الموضوع
:
قـصـص من الـمـاضـي
عرض مشاركة واحدة
26-05-2011, 02:22 PM
#
96
أسد نجد
عضو مميز جداً
رقم العضوية :
21946
تاريخ التسجيل :
Jun 2010
الجنس :
ذكر
المشاركات :
5,086
الشكر :
9967
تم شكره :
شكر 16431 فى 4678 موضوع
التقييم :
32938
مستوى التقيم :
رد: قـصـص من الـمـاضـي
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة ( كل نصيحة ببعير )
يحكى أن أحدهم ضاقت به سبل العيش ، فسئم الحياة وقرر أن يهيم على وجهه في بلاد الله الواسعة ،
فترك بيته وأهله وغادر المنطقة متجهاً نحو الشرق ،
وسار طويلاً
حتى وصل بعد جهدٍ كبير ومشقةٍ عظيمة
إلى منطقة شرقيّ الأردن ،
وقادته الخطى إلى بيت أحد الأجواد الذي رحّب به وأكرم وفادته ،
وبعد انقضاء أيام الضيافة سأله عن غايته ، فأخبره بها ، فقال له المضيف :
ما رأيك أن تعمل عندي
على أن أعطيك ما يرضيك ،
ولما كان صاحبنا بحاجة إلى مكان يأوي إليـه ، وإلى عملٍ يعمل فيه اتفق
معه على ذلك .
وعمل الرجل عند مضيفه أحياناً يرعى الإبل وأحياناً أخرى يعمل في مضافته يعدّ القهوة ويقدمها
للضيوف ،
ودام على ذلك الحال عدة سنوات كان الشيخ يكافئه خلالها ببعض الإبل والماشية .
ومضت عدة سنوات اشتاق فيها الرجل لبيته وعائلته وتاقت نفسُه إلى بلاده وإلى رؤية أهله وأبنائه ،
فأخبر صاحب البيت عن نيته في العودة إلى بلده ، فعزّ عليه فراقه لصدقه وأمانته ، وأعطاه الكثير من
المواشي وبعض الإبل
وودّعه وتمنى له أن يصل إلى أهله وهو بخير وسلامة .
وسار الرجل ما شاء الله له أن يسير ، وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة رأى شيخاً
جالساً على قارعة الطريق ، ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب الطريق ، وعندما وصل إليه
حيّاه وسأله ماذا يعمل لوحده في هذا المكان الخالي وتحت حرّ الشمس وهجير الصحراء ، فقال له : أنا
أعمل في التجارة .
فعجب الرجل وقال له : وما هي تجارتك يا هذا ، وأين بضاعتك ؟
فقال له الشيخ : أنا أبيع نصائح .
فقال الرجل : تبيع نصائح ، وبكم النصيحة ؟!
فقال الشيخ : كلّ نصيحة ببعير .
فأطرق الرجل مفكراً في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلاً من أجل الحصول عليه ، ولكنه في
النهاية قرر أن يشتري نصيحة مهما كلفه الأمر فقال له : هات لي نصيحة ، وسأعطيك بعيراً ؟
فقال له الشيخ :
" إذا طلع سهيل لا تأمَن للسيل " .
ففكر الرجل في هذه النصيحة وقال : ما لي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة ، وماذا تنفعني هذه
النصيحة في هذا الوقت بالذات .
وعندما وجد أنها لا تنفعه قال للشيخ : هات لي نصيحة أخرى
وسأعطيك بعيراً آخر .
فقال له الشيخ :
" أبو عيون بُرْق وأسنان فُرْق لا تأمن له "
.
وتأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضاً وأدارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة ،
فقال والله لأغامرنّ حتى
النهاية حتى لو ضاع تعبي كلّه في دقائق معدودة ،
فقال للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك بعيراً
آخر .
فقال له :
" نام على النَّدَم ولا تنام على الدم "
.
ولم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها ، فترك الرجل ذلك الشيخ وساق ما معه من مواشٍ وسار
في طريقه ، وظل يسير لعدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدّة الحر ، وفي أحد الأيام
أدركه المساء فوصل إلى قوم من العربان قد نصبوا خيامهم ومضاربهم في قاع وادٍ كبير ، فتعشّى عند
أحدهم وباتَ عنده ،
وفي الليل وبينما كان ساهراً يتأمل النجوم
طلع نجم سُهيل
،
وعندما رآه الرجل تذكّر
النصيحة التي قالها له الشيخ:
" إذا طلع سهيل لا تأمَن للسيل "
ففرّ مذعوراً ، وأيقظَ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة ،
وطلب منه
أن يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي ،
ولكن المضيف سخر منه ومن قلّة عقله ولم يكترث
له ولم يأبه لكلامه ،
فقال والله لقد اشتريت النصيحة ببعير ولن أنام في قاع هذا الوادي ، فقرر أن يبيت
على مكان مرتفع ،
فأخذ جاعِدَهُ ونام على مكان مرتفع بجانب الوادي .
وفي أواخر الليل جاء السيل يهدر كالرعد فأخذ البيوت والعربان ، ولم يُبقِ سوى بعض المواشي .
وساق الرجل ما تبقى من المواشي وأضافها إلى مواشيه ، وأنعق لها فتبعته وسار في طريقه عدة أيام
حتى وصل في أحد الأيام إلى بيت في الصحراء ، فرحب به صاحب البيت وكان رجلاً نحيفاً خفيف
الحركة ،
وأخذ يزيد في الترحيب به والتذبذب إليه حتى أوجس منه خيفة ، فنظر إليه وإذا به
" ذو
عيون بُرْق وأسنان فُرْق "
فقال : آه هذا الذي حذّرني عنه الشيخ ، إن به نفس المواصفات لا ينقص
منها شيء .
وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت قريباً من مواشيه وأغنامـه ، وأخذ فراشه وجَرَّه
في ناحية ،
ولكنه وضع حجارة تحت اللحاف ، وانتحى مكاناً غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه ،
وبعد
أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام ،خاصة بعد أن لم يرَ حراكاً له ، أخذ يقترب منه على رؤوس أصابعه
حتى وصله ولما لم يسمع منه أية حركة تأكد له أنه نائم بالفعل ، فعاد وأخذ سيفه وتقدم منه ببطء
ثم
هوى عليه بسيفه بضربه شديدة ، ولكن الضيف كان يقف وراءه فقال له : لقد اشتريت والله النصيحة
ببعير
ثم ضربه بسيفه فقتلـه ، وساق ماشيته وغاب في أعماق الصحراء
.
وبعد مسيرة عدة أيام وصل في ساعات الليل إلى منطقة أهله ، فوجد مضارب قومه على حالها ،
فترك
ماشيته خارج الحيّ ، وسار ناحية بيته ورفع الرواق ودخل البيت,
فوجد زوجته نائمة وبجانبها شاب
طويل الشعر ، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه
وأراد أن يهوى به على رؤوس الأثنين ، وفجأة
تذكر النصيحة الثالثة التي تقول
" نام على الندم ولا تنام على الدم "
، فبردت أعصابه وهدأ قليلاً
فتركهم على حالهم ، وخرج من البيت وعاد إلى أغنامه ونام عندها حتى الصباح ،
وبعد شروق الشمس
ساق أغنامه واقترب من البيت فعرفه الناس ورحبوا به ،
واستقبله أهل بيته وقالوا : والله من زمان
يا رجل ، لقد تركتنا منذ فترة طويلة ،
انظر كيف كبر خلالها ابنك حتى أصبح رجلاً ، ونظر الرجل إلى
ابنه وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالأمس
بجانب زوجته فحمد الله على سلامتهم ، وشكر ربه أن
هداه إلى عدم قتلهم
وقال بينه وبين نفسه والله إن كل نصيحة أحسن من بعير ،
وهكذا فإن النصيحة لا
تقدّر بثمن إذا فهمناها وعملنا بها في الوقت المناسب .
وسلامتكم
أسد نجد
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن المشاركات التي كتبها أسد نجد