عرض مشاركة واحدة
قديم 20-11-2014, 01:58 PM   #23
عضو مميز جداً
 
الصورة الرمزية عبدالعزيز العمران
 
تم شكره :  شكر 16200 فى 3359 موضوع
عبدالعزيز العمران نسبة التقييم للعضوعبدالعزيز العمران نسبة التقييم للعضوعبدالعزيز العمران نسبة التقييم للعضوعبدالعزيز العمران نسبة التقييم للعضوعبدالعزيز العمران نسبة التقييم للعضوعبدالعزيز العمران نسبة التقييم للعضوعبدالعزيز العمران نسبة التقييم للعضوعبدالعزيز العمران نسبة التقييم للعضوعبدالعزيز العمران نسبة التقييم للعضوعبدالعزيز العمران نسبة التقييم للعضوعبدالعزيز العمران نسبة التقييم للعضو

 

رد: من قصص العشق في سدير .. (سحر العيون) ..!



سحر العيون


(الجزء الرابع والأخير)


أخبر أحمد أشقائه بنيته الزواج من وضحى.. ولم يكن أمامهم سوى الموافقة على طلبه خاصة

وأن عائلتهم الكبيرة قد طالها ضرر معنوي كبير جراء حالة الهيام التي أبتلي بها ابنهم وبالتالي أصبح

زواج أحمد من وضحى هو الحل المتاح أمامهم في ظل الأجواء التي سادت القرية .. سيما وأن هناك

من الأهالي من ذهبت به الظنون بأحمد إلى نقطة بعيدة وصلت حد اتهامه بما لا يتناسب مع وضعه

الديني والعائلي ولا يناسب أيضاً عفة ونقاء وضحى .

اجتمع أخوة أحمد في منتصف نهار أحد الأيام في مزرعته على سابق موعد الغرض منه التوجه لجيران

أحمد وخطبة ابنتهم وضحى .. كل شيء في ذلك البوم يوحي بأن شلالات الفرح قادمة لا محالة لتغمر

بعبقها المزرعة والقرية وأحمد وأهله (باستثناء فوزيه وأطفالها( ..

انتشى أحمد وشعر بأن الدنيا كلها قد بُسطت بين يديه.. ولهذا ما يبرره في نظره حيث هو الآن يخطو

الخطوة الأهم في طريقه نحو العيش تحت سقف واحد مع مالكة قلبه وسالبة عقله (المزيونة) وضحى

ولذلك قرر أن يكون ذلك اليوم مميزاً في كل شيء وقد أعد عدته لهذا الغرض .. فاختار زاوية النخل

القريبة من خيمة أهل وضحى وفرش بها قطعة من الزل وعلى بعد عدة أمتار (علق الذبيحة) وبالقرب

منها رص عيدان الحطب ونصب القدر المناسب لعدد المعازيم .. وأوقد ناراً أخرى للقهوة وبدأت رائحة

دخان الحطب تعم الأجواء.. فيما هرول باتجاه الجيران لدعوتهم حضور هذا التجمع الأسري الجميل

وطلب من والد وضحى التكرم بمشاركتهم طعام الغداء مع التأكيد على أن أهل البيت سيأتيهم نصيبهم

من الغداء في محلهم .. لم يمانع والد وضحى ، بل أنه رحب بتلك الدعوة الكريمة من أحمد واعتبرها

فرصة جيدة للتعرف على مطوع القرية وإخوته حيث سمع عنهم الكثير من (العلوم الغانمة) .. .أحمد

كان واثقاً أن الأمور ستسير على ما يرام ولذلك لم يشأ أن يلمح لوالد وضحى بما كان ينوي بل فضل

الانتظار حتى تجمعهم جلسة الغداء في هذا اليوم السعيد المختلف عن بقية الأيام ..عاد أحمد إلى أخوته

متهلل الأسارير يكسو وجهه البشر والفرح مما انعكس على نفوس أخوته وبالتالي طلبوا منه أن يغني

لهم في هذه الليلة بعض قصائده التي لا يجيد سبكها سواه :

يالله أنا طالبك يامسمح النية
يالله أنا طالبك يارافع الشان

ياونتي ونة اللي قارصه حية
كل العرب رقدو والنوم ماجاني

على عشير عسى الله يسخره ليه
يالله عسى صاحبي يجيه ماجاني

يا مل قلب تولع بالهواوية
متولع في هوى مدعوج الأعيان

أقولها ياعرب من ضيقة فيه
يوم كل رقد والجفن سهران

ماريته بينة يا وي مارية
راعي جديل يورد فوق الأمتان

والعين منها تحالي عين وكرية
هدت على جول ولاعته مسيان

ردو سلامي عليها دامها حية
وإلا فسيور عمري وعمرها فاني

الله ..الله ..اكتمل الأنس .. نخيل .. ونار ..وصوت عذب .. وفرح مرتقب .. ومن (شيلة) للثانية

والأخوة منتشون .. والجيران أيضاً نالهم حقهم من الأنس والطرب .. أقبل والد وضحى على مجلس

الأخوة ( ففزوا ) له بما يستحق من الترحيب و التقدير وأجلسوه في مكانه المناسب ودارت فناجيل

القهوة ومعها السوالف (والعلوم الغانمة) فيما كان أحمد في قمة سعادته وهو يخدم على أخوته وضيفهم

الغالي .. جهز الغداء ووضع في صينية كبيرة وقدم للضيوف وبعد الفراغ من الأكل أكملوا حلو الحديث

والسوالف الممتعة والتي كان بالطبع نجمها المتألق أحمد .. وبعد فترة أخذ الأخ الأكبر زمام الحديث وقال

لوالد وضحى : ( حياك الله في محلك وبين أهلك وأنت لحية غانمة وحنا يشرفنا أننا نطلب يد بنتك الغالية

وضحى لأخونا المطوع أحمد ...)

وهنا اعتدل والد وضحى في جلسته وبدت عليه علامات الدهشة والمفاجأة فلم يكن يتصور أن يجد نفسه

في مثل هذا الموقف .. لعدة أسباب منها أنه يرى أن أسلوب خطبة ابنته غير مناسب من وجهة نظره فمن

المفترض أن يتم هذا الأمر في سكنه وليس كما هو الحال الآن كما أن هناك سبب أهم وهو الذي رد به

عليهم حين قال : (والله يا عيالي إنكم لحوات غانمة وكسابة للطائلة ولا يقول الواحد في أحمد إلا كل خير

ولكن البنت وضحى محجر عليها من ولد عمها وهي الصحيح ما تبيه ولكن هذي سلومنا وعوايدنا )..!!

كان جواب والد وضحى مفاجئاً لأحمد وإخوته وساد بعده صمت مطبق ونظرات تائهة هنا وهناك .. مما

أجبر والد وضحى على الاستئذان و الانصراف والعودة إلى خيمته فيما بقي أحمد وأخوته في حالة ذهول

وعدم تصديق لما سمعوا من والد وضحى .





يا الله ..لقد نزل الخبر كالصاعقة على قلب أحمد الذي لم يتوقع مطلقاً مثل هذا الرد من والد وضحى

وأصبح في موقف لا يحسد عليه.. فهو الآن يواجه مشكلة يبدو أن حلها هو أقرب للمستحيل خاصة

في ظل شخصية والد وضحى القوية والجافة نوعا ما كما ظهر من خلال الجلسة التي جمعتهم .. جلس

أحمد القرفصاء على الأرض ولم تعد أقدامه قادرة على حمل جسده ولم ينبس ببنت شفة.. فلا هو بالميت

ولا هو بالحي .. تحلق حوله أخوته يخففون عنه ويهونون الأمر عليه ويحثونه على ذكر الله و الاستعاذة

من الشيطان فبدأت نفسه تعود إلى الهدوء شيئاً فشيئاً و (عضد) له أخوته وعادوا به إلى القرية ولكن

ليس إلى بيته فحالته لا تسمح له بمواجهة زوجته فوزية التي بلغ بها الترقب والقلق وألم الجرح مداه

بل أخذه أخوته إلى بيت العائلة وقرروا إبقاءه هناك تحت رعايتهم إلى أن يتمكن من تجاوز الحالة التي

هو فيها .. وغادر اثنين من أخوته وبقي الأخ الأصغر ( فهد) بجواره ولكن النوم غالبه فيما بقي أحمد

مستيقظاً يبحث عن بوح يخفف معاناته التي توشك أن توقف قلبه عن الخفقان .. وقد وجد هذا البوح في

هذه الأبيات التي تعبر عن مكنونه وتصور حالته :

آه من عين قضى دمعها كله
كنها عن لذة النوم مشغوفة

يا محجرة البني ما لكم ملة
ما بكم رجل فهيم وعاروفة

ما تخلون المولع على حله
لين يروى من هوى الزين بكفوفه

بو جديل فوق حلو النحر فله
أشقر يضفي على حد سرجوفه

وبعد أن أنهى غناءها بصوته المتحشرج الحزين أصابه ما يشبه الغيبوبة فتحول من وضع الجلوس إلى

التمدد على الأرض .. وانتبه له شقيقه فهد فقام باحتضانه وهو يصيح بأعلى صوته منادياً والدته التي

هرعت إلى حيث هم وحين رأت أحمد على هذه الحال اقتربت منه واحتضنته هي الأخرى وهي في حالة

من البكاء والتضرع إلى الله بأن يفرج عن أحمد ويخفف عنه ويثبته .. ولكن هيهات فقد بلغ الأمر به مبلغاً

من الصعب أن يتجاوزه ..

استمر أحمد على هذه الحال يغيب عن الوعي تارة ويصحو تارة أخرى وسط حسرة أمه وشقيقه حتى أذن

الفجر..وهنا أشارت الأم لابنها علي بأن يبلغ شقيقه محمد بضرورة أن يؤم الجماعة لصلاة الفجر في ظل

عجز أحمد عن القيام بهذه المهمة .

ومرت أول ليلة على أحمد بطولها ومرارة أحداثها.. ثم تبعتها أيام وليالٍ أخرى لم تكن أفضل حالاً من تلك

الليلة المشئومة .. وبدأت صحة أحمد في التناقص من يوم إلى آخر حتى أوهنه المرض وأصبح عاجزاًعن

الحركة .. بينما أهله وزوجته فوزية وأطفالها لا حول لهم ولا قوة .

على الجانب الآخر كانت أخبار أحمد تصل أولاً بأول إلى حبيبته وضحى عن طريق أمها التي تزور بيت

أهله ما بين فترة وأخرى كمرسال خفي بين الحبيبين .. وانعكس ذلك على وضحى وأصبحت في حال لا

تسر الصديق ولا حتى العدو .. وصحتها تتدهور مما أجبر والدها على اتخاذ قرار الرحيل من محيط القرية

إلى مكان بعيد أملاً في أن تنسى وضحى حبيبها أحمد.. وبالفعل تم طي الخيام وجمع الأغراض وسط أجواء

حزينة كئيبة كانت أكثر وضوحاً على وجه وضحى التي اتجهت إلى (النخل) لإلقاء النظرة الأخيرة على

(أماكن) جمعتها مع حبيبها أحمد .. كانت تمشي وهي تتعثر والدموع تنهمر من عينيها الجميلتين كلما شاهدت

أثراً لحبيبها .. وبدت النخيل وكأنها تشاركها البكاء .. كان كل شيء حزين ويوحي بالكآبة عادت وضحى

إلى أهلها اللذين شدوا على مطاياهم مبتعدين عن القرية رويداً رويداً فيما وضحى تلتفت في كل خطوة نحو

القرية و(نخل( أحمد حتى غابت عن مرمى بصرها ثم حولت نظرها إلى مجاهل الصحراء الممتدة أمامها .

بلغ أحمد خبر رحيل وضحى مع أهلها فساءت أحواله أكثر وأكثر وهزل جسده وتدهورت صحته فأيقن بحسه

المرهف وبدلالة وضعه الحالي أنه بات إلى الموت أقرب من أي وقت مضى ...

وفي أحد الليالي دخل عليه شقيقه فهد في غرفته وكان بين يديه ورقة كتبت فيها هذه القصيدة :

ياحافرين القبر .. خلوه منزالي
واللي على قد راسي لا تغطونه

خلوني أشوف من سير ومن جالي
وأشوف غض النهد يمشي على هونه

غض النهد إن مشى في وادي سالي
تلقى النفل والزبيدي منه يجنونه

له مشية ما مشاها أول ولا تالي
واللي خلافه.. وقدامه .. يراعونه

حب الحبيب صبغ ما عاد ينجالي
لو كل يوم بصافي الما يغسلونه

كان فهد وهو يقرأ القصيدة يظن أن أحمد مستغرق في النوم ولكن حين أكمل قراءتها انتبه للموقف واتجه

إليه وحركه بيده وهو يناديه : ( أحمد .. أخوي أحمد .. أحمد .. ) .. ولكن أحمداً لم يجب.. فقد أسلم الروح

لبارئها فانكب عليه محتضناً إياه في حالة من اللوعة والأسى والبكاء المرير.. سمعت الأم بكاء فهد وهرعت

إلى حيث هم وحين دخلت عليهم رأت أسوأ منظر يمكن أن تشاهده أم .. ابن كان من أجمل الناس وأكثرهم

أدباً وعلماً أصبح جثة هامدة وابن آخر ينوح حزناً على فقد أخيه .. رفعت الأم بصرها إلى السماء وقلبها

يتمزق وكبدها تكاد تنفطر وقالت : لا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون . .ووضعت رأسها بين

يديها وراحت في نوبة من البكاء الأقرب للنواح .. ولا ملامة عليها في مثل هذا الموقف الرهيب..




انتشر خبر وفاة أحمد لدى الأهالي في جلاجل وتوافدوا على بيت أهله ومن بينهم زوجته الطيبة فوزية التي

جاءت مع أبنائها باكية تترنح في مشيتها وتكاد لا تحملها قدماها ولا ترى شيئاً في الطريق أمامها مما أثار

شفقة الأهالي وتعاطفهم خاصة حين رأوا أطفالها اليتامى وهم يحاولون مساعدة أمهم للوصول إلى بيت جدهم

تم تجهيز جنازة أحمد ودفنه في مشهد مهيب يليق به وبمكانته وسط حسرة الجميع في جلاجل وبالأخص

فوزية وأطفالها .

تناقلت الركبان قصيدة أحمد الأخيرة حتى وصلت إلى أماكن بعيدة ومنها المكان الذي تقيم فيه وضحى وحين

سمعتها وعرفت اسم قائلها أدركت أن أمراً ما قد حل بحبيبها وعندئذٍ أصرت على الذهاب إلى ديار أحمد

لتلمس أخباره والتـأكد مما انتشر بين الناس .. وأذعن والدها لطلبها ولكنه رفض مرافقتها تاركاً المهمة

لأمها التي وافقت رأفة بحال ابنتها .. سارت الأم وابنتها في الطريق المؤدي إلى جلاجل بهمة ونشاط إلى

أن أصبحوا على مقربة منها وقد صادف وصولهم عصر يوم الجمعة واتجهوا مباشر ة إلى وسط القرية

حيث المسجد الجامع والساحة الصغيرة المجاورة (المجلس ) التي يتم عرض بعض البضائع البسيطة فيها

ولكنهم سمعوا (المحرج) ينادي على مجموعة من الأغراض التي كان من عادة أهل القرى بيعها بعد وفاة

صاحبها .. وسألت وضحى وأمها عن صاحب هذه الأغراض وكانت الإجابة بأنها أغراض المطوع أحمد

انسحبت وضحى من التجمع وهي في حالة من الصمت والذهول واتجهت إلى أحد زوايا الساحة الصغيرة

والحسرة تأكل قلبها ورفعت صوتها ببيتين من الشعر على وزن قصيدة أحمد التي كانت تحفظها :

سمعت عقب العصر صياح رجالي
واثره حراج على قشه يبيعونه

يبكي عليه القصر والمجلس العالي
حتى المعاميل ودلاله ينوحونه

وحين أكملت البيتين شهقت شهقة سمعها أغلب الحاضرين وتهاوى جسدها وسقط بعنف على الأرض جثة

هامدة في منظر مأساوي أفجع وأذهل الحاضرين في السوق وسط صراخ أمها وحسرتها .. في حين قام

بعضهم بتغطية ما ظهر من جسدها وحملها وتجهيزها .. وتم دفنها بناء على رغبة والدتها في نفس المكان

الذي كانت قد أقيمت عليه خيمتهم بجوار المزرعة .

رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته .


-

شكراً لكم أهلي .. وعلى دروب الود نلتقي .

-
التوقيع
عبدالعزيز العمران غير متصل   رد مع اقتباس