موازنة بين كلام الله سبحانه وشعر المثير باكثير

[شاعر سريالي]

إنْ كان القرآنُ كلامَ الله الأزلي
فهراءُ عليّ يكفي عن ضرب المثل ِ
ّ
ما يميز الأسطورة العبقري رائد المسرح الإسلامي ,, ورائد الشعر الحر -قبل أن يخط شارب السياب وقبل أن تبلغ الحلم نازك الملائكة , وقبل أن يخلق اللهُ آدم بألف عام -,, ما يميزه أن لدويّ عباراته ولصولة جمله الشعرية -التي لاتحكي الهر انتفاخاً طبعا _بركات وكرامات تستنهض المتخاذلين من العرب , عقب النكسة الكبرى (على وزن بدر الكبرى)
تبدأ قصيدته "إما نكون أبداً .." بهذا المقطع العميق :

أما نكون أبدا

أو لا نكون أبدا

غدا وما أدنى غدا لو تعلمون

إما نكون أبدا أو لا نكون

.
بهذا الاستهلال دوت صرخة باكثير , ونفخ في "كفره" وهو في بنشره بـحي الغرابي فكاد يبعث قوم نوح وقوم عاد وثمود وكل الموتى , كي ينصتوا ويفطنوا ويعلموا لو يعلمون , كما يقول هو , ما آل إليه وضع العرب وما يمكن أن يكونوا عليه : فإما الكون وإما عداه , لعلهم يدركون المصير المظلم في : غداً وما أدنى غداً لو تعلمون " إنّ المثير باكثير يريد أن يشعرنا , مع كل الأشياء (الكون وعداه) ونحن أنفسنا (المحسوبين على الكون) باختناق بضيّق به كوننا المتهاوي والمرهون (بـ غداً وما أدنى غداً لو تعلمون) حتى نغوص في حالة من استواء (الأشياء) والخيار في قوله "إما نكون أبداً أو لانكون أبداً) لم يكن فلسفياً ولا سفسطائياً , بل هو أقرب ما يكون من سجع أدنى مستوى من سجع الكهان لهذا لايمكننا أن نكون في مواجهة كان وأخواتها .لأن "نكون" هنا تامة بالنسبة لمن سيكون , ومستحيلة بالنسبة لنا _المحسوبين على كان الناقصة والتامة- , إذ إنّ (نكون) الواقعة علينا دائماً تتحول إلى أختها الجميلة والأصغر من كان حبيبتنا " ليس" الجامدة , ومن ثمّّ لا نكون كما ينبغي أن نكون إلا حينما (أليسا) تكون ماثلة أمامنا ... وإلا كيف يمكن أن نكون ؟.
وعندما نعقد مقارنة بين ذلك المقطع الشعري -تجاوزاً- وبين البنية الثنائية وعلاقة التضاد بين المؤمن والكافر في قوله تعالى :
يوم يتذكر الإنسان ما سعى ( 35 ) وبرزت الجحيم لمن يرى ( 36 ) فأما من طغى ( 37 ) وآثر الحياة الدنيا ( 38 ) فإن الجحيم هي المأوى ( 39 ) وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ( 40 ) فإن الجنة هي المأوى "
نرى البُعد الجزائي , بحيث ينال المؤمن الحسنى على إيمانه , والكافر ينال الجزاء السيء . أعزائي القراء , دعونا نكن منصفين وننبذ التعصب ,لنحاول الحكم بميزان نقدي بحت عادل .. لنكن -طالما أننا لن نكون- جريئين إلى درجة التخلف والاختلال العقلي , لنقل بكل جرأة وقحة _ونحن نحتسي قهوة مع تمر سكري-أن الآيات وإن كانت ذات أسلوب محكم إلا أنها لايمكن أن تستنهض هممنا (نحن المحسوبين على الكون) , .. صحيح أن عبارات باكثير مباشرة وركيكة ومتكلفة ومبتذلة , خصوصاً "لو تعلمون" التي ليس لي جواب عليها غير قول يعقوب عليه السلام : "إنما أشكو بثي وحزني إلى الله " . ولكنها في رأي المعجبين بشعير -عفواً-أقصد بشعر باكثير تعتبر صرخة مدوية صادقة , أعرب عنها البنشري باكثير من خلال أدوات شاعر مسلم ملتزم ومتمكن من فنه , ناهيك عن أن مؤلفاته جميعها تأخذ بمجامع لحية المعجب المخدوع , وتستولي عليه , فلا يسعه إلا أن يقول : "يا باكثير لاتأخذ بلحيتي ولا بعنفقتي" .. حتى إذا بلغ هذا المقطع من القصيدة يجيبه الكثير المثير , شعراً, قائلاً له ولقومه :

أفي سبيل العيش نمضي للجهاد؟

كلا، بني قومي، فماذا بالسداد

والعيش لا يثبت للموت لدى الجلاد

لله في المبدأ والمعاد

بالله في القلب وفي الكف وفي الزناد

ننتزع الحياة من جوف الردى

حتى ننال النصر أو نستشهدا

إما نكون أبدا… أو لا نكون أبدا
.
عندها يسكت عن القاريء الملتحي غضبه , ويتذكر فإذا هو كما كان خبراً منصوباً على استراتيجية معدة سلفاً , " قال الناس فقلت " فمن لا يكون أبداً , حتماً لن تكون لديه استقلالية ولا ذوق أصلاً يعبر عن كينونته ولسان حال وجوده يقول : أنا لا أفكر ولست موجوداً إذن فمن أكون ؟
أما إذا ما وصلنا إلى قول شاعر البناشر -عليه من الله مايستحق - :

لا بد من معنى أجل

من كل معنى ومثل

نسعى إليه في ارتياح وجذل

ونقبل الموت إذا الموت نزل

بغير خوف أو وجل

أجل أجل أجل

ذلكم الرحمن لم يزل

عز وجل " .
فلسوف لن نكون أبداً لاغداً ولا بعد غد .. كلا وإنما ماسيكون هو ما استعجله المتزمتون الطامة الكبرى .. , سوف يدنو الأجل -لامحالة- إلى حبل الوريد . ويحين وقته , فيأتينا الموت من كل مكان ونصل إلى ذروة المأساة عند قوله -عليه من الله ما يستحق -: أجل أجل أجل ... ولاتَ حين ارتياح أو جذل ... ! و مع كل ذلك يقيناً لايمكننا أن نقول أو نبوح أو حتى نفكر مجرد تفكير في القول -على سبيل المثال- ,: " إن هذا الشعر ما هو إلا لغو بلا معنى" , لأننا نخاف الله ونخشى صاحب اللحية المخيفة , ولو -لاسمح الله- لو افترضنا الأسوأ و انفلتت منا عبارة تسيء إلى آيات شاعر البناشر باكثير ,فلا أدري كيف نلتمس الوجود في الكون ؟ !
لا بد لنا إذن من الترنح طرباً ,وكأننا سكارى وما نحن بسكارى, كلما تحدث من تحدث عن شعر المثير البنشري باكثير . بمعنى أن نقرر وجودنا السلبي من لاشيء يمكننا به أن نكون أبداً . ..
أخيراً أقول للقاريء المحترم إنّ مادعاني إلى تلك المقارنة الساخرة , هو أنني سمعت العشماوي الشاعر الصاعقة , في أمسية سلفت من الليالي ,, و كان يطرح قضية أدبية , وأثناء حديثه عن سمة الوضوح والمباشرة في الأدب الإسلامي اذكر مما قاله أن وضوح شعر باكثير لايعيبه , بدليل أن القرآن المعجز -بقداسته- واضح الألفاظ لايكتنف آياته الغموض ..!! لكنه -والحمدلله- دعس على الفرامل و توقف هنا , فقد أوشك أن يعقد مقارنة غير واعية بين كلام الله وشعير باكثير , لولا ستر الله عليه ورحمته بأهله وأولاده .... وقيل الحمد لله رب العالمين ...
وقال الظالمون :"غدا وما أدنى غدا لو تعلمون "

[عبدالرحمن الفهد]

خ عبدالعزيز
نحن في عصر السرعة والوجبات السريعة وإذا كان الكلام غامضا أو طويلا أو يحتاج إلى تفكيك أو يشتمل على إسقاطات وتلميحات فلا وقت لدينا لحل ذلك
خذني على قد فهمي واشرح لي مجمل ماترمي إليه ، مع رأيك المباشر في باكثير والعشماوي .
يعني تسوي لي موضوعك هذا في ساندوتش
لأني مهتم بما تطرحه هنا بس ماعندي وقت