عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2010, 01:23 AM   #15
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: صـور أيـام زمـان

( 6 )

تراث الأجداد: أين الطريق؟






د. عبدالله بن إبراهيم العسكر



انتهى مهرجان الجنادرية، حيث شهد هذه السنة زخماً تراثياً وشعبياً
يدل دلالة واضحة على حب الناس للماضي واحتفائهم بثقافة الماضي وبتراث الأجداد.
وكما يُقال فإن ما ترسخ في الماضي لا يزول بسرعة

ويدل نجاح مهرجان الجنادرية رغم مرور اثنتين وعشرين سنة على قيامه
من جانب آخر على اهتمام القائمين على المشروع الحيوي بتراث المملكة والجزيرة العربية،
ومحاولة تقنينه، واستيعابه بطرق تكفل المزاوجة بين حياة الأجداد وحياة الأحفاد.
ومنذ شهر ونصف أُشهرت في جامعة الملك سعود بالرياض جمعية للهجات والتراث الشعبي.
وهي جمعية علمية تُعنى بدراسة الموروث الشعبي أياً يكون شكله ونوعه.

هذا أمر مفرح وسبب كونه مفرحاً أننا في حاجة ماسة لدراسة موروثنا الشعبي دراسة علمية مقننة.
ذلك أن الجزيرة في عمومها تحوي تراثاً شعبياً كبيراً لم يُدرس بعد الدراسة المستوفاة.
ولعل المناشط التراثية التي تقوم هنا وهناك تساعد
في الدفع والاهتمام بتراث المملكة المادي وغير المادي.
على أن قيام جمعية علمية تجعل من التراث الشعبي واللهجات مدار اهتمامها هو الحلقة المفقودة منذ زمن
ليكتمل عقد المنظومة الشعبية. والصدق أننا في حاجة إلى أكثر من جنادرية،
وفي حاجة إلى أكثر من جمعية.
ومما يكمل الحلقات الشعبية قيام متاحف في المدن الرئيسة في المملكة.
ويجادل البعض أن تلك المتاحف لم تهتم بعد بالموروث الشعبي الاهتمام الكافي،
فهي تهتم الآن بالآثار المادية منذ فجر التاريخ مروراً بالعصور القديمة، فالوسيطة وأخيراً الحديثة.
وهذا شيء جميل ومطلوب. على أن تسجيل الموروث الشعبي المادي وغير المادي
يجب أن يكون من صميم عمل المتاحف.
وإن كان نظامها لا يسمح في التوسع، فلا مفر إذن
من قيام متاحف أخرى تهتم بالموروث الشعبي، ولا بأس أن تتعدد المتاحف في المدينة الواحدة.
ذلك أن المتاحف اليوم هي مدارس ومباهج في آن واحد.

ولقد قرأت عن اهتمام هيئة السياحة بهذه المتاحف.
وأنا لا أستغرب أن تجعل الهيئة من عملها الدؤوب الاهتمام بالمتاحف،
خصوصاً بعد قيام كلية السياحة والآثار في جامعة الملك سعود.
وهي كلية يجب أن تهتم اهتماماً أكاديمياً بهذا النوع من النشاط الإنساني القديم.
وحيث إن الشيء بالشيء يُذكر فإنني أعرج على مسألة ملحة.
وهي مسألة سبق أن كتبت عنها في هذه الجريدة.
هذه المسألة هي المتاحف الشعبية الشخصية المنتشرة في بعض مدن المملكة.
ولقد تشرفت بزيارة بعضها. ووصفتها وتحدثت عن بعض محتوياتها النادرة.
وأذكر أنني قدمت عدة مقترحات للعناية بهذه المتاحف الشخصية،
لأنها رافد من روافد السياحة، وجانب من جوانب العناية بموروثنا الشعبي والمحافظة عليه.

وسأجعل مثلاً واحداً لهذا المعراج وهو المتحف الشخصي للأستاذ محمد بن عبدالعزيز القويعي.
وهو باحث نشط في ميدان التراث الشعبي المادي وغير المادي،
وهو وإن لم يتلق تعليماً متخصصاً في هذا الميدان،
إلا أن اهتمامه وانكبابه الطويلين على هذا النوع من النشاط أكسبه دراية واسعة.
ولعلي لا أُبالغ عندما أقول إنه يملك علماً كبيراً يخص المعجم التراثي الشعبي لهذه البلاد
لا يقاربه إلاّ ما كان لدى الأستاذ سعد الجنيدل - رحمه الله -
لقد قرأت ما كتبه الدكتور عبدالعزيز الخويطر عن متحف القويعي الواقع في منزله.
وبعد زمن من نشر المقال تشرفت بزيارة المتحف بصحبة الصديق الدكتور عبدالله بن ناصر الحمود،
فهالني الكم الهائل من المواد الشعبية المتعددة،
والتي يعود بعضها إلى أكثر من مئة سنة،
وهي مواد تغطي بالكامل مناحي الحياة اليومية لسكان المملكة
بدءاً من الطفولة وحتى الشيخوخة،
مروراً بالتعليم والعمل والمنزل والمزرعة والحرفة وغيرها كثير.

والأستاذ القويعي باحث نهم فقد أصدر أربعة أجزاء مهمة عنوانها: تراث الأجداد.
وأنا كمهتم بهذا النوع من الكتب أشهد أن مؤلفات القويعي جمعت كماً هائلاً من تراث كاد أن يختفي،
ثم قام المؤلف بالمقارنة والتحليل والشرح لكل مفردة شعبية.
لذا يصح أن نقول إن ما كتبه القويعي إذا جُمع مع ما كتبه عبدالكريم الجهيمان،
وسعد الجنيدل، وعبدالرحمن السويداء، وعبدالرحمن الزامل،
وعبدالله بن خميس، ومحمد بن أحمد الثميري، وغيرهم..
أقول إذا ما جمع سيشكل مكتبة تراثية شعبية مهمة.

لقد سعدت وسررت بما رأيت في متحف القويعي من مقتنيات قديمة مثل:
الملابس والأواني والأسلحة القديمة، والأدوات والألعاب الشعبية القديمة،
والاسطوانات القديمة. وهي سجل تاريخي للمسموع من الأغاني والموسيقى القديمة وآلاتها.
والأغاني الشعبية المسحوبة على الربابة.
ومما رأيت أسطوانة قديمة توضع على جهاز الهزمستر (وهو الاسم الشعبي العامي لجهاز الفونوغراف)
وأحسب أن الأسطوانة بصوت أحمد حسنين المطرب الشعبي المصري،
وهو أول مطرب عربي سجل أغانيه على أسطوانات عام 1904م.

ورأيت في متحف القويعي بعض المخطوطات كتبت بخط اليد تحوي قصائد شعبية قديمة يعود بعضها إلى سنة 1295هـ.
ورأيت صوراً بالأسود والأبيض تعود لبدايات التصوير الشمسي في المملكة.
ورأيت طوابع ومغلفات للرسائل تعود لمملكة الحجاز ولسلطنة نجد.
ورأيت عملات نادرة جداً. ورأيت أشياء كثيرة يطول الحديث عنها.
وبمقدار فرحي واغتباطي بالجولة التراثية في منزل الأستاذ القويعي،
لا أخفي حزني على طريقة تخزين ذلك الكم الهائل من الموروث الشعبي الذي لا يقدر بثمن.
فهو مرصوص في غرفة فوق السطح في أجواء لا تصلح ولا تساعد على حفظ المقتنيات.
وبعض المقتنيات مرصوصة في دواليب في الدرج المؤدي إلى السطح.
وهي موضوعة بدون ترتيب ولا تصنيف. وجملة القول إنها إلى زوال بسبب عوامل الحرارة والرطوبة والعث والغبار،
إن لم تتداركها يد حانية متخصصة.

وأنا لا ألوم الأستاذ القويعي، فهو ليس بذات يد،
وهو لا يستطيع أن يقوم بأكثر مما قام به.
وهنا أستطيع أن أقترح مخرجاً لهذا الإشكال
يخصه ويخص كل من يحتفظ بمتحف تراثي في منزله.
هذا الاقتراح يقوم على شقين أيهما يؤخذ به، يكون خيراً إن شاء الله.
الأول أن تقوم جهة رسمية مثل هيئة السياحة أو وزارة التربية والتعليم
بشراء المتاحف الشخصية من أصحابها، وتجميعها كل في منطقته أو مدينته
ووضعها في متحف رسمي، لتكون تحت بصر مختص وعنايته،
وليستفيد منها الدارس والمهتم والسائح.
فإن تعذر هذا المقترح.
فالمقترح الثاني هو أن تشكل جمعية تراثية تضم كل أصحاب المتاحف الشخصية بحيث تقوم هذه الجمعية بالعناية بالمتاحف،
وتقديم يد العون المادي والعلمي لها ولأصحابها،
وتكون الجمعية همزة وصل بين أصحاب المتاحف الشخصية والمسؤولين الرسميين
الذين يشرفون أو يديرون هذا النوع من النشاط.
ويمكن لهذه الجمعية أن تضع خطة للعناية بالمتاحف الشخصية،
ويمكن أن يكون لها جناح خاص في الجنادرية،
ويمكن أن تكون على خارطة السياحة الوطنية.
وتستطيع الجمعية أن تصدر نشرة مختصة تنشر ما يهم المتاحف الشخصية،
وتنمي هذا النوع المطلوب والمعروف في كل بلاد الدنيا.

وأختم بعنوان هذا الحديث وأسأل أين الطريق.
أعتقد أننا في بداية الطريق فيما يخص تراث الأجداد،
وفيما يخص المتاحف الشعبية التراثية،
وفي بداية الطريق فيما يخص المؤلفات التي تطال
هذا النوع من المناشط الشعبية التراثية،
وحتى المختصين عندنا ممن تلقوا دراسات تخصصية أو أكاديمية يعدون على الأصابع،
وعليه لا بد من الدفع بقوة لاستكمال هذا النشاط.
هذا النشاط هو نشاط علمي معروف. ولا يجب أن نجتهد،
نستطيع أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون.
هذا هو الطريق المستقيم والسليم.
وفي الختام أشكر الأستاذ محمد القويعي على دعوته الكريمة.
فقد كانت ليلة جميلة أمضيتها مع زميلي في متحف شخصي نادر،
وفي ضيافة شخصية تراثية نادرة.
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس