و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
الموهبة و الملكة تحتاجان إلى توجيهٍ و تطوير و لا تخضعان لعمر الإنسان و إنما لسنوات التجربة و الممارسة فالنابغة و عنترة لم يبرزا و ما استوت شاعريتهما إلا بعد الأربعين ... فالبعض لديه الملكة و الموهبة إلا أنه أهمل أن يستفيد وما بحث عمّن يفيده و لا في المفيد فهو يغفل علوم الشعر ـ و ليس الشعر ـ ولا يتزود من هذه العلوم بشيء و لا يستنبط مما يقرأ من شعر أحكامًا و معارف و أسسًا تُراعى تتعلق بالوزن و بجوازات البحور و بالقوافي ...
و لكن ما كل ناظمٍ شاعر ولا كل من يحسن علوم الشعر المتعلقة بعروضه ... فالشعر إن لم يخاطب القلب و العاطفة ، و كان خليًّا من الصور و الخيال فهو شعرُ بلا روح أو ـ كما نقول ـ نظمٌ و تنظيم ... و قد قيل الشعراء أربعة : فشاعر يجري ولا يُجرى معه، وشاعر يجولُ وسْط المعمعة، وشاعر لا تشتهي أن تسمعه، وشاعر لا تستحي أن تصفعه :
[poem=font="Simplified Arabic,6,red,bold,italic" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""] إذا الشعر لم يهززك عند سماعه=فليس خليفًا أن يقال له شعر
[/poem]إن الناظم يهتم بالشكل الشعري أو الوزن أكثر من غيره كألفية ابن مالك فلا يهدف للحديث عن تجربة شعرية وجدانية.و يهمل ركبين من أركان الشعر و هما روجاه العاطفة و الخيال أو الصورة
أما الشاعر هو من يعتمد الشعور والتجربة الشعورية والعاطفية محوراً في نظمه و شعره و لا يهمل
الصور البلاغية والأخيلات والإيحاءات الفنية الساحرة.
و الجرجاني فرّق بين النظم والشعر في وابن خلدون ، و أدوات الشعر و الشاعرية هي الخيال والصورة والمعنى في تركيبٍ محكمٍ لا تكاد تجد فيه ضرورات و مخالفات نحوية تنتظم في وزنٍ سليمٍ صحيحٍ و قافيةٍ . وقال أحمد شوقي :
[poem=font="Simplified Arabic,6,red,bold,italic" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""] الشعر إن لم يكن ذكرى و عاطفةّ=أو حكمةً فهو تقطيعٌ و أوزان
[/poem]والشاعر ونعني به الشّاعر لا النّظّام ينسج لمشاعره و أحاسيسه وأفكاره تماثيل من الألفاظ و القوافي و الصور و الأخيلة وبالتّدريج هم الشعراء حسب قواهم الفنّيّة والأدبيّة .
أمّا النّظّام فغايته الوزن و القالب ، فلا يستقيم له خيالٌ و لا تجد في شعره ما يستهويك ،حتى أن متلقي نظمه لا يطرب لنظمه ، و لا تجد الواردين شعره كثر ممن يتذوقون الشعر ، و من ورد من المتذوقين لا يعود أخرى و لا يتزود سوى بقراءةٍ سريعةٍ .
أمّا الشّاعر قد لا تفهمه لأول قراءة و لا نهتمّ به إلا أن الجمال كالشّمس –لا يختفي و ستجدك يومًا تطرب لبيتٍ قرأته له أو قصيدة ...
و الناظم إن حاز شهرة فهي وقتيّة تزول بزوال داعي النظم و كم من نظمٍ أبرزته المناسبات و المحافل و ربما الصلات و ماكان ليبرز .
أبا نورة
أ لم تطرب لشعرٍ قرأته أو لبيتٍ سمعته ؟
ما تطرب له عن ذائقةٍ هو الشعر باختصار .