( فتـــوى مذهلــة )
21/ ذي القعدة/1424هـ الموافق لـ 13/1/2004م
من خلال برنامج " للنساء فقط" الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية سمعت من فضيلة الشيخ ( عبد المجيد الزنداني) ذلك العالِم العَلم والشيخ الجليل الأشم فتوى مذهلة لم أصدق أنها تصدر من مثله بعنوان : ( زواج فريند) بمعنى زواج الصداقة. ولقد كانت منه بمثابة كبوة حصان، ولكن زلة العالِم زلة العالَم !!!
وأُشهد الله تعالى أني لا أقصد بهذا الرد التشهير بأحدٍ أو الانتقاص من قدره ومن شأنه لأني كنت وما زلت أحتفظ له بالاحترام الكبير وسبحان مَن لا يخطئ؛ ولكني أرد عليه فتواه انتصاراً للحق وتبياناً للحقيقة ابتغاء مرضاة الله عز وجل ولو سخط من سخط.
إن الفتوى المشار إليها تريد أن تؤكد أن عقد ( نكاح الصداقة ) ( زواج فريند ) المكتمل للشروط والأركان اللازمة في صحة عقد الزواج المعهود لدى المسلمين، من إيجاب وقبول ومهر محدد وموافقة ولي الأمر.... إلخ. هو عقد سليم على حد زعمه!!! ويتيح الفرصة لغير القادرين على الزواج السليم للتنفيس عن الكبت الجنسي الذي منه يعانون.
وكأنه قد غاب عن ذهن صاحب الفتوى على جلالة قدره أن الزواج في الإسلام ليس مجرد توفر تلك الشروط، ولكن هناك مقاصد وأغراض وحِكَم يجب أن تتوفر أيضاً من وراء عقد النكاح في الإسلام مثل الإحصان والإعفاف والرحمة والمودة والسكينة والاستقرار والتطلع إلى بناء الأسرة الفاضلة.... في إطار المجتمع الإسلامي الفاضل.
أقول: إن عقد الزواج في الإسلام ليس كعقد صفقة تجارية بين طرفين إذا تمت شروط العقد تم البيع والشراء وطابت نتائجه وليس مجرد عملية ميكانيكية أو تعامل مع أحجار صماء لا روح فيها. إنه عقد رباني يهدف إلى تحقيق أغراض وأهداف ربانية يجب تحقّقها في الحال وفي المآل فإن لم تتحقق هذه المقاصد أو كان من المستحيل تحققها انقلب العقد باطلاً أو وجب إبطالُه وهدمُه بأي وسيلة بالطلاق أو بفسخ العقد لدى المحاكم لأن العقد بالرغم من توفر شروط صحته لم تتوفر فيه إمكانية تحقيق مقاصده الشرعية.
فتوفر شروط صحة العقد أمرٌ ملازم لإمكانية توفر المقاصد الشرعية من مشروع الزواج وإلا كان الزواج والسفاح سواء بسواء. فقد تتوفر شروط صحة عقد الزواج ويكون العقد باطلاً أو يجب إبطاله وفسخه ولذلك نجد أن الله عز وجل قد حرم صوراً عديدة من الزواج لأنها تناقض المقاصد الشرعية، وإن توفرت فيها شروط العقد. ومن ذلك تحريم زواج الأصول والفروع وتحريم زواج المشركات وزوجات الأباء وزوجات النبي بعد موته وحرم إنكاح المشركين كما حرم نكاح المحارم. ولذلك أيضاً حرّم العري في المجتمعات وإثارة الفتنة وفرض الحجاب وحرم الاختلاط بشروطه فقال سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: " وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ " 22 - النساء وقال أيضاً " وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ 221- البقرة وقال أيضاً " وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ " 221- البقرة وقال أيضاً " وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا " 53- الأحزاب وقال أيضاً " وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ " 23- النور وقال أيضاً " وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً " 32- الإسراء ولم يبح لهم اختراق الخطوط الحمراء في العلاقات الزوجية والاجتماعية لينفسوا عما يعانون من الكبت الجنسي . ولكن سمح لهم بتعدد الزوجات في حدود إقامة المجتمع الفاضل . وإبطال كل زواج لا تتحقق فيه المقاصد الشرعية كالزواج الذي لا يؤمّن الاستقرار والسكينة لأحد الزوجين أو لكليهما أولا يؤمّن الإعفاف والإحصان والسكينة لأحد الزوجين أو لكليهما وذلك عندما يتم تزويج فتاة صغيرة مثلا من رجل هرمٍ فانٍ لا حراك له أو برجل مريض بمرض مزمن لا يرجى شفاؤه منه، أو بمجنون أو بمصاب بمرض فقد المناعة. وكل ذلك زواج باطل وإن توفرت فيه الشروط والأركان المعروفة، وذلك لاستحالة تحقيق المقاصد الشرعية من عقد الزواج.
ومثل ذلك أيضاً لو أن ولي أمر الفتاة زوّجّها من رجل في سن جدها ابتغاء منفعة مالية أو غيرها من ذي مالٍ أو جاهٍ أو سلطان .
وكذلك لو أن الزوج نوى بزواجه منها أن يبيعها في سوق النخاسة الجنسية، أو تزوجها وحّرم على نفسه جِماعها. أو تزوجها بمهرٍ غير قابل للصرف كعملة ورقية مثلاً انتهى أجل التعامل بها. أو إذا تم تزويج الفتاة وكان غرض والدها التغلغل في أسرة زوجها أو كان غرض الزوج الوصول بطريقة ما إلى أمها أو أختها، بحيث كان عقد الزواج مطية للوصول إلى مراد غير شرعي وتحقيق مآرب شيطانية خفيّة .
إن جميع تلك الصور من عقود الزواج وإنْ اكتملت فيها شروط صحة العقد إلا أنها باطلة لعدم توفر إمكانية تحقيق المقاصد الشرعية من ذلك الزواج. والأمثلة على ذلك تكاد لا تُحصى كثرةً .
ولا يخفى على المسلم العاقل أن الإسلام العظيم يعوّل كثيراً على " النية" في كل عمل يفعله الإنسان وإن كان في ظاهره حسناً طيباً . كالذي ينفق أمواله رئاء الناس أو كالذي يقاتل مع المسلمين نفاقاً ليقال إنه مجاهد. أو كالذي يصلي رياءً ابتغاء كسب قلوب الآخرين .... وما أكثر الأمثلة الواقعية في حياة الناس من هذا القبيل .
وخلاصة القول : يجب على الزوجين أن يتحرى كل منهما في عقد زواجه أن تتحقق المقاصد الربانية من مشروع الزواج من إحصان وإعفاف وسكينة واستقرار ومودة ورحمة ... إلخ وإلا كان زواجاً باطلاً يجب إبطال مفعوله بطلاق من طرف الزوج أو بفسخ العقد بواسطة القاضي الشرعي .
ولعل أبلغ مثال واقعي على بطلان " الزواج" بالرغم من توفر شروط صحته ذلك الزواج الذي يصرّ فيه الزوج على إتيان زوجته بطريقة قوم لوط .
هذا؛ وإن زواج المتعة وزواج المسيار في الحكم مثل ( فريند زواج) أو زواج صداقة وما هو في الحقيقة إلا زواج حماقة.
وكلها زيجات باطلة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والخراب والفساد في الأرض وليس من مقاصدها سوى تنفيس الكبت الجنسي الذي يعاني منه الرجال والنساء وخاصة في سن الشباب كما يزعمون .
إنهم أهدروا المقاصد الشرعية الأخرى مع أنها شديدة الأهمية مثل الإحصان والإعفاف وبناء الأسرة الفاضلة في إطار المجتمع المسلم الفاضل.
وإن المرأة في الإسلام ليست " مفرخة" أو مكنة " بياضة" لإنتاج البيض كما أنها ليست جسداً لمجرد المتعة الجنسية وتنفيس الكبت الجنسي لدى المكبوتين بدوافع حيوانية لا غير. لكنه سلوك إنساني راقٍ ، وعبادة وميثاق غليظ من الله ورسوله، وراحة وسكينة ومودة ورحمة ولذلك نجد الزاني أو الزانية يواري وجهه بعد الفعلة خجلاً وعاراً ونجد العريس رافع الرأس ابتهاجاً وسروراً وافتخاراً. وهنا أحب أن أتوجه بالسؤال التالي لصاحب الفتوى المذهلة ولكل من يوافقه عليها: ( هل ترضى لابنتك أو حفيدتك بزواج الصداقة؟ فإن قلتَ لا أرضاهُ فتلك مصيبة وإن كنتَ ترضاه فالمصيبة أعظم !!!)
وفي الختام : نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يغفر لنا خطايانا ويلهم صاحب الفتوى أن يرجع عن فتواه علناً جهاراً ويختم لنا وله بخير إنه خير مسؤول وخير مجيب . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(عن الشيخ) محمد كاظم حبيب
كبير الوعاظ سابقاً
في وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف
بدولة الإمارات العربية المتحدة
للمراسلة : البريد الإلكتروني
mkazimhabib@hotmail.com
ص.ب : 5002 عجمان (أ.ع.م)
جوال : 2129-679-0097150
17-01-2004, 10:57 AM
العرض العادي
