منتديات سدير

منتديات سدير (http://www.sudeer.com/vb/index.php)
-   ¨° مِحبرةُ كتاباتك °¨ (http://www.sudeer.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   أنين باب (http://www.sudeer.com/vb/showthread.php?t=157353)

اناييس 27-04-2014 09:40 PM

أنين باب
 
أنا ذلك الباب الرابض في وجه الريح.
الباب الذي تئن مفاصله الخربة كلما لامسته الأيدي المتعطشة للعب.
الباب الذي يحاول في كل مرة أن يمسك السيدة التي تتجاوزه مسرعة فيعلق بأكمامها كأنه يطالبها البقاء أو ينقبض على طرف ثوبها وكأنه يسألها الذهاب معها وكم مزق لها من أكمام واسعة ومسح بقية غباره على أطراف ذيلها .
الباب الذي تداعب ركبتيه الأيدي الصغيرة في الطرق عليها وحين تتعب ترفسه بأقدامها المتسخة تضربه بلا هوادة وكأنه المعترض على دخولها أو الحائل بينها وبين الفردوس المختبئ خلفه ولكنني كنت أشد مكراًمنها فكم زمجرت في وجهها وقرصت لها اصابعها المنمنمة حتى أدميتها لا تلوموني رجاء ,أنتم لم تجربوا كيف تصبح هذه المخلوقات الصغيرة مجردة من الرحمة .
أنا الباب الذي علقوا في وسط وجهه حلقة معدنية لتعزف على وجهي لحناً يختلف باختلاف الأيدي العازفة فالمشتاقة منها تطرق طرقات متتالية لا تنتظر بينها أن ألتقط أنفاسي أو أبتلع ريقي والمترددة تطرق طرقات متباعدة و كأنها تقدم واحدة وتؤخر أخرى أما الغاضبة فتطرق طرقات قوية تكاد أن تهشم وجهي تحت قسوة سياطها لكن ما لبثت هذه الحلقة أن صمتت إلى الأبد بعد أن صدأت مفاصلها وتشجنت أمام وجهي فالجرس الحديث سحب منها البساط و تركها في وجهي كبثرة كبيرة أو وشم قديم و ربما كتحفة أثرية .
أحاول أحياناً أن أتذكر سيرتي الأولى من أي شجرة اقتطعت ومن أي غابة جُلبت لست أذكر سوى أن جذوري تمتد لشجرة زان معمرة على أطراف غابة رومانية اعتاد العشاق أن يجلسوا في فيئها وأن يحفروا أسمائهم على خارطة جسدها وحين ينحسر العشاق تتبادل اشجار الغابة قصص حبهم السخيفة كيف لا وقد ألمتنا قصصهم و أدمت أجسادنا بوشم أسمائهم علينا ,أما الآن لا صديق لدي لا باب مقابلي أو بجواري ليبادلني أسراره كم يد طرقت عليه , كم قطة تبولت بقربه , كم قدم ركلته , كم حريق كاد أن يودي به ,وكم حديث مرَّ به وأنصت له مرغماً ولكنَّي أحفظ عن نفسي جميع الأيدي التي لامستني ,وكل الأقدام التي رفست خاصرتي , والقطط التي تمسحب بي , والكلاب الضالة التي عوت في وجهي , والمتسولات اللواتي بصقن في عيني , والهمسات اللاتي تسللت إلى أذني كلما حاولت ليلاً أن أنام , وكم حلمت حينها لوأن جذوري كانت تعود لشجرة صنوبرفأتحول بعدها إلى كمان تعانقه الأيدي ويدنو من الأنفاس فيلتحم معها في دفء الغناء , أو لعلها كانت تعود لشجرة أبنوس صقيلة كامرأة أفريقية فأصير بعدها أصابع بيانو سوداء أتقلب بين بيمول ودييز وبين خفض ورفع أو أصبح تحفة فنية لفيل هندي ضخم أو بيدق شطرنج منتصباً في حرب وهمية وحين يسدل غبار المعركة احتضن احدى قطع الشطرنج الأخرى في الصندوق العاجي و أنام ولعل حظي يكون جيداً فتكون الملكة بين يديَّ اولسنا في النهاية مجرد بيادق للأصابع العلوية اللاعبة .

طوال عمري كنت حارساً أميناً صامتاً صلباً لا ريح استطاعت فتحي ولا لص استطاع كسري ولا تسرب إلى قلبي المطر ولم أطلب لكل ذلك أجراً لكن المرة الوحيدة التي فُتحت على مصراعي وخرج سيدي صاحب البيت الذي لم أراه إلا لمماً والذي لم يطرقني يوماً فالكلمة السحرية افتح يا سمسم كانت بحوزته على شكل قطعة معدنية أقول خرج صاحبي هذا مسَّجى على قطعة خشبية محمولاً عليها كملك مرفوع فوق الأكتاف وكانت المياه تتقاطر من عيون حملته حينها غبطت هذه القطعة الرخيصة من خشب القشرة فما ضمني أحدهم يوماً وما حملني أحد قط , أقصى ما حدث لي في حياتي كان ذلك اليوم حين أغلقتني زوجه خلف المشيعين واتكأت على ظهري وبكت بحرقة وصمت فأنتحبت معها .

بقايا الذكريات 27-04-2014 09:56 PM

رد: أنين باب
 
رائعه اناييس


بين طيات هذا الموضوع الذي يتحدث عن باب موصود باب وراءه كل سر دفين

باب اغلق ولكن فتح لنا هنا الف والف سؤال كيف يكون هذا الباب الفر يد

رحّال 27-04-2014 11:31 PM

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
 
جميلة هي التصاوير ،
جميل هو استنطاق الجماد ليقول ، و يحكي ، و يثرثر ،
أعجبتني الجملة الخاتمية ، قفلة و لا أروع.!
و أرتاح الباب أخيراً ، عندما أنتحب ، راحة أحسست بها أنا.!
و لا أخفيكِ سراً لم يفارقني أحمد مطر و أحاديث أبوابه منذ البدء حتى الختام.
جميلة كما دوماً يا
اناييس،
تحيّة تشبهكِ و سلام.

عروش 27-04-2014 11:57 PM

رد: أنين باب
 
كانت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير !

لعل ذلك الباب كان يعاني الفقد فلامست تلك الأرملة حلقة الحنين فيه فشاركها النحيب



جميل جدا هذا النص حد البذخ يا أناييس

و مؤلم جداً في نفس الوقت

تحملين قلماً على يقل عن قوة ذلك الباب / شكراً لكِ

شانيل 28-04-2014 11:13 PM

رد: أنين باب
 
حتى الأبواب يسكُنها الحنين..!

جميل ورائع عزيزتي اناييس..

نص أدبي باذخ في الوصف..وشاعري لتلك الابواب الجامده..!

واللتي تُخفي خلفها..الكثيروالمثير..لو استُنطقت..!!

واللتي نستهين بها..حتى نراها باليه خربه..!

ونبدأ بعدها في مُحاكاتها..ووصف ماكانت وماألت إليه مع ساكنيها..

..

طاف في الذاكره..الكاتب الُمبدع..محمد الرطيان.. وحكاية باب..

إلا ان خاتمتها معه مؤلمه لباب عانى من النُكران..

..

جميل هوَ حرفك عزيزتي..http://www.shamoa.com/vb/shamoastyle...edloverose.gif

اناييس 29-04-2014 07:13 PM

رد: أنين باب
 
بقايا الذكريات ....
الابواب تخفي حكايا وهموم تختلف باختلاف قاطنيها
مرورك هو مصدر بهجة

اناييس 29-04-2014 07:15 PM

رد: أنين باب
 
رحال ....
اعتز جدا بمرورك واستفيد من تعليقاتك
شاكرة لهذه الشهادة

اناييس 29-04-2014 07:19 PM

رد: أنين باب
 
عروش ...الممتلئة ثمرا
اصبت الحكاية ولامست شغاف انين الباب
حياك يا بهية

اناييس 29-04-2014 07:21 PM

رد: أنين باب
 
شانيل ...
بالفعل هو ماقلتي يا عزيزتي الابواب يسكنها الحنين ولكننا نتكبر فنظنها مجرد قطعة خشب
تشوقت لاقرا حكاية باب للمبدع محمد الرطيان

أبوإبراهيم الشويعر 29-04-2014 09:48 PM

رد: أنين باب
 
أناييس
[poem=font="Simplified Arabic,7,red,bold,italic" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""] ما أعذب اللفظ عن شدْقيكِ ينسابُ !=في راحتيكِ لِسِحْرِ الحرفِ إلْبابُ[/poem]

شانيل 29-04-2014 11:29 PM

رد: أنين باب
 
تفضلي عزيزتي..حكاية باب..
..
حكاية باب !
مثل كل الأبواب الخشبيّة .. كنت ( مقطوعاً من شجرة ) !
لم أشعر بـ اليتم ، ولم أشعر بـ الغضب من الجرّافة التي اقتلعتني ، أو من فأس الحطّاب الذي انتزعني من أهلي ..
من موطني الأولـ / الغابة .
حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون " الباب الرئيسي " لـ هذا المنزل الريفي الصغير .
في البداية كنت أنظر لـ سكانه بريبة ، وكانت خطوات الصغيرة " سارة " تـُشعرني بـ الرعب
لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بـ عنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي ...
وحدها " سيدة " المنزل ستعاتب " سارة " لـ تصرفها غير المهذب معي
فيما يكتفي " السيّد " بـ الضحكات العالية لـ شغب طفلتهما المدللة .
شعرت أن هناك علاقة ما بدأت تنمو بيني وبين " السيدة " ..
كانت لمستها لي مختلفة ..
كنت أشعر بـ الدفء والأمان عندما تفتحني وتغلقني .
قامت بـ تزييني من الداخل بعمل فني على شكل سجادة أنيقة ..
ومن الخارج كانت تـُعلـّّق على صدري كل فترة بعض الأزهار التي تقطفها من الحديقة الصغيرة ..
كنت أقنع نفسي أن هذه الأزهار عُلقت على صدري لأجلي ..
لا لأجل الضيوف !
كم أكره بعض الضيوف والزوار الثقلاء وطرقاتهم الغبية ..
ولكن : أصدقاء وصديقات " السيدة " أحبهم ..
حتى وإن " طرقوني " بـ عنف أحياناً .
تمر السنوات ، وأشعر أنني أصبحت جزءا ً من هذه العائلة .
كنت أرى " السيدة " وهي تكبر .. وأرى الطفلة " سارة " وهي تنزع ثياب طفولتها وتتحوّل إلى صبيّة فاتنة .
ذات عام - وكم كان حزينا ً هذا العام- رحل " السيّد " الذي خطفه الموت ،
ورحلت " سارة " لـ تكمل دراستها الجامعية في المدينة البعيدة.
بقينا وحدنا : أنا و" السيدة " ..
كنت أراها وهي تذبل أمامي وتفقد نضارتها ،
ومع هذا كنت – كل يوم – أنتظر بـ فارغ الصبر لمستها لي عندما تفتحني في الصباح ..
كانت تلك اللمسة تشبه " صباح الخير " .
اعتادت في الفترة الأخيرة أن تشرب قهوتها بـ جانبي ..
تسحب كرسيا ً خشبيا ً وتجلس بـ الشرفة .. ( كم أحسده ، وكم تمنيت لو أنهم صنعوني كرسيا بدلاً من باب !! ) ..
أظنها تفكر بـ" سارة ".. وتتذكر " السيّد " ...
ورغم أنني نصف مفتوح إلا أنني أنشغل عن داخل المنزل بـ النظر إلى خارجه .. إليها !
في ليالي الشتاء ، كانت تجلس في الصالة تقرأ كتابا ً، وكنت أبتهج لرؤيتها بـ قربي ..
ورغم العواصف والبرد والأمطار التي تضرب ظهري من الخارج إلا أنني كنت من الداخل أشعر بـ الفرح والدفء .
في أحد الأعوام ( لا أدري متى بـ الضبط ، فـ ذاكرتي توقفت في ذلك اليوم )
أتى بعض الغرباء – وبعد سلسلة طرقات عنيفة – ضربوني بـ قوة ..
وبعد همهمات وحوار مرتبك ..
دخلوا غرف المنزل يفتشونها ..
بعد دقائق خرجوا من المنزل وهم يحملون " السيدة " على نقالة ..
خرجت دون أن تلتفت لي أو تلمسني أو تودعني بأي شكل ..
مرّت سنوات لم يطرقني أحد .
ولم تـُعلّق الأزهار على صدري .
كبرت .. وصار صوتي بشعا ً لكثرة الصرير الذي يحدثه .
ضعفت مفاصلي .. وصار العث يأكل أطرافي ..
وتآكلت من البرد والوحشة والوحدة وتبدل الفصول .
و.. ذات صباح ربيعي بارد : أقبلت نحوي سيدة يرافقها شاب أطول منها وأصغر من عمرها .
" كأنني أعرف هذه الملامح " ..
اقتربا .. " كأنني أعرف إيقاع هذه الخطوات " ..
و.. ما أن لمستني حتى سقطت على الأرض !
الأشياء حولي تظن أنني سقطت لأن أطرافي تآكلت ومفاصلي أصابها الصدأ ..
لا .. بل لأنني عرفت هذه اللمسة .. إنها تشبه لمسة " السيدة " ..
ولم لا ؟ ..
طالما أنها من ابنتها " سارة " والتي يرافقها ابنها الشاب .
أتت به لـ تزور منزل العائلة المهجور .
بعد جولة صغيرة في أرجاء المنزل , وبعد أن هب هواء شديد البرودة ..
جمع الشاب بعض الأوراق المتناثرة ورمى بها في المدفأة القديمة لـ يشعل نارا ً تجلب الدفء لأمه نظر حوله ..
واتجه صوبي .. وأخذ يـُكسّر أطرافي ويرمي بها في النار !!


محمد الرطيان http://www.zahran.org/vb/images/smil.../heartpump.gif

صياد دمشق 30-04-2014 03:29 AM

رد: أنين باب
 
طرح راقي يجعلنا نغوص بالتخيلات والاعجاب لكِ تحيتي وتقديري وننتظر جديدكِ

اناييس 04-05-2014 10:15 AM

رد: أنين باب
 
الشاعر التغلبي....
في كل مرور لك يلجمني شعرك المنثور وهل يكفي حرفي وشكري امام نبلك

اناييس 04-05-2014 10:17 AM

رد: أنين باب
 
شانيل
شكرا يا رائعة
القصة لاول مرة اقرؤها هنا و تعجبت من الالتقاء بين قصتي وقصته رغم اختلاف المغزى والرؤية ربما نحن ابواب في النهاية تفضي الى بعضها

اناييس 04-05-2014 10:18 AM

رد: أنين باب
 
صياد دمشق ....
اهلا برائحة الشام وياسمينها
الف تحية لك وسلام من الله عليك


الساعة الآن 08:02 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. موقع و منتديات سدير 1432 هـ - 1435 هـ

جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه