[align=center].
.
.
القسم المنسمح
(( مرة من المرات ، كان فيه مَحل ومجاعة ما سلم منها لا آدمي ولا حيوان ، يبس العشب ومات الشجر ، وغارت القلبان ، والواحد ماعد يلقى شي ياكله ، أجتمع في ذيك السنة أسد وذيب وضبعة وابو حصين. قال الأسد ياجماعة الخير شوفو لنا شي ناكله ترا بنموت من الجوع. قال الذيب: أنت خابر يا طويل العمر الدنيا محل وما هناش ، أنت شف لنا صرفه ، وإلا أسد على الفاضي؟! قال الأسد: ما تخسا ، الشرهه مهيب عليكم الشرهه على اللي يشاوركم، لكن أسمعوا العلم ، أنا أشوف إنا ناكل أصغر واحد فينا، هاه عطونا عماركم عشان نعرف.
قالت الضبعة: انا قايمة 100 عام. قال الذيب: أنا قايم 200 عام. قال ابو حصين: وأنا أشهد! أنا مبشر ابوه به.
قال الأسد: خلاص معد يبيلها حساب ، أذبحوا الضبعة.
ذبحوا الضبعة وصلخوها وقطعوها، ويوم جت القسمة قال الأسد للذيب اقسم. قام الذيب وخذ اللحم والشحم وترك الجلد والعظام والمصران للأسد وابو حصين. قام الأسد وصكه بيده إلين أفتر راسه مرتين ثم طاح ميت.
قال الأسد لأبو حصين اقسم. قام ابو حصين وعطا الأسد اللحم والشحم وخذ هو العظم والجلد.
انبسط الأسد وقال لأبو حصين وش ذا القسم المنسمح! قال بلا ذاك الذيب المنسدح )).............
هكذا سمعت القصة من جدتي رحمها الله ورغم أنها كانت تكررها كثيراً إلا أننا كنا نستمتع بها كل مرة وكأنها أول مرة نستمع فيها ، وكنا إذ ذاك صغاراً لا زلنا نتمتع ببراءة الأطفال، لم ندرك السبب في اختيار جدتي رحمها الله لهذه القصة وتكرارها لنا وكأنها رسالة تبحث عن من يفك رموزها. ورغم أننا كنا نتساءل بيننا وبين أنفسنا عن السبب الذي لم يجعل أحدا من الحيوانات يسأل الأسد عن عمره إذ قد يكون هو أصغرهم. لكننا لم نكن نجرؤ على إخراج هذه التساؤلات من صدورنا فالأكيد أن الكبار يعرفون أفضل منا وأنه لابد وأن يكون هناك سبب وجيه لبعض الغرائب في هذه القصة لم يحن الوقت بعد لفهمها.
واليوم وبعد أن تذكرت القصة مرة أخرى بعد كل تلك السنين ، ترحّمت على جدتي وبدأت أعيد شريط الذكريات لأستمع داخل عقلي لصوت جدتي – جعل الله الفردوس مثواها – وهي تقص القصة نفسها وبدأت حقاً أحس بنفس الشعور الرائع الذي كنت أحس به آنذاك.
لكن السنين لها دور وبراءة الأطفال انقشعت من قلوبنا كما ينقشع الغمام بعد أن تتقفاه الريح وبدأت بعض التساؤلات تقدح في الذهن وشعرت كأنني بدأت بفهم القصة أخيراً ، يالله! كل تلك السنين من أجل أن أفهم الرسالة التي تحويها القصة والتي لم تصرح بها جدتي.
ثم بدأت أتسائل مرة أخرى ، هل ما استنتجته كان هو المقصود فعلاً ، أم أن هذه كله وهم ، لكن الأمور تكاد تكون أوضح من أن تكون وهماً ، فالقصة لم تكن خيالية في يوم من الأيام ، بل هي قصة حقيقية قد وقعت مراراً وتكراراً ولا زالت تتكرر من حولنا.
كلا إنها ليست الحكمة التي نقرنها عادة بهذه القصة وهي أن "من خاف سلم" وأن السعيد من وعظ بغيره. كلا هذا أمر واضح لا غبار عليه ، أنا هنا أتحدث عن أمر مختلف قليلاً.
تصفحت الجريدة اليوم وكأني ببعض الصور الموجودة فيها قد مسخت أسوداً وذئابا وثعالباً. ظننت أني مرهق من كثرة القراءة ، أو ربما لأن الإضاءة كانت "ساطعة" أكثر من اللازم.
تركت الجريدة وبدأت أتفرج على التلفاز وكدت أقسم أنني رأيت بعض الثعالب تتحرك بخفة ذات اليمين وذات الشمال تحيط بأسد ضخم يتجول هنا وهناك ، ظننت لوهلة أنني كنت أتابع قناة وثائقية تعرض فيلماً عن حياة الغاب ، وعندما تأكدت أن ظني ليس في محله أغلقت التلفاز وتعوذت من الشيطان ووساوسه، وذهبت للنوم.
وأثناء النوم رأيت حلماً ، رأيت أني أسير في غابة ورأيت أسداً وذئباً وثعلباً وعادت القصة ذاتها تتكرر في الحلم كما روتها لي جدتي تماما.
نهضت مرعوباً وذهبت لمن يفسر لي الأحلام فقال لي ببرود وكأنه قد سئم من كثرة الذين يحلمون بنفس الحلم ثم يهرولون إليه طلباً لتأويله:
" الأسد الذي رأيت هو السلطة إذا أسيء استخدامها
والذئب هو ردة الفعل العاطفية والمتهورة تجاه سلطة أسيء استخدامها
أما الثعلب فهو من يتعامل مع السلطة الفاسدة بذكاء فربما يستغلها لمصلحة شخصية أو يسايرها في فسادها لينجو بنفسه"
خرجت من عنده وأنا أفكر فيما قال وأطبقه على المجتمع البشري فوجدته كلاماً منطقياً. فالمجتمع البشري لا يخلو من سلطة فاسدة: – مدير ظالم – أو موظف مرتشي – أو مستشار خائن – وهلم جرا.
كما أنه لا يخلو ممن يريدون محاربة الفساد بالفساد أو يقارعون الظلم بأسلوب تعوزه الحكمة فلا يزيد الظالمَ أسلوبُهم إلا ظلماً.
ورأيت كذلك من رضوا لأنفسهم الانضمام تحت لواء المفسدين فتارة يكونون لهم عوناً وتارة يزينون لهم ظلمهم وفسادهم كل هذا من أجل أن ينالهم نصيب مما كسب أولئك في الدنيا . ونسوا أن لهم حظاً مما كسبوا يوم القيامة أيضاً.
ثم بدأت أتساءل عن أولئك المساكين الذين "لا يهشون ولا ينشون" - لا يؤذون أحداً ولا يبيعون ذممهم طلباً لرضا أحد. تساءلت عن موقع هؤلاء في القصة لمَ لمْ يذكروا في القصة وهم الأكثرية في المجتمع – إن شاء الله - أم أن حقوقهم مهضومة حتى في القصص؟! ، ثم تذكرت فجأة أني نسيت إحدى شخصيات القصة
.
.
.
نعم - الضبعة المسكينة.
\_\*><دلعاس><*/_/[/align][/size]