عام على حرب غزة.. موات عربي وتواطؤ غربي
أب يشرح أمام الكاميرا كيف استشهد أبناءه الأربعةمضى عام على المحرقة الصهيونية التي جرت في 27 ديسمبر الماضي 2008 واستمرت 23 يوما ضد قطاع غزة، وراح ضحيتها أكثـر من 1450 شهيد و5500 جريح، ودمرت 5000 منزل و45 مسجد بالكامل، بخلاف البنية التحتية لغزة ومقار الحكومة والشرطة والمؤسسات الخيرية. مضى عام جرت فيه مياه كثيرة تستحق جردة حساب من جانب كل الأطراف: من استفاد وعظم مكاسبه؟ ومن خسر وفشل في تحويل الكارثة إلى انتصار؟ من كشفت الأيام أنه وقف مع أهل غزة؟ ومن وقف ضدهم؟، وما هي أبرز الدروس أو النتائج التي خرجنا بها من هذه المحرقة؟.
صعود التضامن المدني عالميا
نبدأ من القوافل الشعبية الدولية التي تتوجه صوب غزة مثل قوافل شريان الحياة 1و2و3 التي نظمها عضو البرلمان البريطاني جورج جالاوي، وقوافل "مسيرة غزة" و"أميال من الابتسامات" وغيرها العشرات، لنؤكد أن أبرز دروس المحرقة -برغم التعتيم الإعلامي الصهيوني والتخاذل الرسمي العربي وتضييع فرصة محاسبة المجرمين الصهاينة– هي صعود المجتمع المدني العالمي وقيادته حركة الضغط على الدولة العبرية والعالم ككل لإنقاذ غزة.
فعلى حين استمرت حالة الجمود الرسمية العربية بل وتصاعدت الضغوط والحصار على غزة من جانب الأطراف العربية، وآخرها بناء الجدار الفولاذي المصري، وتقاعست الحكومات العربية عن القيام بأي مبادرات لرفع الحصار أو تبني خطط حقيقية لمحاكمة الصهاينة، ظهر نشاط كبير على الجانب العالمي والغربي لإنقاذ غزة في صورة قوافل إغاثة ومبادرات لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة أمام المحاكم الأجنبية.
بعبارة أخرى كان أبرز درس من دروس عام الحصار الأول بعد الحرب هو هذا الصعود المذهل في التضامن الشعبي الغربي مع أهل غزة وتنظيم عشرات القوافل التي يقودها نشاطون أمريكيون وأوروبيون وأتراك وأجانب من أصل عربي، مقابل تشديد النظام الرسمي العربي حصاره على غزة بدعاوى الحفاظ على السلطة الفلسطينية بزعامة الرئيس عباس!.
هذا الصعود في دور المجتمع المدني العالمي مقابل موت الحكومات العربية أو شهادة الوفاة التي كتبها النظام الرسمي العربي لنفسه في هذه الأزمة "المحرقة" لم يكن قاصرا على الإغاثة والسعي لكسر الحصار الإسرائيلي على غزة، برغم وجود قرار (ديكوري) للجامعة العربية بكسر الحصار، وإنما امتد دور هذا المجتمع العالمي إلى السعي لمحاكمة المجرمين الصهاينة عبر محامين أجانب تطوع المجتمع المدني العربي والأوروبي لتوكيلهم بالتعاون مع أنصار حماس!.
ومقابل هذا يمكن ملء مجلدات عن سلبيات عربية لا حصر لها، سواء فيما يخص الصراعات التي جرت بين فتح وحماس والتي كشفت صعوبة المصالحة لأن ثوابت كل طرف باتت متعارضة تماما مع الأخر، أو فيما يخص فشل النظام الإقليمي العربي الذي يقوم أمنه الأساسي وشرعيته على القضية الفلسطينية، أو فيما يخص ازدواجية المعايير الغربية والإصرار على حماية إسرائيل مقابل عجز أو عدم رغبة الحكومات العربية الاستفادة مما في يدها من أدلة عن جرائم الحرب في محاكمة القتلة والمجرمين الصهاينة.
أفول محور الاعتدال!
أحد الدروس الأخرى أو نتائج العام الأول من محرقة غزة هو احتراق ما سمي "محور الاعتدال العربي" الذي ضم مصر والسعودية والأردن والإمارات والسلطة الفلسطينية.. ذلك المحور الذي ظهر على يد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في عهد بوش (كوندوليزا رايس) في عام 2008 لمواجهة ما يسمى (محور الممانعة) الذي تقوده سوريا وإيران، ومعها قوى المقاومة في لبنان وفلسطين.
فمحرقة غزة جاءت بمباركة عربية أو على الأقل صمت من قبل دول محور الاعتدال في وقت كان التصور الرائج هو أن هذا العدوان الصهيوني سوف ينهي حكم حماس في غزة ويعيدها لأحضان السلطة الفلسطينية بعدما جرت تجربة كل السبل مع حماس لإسقاطها منذ فوزها في الانتخابات قبل ثلاث سنوات.