¨° مِحبرةُ كتاباتك °¨ خاص بنتاج الأعضاء من خواطر وقصص ومقالات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
26-03-2011, 10:56 PM | #31 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
قصة معلم ( للشيخ علي الطنطاوي )
قلت لصديق لي أديب: إني لأقرأ لك منذ عشر سنوات، فما رأيتك أسففت إسفافك في هذه الأيام، وإني لأشك أأنت تكتب ما تكتبه، أم يجري به قلمك وأنت نائم، فتأخذه فتضع عليه اسمك؟ فماذا عراك أيها الصديق فأضاع بلاغتك ومحا آيتك؟ قال: دعني يا فلان دعني… فإن سراج حياتي يخبو، وشمعتي تذوب، وما أخالني إلا ميتا عما قريب، أو دائرا في الأسواق مجنونا… انتهيت… بعت رأسي وقلبي برغيف من الخبز. قلت: أربع عليك أيها الرجل وأخبرني ما بك، فلقد والله أرعبتني. قال: وماذا بي إلا أني معلم. إني معلم في مدرسة ابتدائية.. نهاري نهار المجانين، وليلي ليل القتلى، فمتى أفكر، ومتى أكتب، وأنا أروح العشية إلى البيت مهدود الجسم، مصدوع الرأس، جاف الحلق، فلا أستطيع أن أنام حتى أقرأ مئة حماقة، وأصحح مئة كراسة، فأعمي عيني بقراءتها، والإشارة إلى خطئها، وبيان صوابها، وتقدير درجاتها، فإذا انتهيت من هذا كله –ولا يقرأ تلميذ من كل هذا شيئا، ولا ينظر فيه- عمدت إلى دفتر تحضير الدروس، وهو الموت الأحمر، والبلاء الأزرق، الذي صبَّ علينا هذا العام صبا، فكتبت فيه ماذا أنا فاعل غدا في الفصل، دقيقة دقيقة، ولحظة لحظة... وماذا أنا قائل من كلمة، أو مقرر من قاعدة، أو ضارب من مثل، حتى إذا بلغت آخر كلمة فيه، استنفدت آخر قطرة من ماء حياتي، فسقطت في مكاني قتيلا، فحملت إلى السرير حملا.. فنمت نوما مضطربا تملؤه الأحلام المزعجة، والصور المرعبة، فأحسُّ كأن أمامي ركام الدفاتر التي سأصححها غدا، فلا أنجو منها حتى أبصر المفتش يتكلم من فوق المآذن، فلا يدع قاعدة من قواعد التربية، ولا نظرية من نظريات التعليم، ظهرت في فرنسا أو إنكلترا، إلا أرادني على تطبيقها، في فصل فيه سبعون تلميذا قد حشيت بهم المقاعد حشوا، وصفوا على الشبابيك، ووضعوا على الرفوف، مما لا يرضى عنه منهج من مناهج التربية، ولا قانون من قوانين الصحة، فإذا انمحت هذه الصورة، رأيت كأني أفهم تلميذا وهو يصغي إليّ ولا يفهم، فأكرر وأعيد فلا يفهم، فأقوم إليه أنظر ما يصنع، فإذا هو منصرف إلى دبيرة (زلقطة) يربط رجلها بخيط. فإذا شتمته أو أخرجته من الفصل، ذهب يستنجد القانون فينجده القانون الذي حرم العقوبات كلها، وكفّ يد المعلم، وشدّ لسانه بنسعة... ولا أزال في هذه الأحلام تنوء بي، فأتقلب من جنب إلى جنب، أحس كأن رأسي من الصداع بثقل أُحُد، حتى يصبح الله بالصباح، فأفيق مذعورا أخشى أن يسبقني الوقت، فلا أدري كم ركعت وكم سجدت، ولا كيف أكلت ولبست، وأهرول إلى المدرسة لا أستطيع التأخر ولو طحنتني الأوجاع، أو أحرقتني الحمّى، لأن المعلم لا يسمح له القانون أن يمرض في أيام المدرسة، وعنده أربعة أشهر ((عطلة الصيف)) يستطيع أن يمرض فيها، فإذا خالف ومرض، حرم الراتب ومنع العطاء (كان هذا قانون تلك الأيام)! أغدو إلى المدرسة، فأدخل على تلاميذ السنة الثالثة الأولية، وهؤلاء هم تلاميذي، لم يجدوني أهلا لأكبر منهم... فلا أنفك أقطع من عقلي لأكمل عقولهم، وأمزّق نفسي لأرقّع نفوسهم، ثم لا أفلح في تعليمهم ولا أنجح في تفهيمهم، ولا أدري من أين السبيل إلى مداركهم، فأنفق ساعة كاملة، أقلِّب أوجه القول، وأستقري عبارات اللغة، لأفهمهم كيف يكون (الاسم هو الكلمة التي تدل على معنى مستقل في الفهم وليس الزمن جزءا منه) فلا يفهمون من ذلك شيئا، ولا أقدر أن أطرح هذا التعريف السخيف أو أستبدل به، فأهذي ساعة ثم أقول: من فهم؟ فيرفع ولد أصبعه. فأحمد الله على أن واحد قد فهم، وأقول: قم يا بني بارك الله فيك، فأخبرني عن معنى هذا التعريف. فيقول: يا أستاذ هذا داس قدمي. فأصيح به: ويحك أيها الخبيث! إني أسألك عن تعريف الاسم، فلماذا تضع فيه قدمك؟ ألم أقل لكم أن هذه الشكاوى ممنوعة أثناء الدرس؟ فيقول: ولماذا يدوس هو على رجلي!؟ فأصيح بالآخر: لم دست على رجله يا شيطان؟ فيقول: والله لقد كذب، ما دست على رجله ولكن هو الذي عضُّني في أذني. فأغضب وأصرخ في وجهه: وكيف يعضّك وأنا قاعد هنا؟ فيقول: ليس الآن، ولكنه عضّني أمس. ويتطوع العفاريت الصغار للشهادة للمدعي والمدعى عليه، ويزلزل الفصل، فأضرب المنصة بالعصا، وأسكتهم جميعا مهددا من يتكلم بأقسى العقوبات، ولا أدري أنا ما أقسى العقوبات هذه؟… فيخنسون ويُبْلسون فأعود إلى الدرس فإذا هو قد طار من رؤوسهم، على أنه ما استقر فيها قط! وينفخ في الصور، فتقوم القيامة، ويخرج الأولاد إلى الفرصة، ثم ترجع إلى درس القرآن. فأقول: من يحفظ سورة الفاتحة؟ فيتصايحون: أنا… أنا… أنا. سكوت! واحد فقط… اقرأ أنت. الحمد لله رب العالمين… إياك نعبِد. فأقول: إياك نعبُد. فيقول: نعبِد. ويحك: نَعْ بُ د. فيقول: نَعْ بِ د. انتبه يا بني: نَعْ بود. فيقولها. حسن. قل نعبُد. فيقول: نعبِد. فلا نزال في نعبُد ونعبِد حتى ينتهي الدرس. ولا يلفظونها إلا بالكسر لأنهم حفظوها من السنة الأولى خطأ. * * * * * * * * * * ولا أزال في هذا البلاء بياض نهاري، ولا يأتي المساء وفيَّ بقية عقل، أو أثر من قوة، ثم لا أنا أرضيت الوزارة، ولا أنا نفعت أبناء المسلمين، ولا أنا انصرفت إلى مطالعاتي وكتاباتي. وهذه مكتبتي لم أدخلها منذ أول العام الدراسي، وهذه مشروعات المقالات والبحوث التي أكتبها، وهذه مسوَّات الكتاب الجديد الذي أؤلفه مبثوثة في جوانب الغرفة، ضائعة مهملة. أفتلومني بعد، على أني لا أجوِّد في هذه الأيام؟ قلت: هذه والله حالي فلست ألومك، فرَّج الله عني وعنك! |
|||||||||
26-03-2011, 11:00 PM | #32 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
قصة معلم ( للشيخ علي الطنطاوي ) قلت لصديق لي أديب: إني لأقرأ لك منذ عشر سنوات، فما رأيتك أسففت إسفافك في هذه الأيام، وإني لأشك أأنت تكتب ما تكتبه، أم يجري به قلمك وأنت نائم، فتأخذه فتضع عليه اسمك؟ فماذا عراك أيها الصديق فأضاع بلاغتك ومحا آيتك؟ قال: دعني يا فلان دعني… فإن سراج حياتي يخبو، وشمعتي تذوب، وما أخالني إلا ميتا عما قريب، أو دائرا في الأسواق مجنونا… انتهيت… بعت رأسي وقلبي برغيف من الخبز. قلت: أربع عليك أيها الرجل وأخبرني ما بك، فلقد والله أرعبتني. قال: وماذا بي إلا أني معلم. إني معلم في مدرسة ابتدائية.. نهاري نهار المجانين، وليلي ليل القتلى، فمتى أفكر، ومتى أكتب، وأنا أروح العشية إلى البيت مهدود الجسم، مصدوع الرأس، جاف الحلق، فلا أستطيع أن أنام حتى أقرأ مئة حماقة، وأصحح مئة كراسة، فأعمي عيني بقراءتها، والإشارة إلى خطئها، وبيان صوابها، وتقدير درجاتها، فإذا انتهيت من هذا كله –ولا يقرأ تلميذ من كل هذا شيئا، ولا ينظر فيه- عمدت إلى دفتر تحضير الدروس، وهو الموت الأحمر، والبلاء الأزرق، الذي صبَّ علينا هذا العام صبا، فكتبت فيه ماذا أنا فاعل غدا في الفصل، دقيقة دقيقة، ولحظة لحظة... وماذا أنا قائل من كلمة، أو مقرر من قاعدة، أو ضارب من مثل، حتى إذا بلغت آخر كلمة فيه، استنفدت آخر قطرة من ماء حياتي، فسقطت في مكاني قتيلا، فحملت إلى السرير حملا.. فنمت نوما مضطربا تملؤه الأحلام المزعجة، والصور المرعبة، فأحسُّ كأن أمامي ركام الدفاتر التي سأصححها غدا، فلا أنجو منها حتى أبصر المفتش يتكلم من فوق المآذن، فلا يدع قاعدة من قواعد التربية، ولا نظرية من نظريات التعليم، ظهرت في فرنسا أو إنكلترا، إلا أرادني على تطبيقها، في فصل فيه سبعون تلميذا قد حشيت بهم المقاعد حشوا، وصفوا على الشبابيك، ووضعوا على الرفوف، مما لا يرضى عنه منهج من مناهج التربية، ولا قانون من قوانين الصحة، فإذا انمحت هذه الصورة، رأيت كأني أفهم تلميذا وهو يصغي إليّ ولا يفهم، فأكرر وأعيد فلا يفهم، فأقوم إليه أنظر ما يصنع، فإذا هو منصرف إلى دبيرة (زلقطة) يربط رجلها بخيط. فإذا شتمته أو أخرجته من الفصل، ذهب يستنجد القانون فينجده القانون الذي حرم العقوبات كلها، وكفّ يد المعلم، وشدّ لسانه بنسعة... ولا أزال في هذه الأحلام تنوء بي، فأتقلب من جنب إلى جنب، أحس كأن رأسي من الصداع بثقل أُحُد، حتى يصبح الله بالصباح، فأفيق مذعورا أخشى أن يسبقني الوقت، فلا أدري كم ركعت وكم سجدت، ولا كيف أكلت ولبست، وأهرول إلى المدرسة لا أستطيع التأخر ولو طحنتني الأوجاع، أو أحرقتني الحمّى، لأن المعلم لا يسمح له القانون أن يمرض في أيام المدرسة، وعنده أربعة أشهر ((عطلة الصيف)) يستطيع أن يمرض فيها، فإذا خالف ومرض، حرم الراتب ومنع العطاء (كان هذا قانون تلك الأيام)! أغدو إلى المدرسة، فأدخل على تلاميذ السنة الثالثة الأولية، وهؤلاء هم تلاميذي، لم يجدوني أهلا لأكبر منهم... فلا أنفك أقطع من عقلي لأكمل عقولهم، وأمزّق نفسي لأرقّع نفوسهم، ثم لا أفلح في تعليمهم ولا أنجح في تفهيمهم، ولا أدري من أين السبيل إلى مداركهم، فأنفق ساعة كاملة، أقلِّب أوجه القول، وأستقري عبارات اللغة، لأفهمهم كيف يكون (الاسم هو الكلمة التي تدل على معنى مستقل في الفهم وليس الزمن جزءا منه) فلا يفهمون من ذلك شيئا، ولا أقدر أن أطرح هذا التعريف السخيف أو أستبدل به، فأهذي ساعة ثم أقول: من فهم؟ فيرفع ولد أصبعه. فأحمد الله على أن واحد قد فهم، وأقول: قم يا بني بارك الله فيك، فأخبرني عن معنى هذا التعريف. فيقول: يا أستاذ هذا داس قدمي. فأصيح به: ويحك أيها الخبيث! إني أسألك عن تعريف الاسم، فلماذا تضع فيه قدمك؟ ألم أقل لكم أن هذه الشكاوى ممنوعة أثناء الدرس؟ فيقول: ولماذا يدوس هو على رجلي!؟ فأصيح بالآخر: لم دست على رجله يا شيطان؟ فيقول: والله لقد كذب، ما دست على رجله ولكن هو الذي عضُّني في أذني. فأغضب وأصرخ في وجهه: وكيف يعضّك وأنا قاعد هنا؟ فيقول: ليس الآن، ولكنه عضّني أمس. ويتطوع العفاريت الصغار للشهادة للمدعي والمدعى عليه، ويزلزل الفصل، فأضرب المنصة بالعصا، وأسكتهم جميعا مهددا من يتكلم بأقسى العقوبات، ولا أدري أنا ما أقسى العقوبات هذه؟… فيخنسون ويُبْلسون فأعود إلى الدرس فإذا هو قد طار من رؤوسهم، على أنه ما استقر فيها قط! وينفخ في الصور، فتقوم القيامة، ويخرج الأولاد إلى الفرصة، ثم ترجع إلى درس القرآن. فأقول: من يحفظ سورة الفاتحة؟ فيتصايحون: أنا… أنا… أنا. سكوت! واحد فقط… اقرأ أنت. الحمد لله رب العالمين… إياك نعبِد. فأقول: إياك نعبُد. فيقول: نعبِد. ويحك: نَعْ بُ د. فيقول: نَعْ بِ د. انتبه يا بني: نَعْ بود. فيقولها. حسن. قل نعبُد. فيقول: نعبِد. فلا نزال في نعبُد ونعبِد حتى ينتهي الدرس. ولا يلفظونها إلا بالكسر لأنهم حفظوها من السنة الأولى خطأ. * * * * * * * * * * ولا أزال في هذا البلاء بياض نهاري، ولا يأتي المساء وفيَّ بقية عقل، أو أثر من قوة، ثم لا أنا أرضيت الوزارة، ولا أنا نفعت أبناء المسلمين، ولا أنا انصرفت إلى مطالعاتي وكتاباتي. وهذه مكتبتي لم أدخلها منذ أول العام الدراسي، وهذه مشروعات المقالات والبحوث التي أكتبها، وهذه مسوَّات الكتاب الجديد الذي أؤلفه مبثوثة في جوانب الغرفة، ضائعة مهملة. أفتلومني بعد، على أني لا أجوِّد في هذه الأيام؟ قلت: هذه والله حالي فلست ألومك، فرَّج الله عني وعنك! |
|||||||||
28-03-2011, 12:35 AM | #33 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
قصة غربية… غريبة جداً… ذكرها الشيخ علي الطنطاوي في بعض كتبه قال: دخلت أحد مساجد مدينة (حلب) فوجدت شاباً يصلي فقلت -سبحان الله- إن هذا الشاب من أكثر الناس فساداً يشرب الخمر ويفعل الزنا ويأكل الربا وهو عاقّ لوالديه وقد طرداه من البيت فما الذي جاء به إلى المسجد… فاقتربتُ منه وسألته: أنت فلان؟!! قال: نعم… قلت: الحمد لله على هدايتك… أخبرني كيف هداك الله؟؟ قال: هدايتي كانت على يد شيخ وعظنا في مرقص… قلت مستغرباً… في مرقص؟!! قال: نعم… في مَرقص!! قلت: كيف ذلك؟!! قال: هذه هي القصة… فأخذ يرويها فقال: كان في حارتنا مسجد صغير… يؤم الناس في شيخ كبير السن… وذات يوم التَفَتَ الشيخ إلى المصلين وقال لهم: أين الناس؟!… ما بال أكثر الناس وخاصة الشباب لا يقربون المسجد ولا يعرفونه؟!!… فأجابه المصلون: إنهم في المراقص والملاهي… قال الشيخ: وما هي المراقص والملاهي؟!!… ردّ عليه أحد المصلين: المرقص صالة كبيرة فيها خشبة مرتفعة تصعد عليها الفتيات عاريات أو شبه عاريات يرقصنَ والناس حولهنَ ينظرون إليهن… فقال الشيخ: والذين ينظرون إليهن من المسلمين؟ قالوا: نعم… قال: لا حول وقوة إلا بالله… هيا بنا إلى تلك المراقص ننصح الناس… قالوا له: يا شيخ… أين أنت… تعظ الناس وتنصحهم في المرقص؟! قال: نعم… حاولوا أن يثنوه عن عزمه وأخبروه أنهم سَيُواجَهون بالسخرية والاستهزاء وسينالهم الأذى فقال: وهل نحن خير محمد صلى الله عليه وسلم؟! وأمسك الشيخ بيد أحد المصلين ليدله على المرقص… وعندما وصلوا إليه سألهم صاحب المرقص: ماذا تريدون؟!! قال الشيخ: نريد أن ننصح من في المرقص… تعجب صاحب المرقص… وأخذ يمعن النظر فيهم ورفض السماح لهم… فأخذوا يساومونه ليأذن لهم حتى دفعوا له مبلغاً من المال يعادل دخله اليومي. وافق صاحب المرقص… وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي.. قال الشاب: فلما كان الغد كنت موجوداً المرقص… بدأ الرقص من إحدى الفتيات… ولما انتهت أسدل الستار ثم فتح… فإذا بشيخ وقور يجلس على كرسي فبدأ بالبسملة وحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بدأ في وعظ الناس الذين أخذتهم الدهشة وتملكهم العجب وظنوا أن ما يرونه هو فقرة فكاهية… فلما عرفوا أنهم أمام شيخ يعظهم أخذوا يسخرون منه ويرفعون أصواتهم بالضحك والاستهزاء وهو لا يبالي بهم… واستمر في نصحه ووعظه حتى قام أحد الحضور وأمرهم بالسكوت والإنصات حتى يسمعوا ما يقوله الشيخ. قال: فبدأ السكون والهدوء يخيم على أنحاء المرقص حتى أصبحنا لا نسمع إلا صوت الشيخ، فقال كلاماً ما سمعناه من قبل… تلا علينا آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية وقصصاً لتوبة بعض الصالحين وكان مما قاله: أيها الناس… إنكم عشتم طويلاً وعصيتم الله كثيراً… فأين ذهبت لذة المعصية. لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء ستسألون عنها يوم القيامة وسيأتي يوم يهلك فيه كل شيء إلا الله سبحانه وتعالى… أيها الناس… هل نظرتم إلى أعمالكم إلى أين ستؤدي بكم إنكم لا تتحملون نار الدنيا وهي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم فكيف بنار جهنم… بادروا بالتوبة قبل فوات الأوان… قال فبكى الناس جميعاً… وخرج الشيخ من المرقص وخرج الجميع وراءه وكانت توبتهم على يده حتى صاحب المرقص تاب وندم على ما كان منه. |
|||||||||
28-03-2011, 01:56 PM | #34 | |||||||||||
مشرف سابق
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
شاكر لك اختي على هذا الطرح الجميل والموضوع الرائع |
|||||||||||
29-03-2011, 12:44 AM | #35 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
مقالة رائعة جدا للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله،
فهلا قرأناها وإتعظنا بها، والسعيد من إتعض بغيره، والتعيس من إتعظ بنفسه كتب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله مقالة يقول فيها: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها نظرت البارحة فإذا الغرفة دافئة والنار موقدة، وأنا على أريكة مريحة، أفكر في موضوع أكتب فيه، والمصباح إلى جانبي، والهاتف قريب مني، والأولاد يكتبون، وأمهم تعالج صوفا تحيكه، وقد أكلنا وشربنا، والراديو يهمس بصوت خافت، وكل شيء هادئ، وليس ما أشكو منه أو أطلب زيادة عليه> فقلت ' الحمد لله '، أخرجتها من قرارة قلبي، ثم فكرت فرأيت أن 'الحمد ' ليس كلمة تقال باللسان ولو رددها اللسان ألف مرة، ولكن الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها... حمد الغني أن يعطي الفقراء.. وحمد القوي أن يساعد الضعفاء... وحمد الصحيح أن يعاون المرضى.. وحمد الحاكم أن يعدل في المحكومين.. فهل أكون حامدا لله على هذه النعم إذا كنت أنا وأولادي في شبع ودفء وجاري وأولاده في الجوع والبرد؟، وإذا كان جاري لم يسألني أفلا يجب علي أنا أن أسأل عنه؟ وسألتني زوجتي: فيمَ تفكر؟، فقلت لها. قالت: صحيح، ولكن لا يكفي العباد إلا من خلقهم، ولو أردت أن تكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تغنيهم. قلت: لو كنت غنيا لما استطعت أن أغنيهم، فكيف وأنا رجل مستور، يرزقني الله رزق الطير، تغدو خماصا ًوتروح بطاناً؟ لا، لا أريد أن أغني الفقراء، بل أريد أن أقول إن المسائل نسبية،وأنا بالنسبة إلى أرباب الآلاف المؤلفة فقير، ولكني بالنسبة إلى العامل الذي يعيل عشرة وما له إلا أجرته غني من الأغنياء، وهذاالعامل غني بالنسبة إلى الأرملة المفردة التي لا مورد لها ولا مال في يدها، ورب الآلاف فقير بالنسبة لصاحب الملايين؛ فليس في الدنيا فقير ولا غني فقرا مطلقا وغنىً مطلقا، وليس فيها صغير ولا كبير، ومن شك فإني أسأله أصعب سؤال يمكن أن يوجه إلى إنسان، أسأله عن العصفور: هل هو صغير أم كبير؟، فإن قال صغير، قلت: أقصد نسبته إلى الفيل، وإن قال كبير، قلت: أقصد نسبته إلى النملة.. فالعصفور كبير جدا مع النملة، وصغير جدا مع الفيل، وأنا غني جدا مع الأرملة المفردة الفقيرة التي فقدت المال والعائل، وإن كنت فقيرا جدا مع فلان وفلان من ملوك المال.. تقولون: إن الطنطاوي يتفلسف اليوم .. لا؛ ما أتفلسف، ولكن أحب أن أقول لكم إن كل واحد منكم وواحدة يستطيع أن يجد من هو أفقر منه فيعطيه، إذا لم يكن عندك – يا سيدتي– إلا خمسة أرغفة وصحن ' مجدّرة ' ( وهو طعام من البرغل أي القمح المجروش مع العدس )، تستطيعين أن تعطي رغيفا لمن ليس له شيء، والذي بقي عنده بعد عشائه ثلاثة صحون من الفاصوليا والرز وشيء من الفاكهة والحلو يستطيع أن يعطي منها قليلا لصاحبة الأرغفة والمجدّرة.. والذي ليس عنده إلا أربعة ثياب مرقعة يعطي ثوبا لمن ليس له شيء، والذي عنده بذلة لم تخرق ولم ترقع ولكنه مل منها، وعنده ثلاث جدد من دونها، يستطيع أن يعطيها لصاحب الثياب المرقعة، ورب ثوب هو في نظرك عتيق وقديم بال، لو أعطيته لغيرك لرآه ثوب العيد ولاتخذه لباس الزينة، وهو يفرح به مثل فرحك أنت لو أن صاحب الملايين مل من سيارته الشفروليه طراز سنة 1953– بعدما اشترى كاديلاك طراز 1956– فأعطاك تلك السيارة. ومهما كان المرء فقيراً فإنه يستطيع أن يعطي شيئا لمن هو أفقر منه، إن أصغر موظف لا يتجاوز راتبه مئة وخمسين قرش، لا يشعر بالحاجة ولا يمسه الفقر إذا تصدق بقرش واحد على من ليس له شيء، وصاحب الراتب الذي يصل إلى أربعة جنيهات لا يضره أن يدفع منها خمس قروش ويقول ' هذه لله '، والذي يربح عشرة آلاف من التجار في الشهر يستطيع أن يتصدق بمئتين منها في كل شهر. ولا تظنوا أن ما تعطونه يذهب بالمجان، لا والله، إنكم تقبضون الثمن أضعافا؛ تقبضونه في الدنيا قبل الآخرة، ولقد جربت ذلك بنفسي، أنا أعمل وأكسب وأنفق على أهلي منذ أكثر من ثلاثين سنة، وليس لي من أبواب الخير والعبادة إلا أني أبذل في سبيل الله إن كان في يدي مال، ولم أدخر في عمري شيئاً، وكانت زوجتي تقول لي دائماً: ' يا رجل، وفر واتخذ لبناتك داراً على الأقل '، فأقول: خليها على الله، أتدرون ماذاكان؟!! لقد حسب الله لي ما أنفقته في سبيله وادخره لي في بنك الحسنات الذي يعطي أرباحا سنوية قدرها سبعون ألفا في المئة، نعم: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ******، وهناك زيادات تبلغ ضعف الربح: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ******، فأرسل الله صديقا لي سيداً كريماً من أعيان دمشق فأقرضني ثمن الدار، وأرسل أصدقاء آخرين من المتفضلين فبنوا الدار حتى كملت وأنا – والله – لا أعرف من أمرها إلا ما يعرفه المارة عليها من الطريق، ثم أعان الله برزق حلال لم أكن محتسبا فوفيت ديونها جميعا، ومن شاء ذكرت له التفاصيل وسميت له الأسماء. وما وقعت والله في ضيق قط إلا فرجه الله عني، ولا احتجت لشيء إلا جاءني، وكلما زاد عندي شيء وأحببت أن أحفظه وضعته في هذا البنك. فهل في الدنيا عاقل يعامل بنك المخلوق الذي يعطي 5% ربحاً حراماً وربما أفلس أو احترق، ويترك بنك الخالق الذي يعطي في كل مئة ربح قدره سبعون ألفا؟، وهو مؤمن عليه عند رب العالمين فلا يفلس ولا يحترق ولا يأكل أموال الناس.فلا تحسبوا أن الذي تعطونه يذهب هدراً، إن الله يخلفه في الدنيا قبل الآخرة، وأنا لا أحب أن أسوق لكم الأمثلة فإن كل واحد منكم يحفظ مما رأى أو سمع كثيرا منها، إنما أسوق لكم مثلا واحداً: قصة الشيخ سليم المسوتي رحمه الله، وقد كان شيخ أبي، وكان – على فقره – لا يرد سائلا قط، ولطالما لبس الجبة أو ' الفروة ' فلقي رجل يرتجف من البرد فنزعها فدفعها إليه وعاد إلى البيت بالإزار، وطالما أخذ السفرة من أمام عياله فأعطاها للسائل، وكان يوما في رمضان وقد وضعت المائدة انتظاراً للمدفع، فجاء سائل يقسم أنه وعياله بلا طعام،فابتغى الشيخ غفلة من امرأته وفتح له فأعطاه الطعام كله!!، فلما رأت ذلك امرأته ولولت عليه وصاحت وأقسمت أنها لا تقعد عنده، وهو ساكت ..فلم تمر نصف ساعة حتى قرع الباب وجاء من يحمل الأطباق فيها ألوان الطعام والحلوى والفاكهة، فسألوا: ما الخبر؟، وإذا الخبر أن سعيد باشا شموين كان قد دعا بعض الكبار فاعتذروا، فغضب وحلف ألا يأكل أحد من الطعام وأمر بحمله كله إلى دار الشيخ سليم المسوتي، قال: أرأيت يا امرأة؟ وقصة المرأة التي كان ولدها مسافراً، وكانت قد قعدت يوما تأكل وليس أمامها إلا لقمة إدام وقطعة خبز، فجاء سائل فمنعت عن فمها وأعطته وباتت جائعة، فلما جاء الولد من سفره جعل يحدثها بما رأى ..قال: ومن أعجب ما مر بي أنه لحقني أسد في الطريق، وكنت وحدي فهربت منه، فوثب علي وما شعرت إلا وقد صرت في فمه، وإذا برجل عليه ثياب بيض يظهر أمامي فيخلصني منه ويقول ' لقمة بلقمة '، ولم أفهم مراده، فسألته عن وقت هذا الحادث وإذا هو في اليوم الذي تصدقت فيه على الفقير، نزعت اللقمة من فمها لتتصدق بها فنزع الله ولدها من فم الأسد . والصدقة تدفع البلاء ويشفي الله بها المريض، ويمنع الله بها الأذى، وهذه أشياء مجربة، وقد وردت فيها الآثار، والذي يؤمن بأن لهذا الكون إلها هو يتصرف فيه وبيده العطاء والمنع، وهو الذي يشفي وهو يسلم، يعلم أن هذا صحيح، والملحد ما لنا معه كلام. والنساء أقرب إلى الإيمان وإلى العطف، وإن كانت المرأة – بطبعها- أشد بخلا بالمال من الرجل، وأنا أخاطب السيدات وأرجو ألا يذهب هذاالكلام صرخة في واد مقفر، وأن يكون له أثره، وأنت تنظر كل واحدة من السامعات الفاضلات ما الذي تستطيع أن تستغني عنه من ثيابها القديمة أو ثياب أولادها، ومما ترميه ولا تحتاج إليه من فرش بيتها، ومما يفيض عنها من الطعام والشراب، فتفتش عن أسرة فقيرة يكون هذا لها فرحة الشهر.ولا تعطي عطاء الكبر والترفع، فإن الابتسامة في وجه الفقير ( مع القرش تعطيه له ) خير من جنيه تدفعه له وأنت شامخ الأنف متكبر مترفع، ولقد رأيت بنتي الصغيرة بنان – من سنين – تحمل صحنين، لتعطيهما الحارس في رمضان قلت: تعالي يا بنت، هاتي صينية وملعقة وشوكة وكأس ماء نظيف وقدميها إليه هكذا، إنك لم تخسري شيئاً، الطعامهو الطعام، ولكن إذا قدمت له الصحن والرغيف كسرت نفسه وأشعرته أنه كالسائل ( الشحاذ )، أما إذا قدمته في الصينية مع الكأس والملعقة والشوكة والمملحة ينجبر خاطره ويحسّ كأنه ضيف عزيز. ومن أبواب الصدقة ما لا ينتبه له أكثر الناس مع أنه هين، من ذلك التساهل مع البياع الذي يدور على الأبواب يبيع الخضر أو الفاكهة أوالبصل، فتأتي المرأة تناقشه وتساومه على القرش وتظهر ' شطارتها 'كلها، مع أنها قد تكون من عائلة تملك مئة ألف وهذا المسكين لا تساوي بضاعته التي يدور النهار لييعها، لا تساوي كلها عشرة قروش ولا يربح منها إلا قرشين! فيا أيها النساء أسألكن بالله، تساهلن مع هؤلاء البياعين وأعطوهم ما يطلبون، وإذا خسرت الواحدة منكن ليرة فلتحسبها صدقة؛ إنها أفضل من الصدقة التي تعطى للشحاذ. ومن أبواب الصدقة أن تفكر معلمة المدرسة حينما تكلف البنات أو تصرعلى شراء الدفاتر الغالية والكماليات التي لا ضرورة لها من أدوات المدرسة، أن تفكر أن من التلميذات من لا يحصل أبوها أكثر من ثمن الخبز وأجرة البيت، وأن شراء الدفاتر العريضة أو ' الأطلس ' أو علبة الألوان نراه نحن هينا ولكنه عنده كبير، والمسائل – كما قلت –نسبية، ولو كلفت المعلمة دفع ألف جنيه لنادت بالويل والثبور، مع أن التاجر الكبير يقول: وما ألف جنيه؟! سهلة! سهلة عليه، وصعبة عليها، كذلك الخمس قروش أو العشر سهلة على المعلمة ولكنها صعبة على كثير من الآباء. والخلاصة يا سادة: إن من أحب أن يسخر الله له من هو أقوى منه وأغنى فليعن من هو أضعف منه وأفقر، وليضع كل منا نفسه في موضع الآخر، وليحب لأخيه ما يحب لنفسه، إن النعم إنما تحفظ وتدوم وتزداد بالشكر، وإن الشكر لا يكون باللسان وحده، ولو أمسك الإنسان سبحة وقال ألف مرة ' الحمد لله ' وهو يضن بماله إن كان غنيا، ويبخل بجاهه إن كان وجيها، ويظلم بسلطانه إن كان ذا سلطان لا يكون حامداً لله، وإنما يكون مرائيا أو كذاباً. فاحمدوا الله على نعمه حمداً فعلياً، وأحسنوا كما تحبون أن يحسن الله إليكم، واعلموا أن ما أدعوكم إليه اليوم هو من أسباب النصر على العدو ومن جملة الاستعداد له؛ فهو جهاد بالمال، والجهاد بالمال أخو الجهاد بالنفس. ورحم الله من سمع المواعظ فعمل بها ولم يجعلها تدخل من أذن لتخرج من الأخرى.... |
|||||||||
29-03-2011, 12:50 AM | #36 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
|
|||||||||
01-04-2011, 11:36 AM | #37 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
من مواقف الشيخ علي رحمه الله موقف شجاع: وكان الطنطاوي في شبابه مثالاً للرجل العصامي، وكان شديد الثقة في نفسه، وكان صريحاً لا يعرف المجاملة والمداراة، وكان سريع الغضب سريع الرضا، ملولاً لا يكاد يصبر على طعام واحد، ثم هدهدت الأيام من غَربه، وزادته حكمة ورصانة، لكن بعض ملامح شبابه ظلت كامنة كالجمر تحت الرَّماد، حتى أصبح مثل صديق ابن المقفع الذي قال فيه: "وكان يُرى متضاعفاً مُستَضعفاً، فإذا جد الجِد فهو الليث عادياً". ذلك أن خصلة الشجاعة والجرأة لم تفارق الطنطاوي في حياته كلها، وكانت هذه الشجاعة أجلى ما تكون أمام الحكام، حينما يرى جَوراً في الحكم، أو انحرافاً عن جادة الدين والخلق، ومواقفه في ذلك مشهودة ومشهورة أمام أديب الشيشكلي - الحاكم العسكري في سورية - وأمام الحسيني - قائد الشرطة فيها - وأمام السراج - رئيس المخابرات في أيام الوَحدة بين سورية ومصر - وأمام كمال الدين حسين - عضو قيادة الثورة ووزير المعارف في أيام الوحدة - ولنستمع إلى قوله في مقابلته له مع وفد من العلماء: "نحن ما جئنا من أجل الرواتب، ولكن جئنا مدافعين عن الدين وعن الأخلاق، ومطالبين بالإصلاح. هل تعلم سيادتكم أننا لسنا هنا أحراراً، كل واحد منا مراقب، يبعث إليه من يحصي عليه حركاته وسكناته، فكيف نعيش مطمئنين آمنين ألا تصيبنا جائحة؟! حتى أنت، إنَّ معك اثنين يراقبانك، ويرفعان عنك تقريراً بكل ما تقول أو تفعل، وهذا التقرير لا يرفع إلى سيادة الرئيس، بل إلى رب الرئيس ورب العالمين، يعلن على رؤوس الأشهاد يوم المعاد، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولا وزارة ولا رياسة، فأرجو ألا تهيئ جواباً يرضينا الآن، بل تُعِد الجواب لرب العالمين يوم الحساب"[8]. مواقف طريفة: وكان أكره شيء إلى الطنطاوي النفاق والمراءاة بين الناس، وكان الشيخ يكره الغرور والادعاء، وله في ذلك مواقف طريفة، نذكر منها قوله: "ولقد وقعت لي في هذه الكشوف - كشوف القضاء - حوادث طريفة فيها تسلية للقارئ؛ منها أننا ذهبنا يوماً إلى كشف على مسكن، في طرَف دمشق، وكان معي في السيارة كاتب المحكمة، والزوجة وزوجها، فلما وصلنا، جاء عسكري قريب للزوجة، فأراد أن يتدخل فمنعته، وكان للعسكري أيام الفرنسيين بعض الرهبة في قلوب الناس، فلما ابتعدنا راجعين قال الزوج: أنا سكت عنه إكراماً لكَ - أي لي أنا - ولولاك (لمصعت) رقبته. فقلت للسائق: قف، فوقف، وقلت للزوج: أنا لم أر في عمري رجلاً (يمصع) رقبة آخر، وأحب أن أرى هذا المشهد، ولا يضرني أن أنتظر، فسأدعوه لك حتى تصنع به ما تريد، وفتحت نافذة السيارة ومددت رأسي فناديت العسكري. وهنالك تبخرت حماسة هذا الرجل، وضاعت جرأته، وهربت شجاعته، وجعل يقول: أرجوك، أرجوك يا سيدي. أُقبِّل يدك. سامحني، لا توقعني معه في ورطة، وأنا ساكت لا أقول شيئاً، حتى وصل العسكري، وصار لون وجه الرجل بلون قشرة الليمون، فقلت للعسكري: يبدو عليك أنك رجل خير، ومن يعمل خيراً يكافئه الله. فاذهب وحاول أن تصلح بينهما، أو الحقنا إلى المحكمة؛ لعلك توفق بإقناع قريبتك وزوجها لإزالة الخلاف بينهما، ولحقنا وتم الصلح بينهما. أما الرجل فما صدق أنه خلص من هذه الورطة، وأحسب أنه لم يعد إلى هذه العنترية الفارغة. والعوام عندنا في الشام يقولون: إن من يهدد لا يفعل، والذي يفعل حقيقة لا يهدد |
|||||||||
02-04-2011, 12:40 AM | #38 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
درس في التواضع: |
|||||||||
02-04-2011, 02:07 AM | #39 | |||||||||
عضو نشيط
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
فتح الله على قلبك |
|||||||||
03-04-2011, 12:16 AM | #40 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
|
|||||||||
03-04-2011, 12:26 AM | #41 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
((((حديث النفس-خواطر الشيخ على الطنطاوى-)))) أنا و النجوم |
|||||||||
03-04-2011, 08:45 PM | #42 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
|
|||||||||
04-04-2011, 12:53 PM | #43 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
((((حديث النفس-خواطر الشيخ على الطنطاوى-)))) 3 هذه الروائع من كتاب من حديث النفس للشيخ الوَحدة..
ماآلمني شي في الحياة مآلمتني الوحدة ,كنت أشعر كلما انفردتُ بفراغ هائل في نفسي ,وأحس بأنها غريبة عني ثقيلة علي , لا أطيق الإنفراد بها ,فإذا انفردت بها أحسست ان بيني وبين الحياة صحارى قاحلة , وبيدا مالها من آخر , بل كنت ارى العالم في كثير من الأحيان وحشا فاغرا فاه لابتلاعي , فأحاول الفرار ,ولكن أين المفر من نفسي التي بين جنبيّ ودنياي التي اعيش فيها ,,, إن نفسي عميقة واسعة , او لعلي أرها عميقة واسعة لطول ما احدق فيها وأتامل جوانبها , فتخفيني بسعتها وعمقها ويرمضني انه لايملأوها شيئ مهما كان كبيرا .. وهذا العالم ضيق ,او لعلي أراه ضيقا لاشتغالي عنه بنفسي وشعوري بسعتها فأراه يخنقني بضيقه إني اجمع العالم كله في فكرة واحدة أرميها في زاوية من زوايا نفسي , في نقطة صغيرة من هذا الفضاء الرحيب ,ثم اعيش في وحدة مرعبة انظر مايملأ هذا الفضاء إني كلما انفردت بنفسي , فتجرأت على درسها والتغلغل في اعماقها , بدت لي أرحب واعجب , فما هذا المخلوق الذي يحوية جسم صغير لا يشغل من الكون إلا فراغا ضيقاً , كالذي يشغله صندوق اوكرسي .. ويحوي هوالمكان كله ,ويشمل الزمان , وينتقل من الأزل إلى الأبد في أقل من لحظة , وينتظم الوجود كله بفكره ,وتكاد الحياة كلها تضل في أغواره!!! من المستحيل ان نفهم هذا المخلوق الذي ندعوة النفس لذالك نخاف الوحدة ,ونفر منها . إننا نخشى نفوسناولانستطيع ان ننفرد بها , فنحب ان نشتغل عنها بصحبة او صاحب اوحبيب ,او عمل من الأعمال .. ونخشى الحياة ونحب ان نقطعها بحديث تافه أو كتاب سخيف , او غير ذالك ممانملأبه ايامنا الفارغة وإذا نحن اضطررنا مرة إلى مواجهة الحياة ومقابلة الزمن خاليا من أُلهية نلهوبها مللنا وتبرمنا بالحياة واحسسنا بأن الفلك يدور على عواتقنا أفليس هذا سرا عجيبا من أسرار الحياة :يكره المرء نفسه ويخشاهاوهي أحب شيئ إليه ويفر منها .. ويضيق بحياته وهي اعز شيئ عليه , ويسعى لتبديدها وإضاعتها ؟!! وجدت الشهرة لاتفيد إلا إسمي ,ولكن اسمي ليس مني ولاهو( انا), فأحببت أن اجد الأنس بالحب وان انجو به من وحدتي ,فلم أجد الحب إلا إسما لغير شئ, ليس له في الدنيا وجود ,وإنما فيه تقارب أشباح .. ولكن اين تلتقي الأرواح ؟ وأينهذا الحب الجارف القوي الخالص .... فنفضت يدي من الحب ويئست من أرى عند الناس الاجتماع المطلق ,فعدت بطوعي أنشد الوحدة المطلقة . صرت اكره ان ألتقي الناس , وانفر من المجتمعات , لأاني لم اجد في ذالكإلا اجتماعا مزيفا :يتعانق الحبيبان ,ولو كشف لك عن نفسيتهما لرأيت بينهما مابين الأزل والأبد , ويتناجى الصديقان ويبادلان عبارات الود والإخاء ولوظهر لك باطنهما لرأيت كلا منهما يلعن الأخر ... وجدتني غريبا بين الناس ,فتركت الناس وانصرفتإلى نفسي أكشف عالمها واجوب فيافيها ,وأقطع بحارها وادرس نواميسها ,وجعلت من أفكاري وعواطفي اصدقاء واعداء ,وعشت بحب الأصدقاء وحرب الأعداء !! إن من حاول معرفة نفسه عرضت له عقبات كأداء ومشقات جسام ,فإن صبر عليها بلغ الغاية . ومالغاية التي تطمئن معها النفس إلى الوحدة وتأنس بالحياة وتدرك اللذة الكبرى ؟ مالغاية إلا معرفة الله وسيظل الناس تحت اثقال العزلة المخيفة حتى يتصلوا بالله ويفكروا دائما في انه معهم وانه يراهم ويسمعهم.. هناك تصير الآلام في الله لذة ,والجوع في الله شبعا , والمرض صحة ,والموت هو الحياة السرمدية الخالدة . هنالك لايبالي الإنسان ألا يكون معه أحد , لأنه يكون مع الله |
|||||||||
05-04-2011, 09:27 PM | #44 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
|
|||||||||
07-04-2011, 01:41 AM | #45 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
(خاطرة المرض )
المرض يقولون ان الانسان يأكل ليعيش ,ولكني أعيش في هذه الايام لآكل , آكل بشراه, ونهم حتىأحس بالإمتلاء ولا يبقى في المعده مكان لذرة , فأدعُ الطعام آسفا وانظر الى الاطباق وما فيها نظرة المودع الحزين , ثم اقوم لكتاب فأفتحه أو الى شباكي لأطل منه , اتلهى بهذا او بذاك حتى أحس أو اتوهم أني احس جوعا ,لأدعوالطعام , أو تمضي ثلاث ساعات فآكل ولو لم اكن جائعا ,, الم يقل لي الطبيب كل كل ثلاث ساعات ؟؟!! ذالك اني لبثت عشرين يوما أشتهي قطعة الخبز فاطلبها والح في طلبها فتمتنع عني ,واحرمها فأراها في منامي واحلم بها في يقظتي تجسمها لي الأماني والأفكار فأتخيل أني نلتها , فإذا انا لم انل إلا هذا اللبن ( الحليب) الذي برمت به واجتويته ,والذي يفضل المريض رؤية عزرائيل على رؤيته يطالعه في الصباح والمساء والذي كرهت لاجله كل بياض .. حتى بياض الفجر وبياض النحر ..!! والذي اصبح قذى في عيني لا أقوى على رؤيته ,وسما في فيّ لا اقدر على تذوقه .. ثم فرج الله عني بعد الضيق انالني ما اشتهي من الاطعمة وأريد , فكيف لا اهجم عليه بشراهه ونهم , وكيف تبلغ بي الحماقة أن أقوم عن المائدة وفي الأطباق بقية ؟ .................................................. .................................................. ....................... "لا اكاد اشبع من الطعام ولا من القراءة ولا من النظر في هذا الفضاء الفسيح ,وهذه الجنات المتسلسلة تبدو من شباكي , يعانق بعضها بعضا ,حتى يستلق اخرها في احضان قاسيون ...لا اكاد اشبع من شيئ لأني خرجت من هذا المرض كمن ولد ولادة جديدة ,فهو لايعرف الدنيا قط وهو ينظر اليها بعيني طفل ذكي يدهشه كل شيئ ويود لويمتلكه وياكله او تحتويه يداه ..ولأني خرجت منه ضعيفا مكدود استحممت يوما في البحر ثم خرجت منه متوثباً , متحفزً أكاد أطير مما أحُّس في جسمي من النشاط ... فسرت على الشاطئ حتى حاذيت الصخر تلك الصخرة القائمة في البحر كأنها الطاق العظيم , او كأنها قوس نصرٍ أقامه الماء الهين اللين الذي انتصر بصبره وثباته في جهازه على هذه الصخرة العاتيه المتكبرة فجعلها فارغة جوفاااء.. ولاتزال في عتووها وكبرها..! سنة الله في المتكبرين لايكونون إلا فارغين , تلك التي يدعونها في بيروت صخرة الانتحار , لأن المجانين اعداء انفسهم واوطانهم يلقون بانفسهم منها يثبون الى ... الى جهنم وكانت الشمس مائلة الى المغيب تمنح البحر أخر هباتها فيبدو براقاً لامعا قد لبس حُلالاً من النور ,فاكبرتُ هذه المخلوقات الشمس والبحر والصخر .. ووقفت صاغرا حيال عظمة الطبيعة وجلال الطابع جل جلالة , ثم غلب علي هذا النشاط الذي احس وبلغ دماغي فملأءه إدعاء وكبرا وغرورا ,والمرء في فكره وعواطفة خاضعاً أبدا لحال جسمه ودرجة صحته , فرأيت هذا الصخر الى زوال قد عبث به الماء والماء الى ذهاب قد بخرته الشمس , والشمس الى غياب قد ابتلعها البحر ... ورأيتني وحدي الذي يبقى انا الذي فتت الصخر , وانا الذي اذل البحر , وانا الذي اتخذ الكون كله معمل تجارب لعقله وسخرة لمنفعته , وانا الذي يحوي في صدرة عالما أكبر من هذا العالم ونورا أبهى من هذه الشمس, وعواطف اعمق من هذا البحر وأرق من ذها الماء وأشد من هذا الصخر . وذهبت الى المدرسة وانا أقول انا والعياذ بالله من انا فإنها كلمة إبليس , ذهبت ماشيا فأكلت من فوري اكل من لبث في البحر ساعتين , ومش ساعة كاملة من الروشة الى الحرج , وكانت سكرة النشاط ونشوة انا لاتزال ضاربة في رأسي , فذهبت مع الطلاب امشي واعدو وأثب وأفعل كل ما لايفعل عاقل ,ولم اعد الى المدرسة إلا غارقا في العرق فشربت قازوزتين مثلجتين من القازوز وصارعت واغتسلت بالماء البارد ونمت فأضبحت مريضا ... يتبع أن شاء الله تعالى |
|||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|