«اِنصَاعَ» فِي مَعْنَى «أَذْعَنَ»
يُخَطِّئُ بَعْضُهُمُ اسْتِعْمَالَ المُعَاصِرِينَ كَلِمَةَ (انصَاعَ) فِي مَعْنَى: أَذْعَنَ وَانقَادَ. قَالُوا: لأَنَّهُ لا أَصْلَ لِهَذَا الاسْتِعْمَالِ فِي كَلامِ الْعَرَبِ، وَمَجَازُهُ بَعِيدٌ؛ إِذِ (انصَاعَ) تَعْنِي: تَفَرَّقَ أَوْ هَاجَ أَوِ انْحَرَفَ. وَأَصْلُهَا مِنَ: الصَّاعِ؛ الَّذِي يُكَالُ بِهِ؛ وَتَدُورُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ النَّاسِ. ثُمَّ مِنَ الْمَجَازِ قِيلَ: الرَّاعِي يَصُوعُ إِبِلَهُ؛ وَالْكَمِيُّ يَصُوعُ أَقْرَانَهُ؛ أَيْ: يَحُوذُهُمْ؛ كَمَا يَصُوعُ الْكَائِلَ الـمَكِيلَ. ثُمَّ قِيلَ: انصَاعَ الْقَوْمُ؛ إِذَا تَفَرَّقُوا أَوْ هَاجُوا أَوِ انْحَرَفُوا.
وَالصَّوَابُ عَدَمُ التَّخْطِئَةِ؛ لأَنَّ لِهَذَا الاسْتِعْمَالِ أَصْلاً فِي كَلامِ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبِيَّةُ أَوْسَعُ مِنْ أَن نَرْتَكِنَ فِيهَا إِلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ فِي الْمَبَانِي وَالْمَعَانِي؛ لأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى لُغَاتٍ تَسْتَكِنُّ فِيهَا أَنْمَاطٌ لُّغَوِيَّةٌ مُّخْتَلِفَةٌ مِّنَ الاسْتِعْمَالِ. وَقَدْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ عَلَى أَنَّ (صَاعَ) تَعْنِي- فِي لُغَاتِ قَبَائِلِ طَيِّئٍ- سَاقَ، وَأَنَّهَا تَقُولُ: صُعْتُهُنَّ؛ تُرِيدُ: سُقْتُهُنَّ. وَانصَاعَ الْقَوْمُ؛ تُرِيدُ: انسَاقُوا؛ وَهُوَ الْمَعْنَى نَفْسُهُ الَّذِي يَسْتَعْمِلُ فِيهِ الْمُعَاصِرُونَ كَلِمَةَ (انصَاعَ).
أ.د. مُحَمَّد يَعْقُوب تُرْكِسْتَانِي