6– الصدام مع السلطة الهاشمية :
الصدام لا يعني بالضرورة الحرب ، لكنه يدخل في مصطلح حوار الإرادات ، لهذا فإن الصدام قد يكون نوعاً من المناوشات الحدودية ، وهو ما حدث بين الملك عبدالعزيز والسلطة الهاشمية في تربة وبيشه والخرمة .
لقد كان طبيعياً أن تحدث هذه المناوشات بسبب التدخل في الحدود ، وانسياب القبائل ، وتلون المقاصد ، والدواعي الأمنية ، والتداعيات التاريخية ، لكن المناورات السياسية التي كانت ترسمها بريطانيا كان لها أكبر الأثر في اختلاف المفاهيم وتصادم المصالح .
كانت بريطانيا ترتبط بأحلاف مع بعض الزعماء العرب ، وحلفاؤهم أنواع : منهم الحليف الند ، ومنهم الحليف التابع ، فالحليف الند هو الذي وضع لسياسته ثوابت لا يقبل للغير أن يتدخل فيها ، ولا لأحد أن يتجاوزها .
فالملك عبد العزيز بفكره الإستراتيجي استطاع أن يضع له ثوابت لا يساوم عليها، لكنه يبدي مرونة فائقة في المصالح المشتركة مع الدولة والكيانات السياسية الأخرى ، لهذا كانت بريطانيا تتعامل معه من منظور يختلف في تعاملها عن بعض الزعماء العرب الآخرين .
لقد عرضت بريطانيا الخلافة على الملك عبد العزيز ، فأبى ؛ لأن في ذلك مندوحة كافية للفرقة بين المسلمين ، ولأن الخلافة لا تمنحها دولة أجنبية ؛ لأن من يعطي له أن يضع شروطه ، وله أن يمنع .
أما الشريف حسين فقد قبل العرض البريطاني بأن يكون ملكاً على العرب بناءً على معاهدة مكماهون ، ولعل هذا مما سبب للشريف حسين بن علي المتاعب على الرغم من علمه وورعه وفطنته .
أخذت قلوب القبائل في ( تربة ) تهفو إلى الدعوة السلفية التي ينادي بها ويطبقها الملك عبد العزيز ، وبدأت نفوس القبائل تمتلئ إعجاباً بانتصاراته ، لقد سارت بذكره الركبان ،وأصبح حديث المجتمعات داخل الجزيرة العربية وخارجها ، وغدا رمزاً للبطولات العربية والإسلامية .
بادرت القبائل في ( تربة ) وغيرها تتسارع إلى مبايعة الملك عبد العزيز ، وهذا ما أزعج الشريف حسين بن علي ، فجهز حملة تأديبية إلى تربة عام 1329هـ ، قادها بنفسه مصطحباً معه ابنيه علياً وفيصلاً .
اتجه جيش الشريف إلى ( القويعية ) اعتقاداً منه أنها من بعض أملاكه ، فاصطدم بمفرزة الأمير سعد بن عبد الرحمن ، ومعه أربعون من الفرسان ، وتمكن الشريف من أسر الأمير سعد ، لكن الملك عبد العزيز استطاع أن يطلق سراحه بدهاء عندما طلب من الشريف حسين تحديد الحدود بينهما ، والاعتراف بنجد ومصالحها الحيوية .
أخذت الأوضاع الدولية والإقليمية تتطور ؛ فالحرب العالمية الأولى نشبت عام 1914م ، واختار الشريف حسين خط الحلفاء ، لكن تطوراً داخلياً مهما حدث في الحجاز ؛ فالشريف خالد بن لؤي خرج عن طاعة الحسين ، واستقل بتربة ، وتحالف مع الملك عبد العزيز ضد ابن عمه الشريف حسين بن علي الذي وجه حملة تأديبية إلى (الخرمه ) بقيادة ( حمود بن زيد بن فواز ) ؛ لكنها سقطت في كمين أعده لها خالد بن لؤي.
لقد قويت شوكة ابن لؤي عندما تحالف مع الملك عبد العزيز ، فكان ذلك سبباً في التفاف القبائل حوله ، فأرسل الشريف حسين حملة أخرى بقيادة الشريف ( شاكر بن زيد ) ، لكنها لم تكن أفضل حظاً من سابقتها ، ثم بعث الشريف بحملة ثالثة بقيادة صهره ( الشريف عبد الله باشا ) يرافقه ( شاكر بن زيد ) لفتح ( الخرمة ) وإخضاع (تربة) ، لكنها لاقت بعض النجاح .
أعد الأمير عبد الله بن الحسين بن علي العدة للقضاء على خالد بن لؤي ، ومن ثم تصفية الملك عبد العزيز ، وعمل الملك عبد العزيز على القضاء على جيش الأمير عبد الله بن الحسين وتلقينه درساً لا ينسى .
واشتبكت القوات ليلة 25 شعبان 1337هـ ، وكسر جيش الشريف ، ونجا الأمير عبد الله بأعجوبة ، وهرب مع فلول المهزومين إلى الطائف ، فانتشر الرعب بين السكان، وهاجر أهل الطائف إلى مكة المكرمة جماعات ووحدانا .
استنجد الملك حسين بالإنجليز ، وتدخل السفير البريطانى بجدة ( المستر بولار ) ، وبعث خطاباً إلى الملك عبد العزيز في 15 رمضان ، ولم يشأ الملك عبد العزيز تدويل الصراع ، فانسحب إلى الرياض ، وبذلك انتهت المناوشات بين الطرفين
يتبع ،،