السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تبارك و تعالىٰ :
• - وسمي وحيه روحًا ، لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح ،
فقال تعالىٰ : { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ) ،
فأخبر أنه روح تحصل به الحياة ، وأنه نور تحصل به الإضاءة ،
وقال تعالىٰ : { ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) ،
وقال تعالىٰ : { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ) ؛
فالوحي حياة الروح ، كما أن الروح حياة البدن ، ولهذا من فقد هذه الروح فقد فقد الحياة النافعة في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فحياته حياة البهائم ، وله المعيشة الضنك ، وأما في الآخرة فله جهنم لا يموت فيها ولا يحيا .
وقد جعل الله الحياة الطيبة لأهل معرفته ومحبته وعبادته ،
فقال تعالىٰ : { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ،
وقد فسرت الحياة الطيبة بالقناعة والرضا ، والرزق الحسن وغير ذلك ، والصواب : أنها حياة القلب ونعيمه ، وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله ، ومحبته ، والإنابة إليه ، والتوكل عليه ، فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها ، ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة ، كما كان بعض العارفين يقول : إنه لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب ، وقال غيره : إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا .
وإذا كانت حياة القلب حياة طيبة تبعته حياة الجوارح ، فإنه ملكها ، ولهذا جعل الله المعيشة الضنك لمن أعرض عن ذكره ، وهي عكس الحياة الطيبة .
وهذه الحياة الطيبة تكون في الدور الثلاث ، أعني : دار الدنيا ، ودار البرزخ ، ودار القرار ، والمعيشة الضنك أيضًا تكون في الدور الثلاث ، فالأبرار في النعيم هنا وهنالك ، والفجار في الجحيم هنا وهنالك ،
قال الله تعالىٰ : { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ) ،
وقال تعالىٰ : { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ) ،
فذكر الله سبحانه وتعالىٰ ، ومحبته وطاعته ، والإقبال عليه ضامن لأطيب الحياة في الدنيا والآخرة ، والإعراض عنه والغفلة ومعصيته كفيل بالحياة المنغصة ، والمعيشة الضنك في الدنيا والآخرة .
【 مدارج السالكين (243/3) 】