عرض مشاركة واحدة
قديم 10-08-2011, 02:54 PM   #118
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

6

وفي الليلة التالية استأنفت شهرزاد الحكاية ، قالت :

بلغني أيها الملك السعيد أن الأمير موسى لما رأى هذه الجارية تعجب غاية العجب من جمالها
وتحير من حسنها وحمرة خديها وسواد شعرها

يظن الناظر أنها بالحياة وليست ميتة ، فقالوا لها :
السلام عليكِ أيتها الجارية ،
فقال لهم طالب بن سهل أصلح الله شأنكم اعلموا أن هذه الجارية ميتة لا روح فيها فمن أين لها أن ترد السلام ؟
ثم إن طالب بن سهل قال للأمير :
إنها صورة مدبرة بالحكمة وقد قلعت عيناها بعد موتها وجعل تحتها زئبق وأعيدتا إلى مكانهما
فهما يلمعان كأنما يحركهما الهدب يتخيل للناظر أنها ترمش بعينيها وهي ميتة ،

فقال الأمير موسى :

سبحان الذي قهر العباد بالموت .
وأما السرير الذي عليه الجارية فله درج وعلى الدرج عبدان أحدهما أبيض ، والآخر أسود بيد أحدهما آلة من الفولاذ ،

وبيد الآخر سيف مجوهر يخطف الأبصار وبين يدي العبدين لوح من ذهب وفيه كتابة تقرأ وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله خالق الإنسان وهو رب الأرباب ومسبب الأسباب
بسم الله الباقي السرمدي بسم الله مقدر القضاء والقدر

يا ابن آدم ما أجهلك بطول الأمل وما أسهاك عن حلول الأجل

أما علمت أن الموت لك قد دعا وإلى قبض روحك قد سعى فكن على أهبة الرحيل وتزود من الدنيا فستفارقها بعد قليل .
أين آدم أبو البشر أين نوح وما نسل أين الملوك الأكاسرة والقياصرة أين ملوك الهند والعراق
أين ملوك الآفاق أين ملوك العمالقة أين الجبابرة ؟

لقد خلت منهم الديار وقد فارقوا الأهل والأوطان أين ملوك العجم والعرب لقد ماتوا بأجمعهم وصاروا رمماً أين السادة ذوو الرتب ؟
لقد ماتوا جميعاً


أين قارون وهامان أين شداد بن عاد بن كنعان وذووا الأوتاد قرضهم الله قارض الأعمار وخلى منهم الديار
فهل قدموا ليوم الميعاد واستعدوا لجواب رب العباد

يا هذا إن كنت لا تعرفني فأنا أُعرّفك باسمي ونسبي
أنا ترمزين بنت عمالقة الملوك من الذين عدلوا في البلاد وملكت ما لم يملكه أحد من الملوك ،

وعدلت في القضية وأنصفت بين الرعية وأعطيت ووهبت ،
وقد عشت زمناً طويلاً في سرور وعيش رغيد وأعتقت الجواري والعبيد حتى نزل بي طارق وحلت بين يدي الرزايا

وذلك أنه قد تواترت علينا سبع سنين لم ينزل علينا ماء من السماء ولا نبت لنا عشب على وجه الأرض فأكلنا ما كان عندنا من القوت فلم يجدوه ثم عادوا إلينا بالمال بعد طول الغيبة فحينئذ أظهرنا أموالنا وذخائرنا وأغلقنا أبواب الحصون التي بمدينتنا
وسلمنا الحكم لربنا وفوضنا أمرنا لمالكنا فمتنا جميعاً كما ترانا وتركنا ما عمرنا وما ادخرنا فهذا هو الخبر وما بعد العين إلا الأثر . وقد نظروا في أسفل اللوح فرأوا مكتوباً فيه هذه الأبيات

بني آدم لا يهزأ بك الأمل*****عن كل ما ادخرت كفاك ترتحلوا
أراك ترغب في الدنيا وزينتها*****وقد سعى قبلك الماضون والأول
قد حصلوا المال من حل ومن حرم*****فلم يرد القضا لما انتهى الأجل
قادوا العساكر أفواجاً وقد جمعوا*****فخلفوا المال والبنيان وارتحلوا
إلى قبور وضيق في الثرى رقدوا*****وقد أقاموا به رهناً بما عملوا
كأنما الركب قد حطوا رحالهمو*****في جنح ليل بدار ما بها نزل
فقال صاحبها يا قوم ليس لكم*****فيها مقام فشدوا بعد ما نزلوا
فكلهم خائف أضحى بها وجلا*****ولا يطيب له حل ومرتحل
فقدم الزاد من خير تسير غدا*****وليس إلا بتقوى ربك العمل


فبكى الأمير موسى لما سمع هذا الكلام والذي قرأه عليه الشيخ عبد الصمد :
والله إن التقوى هي رأس الأمور والتحقيق والركن الوثيق وإن الموت هو الحق المبين، والوعد اليقين
فراع فيه يا هذا المرجع والمآب واعتبر بمن سلف قبلك في التراب وبادر إلى سبيل الميعاد،
أما ترى الشيب إلى القبر دعاك وبياض شعرك على نفسك قد نعاك فكن على يقظة الرحيل والحساب،
يا ابن آدم ما أقسى قلبك فما غرك بربك أين الأمراء السالفة العبرة لمن يعتبر ،
أين ملوك الصين أهل البأس والتمكين، أين عاد بن شداد وما بنى وعمر ابن النمرود والذي طغى وتجبر، أين فرعون الذي جحد وكفر؟
كلهم قد قهرهم الموت على الأثر ، فما بقي صغيراً ولا كبيراً ولا أنثى ولا ذكر قرضهم قارض الأعمار ومكور الليل على النهار اعلم أيها الواصل إلى هذا المكان ممن رآنا أنه لا يغتر بشيء من الدنيا وحطامها،
فإنها غدارة مكارة ودار بور وغرو، فطوبى لعبد ذكر ذنبه وخشي ربه وأحسن المعاملة وقدم الزاد ليوم المعاد
فمن وصل إلى مدينتنا ودخلها وسهل الله عليه دخولها فيأخذ من المال ما يقدر عليه ولا يمس من فوق جسدي شيئاً
فإنه ستر لعورتي وجهازي من الدنيا
فليتق الله ولا يسلب منه شيئاً فيهلك نفسه ، وقد جعلت ذلك نصيحة مني إليه وأمانة مني لديه والسلام ، فأسأل الله أن يكفيكم شر البلايا والسقام .

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح


يتبع
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس