عرض مشاركة واحدة
قديم 22-05-2006, 11:31 AM   #40
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أمير سدير
 
تم شكره :  شكر 164 فى 141 موضوع
أمير سدير has a spectacular aura aboutأمير سدير has a spectacular aura aboutأمير سدير has a spectacular aura aboutأمير سدير has a spectacular aura aboutأمير سدير has a spectacular aura about

 

رد على: رحلتي الى النور !!

الحلقة التاسعة والثلاثون

انتهت تلك الجلسة الممتعة وخرجنا من بيت الأستاذ عبد الرحمن المحمودي..
وتوجهنا لبيت مضيفنا الشيخ صالح الزامل..
تلك الليلة لها مذاق خاص وطعم خاص..
لقد تغيرت حياتي تماما ذلك اليوم..
لقد انتهت تلك المحنة التي صارت كالسيف المصلت على عنقي
والذي كنت أنتظره أن يدنو يوما من عنقي فيقطعه !!
ولكن الله تعالى بدل حالي وغير مجرى حياتي ..
لقد كان لتلك الليلة بحق وذلك اليوم وضع فريد لي..
فلقد قابلت أبي ..
ورآه شيخنا .. وأرضاه وأقنعه ببقائي عنده تحت رعايته ومسئوليته
وحلت عقدة هروبي وانتهت بلا رجعة والحمد لله..
أصبح بقائي للدراسة عند الشيخ شرعيا..
زادت ثقتي بنفسي..
وقويت عزيمتي ..
وارتفعت همتي..
ووضح مقصدي وهدفي..
وتغيرت ملامح وجهي !!
فكان وجه الواثق لا وجه الخائف المرتاب!!
وبدأت من تلك الليلة تكوين شخصيتي الجديدة..
شخصية الطالب المجد الواثق من أصله ونسبه ونفسه !!!
فهذه نعم تترى ومنن جليلة أعجز عن شكر الخالق سبحانه عليها
مدى عمري فله الحمد وحده والثناء ...
عدنا فوجدنا مكان النوم معدا لنا جميعا..
أنا وشيخنا وعبد العزيز في غرفة سويا..
والإخوة الآخرون في غرفة مجاورة..
حتى شيخنا رحمه الله شعرت منه تلك الليلة تبدلا وتغيرا ..
فرحا بانتهاء مشكلتي مع الوالد ...
كنت ألهو مع الأخ عبد العزيز وأريه بعض التمارين الرياضية
وهو تمرين الضغط برفع الجسم بالاعتماد على اليدين!!
فلمحنا الشيخ ..
فجاء إلينا وقال: ماذا تفعلان؟؟
فقلنا: نتدرب !!
فقال: ألا تريداني أن أتدرب معكما ؟؟
تبادلت النظرات مع عبد العزيز .. فانحنى الشيخ ولم ينتظر جوابنا..
وضغط وعجزنا أن نجاريه في ذلك!!
شيخنا من رآه ولم يخبر طباعه ويعاشره فإنه يخشاه ويمتلئ قلبه
مهابة منه..
ولقد رأيت أشخاصا يتحدثون مع الشيخ والعرق يتصبب من وجوههم
هيبة منه ..
ولكن من عرفه وعاشره وعاش قريبا منه ..
يرى شخصية أخرى مختلفة وفريدة ..
تلزمك بمحبته والإعجاب بشخصه...
شخصيته جمعت بين الحزم واللين..
و جمعت بين المهابة والجلال والرحمة واللطف ..
وبين الشجاعة والسماحة..
وبين علو الهمة والتواضع ..
وبين الجد والمرح..
و جمعت بين الفصاحة وحسن المنطق والتبسط في الحديث..
هو بشر ككل البشر .. يصيبه ما يصيبهم ..
يغضب ويحزن ويتألم .. ويضحك ويمزح ويمازح..
ولكن الله تعالى وهبه علما كالجبال وإيمانا وخلقا وعقلا راجحا..
ووفقه وهداه .. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..
طلبت من الشيخ تلك الليلة أن يوقظني معه لصلاة الليل ..
من عادة الشيخ أن ينام على الأرض ..دون مراتب أو أسرة..
وذلك في كل أسفاره ... وكنت أفعل مثله واعتدت على ذلك..
فهو لا يطلب سوى وسائد يضعها تحت رأسه..
يخلع عمامته ثم يقوم بتمريرها على الأرض ثلاث مرات
ثم يقرأ أذكار النوم وينفث على يديه ويمسح بها على جسده
كما هي السنة..
ثم يلف عمامته على وجهه ولا يخلع ثوبه ..
ويستلقي على يمينه ثم ينام..
يستيقظ شيخنا على جرس ساعته المنبهة التي يحملها دوما في أسفاره
وذلك قبل الفجر بساعة تقريبا..
أوقظني تلك الليلة ..
فتوضأت ..
وصليت الوتر سريعا.. وجلست أراقب الشيخ ماذا يفعل..
صلى ركعتين خفيفتين..
ثم صلى خمس ركعات تقريبا .. وأتم القراءة فيها والركوع والسجود..
وختمها بقنوت طويل بتبتل وخضوع..
حتى أذن الفجر...
حينما ختم وتره رفع صوته بالذكر..
سبحان الملك القدوس ثلاث مرات.. يمد بها صوته كما هي السنة..
صلينا الفجر ثم عدنا للمنزل فنام حتى وقت الضحى..
استيقظنا وأفطرنا ثم توجهنا لاستكمال برنامج الشيخ..
مكثنا في جده يوما أو يومين نسيت ذلك!!
ثم رجعنا للقصيم...
وصلنا للمطار فاستقبلنا الشيخ خالد المصلح نسيب الشيخ..
وفي الطريق أوقفنا كما هي عادة شيخنا أمام أحد مساجد عنيزة
وصلى فيها ركعتي القدوم من السفر...
أنزلوني أمام سكن الطلاب وتوجه شيخنا لبيته..
حضرت الدرس ذلك اليوم .. ولكن بوجه جديد وعزيمة كالحديد!!
تفاجأ جاري بوجودي .. شعرت بذلك ولو لم أبصره بعيني!!
من خلال حركاته وارتباكه ثم صمته ...
والله شاهد سبحانه.. ومطلع عما عزم عليه..
عدت لبرنامجي المعتاد .. واشتريت كتبا حديثة الطبع..
وحصلت بالمجان على كمية لا بأس بها من الكتب والمراجع المهمة..
حيث خاطب الشيخ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
بطلب كتب لي من مطبوعات الجامعة ..
فبعثوا لي كراتين مليئة بالمجلدات الفاخرة من مطبوعاتها ومنها
درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية..
ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية أيضا ..
ومجموع الفتاوى له وغيرها مما لا يحضرني..
انتقلت لغرفة أخرى وذلك بأمر شيخنا ..
حيث اختار لي أن يكون زميلي في الغرفة الأخ محبوب الباكستاني وهو من خيرة طلبة شيخنا خلقا وأدبا وعقلا ..
كان يحضر الدكتوراه حينها في مادة الحديث فكانت صحبته ومرافقته مكسبا ثمينا لي.. غير أنه كان كثير الأسفار لمدينة الرياض لمتابعة شئون رسالته .. فكنت أبقى في أحيان كثيرة لوحدي..
وضعت لنفسي برنامجا صارما تحت إشراف شيخنا ..
مليء بالحفظ والمراجعة وكتابة البحوث والقراءة ونحوها..
وكنت كلما أشكلت علي قضية أو مسألة دونتها في أوراق عندي ثم أقرأها على الشيخ وأسجل أجوبته بعد الصلوات فيفك طلاسمها بكل براعة
ويحل عقدها بكل ثقة ..
بخصوص الدراسة النظامية وبما انه قد مرت فترة طويلة على ابتداء الفصل الدراسي فقد أخرت الالتحاق بالمدرسة حتى الفصل التالي حيث يسمح النظام الثانوي المطور بذلك...
مما منحني فرصة الانصراف الكامل لطلب العلم في حلقة الشيخ...
ذات مرة أخبرني الشيخ بأن أمير القصيم وهو الأمير عبد الإله بن عبدا لعزيز سوف يقدم لزيارة سكن طلاب الشيخ..
حضر الشيخ للدرس تلك الليلة كما هو المعتاد..
ولم يتغير من نمط الدرس شيء..
سوى أن المنطقة المحاطة بالجامع قد اكتضت بالعساكر والشرط استعدادا لقدوم الأمير...
في خلال الدرس دخل أحد رجال الشرط وتقدم إلى الشيخ وهمس في أذنه..
فقال شيخنا... ورفع بها صوته: بلغ الأمير أن يتفضل في المسجد ويحضر الدرس ...!!
خرج رجل الشرطة من المسجد ..
ورجع مرة أخرى وعلى وجهه علامات الخوف والوجل والتحرج ..
فهمس مرة أخرى في أذن الشيخ ..
فقال شيخنا للطلبة: انتظروني قليلا وسأرجع..
وخرج حافيا وسلم على الأمير وطلب منه حضور الدرس مع الطلاب حيث أنه لا يستطيع قطع درسه !!
دخل الأمير وحاشيته وحرسه وتسننوا في الصف الأول وجلسوا لاستماع الدرس.. وانتظار الصلاة..
استكمل شيخنا درسه الأول والثاني بعد الأذان كما هي العادة..
ثم صلينا العشاء...
بعد الصلاة نادى علي الشيخ ...!!
وكنت كما هي عادتي أصلي بجوار المؤذن..
فتقدمت إليه .. وقال لي : اذهب وانتظرني في غرفتك فسوف
أزورها مع الأمير!!
نظرت في وجهه وبحلقت فيه !!
فقال: هيا انطلق..!!
انطلقت كالمجنون لا الوي على شيء ولا ادري ماذا افعل..
صعدت لغرفتي وقمت بكنسها وترتيبها وتطييبها ..
ولكن لا يصلح العطار ما أفسده الدهر!!
خجلت وتمنيت أن يصرف الشيخ الأمير لغرف أخرى أحسن حالا
وتنظيما وأكثر بهاء ..
تجول شيخنا مع الأمير في داخل السكن..
وأراه المكتبة وقاعة الطعام المتواضعة..
ثم صعدا للدور الثالث ثم للرابع حيث أنا في انتظارهم..
دخل الأمير وهو ممسك بيد الشيخ..
وخلفهما حشد هائل من الناس والعسكر ...
ووقفا باب غرفتي الصغيرة ..!!
وتجول الأمير بنظره فلم ير شيئا يستحق النظر سوى عدد من الكتب والدفاتر وعدة الطلب!!
فقال لي الأمير ... ما اسمك؟؟
فقلت : فلان بن فلان الفلاني.. دون تردد ووجل!!
فقال: ونعم فيك !! فرددت تحيته ..
ثم قال : اجتهد في العلم..وفقك الله..
وانصرفا ..

التوقيع
أمير سدير غير متصل   رد مع اقتباس