بداح العنقري من أسرة تميمية كريمة من بنى سعد ومركز امارتهم ثرمداء كثير ما يقطن البادية وقت الربيع وله ولع بالصيد .. وكثيراً ما يتقفر الأرض على جواده ، ولقى يوماً فتاة من عرب يقطنون حوله ، فبادلها
عبارات عفة وحكايات لطيفة وهي كذلك ، وكان هذا الفارس حسن الهندام ، جميل المظهر ، فاره الشباب ... وكان العربيات لا يؤخذن بشيء مثلما يؤخذن بالفروسية والشجاعة فهن تستهويهن وتأخذ بألبابهن ،
فقالت الفتاة لبداح : إن الحضري زين تصفيح : أي حسن المظهر والعرض ، أما الشجاعة فهي للبدوي .. فضحك منها وأخذها في نفسه ، ولم تمض أيام حتى أغير على عرب هذه الفتاة من قبل ( الفضول )
وكانوا آنذاك يحتلون قلب نجد ، فأخذوا إبل فريق الفتاة ، وأباحوا مضاربها .. فنهضوا للدفاع ، ولكن غلبتهم الكثرة ، وظلوا معهم في مساجلة حربية حتى سمع جارهم الفارس بداح العنقري لجة الحرب ، فامتطى جواده وجاء مسرعا فازعا لجيرانه ، فضرب الخيل عرضا وأوسعها طعنا وضربا حتى أستردوا أموالهم ، وغنموا ما غنموا من المغيرين ، و كنت الفتاة تشاهد بداح وهو يكر ويفر ، ويقبل ويدبر ، ويجتال الخيل أمامه .. ولما وضعت
الحرب أوزارها عاد بداح العنقري إلى مضاربه وهو ينشد :
الله لحد يا مـا غزينـا وجينـا ** وياما ركبنا حاميات المشاويـح
وياما علـى كيرانهـن اعتلينـا ** وياما ركبناها عصيـر مراويـح
وياما تعاطت بالهنـادي يدينـا ** وياما تقاسمنا حـلال المصاليـح
وراك تزهد ياريش العيـن فينـا ** تقول خيال الحضر زين تصفيح
ترا الضفر مهـوب للظاعنينـا ** قسم وهو بين الوجيه المفاليـح
البدو واللـى بالقـرى نازلينـا ** كل عطاه الله من هبـة الريـح
يوم الفضول بحلتـك شارعينـا ** والشلف ينحونك سواة الزنانيح
يوم انجمر رمحي خذيت السنينـا ** وادعيت عنك الخيل صم مدابيح
يا عود ريحان بعـرض البطينـا ** وامنين ماهب الهوى فاح له ريح
وانهودها اللى ما لهجها الجنينـا ** حمر ثمرهن تجرح الثوب تجريـح
لاخوخ لا رمان لاهـوب تينـا ** لا مشمش البصرة ولا بالتفافيح
إلى آخر ما جاء في قصيدته من فخر يصدقه الواقع ، وغزل يذوب رقة وسلاسة وعذوبة .