العودة   منتديات سدير > `·• أفياء أدبية •·´ > ¨° بيت الشوارد °¨

¨° بيت الشوارد °¨ خاص بكل ما هو منقول شعراً كان أو نثراً ..

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-09-2008, 03:44 PM   #1
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية آهات صامته
 
تم شكره :  شكر 0 فى 0 موضوع
آهات صامته is an unknown quantity at this point

 

رواية السجين يهرب .....

بسم الله الرحمن الرحيم




هذه رواية من أفضل الروايات الإسلامية للكاتب خالد الجبرين وهي رائعة أسلوبا و مضمونا نقلتها لكم بعد تنقيحها ، و هي في أربعة عشر فصلا ، و سأضعها كاملة في هذا المنتدى ـ بإذن الله ـ و أبتدئ بالفصول الثلاثة الأولى منتظرا تعليقاتكم و تفاعلكم ....






الفصل الأول:




"الممرة" قريةصغيرة ذات بيوت صغيرة متلاصقة وسخة00تقع في قعر العراق في الشمال بعيداً عن بغداد مسيرة يومين للماشي على قدميه0في أحد دروب الممرة الضيقة يسمع وقع أقدام متعثرة00غير منتظمة00الوقت ليلاً00وبسبب من ضوء القمر الشحيح انطرح على الأرض ظلال شخص يمشي مترنحاً00وعندما لفه الدرب إلى باحة مغلقة على جنباتها عدة أبواب مغلقة00 تبينت هيئته واضحة تحت شحوب القمر00شاب في السابعة والعشرين00بثياب بالية00وطاقية فقدت لونها الأصلي00متوسط القامة 00متين العضلات00حزين الملامح،بعينين نصف مغمضتين00كان سكراناً إلى درجة متوسطة00ثقيل الخطى00يغطي زوايا فمه المليح زبد من اللعاب0وقف الشاب أمام أحد الأبواب المغلقة وطرقه00كان البيت يدل على مستوى ساكينه00بيت صغيرلصياد فقير00بعد فترة فتح الباب وأطلًت منه وجه امرأة مُسنًة،تمسك خمارها على وجهها،فلما عرفت في الشاب ولدها الوحيد تركت خمارها يسقط عن وجهها وهتفت في حزن وألم:


- أنت سكران يا ولدي؟!



أجابها الشاب بصبر نافذ:



- أريد أن أنام00وقبل أن يدفع الباب للدخول أغلقته بسرعة فصاح الشاب:



- أفتحي ياأماه00أنا لا أقوى على الوقوف!



ومن وراء الباب أجابته:



- سيرتك السيئة يا ولدي سترديك00 وسيطردك أبوك من البيت0



- افتحي الباب،ولن يعلم أبي إنه نائم0



- لن أدعك تدخل حتى أخبره0



- لا تخبريه بشيء00إن علم بحالي فسيطردني إلى الأبد00 لقد هددني بذلك0



- لقد أقسم عليً بأن أوقظه حال وصولك0



- الويل لي!



كان يتكلم بلسان ثقيل00 وزال عنه شيء من غبش السكر عندما سمع وقع أقدام والده يتجه نحو الباب0 وتوقع حدوث أسوأ الأشياء0 فظل واقفاً مستسلماً لما سيحدث00إنه يخشى هذا الكهل فقد هدده مراراً0وفتح الباب لتخرج منه عصا غليظة، وتهوي على رأسه فيسقط مرعوبا متألماَ00وجلس على الأرض يتحسس رأسه00ورفع عينيه فصدم بمرأى والده الذي خلت ملامحه من أي بشائر التسامح00كانت لحيته البيضاء المستطيلة ترتجف بارتجاف فكه الأسفل وفي عينيه نظرات الغضب والحسرة ونهره الشيخ بغلظة:



- لماذا جئت؟أجاب وهو يتحسس الكرة الصغيرة التي نبتت في رأسه:



- أريد أن أنام0



- ليس عندي مكان لك بعد اليوم!



فسأل الشاب في لهفة:



- وأين أذهب؟!



- إلى أي أرض تعجبك0



- اعف عني يا أبتاه وأعدك أني00



- اصمت00 لقد سئمت وعودك الكاذبة00عليك الآن أن تتدبر شئونك0وقال الشاب بخجل:



- دعني أنام هذه الليلة فقط!



وقالت أم الشاب التي كانت تقف خلف زوجها:



- دعه ينام هذه الليلة يا عبدالمغيث ويرحل في الصباح؟



- رد الكهل بحزم:



- لن يتعدى هذه العتبة00اعطني صرة ثيابه0وبعين دامعة ناولته المرأة صرة كانت في يدها فأخذها وقذف بها في وجه ولده الوحيد وهتف محنقاً:



- هذه ثيابك يا غياث لست ولدي ولست والداً لك00!



وتناول الشاب الصرة وقام من على الأرض،وهم بأن يلقي بنفسه على والده ويقبل قدميه رجاء عفوه،لكن ما فعله الشيخ قطع عليه آماله، فقد قبض ثوبه من جهة صدره وهزًه بعنف وكأنه طفل وصاح في وجهه:



- اسمع00 إذا رأيتك في هذا المكان مرة أخرى00سأهشم رأسك00 ثم طرحه على الأرض ودخل مغلقاً الباب وراءه0لفترة جمد الشاب في مكانه ثم تحرك بتراخ00لم يدر إلى أين سيذهب، فهام على وجهه مدة حتى صار في ظاهر القرية00 ثم وجد نفسه يسير جنوباً بمحاذاة نهر دجلة متجهاً إلى بغداد00 كان يلزمه مسيرة يومين ليصل إلى عاصمة الخلافة00 لكنه مشى متباطئاً بغير حرص على الوصول00كان يجر رجليه جراً!





الفصل الثاني





العذاب00 الضيق000الأماني العراض التي افترسها الفشل00كل ذلك انحرف بمسيرته00وأهلك القناعة بداخله،وأوقد في نفسه رغبة مسعورة لتحقيق ما يريد!!


تأمل حاله المزرية00بطالة طاغية00فقرٌ مقدع00أبوه الصياد كهلٌ متعبٌ00حطمته الأيام،ونهشه الفقر والحاجة المستديمة للمال،فأصبح يذكر الموت أكثر من ذكره ملذات الحياة00لكنه مع ذلك زاهدٌ عفيفٌ،لم يسأل أحداً يوماً فلساً واحداً0وعمل مع والده في صباه كثيراً00 أصبح حواتاً ماهراً يصيد السمك بحربة الصيد مع أي جزء يشاء،ثم عمل حمَّالاً00ثم مزارعاً00ثم حرفياً0لكنه ولد بنفس طموحه00إلى المجد و الجاه00 إلى الصيت الذائع،وتراكم في نفسه اعتقاد راسخ بأن مشكلته و سعادته في المال00 فسعى للبحث عن الثراء بوحشية!



مارس التجارة ففشل،ونفد كل مامعه من نقود00 جرَّب القمار فلازمته الخسارة الدائمة00ثم عمد إلى موهبته الأصلية00الشعر00 استعار جبة وعمامة عريضة00 ودخل على الولاة وكبار القادة،ونظم القصائد في المديح والتملق،فلم يظفر إلا بالقليل،فترك الشعر وعاد إلى القمار فخسرمن جديد00 وأرهقته الديون وتراكم عليه البؤس وقادته الأحزان إلى الخمرة و أقداح النبيذ0ومع الأيام القاسية انحرف تفكيره فظن أنه خُلق حقوداً شريراَ000فصار لصاً00 يسطو على المنازل00 وشُكي إلى والده،فأمسكه الكهل وربطه إلى جذع نخلة في صحن الدار وجلده حتى بال على نفسه وخر مغشياً عليه0وعاد إلى السرقة من جديد فقبض عليه وسجن وجلد في سجن الوالي ببغداد،وكادت يده أن تقطع ذات مرة! وهدده والده بالبراءة منه ثم طرده أخيراً0بات يمشي حتى منتصف الليل وأدركه التعب فجلس متكئاً على صرة ثيابه، ثم استلقى على رمل ناعم وبقي يهذي بكلام غير مفهوم،ثم غط في نوم عميق0نام طويلاً في مكانه ذاك حتى أيقظته شمس الضحى الساخنة،فقام وتمطى ونفض ثيابه والعرق يغطي جسمه المتين،وغمس وجهه في مياه دجلة،وأروى عطشه ، ثم استلقى من جديد تحت ظل شجرة،وعاود النوم حتى انحسر عنه الظل فتحول إلى موضع الظل،ونام ولم يستيقظ إلا منتصف العصر!



استيقظ والجوع والعطش يستبدان به فقام و واصل مسيره بعدما شرب من دجلة الكثير0وصل إلى إحدى القرى الواقعة على النهر، وتجول في بعض طرقها وطلب من بعض أصحاب الحوانيت إقراضه شيئاً من الطعام،فلم يعطه أحدٌ شيئاً،فمنظره الكئيب، وشعره المشعث ونظراته القاسية لم تكن تبعث على الطمأنينة، وألح في المسألة على أحدهم فنهره وطرده فخرج غاضباً وتمنى لو يحرق القرية على من فيها0ومضى مبتعداً عن القرية متوكئاً على غصن عريض0وصادف أحد الصيادين راكباَحماره، ومعه سلة فيها سمك فسأله عن بغداد فأخبره أنها على مسيرة نهار كامل من هنا00تأمل غياث بن عبد المغيث الرجل وحماره بنظرات شرسة أثارت ريبة الصياد، وقبل أن ينخس حماره ليبتعد أهوى غياث بهراوته على مؤخرة رأسه فسقط عن ظهر الحمار مغشياً عليه00وبهدوء بحث غياث في ثيابه وسلب ما معه من المال وركب الحمار ومضى0عندما حل المساء توقف على الشاطئ00 كانت الغيوم قد حجبت ضوء القمر،فعم الظلام الدامي أرجاء المكان00 وأشعل نارا و شوى بعض ما في السلة من السمك00 وجلس يأكل بشهية مفتوحةحتى شبع وعاد إلى نشاطه ، وتمنى في هذه اللحظة قدحاً من النبيذ يذهب به عن الدنيا0كان قد بقي على بغداد مسافة ليست بالقصيرة، ومع أنه كان نشطاً إلا أنه آثر أن يكمل مسيرته في الصباح0لم يذهب إلى بغداد إلا مرتين في حياته00 الأولى وهو صبي في صحبة والده00 والثانية عندما حُمل مكبلاً وجلد هناك لقيامه بالسرقة0 كم هالته المدينة الكبيرة العامرة00 التي تعج بمئات الآلاف من البشر من جميع الأنحاء00في بغداد يسهل التخفي،وتكثر الأوكار الآمنة،والأرزاق والجواري وأطيب الخمور00 وهناك سيجد من يعاضده في أعمال الليل وغزوات المنازل!



ظل مستسلماً لخواطره حتى اجتذب سمعه أنين خافت!! تلفت حوله فلم يرَ شيئاً فعزى ذلك إلى توهمه00لكن الصوت عاد ثانية، وتتبعه غياث00 كان أنيناً لرجل موجوع أو مصاب00 أرخى سمعه مرة ثالثة ليجدالصوت منبعث من خلف كثيب صغير قريب منه0 فقام وذهب إلى الكثيب ليجد رجلاً في نحو الخامسة والأربعين ملطخاً بالدماء، وفي كتفه جرح بدم يابس0كان واضحاً أنه تعرض لعراك شديد00 فثيابه ممزقة00 ورأسه حاسر مشعث الشعر 00 وكان يمسك بطنه بإحدى يديه0ولإنقاذه حمله غياث بين يديه وأنزله إلى جانب النهر ورش وجهه بالماء وجعل يضرب خديه بخشونة حتى استفاق0وفتح الرجل عينيه وأدارهما في غياث ثم في الليل برعب وريبة وسأل بوجل:



- أين أنا؟وأين الجمل؟!



فأجاب غياث:



- أنت هنا على شاطئ النهر0



- والجمل؟!



- لم أرَ جملاً هنا!



ثم قال يطمئنه:



-لا بأس عليك، جرحك بسيط وسيندمل سريعاً0ولم يعلق الرجل بغير الأنين0 فظهرت خشونة غياث وقال في ضجر:



- أنت تئن كالثكالى00 كأنك00ولم يكمل عبارته لأن الرجل أبعد يده عن بطنه فبان تحتها جرح غائر طويل بطول الكف!! فصاح غياث:



- ويحك يا رجل 00أنت تحتاج إلى طبيب!!



فقال الرجل يائساً:



- أنا أحتاج إلى كفن0وسأله غياث بما يشبه الزعيق:



-من أنت؟ ومن أين جئت؟!



فقال بيأسه الأول:



-سأخبرك بماتريد00 لكن أرفعني قليلاً عن الأرض0واستجاب له غياث رافعاً ظهره عن الأرض فأدار الرجل عينيه المرعوبتين،ومسح بهما أرجاء المكان، وقال وهو يشير بيده التي ليست على الجرح إلى جهة من البر:



-هناك00 ستجد الجمل هناك00 لقد رأيته يذهب من هذه الناحية عندما سقطت من على ظهره0وذهب غياث إلى حيث أشار الرجلُ الجريحُ ليبحث عن جمله00 تجول قليلاً في الفلاة المظُلمة وهم بالرجوع وهو يشتم الرجل:



-قتله الله00 لم تنته مصيبتي حتى أبلى به!!



لكنه وجد الجمل ملتفاً بالظلام باركاً على الأرض00 يجتر ما أكله في النهار00 هدر الجمل عندما رآه، فاقتاده غياث إلى الرجل الذي أخذه الإعياء فنام0قذف غياث إلى النار ببعض الحطب فارتفع اللهب متراقصاً00مضيئاً المكان00 تأمل غياث الرجل وبدا له أنه يعرفه وحاول أن يتذكر00كان دقيق الملامح00مهزولاً00 على جانب صدغه الأيسر أثر جرح قديم،منعه بعض شعر اللحية من الظهور00 وعندما تذكره هزًّ رأسه!



و بهدوء وحذر تحسس ثيابه وجيوبه، فلم يجد غير بضعة دراهم، فسلبها و وضعها في جيبه00 و راعه أن جسد الرجل كان يفوربالحرارة!



وأحس الرجل به فاستيقظ وتكلم وهو يلهث:



-هل جئت؟



-نعم00 وقد وجدت جملك0



-إذاً انظر هناك00 ستجد قارباً كبيراً00 انزل به أحمال الجمل00ولنصعد إليه ونعبر إلى الضفة الأخرى من النهر، فهناك بقايا نخل وبيت صغير مهجور00هيا بسرعة0



-لماذا لا نبيت الليلة هنا، ونمضي إلى البيت في الصباح؟!



-لا00لابد أن نكون هناك حالاً0



-تبدو مستعجلاً00 هل هناك شيء؟!



-ستعرف فيما بعد00هيا بسرعة00بسهولة وجد غياث القارب 00 ووجده قديماً متهالكاً00 فحمل الرجل إليه وأبقاه مستلقياً على ظهره في قاع القارب، ويده لا تفارق بطنه،وقد عاد إليه الأنين0وعمد إلى أحمال الجمل00 فوجدها خرجين متوسطين معلقين على جانبي الجمل00 وكانا ثقيلين محكمي الإغلاق والربط0حملهما إلى القارب ولم ينسَ صرة ثيابه00 وحل قيود الجمل والحمار وترك لهما الحرية00 وبدأ يجدف مجتازاً النهر الهادر لكي يصل إلي الجهة الغربية0ظل يجدف حتى صاح الرجل فجأة:



- الماء!! الماء سيغمر القارب؟!



كانا في منتصف النهر، وبحث غياث في القارب فلم يجد مصدر الماء بسبب الظلام0 فجعل يتحسس بطن القارب بيديه حتى وجده فصاح بغضب:



-إنه مثقوب! كيف لم تخبرني أنه مثقوب؟!



-لم أكن أعلم00 وإلا لما تركتك تبحر به00 ربماحطمه الجمل! لم يفهم غياث شيئاً وظل يجدف بانفعال في سباق مع المياه المتدفقة التي أبطئت بسرعة القارب، فترك غياث المجاديف، وجعل ينزح المياه من القارب بدلو وجده0ومع الوقت عجز عن السيطرة على الماء فجلس يستريح ويدلك زنديه القويين0فهتف به الرجل ملهوفاً:



-لاتتوقف00 أنا لا أستطيع النهوض وستغرقني المياه و أنا مستلقٍ قبل أن يغوص القارب!



فقال غياث في برم:



-قبحك الله00 وماذا أصنع بك؟ كل ما أستطيع فعله أن أخفف من حمل القارب حتى يسحل التجديف0وقذف بالصناديق والشباك والحبال إلى جوف النهر0 وتناول احد الخرجين بسرعة وقذف به إلى الماء 0 ومد يده إلى الثاني فصاح به الرجل الجريح:



-لا 000إنه الذهب !!؟كانت صيحته منكرة00 جعلت شعر غياث يقف!



وضم الرجل الخرج الثاني إلى صدره كأنما يريد حمايت هو ،خاطب غياث بغضب وأسى:



-لماذا قذفت به يا أحمق؟!فقال غياث بدهشة:



-أنت لم تخبرني أنه ذهب00 لقد ظننته من سائر المتاع!



وعاد ينزح المياه من القارب بالدلو00 في صراع مع النهر ثم يجدف وهو ينقل بصره مابين قعر القارب، وصفحة النهرالداكنة المخيفة0 ثم حانت منه التفاتة إلى الرجل فوجده يذرف دموعاً غزاراً00 كان الشعور بالعجز والخسارة قد غلبه0ثم سمعه غياث يهذي:



-طعنت وقاتلت من أجله00وهاأنذا أخسر نصفه00 عذبك الله يا عدي كما عذبتني!



بصعوبة وصلوا إلى الضفة الأخرى من النهر، وحمل غياث الرجل إلى حيث يوجد النخيل والبيت00وكان النخيل قليلاً00متقارباً و خاوياً00 وبداخله قامت حجرتان متداعيتان من الطين وأمامهما عريش صغير من جريد النخل 0وضع غياث الرجل على الأرض0 لكنه صاح:



-بالداخل00 بداخل الغرفة فلا طاقة لي بالبرد!



كان الجو معتدلاً00لكن الحمى كانت تفترس الرجل00فحمله غياث إلى الداخل وهو متشبث بالخرج المتبقي وأنزله في الحجرة المظلمة وهويئن00 ويهتف لاهثاً:



-نار 00أوقد ناراً00 الجليد يكاد يقتلني00 أنا محموم!



ثم غاب عن رشده، وعاد إلى الهذيان وإلى شتيمة عدي00 وأشخاص أخرين00حنظلة00بكرة بنمرة00 زليط0وسقط الخرج من يده محدثاً صوتاً أثار فضول غياث الذي قام وجمع بعض الحطب وأشعل ناراً أضاءت أركان الحجرة0 ثم عمد إلى الخرج فتناوله وفتحه00 ليطلق صيحة مكتومة عندما وجده يكاد يفيض بالذهب الخالص...!






الفصل الثالث ..


الذهب بغيته00شرط سعادته00ابتسمت له الدنيا فجأة00ارتمت الثروة والمجد تحت قدميه بسهولة00هذا المال غنيمة باردة سيناله بلا مخاطرات ولامتاعب00فالسرقة مهنته00 والرجل الجريح عاجز لايكاد يقوى على الحراك، وليس هناك رقيب ولا شرط00فليأخذ هذا الخرج الممتلئ وليرجع لاستخراج الثاني بعد حين00 ليقتنص الفرصة ولينهي شقائه إلى الأبد00 وسيجد بعدها مئة جواب لمن يسأله عن ثرائه المفاجئ!وأحس بتصاعد أنفاسه وتلفت00ثم تفكر ملياً وأعادالمال إلى مكانه00 ووجد نفسه متردداً في سلب الرجل، مع أنه سلبه قبل قليل بعض الدريهمات!


حرك النار فتصاعد لهبها00 تأمل هذه الثروة التي تربض عند قدميه كالكلب الوفي00 ماذا لو أخذها ولاذ بالفرار وترك الرجل لمصيره يموت بهدوء00 لقمة سائغة00فهو يسطو على المنازل ويقتحم الأخطار من أجل أشياء قليلة تضيع منه في صباح اليوم الذي يليه00 والآن وجد ما يكفيه مدى عمره كله،فلماذا يترك هذه السعادة القابعة في حقيبة هذا الجريح العاجز تضيع منه؟00إنه في الغالب سيموت، فقد تلقى في جوفه طعنةنافذة00 وهكذا لن يثقل كاهله بقتله00 فلا مجال للتقاعس والوجل؟!


وتناول الخرجا لثقيل مرة ثانية00 لكن شكوكه عادت فأرجع الخرج إلى مكانه0



لقد علمته التجارب أن يكون حذراً ويفكر في كل شيء قبل أن يقدم على عمل جريء كهذا0 وقد تحصلت عنده قناعة تامة أن لهذا الذهب الوافر طلاباً غيره،وأنهم لابد أن يتتبعوه أينما ذهب00 فما زالت تطن في أذنه كلمات الرجل وهو يهذي ويقول: إنه طعن من أجل الذهب ثم خسر نصفه0 وتلك الأسماء التي كان يرددها00حنظلة00زليط00عدي00 ولاشك أن الرجل لص مثله00 فقد رآه يوماً أو شخصاً يشبهه! والأشخاص الذين ذكرهم هم أعوانه أو أعداؤه0 ولهذا قرر أن يحتال على الرجل ليعرف قصته، ويكون ذلك أدعى للأمن وأخذ الحيطة0 وخطرت له فكرة00



أخذ الخرج محاذراً أن تحدث محتوياته صوتاً وحفر حفرةً صغيرةً في جهة من الحجرة، ودفن الخرج فيها و غطاه بطبقة رقيقة من التراب،ووضع صرة ثيابه فوقها وسوى الموضع ، ثم قام إلى الخارج ورفع رأسه وملأ رئتيه من الهواء الندي، وجاء ببعض الحطب وقذف به إلى النار التي كادت تخمد، وعلى ضوئها طفق يتفقد محتويات الغرفة00 ووجدشِباك صيدٍ قديمةٍ وسلال فارغة، وحبال وثياب وخرق بالية، ووجد صندوقاً به سيف صديء،ورماح وسماح، وكان الغبار يغطي كل شيء0 ثم ترك الحجرة بعدما ألقى على قدمي الرجل المرتعش بعض الأغطية0 وجمع المزيد من الحطب والأخشاب، ثم عاد ليجد الرجل قد استيقظ و وجده يكاد يجن فرقاً على حقيبته، وعندما وقعت عيناه على غياث سأله بفظاظة وريبة:



-أين أموالي؟



-هل تقصد الخرج؟



-نعم00 هل رأيت أحداً جاء إلى هنا و أخذها؟



-كيف يأتي أحد ليسرقها ولا أمنعه؟!



-إذاً قل لي أين ذهبت؟



-لقداستوليت عليها أنا0



-أنت؟



-نعم0



وتوقع غياث أن يلعنه الرجل ويغضب ويحاول القيام أو يقذفه بأي شيء00 لكن شيئاً من ذلك لم يحدث!! بل تغيرت سحنته، وتكدرت ملامحه إلى هيئة مهزومة ساذجة00 وحزينة بشكل كاد يبعث الأسى في نفسه!!



لقد أُتي من مأمنه، وسُرق من الشخص الذي كان يظن أنه منقذه0 وعاد يستفسر بطريقة أراد لها أنتكون ثابتة متوعدة:



-بأي حق تأخذ مالاً ليس لك؟!



-وليس لك أنت أيضاً!



كيف تقول هذا 00 إنها أموالي؟!



رد غياث مصطنعاً الثقة:



-لقد عرفتك ساعة نظرت إليك00 لقد أخذت هذه الأموال ظلماً وعدواناً00 وليست هذه أولى أعمالك فأنا أعرف عنك الكثير!



لم يكن غياث متأكداً مما يقول، وكان مستعداً لن يتنازل عن شكوكه لو استمر الرجل في إنكاره غير أن استسلام الرجل السريع أدهشه0 حيث قال الرجل مناوراً:



-أنت لا تعي شيئاً مما تقول00 أنا اسمي شهاب الدين وأنا تاجر من تجار حلب وقد داهمني اللصوص عندما كنت00



-بل أنت لص من لصوص العراق واسمك مروان!



وتقلبت عينا الرجل مبهوتاً00 وحدج غياث بنظراته المرعوبة المدهوشة في صمت و حنى رأسه، وجعل يتحسس جرحه بيده الملطخة بالدماء اليابسة وخاطبه غياث:



-لقد رأيتك أول مرة في سجن الوالي من أجل جبن سرقته وتدعي الآن أنك تاجر وأن لك أمولاً!؟



واستقام الرجل في جلسته لاهثاً بعدما تجلى عنه الكثير من وطأة الحمى،وأسند ظهره إلى الجدار وقال بصوت هادئ مستسلماً:



-إذاً فأنت تعرفني يا فتى؟



فقال غياث معلناً عن نفسه بصراحة:



نعم أعرفك00 فجميعنا أصحاب مهنة واحدة00 وعندما كنت تهذي فهمت من كلامك ما يمكن أن تكون وقد سمعتك تهذي باسم حنظلة وعدي وبكر بن مرة وزليط0



وعند ذكر عدي تمتم00"مروان"وهو يخاطب نفسه:



-عذًبك الله يا عدي00



ثم قال لغياث بسذاجة ناسياً عجزة:



-ستشاركني هذه الغنيمة 00سأهبك نصف المال مقابل أن تساعدني00؟



فابتسم غياث مستغرباً00 كيف أصبح هذا لصاً فاتكاً ثم قال بمكرٍ مستجراً مروان إلى الكلام:



-حسناً00 وكيف أساعدك؟



-تركبني على ظهر الجمل وتدفع بي إلى سبيل النجاة0



-سأفعل00ولا أريد نصف المال،فهذا كسب لك وحدك، و إنني من القناعة بحيث يكفيني القليل إذا أخبرتني كيف سلبتَ المال00 و لك أن أساعدك؟



-ومن يضمن لي أنك لا تخونني؟



-لا خيار لك00فأنت عاجز00 وإذا لم تستجب لي قمت وتركتك!



- والذهب؟



رد غياث محاولاً كسب ثقة مروان:



-الذهب لك إلا ما تصدقت به عليً،فما كنت لآخذ ما حصلت أنت عليه بجهدك00



ورفع إلى فم مروان قدحاً كان قد ملأه من النهر00 فشرب وقال:



-سأحكي لك0



وسكت برهة يتحسس جرحه ثم قال بنكد:



-هذا المال لتاجر ثري، يسكن بغداد وهو من أهل فلسطين يقال له ذاهب المقدسي، وكان متصلاً بالخلفاء والولاة وقد جمع من الأموال الكثير وكانت له ضياع ودور وعقار0



وقد وشى به بعضهم عند الخليفة فجفاه وعنَّفه،وأظهر له العداوة فضاقت عليه الدنيا وكره بغداد وعاف المقام فيها، واعتزم الرحيل إلى بلاده، والتحول إلى موطنه الأصلي فلسطين فأرسل أولاده وأسرته إلى هناك مع قليل من المال على أن يلحق بهم بعد أشهر0



وطفق يبيع ضياعه وعقاره، وكل مايملك واشترى هذا الذهب الذي رأيته، وحمل أمتعته وأمواله على بعض الجمال00 واستأجرخمسة عشر فارساً لحراسته مع خمسة من عبيده0



وكان من أصدقاء المقدسي رجل يحقد عليه ويحسده اسمه حنظلة، وكانت قد جرت بينهما المعرفة في مجلس الخليفة ولم يكن ذاهب يخفي عن حنظلة شيئاً من أموره0 فجمع حنظلة تسعة من الفتاك وانضممت أنا إليهم مع أخ لي، واتفقنا على أن نستولي على الأموال ونهاجم الرجال ليلاً00 ولم نكن على قلب واحدولكن جمعتنا حمرة الذهب0 وكان المقدسي صاحب حيطة وتدبير، فلم يخبر أحداً بمسيره ولا بما تحمله جماله0 ولم يكن يشك في إخلاص حنظلة، لذا علمنا كل شيء وتيسر لنا رصد الرجال ومتابعتهم 0 و اختبأنا لهم ليلة البارحة في بعض الطريق، ثم انقضضنا عليهم متلثمين،كانوا أشد منا قوةً و أكثر عدداً لكن مفاجئتنا لهم ساعدتنا على غلبتهم فقاتلناهم قتالاً شديداً بالنبال والسيوف وقد أخفى زعيمنا حنظلة نفسه،فلما رأى كفة القتال تسير لصالحنا انضم إلينا0وبدا لي أنه لن ينجو من رجال المقدسي أحد،بينما لم يقتلْ منا سوى أربعة ،وفرَّ بقية الفرسان إلى بعض الصخور طلباَّ للنجاة فطاردهم رجالنا لإفنائهم وكان هذا رأي حنظلة حتى لا يعود أحدٌ منهم إلى بغداد فيعلم الناس بنا0 إنه لئيمٌ ويحب الدماء ويقتل بلا دافع للقتل!وقد ساءني من حنظلة أنه لم ينضم إلينا إلا بعد أن هزمنا القوم، وأنه كان يحافظ على نفسه،وقدرت أيضاً أن هذا الذهب لو قُسَّم بيننا فلن ينالني منه ما أصبو إليه ، وكل هذا جعلني أتسلل في غمرة الهياج و البحث عن الجمل الذي فيه الذهب، وأهرب به تاركاً الرجال يتقاتلون مستعيناً بالظلام والغبار00 وسرت قليلاً وظننت أني فزتُ بالمال،لكن أحد أعوان حنظلة واسمه عدي اعترضني وقد عرف مقصدي وبدلاً من أن أخفي فعلتي تصرفت بحماقة فصحت به إن الذهب لي وحدي0 فعلقت به وأصابني في بطني ورأيت أخي يأتي مسرعاً، وقد فهم ما حدث فانضم إليَّ والتحم مع الرجل في مبارزة وأمرني أن أهرب بالجمل00وهربت00 ممسكاً بجرحي ممتطياً ظهر الجمل00 وكنت أعرف موضع القارب فتحاملت على جرحي وعالجت الجمل حتى برك في جوف القارب00 وقطعت به النهر وهذا ما زاد من آلامي ثم أنهضت الجمل وركبت عليه، لكني بدأتُ أفقد رشدي فسقطتُ من على ظهره، وغاب عقلي حتى جئتني أنت.
_____________ ولنا عودة بأذن لله بعد الردود
آهات صامته غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:28 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. موقع و منتديات سدير 1432 هـ - 1435 هـ

جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه