قرأت للكاتب بلال الفارس هذا الموضوع فابكاني
واحببت ان تستفادوا معي
أستغفر الله أستغفر أستغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ...
قطع علي تسبيحي بعد صلاة الجمعة رجل كهل جاز الستين من عمره وملامحه شاهدة على عبودية صادقة لله .. وللعبودية نور في الوجه يدركه كل ذي عينين ..
قال لي وتجاعيد وجهه كصفحة من صفحات دفتر الحزن فالجبين مقطب والعينان مغرورقتان بمائهما ..
قال لي بعد أن سلم وتنهد تنهدا عميقا يوحي بمشكلة أو معضلة يحملها جنانه .. وصدق حدسي فلقد قال : عندي مشكلة .. ثم سكت وتنهد أخرى ..
هونت عليه ولمَّا أعرف مشكلته .. وذكرته بأن الخير فيما كتب الله أياً كان المكتوب فلله الحكمة البالغة جل شأنه ..
ثم قلت : أفصح عن المشكلة فلعلي أسطيع لها حلا أو أسعى في علاج ..
قال : يا أخي أنا وكما أنت تراني قد تقدم بي العمر وأثقلتني السنين .. ولا أزال أعمل في مهنة شاقة
( هنا ظننته سيطلب مالا لمساعدته في الاستغناء عن هذه المهنة )
قلت وماذا بعد ذلك .. قال : أنا بحمد الله أقوم الليل مصليا لله عزوجل غير أني في بعض الليالي تهدني قواي من أثر مشقة العمل فلا أنام إلا الساعة الحادية عشرة
وأحاول القيام في آخر الليل لأوتر فتغلبني عيناي فأصبح ولم أقم الليل .. أصبح ولست في عداد من أوتروا في آخر الليل ثم انفجر باكيا .. وقال بالحرف الواحد ودموعه أسبق في الإفصاح من حروفه :
يا أخي ما ذا أقول لربي غدا إذا سألني : لماذا لم تقم تلك الليلة ..!!
واللـه لقد كان كلامه كسياط تضربني .. يبكي لأجل نفل فاته ونحن يفوتنا الفرض والفرضان والثلاثة ولا نحرك ساكنا ..
تكلمت معه في شيء من الحلول لمشكلته ولقد كنت أحوج لها منه ..
ثم استأذن بالانصراف وهو يلح في طلبه بأن أدعو الله له أن يغفر له تجاوزاته وتقصيره !!!
والله لقد كان هذا الموقف من أعجب المواقف التي شاهدتها .. لكأنه من مواقف السلف الصالح في عباداتهم !
إن وجود هم كهذا الهم وسمو كهذا السمووهمة كتلك الهمة في زمن طغت فيه الماديات وعبد فيه الدرهم والدولار وصلى فيه المصلي لشاشة الأسهم لهو مبشر بخير ودافع للتفاؤل وبمثل هؤلاء الصالحين تُحفظ الأمة ويرحمها ربها ..
أما إنه لو كان للسعادة موطن فستكون العاصمة له هي عبادة الله تعالى
وإن كان من همسة أخيرة فهي دعوة لتأمل درة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى وجاد على قبره بمزون مغفرته- حيث يقول :
(( من أراد الســعــــادة الأبـديــة فليلـــزم عـتــبــة العـبــوديـــة ))
فاللهم ربنا أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك على الوجه الذي يرضيك عنا يا ذا الجلال والإكرام
همسة :
عزيزي القارئ الكريم أرعني قلبك المؤمن تعي مقصودي ..
أود الحديث عن قيام الليل بين يدي الله تعالى تعبدا وحبا ثم أجدني مترددا وما ذاك إلا أن فاقد الشيء لا
يعطيه ... لكن سأخاطب نفسي بهذه الكلمات ومن أحبهم في الله
• إن قيام الليل هي السنة التي هجرها كثير من الناس يوم لم يحسوا بحلاوتها ولم يذوقوا طعمها
إنها المناجاة مع الله عزوجل والتلذذ بالخلوة معه جل جلاله ..
ولقد ذهبت من الدنيا حلاوتها ومضت طلاوتها ولم يبق إلا الأنس بالواحد الديان
إنها مناجاة الله وقد هدأت العيون وسكنت الجفون ولم يبق إلا الحي القيوم
إنها ساعة وأي ساعة !! ساعة دمع عليها الأخيار آخر الدموع من الدنيا
فقال قائلهم ( والله لا أبكي على فراق الدنيا لغرس الأشجار ولا لجري الأنهار ولكن لمكابدة الأسحار وظمأ
الهواجر ) وفي الحديث عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم
( إن العبد إذا قام من الليل من عند حبه
وزوجه ..قام لكي يتذلل لله ويتعبده ويناديه ويناجيه قال الله ياملائكتي : عبدي مالذي أقامه من حبه وزوجه وفراشه .. قالوا : يرجو رحمتك ويخشى عذابك .. قال : أشهدكم أني أمنته عذابي وأصبته رحمتي )
ماألذها من ساعة حين يقف العبد بين يدي الله عزوجل وقد رمى الدنيا وراء ظهره
يناجيه بذلك الكلام العظيم حين يقرأ القرآن فينقله القرآن من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ..
ينقله مع أهل النعيم والرضوان المقيم إلى مرابع جنات الخلود مع أولياء الله المتقين
ـ وكأن نسماتها تحركت ـ
إنها ساعة الصدق فلا تراك عين ولا تسمعك أذن ولا يعلم بك أحد سوى خالقك جل جلاله ..
والله لو أن العبد صدق مع الله وابتدأ قيام الليل .. لربما بزغ عليه الفجر وهو لم يشعر بنفسه من لذة مناجاته لمحبوبه الأول جل جلاله ..
وهل أحد أكرم من الله ؟ لربما تقوم من سجدتك الأخيرة وقد خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك ..