كلنا ميتون وإلى الله راجعون قال تعالى إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ [الزمر:30]. كل حى إلى ممات . وكل نفس إلى فوات . ولو جعل الله الخلود لأحد من خلقه لكان ذلك لأنبيائه المطهرين ورسله المقربين . فالموت حتم لا محيص عنه . ولا مفر منه . يصل إلينا في بطون الأودية . وعلى رؤوس الجبال . فوق الهواء . وتحت الماء . فلا ينجو منه ملوك الأرض ولا ملائكة السماء . ولا إنس ولا جان ولا حيوان . ولو كانوا في بطون البروج وغياهب الحصون . أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [النساء:78]. ولو نجا أحد من الموت لبسطة في جسمه أو وقوة في بدنه . أو وفرة في ماله أو سعة في سلطانه وملكه . لنجا من الموت الكثير . وإلا فأين عاد وثمود ؟ وفرعون ذو الأوتاد؟ أين الأكاسرة؟ وأين القياصرة؟ أين الجبابرة والصناديد الأبطال؟ الموت لا ينقر على باب . ولا يهاب حجاب . ولا يوقر الكبير . و لا يرحم الصغير ينتزع الطفل من حضن أمه . الموت يهجم على الشاب الفتي . والفارس القوي. الموت سر من الأسرار التي حيرت الألباب . وأذهلت العقول . وتركت الفلاسفة مبهوتين . وجعلت الأطباء مدهوشين . الموت كلمة ترتج لها القلوب . وتقشعر منها الجلود . ما ذكر في قوم إلا ملكتهم الخشية . وأخذتهم العبرة . وأحسوا بالتفريط . وشعروا بالتقصير . فندموا على ما مضى . وأنابوا إلى ربهم . إن نسيان الموت ضلال مبين . وبلاء عظيم . ما نسيه أحد إلا طغى . وما غفل عنه امرؤٌ إلا غوى . فاتقوا الله حق تقواه . وراقبوه مراقبة من يخافه ويخشاه . واعلموا أن أقدامكم لا تقوى على النار وكونوا على يقين أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيرَكم . وسيتخطى غيركم إليكم فتموتون . فخذوا حِذركم فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت فقد أفلح من زكاها . والعاجز من أتبع نفسه هواها . وتمنى على الله الأماني وقد خاب من دساها وجزاكم الله كل خير