المعجزة السابعة
قصورة الحيرة البيضاء
كان "خريم بن أوس " إعرابيا بسيطا وفقيرا , وكان يعيش في البادية البعيدة يتنقل فيها مع غنماته وأهله , وكان لا يأتي إلى المدينة إلا قليلا .
وعندما سمع "خريم" بدعوة رسول الله لتوحيد الله , ونبذ عبادة الأصنام , وإنقاذ الناس من الضلالة , وإنارة طريق الحياة لهم , أسرع بالذهاب إلى "المدينة المنورة", والالتقاء برسول الله
وهناك سمع "خريم " من النبي كلاما صادقا أثلج صدره , وسما بروحه .
في هذا اليوم , غسل "خريم" جسمه بالماء الطاهر النقي , وتخلص من كل أوساخ الجاهلية , ثم توجه نحو القبلة , ورفع سبابته اليمنى إلى أعلى , وقال : أشهد أن لا إله إلا الله , وأشهد أن محمدا رسول الله .
وتحلق"خريم " حول رسول الله مع باقي إخوانه من صحابة رسول الله – رضوان الله تعالى عنهم – يستمع إليه , ويتعلم تعاليم هذا الدين منه .
منذ هذه اللحظة , أصبح رسول الله أحب خلق الله إلى "خريم"
وصار "خريم " لا يفارق مجلس رسول الله أبداً . . . كان يشعر بحلاوة دعوته وكان يشعر بالأمن والطمأنينة قربه .
وفي أحد الأيام , جلس رسول الله مع أصحابه , يحدثهم عن الانتصارات التي سيحققها المسلمون , في المستقبل القريب بإذن الله تعالى , فقال : أنكم ستفتحون مدينة " الحيرة" , ذات القصور البيضاء العالية , وسترون أول ما ترونه فيها عندما تفتح لكم أبوابها , امرأة اسمها " الشيماء بنت بقيله " تركب على بغله شهباء اللون , وتلف رأسها بخمار اسود
لمن الشيماء يا رسول الله ؟ !
ورفع "خريم بن أوس" رأسه وقال بأدب جم : يا رسول الله , أأكون مع هذا الجيش الذي يفتح الحيرة ؟
فأجابه رسول الله باسما : نعم يا "خريم "
قال "خريم" والفرحة لا تكاد تسعه : و "الشيماء بنت بقيلة" , لمن ستكون يا رسول الله ؟
فأبتسم رسول الله مرة أخرى وقال : هي أسيرتك يا "خريم" .
فطار "خريم"فرحاً بهذه البشارة , ثم اقترب من حبيبه رسول الله وقال له : أرجوك أن تكتب لي عهداً بذلك
وبسماحة بالغة , ولين لم يُعهدا في غيره من البشر , طلب رسول الله من ((عبد الله بن عمر )) أن يكتب لـ "خريم بن أوس "عهداُ مكتوبا بذلك .
وتناول " عبد الله بن عمر "قطعة من جلد الغزال وكتب فيها : هذا ما وعد به رسول الله "خريم بن أوس " أنه عندما يفتح الله على المسلمين مدينة "الحيرة", يكون أول مايقابلهم فيها امرأة اسمها "الشيماء بنت بقيلة ", تركب على بغلة شهباء , وتضع على رأسها خمارا أسود اللون , وستكون هذه المرأة أسيرة "خريم بن أوس ".
لم تسع الفرحة "خريما " يومها , فهذه معجزة جديدة لرسول الله ستحدث في المستقبل , وسيكون هو بطلها . أخذ
"خريم " قطعة جلد الغزال من يد "عبدالله بن عمر " بسرعة , وأسرع بها إلى بيته , وهناك وضع ألقطعه في جيبه , وأخاط الجيب بالإبرة , حتى لا تضيع منه .
المسلمون يستعدون لفتح الحيرة :
ومرت الأيام , كانت أياما طويلة , انتصر فيها الحق على الباطل , وعم الإسلام أطراف الدنيا , ودخل الناس في دين الله أفواجا , ونسي الناس وعد رسول الله للمسلمين بفتح الحيرة , إلا " خريم بن أوس " فإنه لم ينس هذا الوعد , وهذه المعجزة , وكان دائما يتلمس جيبه ليتأكد من وجود الرسالة المعجزة فيه .
وفي عهد خليفة رسول الله "أبي بكر الصديق " , انطلق جيش المسلمين بقيادة " خالد بن الوليد " تجاه العراق ؛ لفتح الحيرة .
وكان في جيش المسلمين " خريم بن أوس " "رضي الله عنه" ؛ ليرى بعينيه نبوءة ومعجزة حبيبه رسول الله وهي تتحقق أمام عينيه , وليخلص الناس في الحيرة من ظلم حكامهم , وطغيان ملوكهم , ويدعوهم إلى الهداية , والحق , والنور . . . إلى دين الله العظيم .
وعندما أقبل الليل , توقف جيش المسلمين الزاحف إلى " الحيرة " ونصب المسلمون خيامهم بسرعة؛ ليستريحوا, أذن المؤذن في الجيش مناديا لصلاة العشاء .
فاصطف المسلمون خلف قائدهم وإمامهم ؛ كالجدران الصلبة , القوية المتماسكة .
وأدوا صلاة العشاء بقلوب راضية , ونفوس شاكرة لله رب العالمين .
معجزة رسولنا القدوة تتحقق :
و في خيمة "خريم بن أوس" سمع جنود الإسلام قصة غريبة رواها عليهم " خريم " , إنها قصة البشرى التي بشر بها رسول الله "صلى الله عليه وسلم " المسلمين بفتح "الحيرة", المدينة ذات القصور العالية البيضاء , وأن أول ما سيرونه أثناء حصارهم لها , عندما تفتح أبوابها , أميرة اسمها " الشيماء بنت بقيلة " يرونها وهي تركب على بغلة شهباء , وتلف رأسها بخمار أسود , وسكت "خريم " ولم يكمل القصة , لأن أصوات التكبير العالية قد شقت سكون الليل .
وسرى خبر " خريم " في جيش المسلمين كالنار في الهشيم , وتذكر الجميع حبيبهم وقدوتهم رسول الله , فبكوا حزنا على فراقه , لكنهم فرحوا ببشارته .
وفي صباح اليوم التالي تابع جيش المسلمين زحفه اتجاه "الحيرة" حتى بدت لهم قصورها البيضاء , فانطلقوا يكبرون هاتفين
الله أكبر . . . الله أكبر . . . هذا ما وعدنا به حبيبنا وقدوتنا رسول الله .
واختفى صوت " خريم " وسط التكبير ؛ لأن البكاء غلبه , ولأن صوته قد بح , وهو يهتف مكبراُ , يترقب بفارغ الصبر حدوث معجزة رسول الله وهي تحدث أمام عينيه .
ومن داخل الحصون , انطلقت أصوات أهل "الحيرة" تردد :
الله أكبر . . . الله أكبر .
لقد جاءنا المسلمون ليخلصونا من ظلم ملوكنا وقوادنا .
الله أكبر . . . الله أكبر .
المفاجأة العظيمة :
وفجأة , انفتح باب الحصن الكبير , وظهرت منه "الشيماء " وهي تركب بغلة شهباء , بيضاء مائلة إلى الحمرة , وهي تلف رأسها بخمار أسود , واندفعت خارج الحصن تريد الهرب من جيش المسلمين , الذي كان يحاصر المكان من كل الجهات , وكبر المسلمون وهم يشاهدون معجزة نبيهم وقدوتهم تتحقق أمام أعينهم , وحمدوا الله على النصر دون قتال .
ومن وسط الجموع , انطلق "خريم" يشق الصفوف ويصيح قائلا :
هذه "الشيماء " لي لا أحد يقترب منها
فلما وصل إليها أمسك بزمام بغلتها , وقال : لقد وعدني رسول الله بها . . . وهذه الشهادة المكتوبة تثبت صحة ما أقول .
وفي خيمة القائد "خالد بن الوليد " فك "خريم بن أوس " الخيط عن جيبه , وأخرج منه قطعة جلد الغزال , وقرأ ما فيها بصوت عالي سمعه الجميع وبكوا, وبكت معهم " الشيماء "يومها , فقد أحست بصدق دعوة رسول الله وصدق دعوة أصحابه .
وقام "خريم " من مجلسه , وأخذ بزمام البغلة ومشى , والعيون تلاحقه من كل جانب .
وأسرع إليه "عبدالصمد" أخو "الشيماء"وقال له : توقف يا "خريم" توقف يا أخي , أنا مسلم مثلك !
قال "عبد الصمد " : ماذا ستفعل بـ " الشيماء " وبغلتها يا صاحب رسول الله
قال "خريم " : أنا حر , إنها ملكي , أفعل بها ما أشاء .
قال "عبد الصمد " مبتسما : أتبيعها ؟
قال " خريم " : نعم أبيعها .
قال " عبد الصمد" : وبكم تريد أن تبيعها يا "خريم "؟
قال "خريم " بسرعة : عشر مائة درهم ؛ ولن أقبل بأقل من هذا المبلغ !
وابتسم "عبد الصمد " وقال : يعني بألف درهم ؟ خذ يا " خريم " . هذه ألف درهم , وأعطني "الشيماء" أختي , وبغلتها الشهباء .
وضحك المسلمون يومها من مقولة " خريم " وقالوا له : لو أنك طلبت من أخيها مائة ألف درهم لأعطاك الرجل .
فدهش "خريم" وقال : هل هناك عدد أكثر من عشر مائة ؟!
فأنا لا أعرف بعد العشر مائة رقماً.
موعدنا مع معجزة جديدة من المعجزات التي منحها الله لرسوله الكريم