المقامة الأولى: الوصف الشنيع .. لقضاء إجازة الربيع

شقندحي · 05-02-2008, 05:52 PM

[align=left][/align]
قال أبو يعلى الميتسوبيشي (1):

قدر الله العظيم العلي، أن ينتهي الاختبار الفصلي ، ويتفرغ الناس للنقاش، وفي أفواههم أعواد المنقاش،

عن أفضل وسيلة لقضاء الإجازة، عشرة أيام كما حسبها الحسابة، فقال أحدهم وكان جالساً متجهم :

ما رأيكم بقضائها في رحاب بلادي ، ونرى في شوارعها الرائح والغادي ، فرد الآخر على عجل : نعم

أجل ! تريدنا يقلبونا التجار تقليب الدجاج، ويأكلونا تبناً كالنعاج !؟

فقال أعلمهم وأكبرهم سناً .. ولا يغلب عليه شك ولا ظناً : يا قوم أصبروا ، ولا تتعجلوا فتنفروا .. لعل

في جعبة أبو شنكل (2) الحل ، وبرأيه نستدل على المحل!

فتنحنح أبو شنكل بجلل ، وقال مقولة من لا يخشى الزلل، وكان ـ رحمه الله ـ أثرماً ويخرج من فمه

البلل ! ، فأمطرنا حكماً وفكراً سلسبيلا .. وملى ثيابنا من فمه سعابيلا

فقال:

يا قوم .. إن نظرنا للخمسة(3) فإنها بخسة ! ، ولقد زادت الأسعار تخميساً فأصبحت لا تأتي لك بفولٍ ولا

تميساً ، فلا تعولوا عليها نفعاً الآن وبعد حينَا ، مثل الأسهم تسمع جعجعة ولا ترى طحينا ، لأن خلفهم

ـ كما زعموا ـ حماية للمستهلك (4) .. تجعلك تهلك !

ضربوا المثل في النوم منذ أن تصبح حتى تمسي ، فغلبت ذبابة التسي تي (5) ، ولعلكم تفكرون في الأول ، في المكان الذي ستجلسون به أطول .

فقال أحدهم: في روضة خريم لنا مقر ، مع المطر والرمال والأغصان الخضر، فالتفت إليه أبو شنكل

وقد كتم فمه كتماً .. لأنه كان سيمطره شتماً ، فقال: إن هذه الأيام أيام برد، يصرد فيه الحصيد صرد ،

ولقد قرأت مرة في ياهو ويذر (6) أن الأجواء باردة فكن حذر

فتنحنح أكبرهم سناً ، وأضخمهم بطناً قائلاً: لماذا لا نذهب لدبي .. فعقلي مما سمعته عنها قد سُبي ،

فقال أبو شنكل في عجب ، هل ترغب بذلك يا دبُ بلا ذنب !؟ ، أما سمعت أن أسعارها نار ، وقد ملئت

شوارعها بالبار!؟ ، وسعر الشقق قد طار ، فتذهب قطتك وأنت في المطار !!!

فقال الطويل الأعصل : ما رأيكم بلبنان بلاد العجائب، فلا سرقة فيها ولا نهائب، فتناوله أبو شنكل

بالفنجال (7) بسرعة ، ففر منها كثعبان هارب بعد لدغة ، فقال ألا تسمع الأخبار يا وجه الفار ! ، ألا

تقرأ في الصحافة ، عن بلاد بلا رئيس وبلا إدارة !؟ ، أصغر بلد رأيته في الحجم ، سكانه عرب وعجم ،

شوارعه مليئة بالقنابل، كأنه رمي من طير الأبابل(8)

فتكلم الذي في الزاوية، كأنه ينتظر اللحظة المواتية ، ما رأيك بسورية والشام، ففيها الرخاء قد ساد

ودام ، فرد أبو شنكل في غضب ، وللعجرا (9) قد قضب : تسافر لهم في أمان ودعه ، ثم تكشف بأنك

عضو في الارهاب وتدعمه ! ، يأخذوك على غرة فتسجن، فتجلس فيه مهانً حتى تجن ! ، فتجد بأنك عديم الطاقة، وتعود لبلادك تشكوا من الفاقة

فقال جميع من أذعن أين نقضي الإجازة إذن ؟!

فعدل أبو شنكل ياقة بالطوه (10) قائلاً: في بيتك فقر، ولا تتعداه فإنه مسقر ، فكل شيء غالي ومخيف ،

إما سرقة أو مكان بارد بلا تكييف ، فما أجمل المشب بين العيال، ويدور بينكم الحديث والسؤال، ويدور

عليكم فتى نبيل، يسقيكم من أطيب الزنجبيل، وكلها بضعة ليال ، وتعودون لدوامكم في الحال ، ولا

تنسوا أصحاب الوظائف، فكونوا معهم لطائف ، ومن نظلهم (11) كن خائف ، لأن عينهم دخلك أنت

والبعير والقدر ، داخل أعماق القبر !

..............................

الهوامش:

1- هو الراوي، واسمه هشام الدين بن عماد بن صلاح الدين تقاطع خريص العدني القرشي السليماني ، وينسب إلى السليمانية حيث سكن فيها ومات فيها أطال الله في عمره، والميستوبيشي نسبة إلى موتره الذي كان يكد عليه ويجني منه أموالاً كثيرة ذهبت في علاجات الربو الذي تسبب فيه عادمه النتن، وتقول الروايات بأنه صاحب فكرة توصيل الطلبات منذ أن كانت مطاعم السليمانية طين.

2- أبوشنكل، وهو أبو لؤي بن صعصعة بن جعجعة بن طعطعة العيناعي، من أثرياء البلاد وكان لديه وكالة حرف (العين) وكان يطلق عليه (الفريان) نظراً لتواجده في أماكن عديدة بنفس الوقت ولأنهما يتشابها بأن وجهيهما مغسول بالثريد

3- وهي الزيادة الشهيرة التي تسببت في خلخلت الميزانية العامة للدولة آنذاك الآن

4- اسم مجهول وغير معروف لدى الرواة، كان في السابق يطلق تخويفاً للتجار من جشعهم كما يطلق للصغار حينما يتم تخويفهم بـ العوعو الذي سيأكلهم، فخاف الصغار من العوعو ولا يزال التجار ينتظرون حماية المستهلك !
ومن الشواهد:
ثلاثة ليس لهن مسلكُ ... الغول والعنقاء وحماية المستهلكُ

5- ذبابة التسي تسي: هي ذبابة توجد في أفريقيا يقال بأن لونها أزرق وهي إذا لدغت أحدهم تجعله يصاب بنوبة نوم عميق يبدأ يفقد فيها خصائص جسمه بالتدريج حتى يموت، وجيء بها هنا للتأكيد بأن نوم حماية المستهلك أشد من هذه الذبابة لأنهم يجعلونك تموت مباشرة وأنت تنتظرهم!

6- قبيلة من قبائل الفرنجة تدعي معرفتها بأحوال الجو وتتنبئ بها لأيام مقبلة بالاستعانة بالأقمار الصناعية ( نحمد لله على العافية من هذه الخرافات... أقمار صناعية إذن !! )

7- الفنجال وفي لغة أهل الشام فنجان ، وفي أهل مصر والأقطار: فنقال أهوه ، وهو وعاء يوضع فيه سائل يسمى القهوة تتفاوت ألوانه ما بين البني الداكن وهي ما تسمى بالتركية وما بين الفاتح وتسمى العربية ، ولقد أحصى العرب فائدتين لها: أنها تدل على الكرم ، وأنها يستفاد منها للزواج ، فمن يتزوج لا يشرب القهوة حتى تلبي مطلبه له ، وفي مضاره ألف عالم ٌ واحد ستمائة وأربعين مجلداً بدءً من حرارتها على الحلق وصولاً إلى شلل الأصابع المؤدي إلى عدم ضرب مضراب الكيرم بشكل دقيق.

8- طير بعثها الله عز وجل عذاباً لإبرهة الحبشي حينما حاول هدم الكعبة، وكانت تحمل في قدميها حجارة من سجيل تقذفها فتقتل من تصيبه (انظر: تفسير سورة الفيل)

9- العجرا: هي عصاة نحيفة الساق منتفخة عند الرأس نسبة إلى عجر بن سلم بن هيثم البلوتوثي ، كانت العرب تضرب فيه المثل برأسه المنتفخ مقارنة بجسمه النحيل، وتقول الرواة بأن لديه قضية قائمة في المحكمة العامة منذ 100 سنة عند قاضي لم يتغير وذلك بسبب شكواه على مكتبة جرير لأنها استخدمت فكرة رأسه المنتفخ على دمية (تويتي) الموجودة في قسم الأطفال.

10- البالطو: هو عبارة عن مشلح طويل وجاءه انكماش، فأدخلوا عليه تحسينات فزوجوا البشت بالمدام (كوت) فانجبوا هذا الهجين لديه طول البشت وشكل الكوت، وهو نسبة إلى المدينة التي تزوجوا فيها بالطو ريمت في الساحل الشمالي لإيطاليا.

11- تقول العرب: نظل ينظل فهو ناظل ، والنظل هو الإصابة بالعين ، ويذكر الرواة بأن أول إصابة بهذه الحالة ، كانت في اليمن حيث كان علي محمد قايد يصعد الجبل سريعاً رغم أن عمره فوق المائة سنه، فرآه محسن علي قائد صالح فقال له: سبعة شلوك تقل قرد صغير فيه قني ، فيذكر شهود العيان بأن المنظول تدربى من أعلى الجبل ومكث يومين يتدربى حتى وصل للأرض فقام سليما ليس به علة أو وجع، وما إن قام حتى جاءته صخرة تمشي مليون وهبدت على دمجته

المقامة القادمة: البخشة في فن النحشة

...أبو فهد... · 06-02-2008, 05:06 AM

رااااااائع جداااا...
صغت الوضع البائس بوصف ساخر...
أجدت فعلاً...

بوركت

طالبة المعالي · 06-02-2008, 05:58 AM

هههههههههههه << والله اني احترت أضحك لروعة طرحك وأسلوبك والا أتألم لحالنا .. لكن شر البلية ما يضحك

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتنحنح أبو شنكل بجلل ، وقال مقولة من لا يخشى الزلل، وكان ـ رحمه الله ـ أثرماً ويخرج من فمه البلل ! ، فأمطرنا حكماً وفكراً سلسبيلا .. وملى ثيابنا من فمه سعابيلا

هههههههه ما يخالف أهم شيء انه أعطاكم حكم وأستفدوا منها ..

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تنسوا أصحاب الوظائف، فكونوا معهم لطائف ، ومن نظلهم (11) كن خائف ، لأن عينهم دخلك أنت والبعير والقدر ، داخل أعماق القبر !

هههههههههههههه الله يكفينا شر عيون الموظفين .. يحسبونا في عيشتنا متهنين .. ويقولون
من قدكم نقوم من الصبح ونتعب وأنتم لس نايمين .. مرتاحين وعن البرد دفيانين .. لاهموم لا
معاملات موظفين ..

ماشاءالله تبارك الله رااائعه جدا جدا كلماتك وحروفك .. أخي الكريم عافاك الله ولكل خير وفقك
وأصلح أحوالناا وأحوال المسلمين في كل مكان ..

هرمنا · 06-02-2008, 05:19 PM

رايق ورائع ورهيب

سرد معاناة في قالب ساخر لايجيده الا القليل

موضوع أساسي رائع وهوامش ..وللمرة الاولى اعشق الهوامش

الله يرحم حالنا وحالك يا ابا يعلى الميتسوبيشي

وعذراً لردي المقتضب ففي فمي ماء

==========

اضافة خارج الموضوع :

افتقدك كثيرا ياشريك

شقندحي · 06-02-2008, 06:20 PM

أبو فهد:

مشكور يا غالي على المرور

تحياتي

عمر بن عبدالعزيز · 06-02-2008, 08:59 PM

شـقـنـدحـي

عـز الـلـه أنـك مـحـتـرف فـي صـيـاغـة

الـحـال بـطـريـقـة فـريـدة و مـمـيـزة وسـاخـرة

فـي نـفـس الـوقـت ، وقـد أجـدت فـن الـسـجـع الـجـمـيـل

أشـكـرك أيـهـا الـمـمـتـع ، ويـحـدونـا الـشـوق لـمـقـدمـتـك الـثـانـيـة

لهفة الخاطر · 07-02-2008, 07:13 AM

[align=center]
رائعه وسرد رهيب ورايق بالمرررره ...

الهوامش والقصه وفوائده رائعه وممتعه تشد القارئ وتمتع السامع...

أفضل شئ المكوث في البيت ومؤازة الموظفين ...

تسلم على هكذا وصف وسرد ...

ننتظر القادم بفارغ الصبر لنستمتع به ....[/align]

شقندحي · 07-02-2008, 12:37 PM

هند السبيعي

شكرا لك

**عبدالله الفـارس** · 07-02-2008, 04:51 PM

رائـع .. قلَّ أن تجد من يجيد فن الأدب الساخر ..
سرد القصة و نقد الواقـع بأسلوب السهل الممتنع بلا تكلف ..
أعترف لك أني ممن يميلون لهذا الأدب
و المقالات الساخرة : )

شقندحي
بإنتظـار جديدك ..