادراً على الإنصات للمحادثات العقلية الصرفة.
لذا كان لابد من استغلال هذا الغرام في اثارة الإهتمام لما سيقول المعلم من كلام عقلي، وبعد أن تأكد المعلم أنه أستحوذ على اهتمام أميل بدأ في الكلام
عن السعادة. وبدأ مقرراً أن السعادة هي غاية كل كائن عاقل حساس. وأنها أول رغبة تفرضها علينا الطبيعة ولا تفارقنا هذه الرغبة أطلاقاً.
ولكن أين السعادة؟ من الذي يعرف أين هي؟ إن كل إنسان يبحث عن السعادة، وما من أحد يعثر عليها.
ويقضي الناس حياتهم في نشدانها، ثم يموتون من غير أن يبلغوها. أننا ما دمنا نجهل ما يجب علينا أن نعمله فالحكمة تقضي بأن نكف عن العمل.
وهذا هو المبدأ الذي يجب على الإنسان أن يرعاه. ولكنه يتجاهله أو يجهله. فإن البحث عن السعادة من غير أن نعرف أين هي قد يعرضنا
للبعد عنها. ولكن ليس في استطاعة أي إنسان أن يكف عن العمل. ولهذا يفضل الناس العمل مع الضلال على الركون إلى السكون والقعود عن التنقيب.
ثم أكد المعلم على أن الطبيعة هي التي ستقودهم إلى السعادة، وإن السعادة إذا وجدت فلا يمكن أن تجافي الطبيعة.
وقرر أنه لا سعادة بدون شجاعة، ولا فضيلة بدون كفاح وصراع. وأن الرجل الفاضل هو الذي يعرف كيف يقهر عواطفه وشهواته، لأنه عندئذ يستلهم عقله وضميره.
و أنه حتى يكون الشخص سيد نفسه فلابد من أن يتحكم في قلبه وعواطفه. وهذه رياضة تحتاج إلى نوع جديد من الكفاح.
لأن الرياضة على متاعب الطبيعة الخارجية تساعدنا عليها الطبيعة. أما ما يأتينا من أنفسنا فلا شأن للطبيعة به وأمره موكول ألينا كلية.
فالشهوات منا لا من الطبيعة ولهذا فإلينا كل أمرها وعلينا أن نقاومها مستقلين بجهدنا.
ثم كان له رأي يستحق النظر وهو أنه لايرى تقسيم العواطف إلى حلال وحرام، بل هو يرى أن كل عاطفة طيبة ما دمنا مسيطرين عليها،
وكل عاطفة شريرة سيئة ما دمنا مستعبدين لها. فما يجافي الطبيعة هو التمادي في العاطفة حتى تتجاوز مدى قدرتنا. ويفلت زمامها من يدنا.
فنشتهي ما ليس في وسعنا، أو ما يحرمه علينا الضمير النقي. ولئن لم يكن في مقدورنا أن نهوى أو لا نهوى ففي مقدورنا أن نسيطر
على هوانا فهذه هي الفضيلة جمعاء. وهذا يعني أن كل عاطفة نسيطر عليها مشروعة وكل عاطفة تسيطر علينا هي عاطفة آثمه.
وأنه يجب أن نكون رجالاً ونتحكم في قلوبنا، وأن ندرس حدود ارادتنا جيداً حتى نحبس عاطفتنا داخلها.
وأن لا نعلق قلوبنا بالجمال الذي يزول، ولا نتطلع إلى رغبات تجاوز قدراتنا، ونقدم الواجب قبل هوى النفس، وأن نكون مستعدين في أي وقت
للنزول عن كل ما هو عزيز متى أوجبت الفضيلة ذلك. عندها سنكون سعداء على الرغم من قسوة الأيام. حكماء رغم ثوران العواطف.
وفي الرخاء سنكون نحن من يملك المال، وليس المال هو الذي يملكنا. ولن يزعجنا فراق ملذاتنا المادية. فإن الحكيم لا تعظم عنده الدنيا ولا يأسى على فراقها.
طبعاً أميل كان ينصت إلى ما كان المعلم يقول، وسأل معلمه وقال : ما هو هدفك من هذا الكلام ماذا تريد أن أصنع حتى أعرف كيف أتحكم في عواطفي
وقلبي ، فقال المعلم ما أريده منك أيها العزيز، بل ما أوجبه عليك، هو فراق صوفي.
طبعاً طرطع أميل هنا وفقد أعصابه، وبدأ يقول أنا لست خائناً ولا مخادعاً ولا نذلاً حتى أقوم بهذا الشيء، المهم المعلم خلاه يفرّغ كل اللي بقلبه ثم بدأ بتوضيح أنه يعرف مدى السعادة التي عاشها أميل منذ رؤيته لصوفي ولكن الإنسان فان وكل شيء في حياته عارض وإذا طالت السعادة عليه ذهب التعود
بطعمها وعندئذ يتغير القلب وهكذا ابن آدم ، إن لم تتركه السعادة تركها.
أنت تريد أن تتزوج صوفي وقد تفكر في التعجيل بهذا الزواج وأنت تريد أن تتزوجها لا لأنك تراها ملائمة صالحة لك، بل لأنها تروق لك.
كأنما الحب لا يخطيء في تقريب المتابينين الغير متلائمين، وكأنما الزواج القائم على الحب يستحيل أن ينقلب إلى كراهية.
كما أن طبع المرأة لا يتضح في يوم وليلة وأربعة أشهر لا تصلح أساساً للحكم على العمر كله.
وربما كان غياب شهرين كافياً كي تناساها، وربما كان غيابك فرصة لرجل آخر كي يجليك عن قلبها.
وربما عدت بعد شهرين لتجدها فاترة نحوك، فالعواطف لا تعرف المباديء. ربما وربما ولكن لابد من التجربة والتجربة خير برهان.
فأقدم على التجربة بنفسك الآن، قبل أن تفرض التجربة نفسها عليك بعد فوات الآوان.
ثم أنكما مازلتما ضغيران وهذه سن الحب وليست سن الزواج، والزواج فيه حمل وولادة وتربية أطفال. وهناك أموراً يجب أن تعرفها قبل أن تصبح زوجاً
ورب أسرة وهذه الأمور لا يمكن أن تعرفها إلا عن طريق الرحلة والأسفار، لذا أقول يجب أن تفارق صوفي، وأقول تفارقها إلى حين.
ولا أقول أن تتخلى عنها وتهجرها.بل تغادرها كي تعود إليها وأنت أجدر بها، وتطلب يدها وأنت على ثقة من سعادتك واسعادها.
قال أميل : أتزوجها ونسافر معاً قال المعلم : الرحلة واجبة كي تصبح جديراً بالزواج منها.
قال طيب أتزوجها وأسافر، قال المعلم : تتزوجها وتتركها وكيف يعيش زوجاً بعيداً عن زوجته بغير عائق ضروري.
فرضخ للأمر الواقع وقال متى نسافر، قال المعلم : بعد ثمانية أيام. لذا توجب اعداد صوفي لهذا الرحيل فالنساء ضعيفات ويجب أخذهن بالرفق.
وعند الرحيل كان وداعها لأميل بالغاً حد الروعة. فقد شحب وجهها وغامت عيناها. وتناول يديها يضمهما إلى قلبه وقد تحولت إلى تمثال من الأسى واللوعة.

رحّال 26-08-2017 03:13 AM

الأسفار.
 
يبدأ هذا الفصل بالتساؤل عن ما إذا كان من المفيد للشبان أن يسافروا.
ثم يقرر أن استخدام الكتب تقتل العلم، لأن القاريء يخال أنه يعلم ما قرأه، فيعتقد أنه معفي من تعلمه.
والحق أن الإفراط في القراءة لا يؤدي إلا إلى خلق الأدعياء الجهلاء.
وهو هنا يتكلم عن كتب التاريخ وكتب الأسفار والرحلات، وإن كان من الممكن أن نطبق هذا الكلام على القراءة عموماً ففي اعتقادي أنه لا فائدة مرجوة من القرأة مادمت لا تستطيع اسقاط الفكرة على الواقع.
ثم يؤكد ايمانه الراسخ بأن الشخص الذي لم ير إلا شعباً واحداً لا معرفة له بالبشر.
وأن لكل شعب طابعه الخاص المميز الذي نستخرجه بالإستقراء، بملاحظة أفراد عديدين.
وأنه حتى نستفيد من السفر فلابد أن نعرف كيف نسافر، وهناك أشخاص يتعلمون من الكتب أكثر مما يتعلمون من الأسفار.
وقد يرى البعض تناقض بين هذا الكلام والكلام السابق ولكنه يوضح أنهم :-
يجهلون فن التفكير، فهم حين يقرأون الكتب ينقادون لعقل المؤلف، أما حين يسافرون فلا يعرفون كيف يشاهدون ويلاحظون. لأن فطنتهم الشخصية كليلة.
ثم يعترف أن الخصائص الأصلية للشعوب تتلاشى يوماً بعد يوم، ويصبح من العسير ادراكها والفطنة اليها.
فالاجناس تختلط وتتزاوج، والشعوب تتداخل وبهذا يختفي التباين القوي الذي كان يلفت النظر فيما مضى لأول وهلة.
ففي الزمن الغابر كانت كل أمة تظل مغلقة على نفسها، والأسفار أقل، والمصالح المشتركة أو المتعارضة أقل أيضاً.
وهو هنا يتكلم عن المجتمعات والشعوب في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر.
فكيف سيكون رأيه لو عاش ثورة الإتصالات في هذا العصر.
ثم يتكلم عن العلماء في عصره وأنهم لم يعودوا يسافرون لتحصيل الثقافة كما كان يفعل الأقدمون، بل يسافرون للمصلحة الشخصية.
فلم يعد لدينا أمثال افلاطون وفيثاغورس، فالعلماء هذه الأيام يسافرون بتكليف فيحصرون مشاهداتهم فيما كلفوا فيه.
وهناك فرق جسيم بين السفر لمشاهدة بلد والسفر لمشاهدة شعب. فمشاهدة بلد أمر يهتم به المتطفلون والمستطلعون، ولا يهمهم الشعب إلا في المرتبة الثانية. أما من يسافر طلباً للحكمة فهم عكس ذلك.
لذا كان من سوء التفكير أن نقول أن الأسفار لا فائدة منها، تأسيساً على أننا نسيء السفر.
ثم بعد هذا يطرح التساؤل الثاني وهو : هل الأسفار تلائم جميع الناس.
وقرر أن الأسفار لا تلائم إلا أقل القليل من الناس. فهي لا تلائم إلا ذوي الحزم والصرامة على أنفسهم بحيث يستخلصون من أخطاء الشعوب
دروساً من غير أن تغويهم تلك الأخطاء. فينساقوا إليها. وبحيث يجدون العبرة من الآثام والرذائل من غير أن ينزلقوا فيها.
ذلك أن الأسفار تدفع بالفطرة إلى نهايتها القصوى. فتتم على الرجل صلاحه أو فساده الفطري.
لذا الشاب الذي ساءت تربيته يجد في الأسفار مجالاً فسيحاً لأشباع بوادر فساده. فيلتقط من الشعوب التي يخالطها شر ما لديها.
أما الشاب الذي حسنت تربيته فيسافر بقصد التثقيف. ويعود من أسفاره وقد تمت له الحكمة والفضيلة عن طريق ميدانها الفسيح.
كما أن كل ما يصنعه العقل يجب أن يخضع لقواعدة، ومتى أعتبرنا الأسفار جزء من التربية فيجب أن تكون لها قواعدها.

رحّال 26-08-2017 03:15 AM

قواعد الأسفار.
 
يقول أن من يسافر بقصد السفر إنما هو جوال آفاق، أما من يسافر بقصد الثقافة فيجب أن يكون له موضوع معين.
لأن الثقافة التي لا هدف لها بالذات ليست شيئاً على الإطلاق.
ثم يبدأ بتفصيل الثقافة التي يريدها لأميل وهو أن يبدأ بدراسة طبيعة الحكومة على العموم. والصور المختلفة للحكومة. والحكومة المعينة التي ولد في ظلها
كي يرى هل من المناسب له أن يعيش في ظلها أم لا. فهو يرى أن لكل إنسان متى بلغ رشده وملك زمام أمره الحق في أن يتنازل عن العقد الذي يربطه بالمجتمع المعين، وذلك بمغادرة الأقليم الذي يستوطنه ذلك المجتمع.
بمعنى مو عاجبك المجتمع اللي أنت عايش فيه، ضف قشك ودوّر لك مجتمع ثاني يعجبك.
لأن اقامتك في هذه البقعة الجغرافية بعد بلوغك الرشد هي تأكيد ضمني لقبولك بجميع الارتباطات التي تعهد بها اسلافك.
و أنه متى بلغ الشخص سن الرشد وقبل أن يتزوج عليه أن يقرر كيف يريد أن يكون. وفيم يريد أن يقضي حياته.
وماهي الوسيلة التي يعتزم اتخاذها لكسب معاشه ومعاش أسرته.
وهنا يبين له الوسائل التي يمكنه اتخاذها لتنمية ثروته، كما يبين له طريقة أخرى وهي الإلتحاق بالعسكرية وكان وصفه لهذا جميلاً جداً حيث قال
عن العسكرية : أنها تأجير نفسك بأجر طيب جداً، كي تقتل قوماً لم يتعرضوا لك بأذى من أي نوع.
طبعاً هو متأكد أن أميل لا يميل إلى هذه الأعمال ولا يجدها تليق به.
فمراده من الدنيا ضيعة صغيرة في ركن من أركان الدنيا، يصرف همه إلى زراعتها ويعيش بلا هموم بين صوفي وبينها.
وقد كان جواب معلمه صحيح أن هذا كافٍ لسعادة رجل حكيم، ولكن الحقل والمرأة المخلصة شيئان نادران.
أندر مما تظن وأندرهما المرأة وقد وفقك الله اليها. بقي أمر الحقل الذي تشعربه خالصاً لك وحدك.
فأين عساك تجده وفي أي موضع تختاره. في أي ركن من أركان الأرض تستطيع أن تقول أنا السيد هنا.
إنك قد تجد الأرض الخصبة، ولكن هل ستجد الحرية فيها والإستقلال عن الناس والسلطان.
قبل أن يقر قرارك على اختيار الحقل يجب أن تتأكد من ضمان حريتك وأمنك فيه فلا تغتصب الحكومة حريتك، ولا ترهقك سلطات الدين، ولا تكبلك أحكام العرف السائد، ويجب أن تكون بمنجاة من الضرائب الباهضة التي تأكل ثمرة كدك، والقضايا التي تأكل رأس مالك.
وموظفي الحكومة الذين يغتصبون مالك بالرشوة، والجيران الأقوياء الذين يكلفونك من أمرك رهقا.
ولأنني أكثر منك خبرة فأنا أدرك مافي رغبتك من عسر ومشقة، على ما فيها من شرف وأخلاص وأمانة.
ولو تحقق لك ذلك لتمت سعادتك فتعال نجوب أوربا بحثاً عن الملاذ المنشود التي تتحصن فيه سعادة أسرتك من الظلم والجور بجميع أنواعهما.
وهو يريد هنا أن يعود أميل من الرحلات وفد أصبح متضلعاً في جميع شئون الحكومات والعرف العام والأخلاق ونظم الدولة وهي أمور ناقشها بإستفاضة
في كتابه العقد الإجتماعي والذي سبق أن تطرقت إليه أثناء حدبثي عن الليبرالية لذا لاداعي لتكرارها هنا.
كما ذكر أن الأسفار لن تكون للمدن الكبرى لأنها لا تمثل خصائص الشعوب المميزة، بل ستكون الأسقار إلى أقاصي الأرياف فهناك تتبدى خاصة الشعب واضحة غير مختلطة ببعضها.
وبعد سنتين تنتهي الأسفار ويمكن تلخيص ما أستفاد أميل من هذه الأسفار في مفهوم بسيط ولكنه عظيم وهو :
إدراكه أن التحرر من الشهوات هو الحرية.
ثم أن أميل قال هيا ياوالدي اعطني شريكة حياتي وسأكون حراً فإن قيدها هو القيد الوحبد الذي أرحب به و أفخر بحمله.

رحّال 26-08-2017 03:16 AM

الرجاء عدم التعقيب حتى ينتهي الموضوع.


الساعة الآن 02:58 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. موقع و منتديات سدير 1432 هـ - 1435 هـ

جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه