عفراء
للشاعر عروة بن حزام
غاية ما يقال عنه في كتب تراثنا العربي أنه شاعر من بني عذرة،
أحب ابنة عمه عفراء التي ربي معها وكانت له تربا، وكان أبوها يقول له، أبشر فإن عفراء امرأتك - إن شاء الله تعالى - حتى إذا جاء أوان طلب يدها طلبت أمها مهراً معجزا يفوق قدرته، فرحل إلى عم له باليمن يطلب عونه، ثم عاد بالمهر المطلوب،
فإذا هي قد زوجت بأموي في الشام، فلحق بها، وأكرم زوجها وفادته لما عرفه من خلقه وأدبه وخيره بين أن يبقى معهما في الشام أو يطلقها من أجله، فأبى عروة بعد أن أقام عندهما أياما، وعاد إلى بلده وقومه، وحاول عراف باليمامة أن يداويه مما به، لكنه مات ودفن قرب المدينة.
ويقال إن عفراء لما بلغها نبأ موته ماتت حزنا عليه بعد أيام ثلاثة،
وقيل كانت وفاته سنة ثلاثين من الهجرة - في خلافة عثمان ابن عفان- حوالي ستمائة وخمسين ميلادية.
وهي سطور تحمل إلينا بعضا من الجو المأساوي الذي ظل قصة عروة وعفراء، والذي ينطق بسمات ذلك الحب العذري، الذي عرف به شباب قبيلة عذرة عندما كانت تتملكهم تلك العاطفة القوية المشبوبة يهيم فيها المحب بحبيبته ويرجو الحظوة بوصالها من غير نظرة إلى متع حسية،
مع التضحية والإيثار في سبيل الإبقاء على هذه العاطفة المحتدمة بما يستطيع بذله من جهد وآلام وأشواق وحنين. وتصبح هذه العاطفة المصحوبة بالحرمان الإرادي مدخلا إلى الزهد في المحرمات والتقوى من الله والتسامي الذي يكشف عن نبل روحي وسمو خلقي.
وأصبح الحب عند الشاعر العذري ملحمة يتغنى فيها بحسن بلائه وعظيم جهاده، مصوراً مواجهته البطولية لكل ما يلاقيه ويعانيه من صنوف العذاب وصروف الزمان.
وهذه القصيدة من شعر عروة بن حزام في محبوبته وابنة عمه عفراء هي أشهر قصائده وأطولها وأحفلها بسمات فنه الشعري الذي يقترب فيه كثيراً من سائر الشعراء العذريين
رقة وسلاسة تعبير، وتدفق عاطفة وانسيابا موسيقيا، وتركيزا على تصوير المعاناة والوجد والهيام وآثار البعاد والفراق وذكريات الماضي الجميل المشترك، ويزيد عنهم عروة حديثه عن عمه الذي غدر به وزوج عفراء بينما هو في رحلته إلى اليمن يجمع مهرها المطلوب، وهو لا يدعو على عمه- في غمرة الغضب والأسى- بأكثر من أن يبتليه الله بمثل ما ابتلي به، وأن يصبح قلب عمه - مثل قلبه - مقسوما بكل مكان حتى يدرك مقدار معاناة المحبين الصادقين في حبهم وهيامهم.
ويبقى أن قصيدة عفراء لعروة بن حزام صورة جديدة من صور تلك القصيدة (النموذج) لشعر الحب العذري، كما أبدعه مجنون ليلى قيس بن الملوح، ومجنون لبنى قيس بن ذريح، وجميل بن معمر صاحب بثينة، وكثير صاحب عزة، وأبوصخر الهذلي وابن الدمينة ونصيب وغيرهم
. يقول عروة بن حزام:
يتبع