3– المواجهة الثالثة مع ابن رشيد وقتله :
التقى الملك عبد العزيز ابن رشيد للمرة الثالثة في معركة ( روضة مهنا ) ، ففاجأه صباح يوم الثامن عشر من شهر صفر عام 1324هـ ، وكان للمفاجأة التي أعدها الملك أثر في إرباك ابن رشيد وقواته ، ودخل ابن رشيد معسكر الملك عبد العزيز ظناً منه أنه معسكره ، فقتل ، وفر الباقون تاركين خيامهم وأسلحتهم وأمتعتهم .
4– وطأة الأصدقاء ومواجهتها :
انتصر الملك عبد العزيز في روضة مهنا ، وقتل خصمه اللدود ، ودانت له القصيم، ومع هذا فإن الغرور لم يعرف طريقه إلى نفس الملك ؛ لأنه كان ينسب الفضل لله وحده، لكن الحسد عرف طريقه إلى قلوب الآخرين ، فتغير بعضهم عليه ، فكان ذلك ابتلاء ، وذلك في الآتي :
أ- أخذ الأعداء في تشكيك الشيخ مبارك الصباح في نوايا الملك عبد العزيز إثر انتصاره ، فتوجس منه الشيخ مبارك ريبة .
ب- استعد آل الرشيد في حائل للانتقام ، وأخذوا في إعداد العدة لذلك .
ت- غضبت الدولة العثمانية من قتل حليفها الذي عولت عليه الكثير ، فراحت تشعل الفتن .
ث- أخذ الشريف حسين يترقب صعود نجم الملك عبد العزيز ، فبيت في نفسه أمراً .
ج- التف حول الهزازنة في الحوطة بعض الموتورين والحاسدين ، فراحوا يعلنون التمرد على الملك عبد العزيز ، ويشعلون نار الفتنة .
ح- بدأ بعض أهالي القصيم ممن يحملون الضغينة التشويش على الملك عبد العزيز والاتصال بصدقي باشا ، كل هذه التجاوزات دعت الملك عبد العزيز إلى التفكير في توسيع نطاق أمنه القومي ، فسارع إلى بريدة ، وثبت أقدامه بها ، وألقى القبض على المرجفين ، وبعثهم إلى الرياض ، وعيَّن ( محمد العبد لله أبا الخيل ) أميراً على بريدة .
5– المواجهة مع خلفاء ابن رشيد :
أصبح متعب بن عبد العزيز بن رشيد أميراً على حائل وخلفاً لأبيه ، وكان متزناً راغباً في الصلح ، فاستجاب له الملك عبد العزيز على أن تبقى حائل وملحقاتها وبادية شمر تابعة لإمارة ابن رشيد ، وباقي البلدان بما فيها القصيم تابعة للملك عبد العزيز .
على إثر هذا الاتفاق عاد الملك عبد العزيز إلى الرياض ، لكن خبراً أقض مضجعه، هو أن صدقي باشا في ( الشيحية ) أخذ يستميل بعض البوادي بالمال ، وتبين أن فيصلاً الدويش زعيم مطير أخذ يدعم هذه التوجهات ، وهذا ما دعا الملك عبدالعزيز إلى الهجوم على الدويش وتمزيق شمله .
توجه الفاروقي إلى القصيم بعد عزل صدقي باشا ، والتقى بالملك عبد العزيز في (البكيرية ) بناء على طلبه ، فقال للملك عبد العزيز : ( إن أهل القصيم يريدون أن تكون السيادة للدولة العلية التركية ) ، فقال له الملك : ( إن الذين قالوا لكم ذلك يجهلون مصالحهم ، وليس لهم رأي في بلادهم ، وهم من أتباعي ، ولا يخرجون عن طاعتي) ، فقال سامي الفاروقي : ( إنهم في حاجة إلى الحماية ) ، فأجاب الملك عبدالعزيز قائلاً : ( وهل حمتهم الدولة ؟ ) ، فقال أهل القصيم – وكانوا في مجلس التفاوض – : ( لا نرضى عن ابن سعود بديلاً ) ، فخرج سامي الفاروقي غاضباً ، وفشلت المفاوضات .
لقد كان هذا منهج الملك عبد العزيز في المفاوضات ، كان يعتمد على المعلومات الدقيقة ، وكان حازماً في حواره ، كما كان حريصاً على الثوابت لا يتنازل عنها .
بعد ذلك طلب الملك عبد العزيز من القائد التركي الرحيل من ( الشيحية ) ، واستبقى القوات العراقية رهينة لديه ، فاشترط المشير للانسحاب أن يؤمن له على جنوده ومعداته أثناء الانسحاب ، فأجابه إلى ذلك ، واشترط عليه ألاّ يذهب إلى حائل، وأن يتوجه إما إلى المدينة المنورة أو إلى العراق ، قبل الباشا الشروط على مضض، وتم جلاء الأتراك عن القصيم .
ما إن بدأ الملك عبد العزيز بالتفرغ لتنظيم شؤون كيانه السياسي حتى بلغه اغتيال متعب بن رشيد على يد أبناء عمومته ، وتولي سلطان بن حمود الرشيد الحكم في حائل، ونقضه الاتفاق مع الملك عبد العزيز والسعي لاستمالة الناس ، كما بلغه تمرد بعض الزعماء من الأخوان ، وتحول أمير الكويت إلى سلطان بن حمود الرشيد ، كما بلغته خيانة أمير بريدة ( محمد عبد الله أبا الخيل ) وموالاته لأمير الحائل .
لكن الذي أغاظ الملك عبد العزيز وقوف السلطات التركية في الأحساء أمام قافلة له كإشارة لبداية حرب اقتصادية سوف تفرض عليه ، وهذا ما دعاه – رحمه الله – إلى التفكير في فتح الأحساء .
لقد استغرقت هذه الفتن والقضاء عليها خمس سنوات من عام 1325هـ إلى عام 1330هـ ، أدَّب – رحمه الله – خلاله القبائل المنشقة ، وسجن قادتها بعد أن أمنهم عدة مرات ، فلم يحفظوا ذلك ، كما هزم سلطان بن حمود الرشيد ، وشتت جمعه ، وقد أصيب – رحمه الله – خلال هذه المعركة في ترقوته ، فكسرت ، لكنه تحامل على نفسه في شجاعته المعهودة ، وظل يقود المعركة حتى انتصر ، وهجم على بريدة ، واستسلم محمد أبا الخيل .
بدأ الخلاف يدب بين آل الرشيد ؛ إذ أقدم سعود بن حمود الرشيد على قتل أخيه سلطان ، ثم صالح الملك عبد العزيز على مضمون الاتفاق الأول ، ثم قتل سعود بن حمود ، وأسند الأمر من بعده إلى سعود بن عبد العزيز بن متعب ، وكان حدثاً لا يتجاوز العاشرة من العمر ، لكن الوصي عليه كان خاله ( زامل السبهان ) الذي لم يعرض الصلح ، فدارت بينه وبين الملك عبد العزيز عدة معارك ، انتهت بانتصار الملك عبد العزيز في معركة ( الأشعلي ) في ليلة الخامس من ربيع الأول من عام 1327هـ .
يتبع ،،