(الوحش) ينتهك البيوت..

[تأبط شرًا]

(الوحش) ينتهك البيوت..!!لـ(د.محمد الحضيف)

حاولت جاهدا أن (أتجاهل) الحقائق التي وردت في موضوع الصديق الدكتور محسن العواجي .. (الاستعمار ملاذا) ..!

قدمتُ لنفسي الكثير من المبررات .. من نوع : ماذا يفيد هذا الكلام في أنظمة أوغلت عميقا في الظلم و التبعية ، و في شعوب نامت طويلا على الذل و الهوان ..؟! سوغتُ لنفسي أن السلامة في الصمت .. و أن ( الحكمة ) هي أن تعيش عيشة .. دونها حياة الحيوانات العُجْم ..!

حاولت .. لكني وجدتُ أني لا أستطيع .. لم يبق شيىء نخسره ..! نفيق على الذل و ننام على الهوان . تتخوض
( أمريكا ) في دمائنا و أموالنا .. و أعراضنا ، و أوطاننا. حقوقنا مسلوبة .. كرامتنا مهدرة ، حتى (إنسانيتنا ) لم يعد لها معنى .. يوم حُرمنا حقنا في أن نقول ( نعم ) .. و نقول (لا).. حتى في المسائل التي هي من صميم حياتنا كبشر كرمهم الله..!

استمعت للنقاش الذي دار مع الدكتور نادر الفرجاني ، في إحدى الفضائيات ، حول التقرير الذي قدمه عن التنمية في العالم العربي .. و صُعقتُ أننا بثرواتنا ، و أنهارنا ، و نفطنا .. نقبع في ذيل الأمم ..! و أننا على المستوى (الإنساني) لسنا في عداد البشر .. وليس ادنى منا.. الا البدائيين في ادغال افريقيا !!
على المستوى الإقتصادي يفوق دخل بلد مثل أسبانيا عدد سكانه 40 مليون إنسان دخول الدول العربية مجتمعة ، التي يزيد عدد سكانها على 250 مليون شخص .. دون حساب أرصدة الحكام و أبنائهم التي تحسب بالمليارات .. و الشعوب جائعة ، ليس لها فرصة في التعليم و العلاج.. والسكن ، ناهيك عن( العيش الكريم )..!

لاحظوا أنني قلت عن سكان أسبانيا (إنسان) ، و عن (رعايا) الدول العربية (شخص) .. ! لأننا فعلا كذلك . في بلداننا العربية لا نعدو أن نكون ( شخوصا ) .. أرقاما لا قيمة لها .. و عندهم .. عند من سماهم الدكتور محسن (الاستعمار) احتفظ الفرد بآدميته .. و حقوقه الخاصة و العامة . تساوى الجميع أمام القانون (الكافر) .. و في بلداننا تحول القضاء ، في ظل الأنظمة المسخ إلى (عصا غليظة) لقمع كل صوت حر .. و مظلة لانتهاك كل الحقوق و الحرمات . أما (القانون) فليس سوى مجموعة من التعليمات ( الأمنية) عن مفهموم السمع و الطاعة للحاكم و أنظمته البوليسية .

تأملت حال مجتمعات دول أوربا الشرقية التي رسفت في أغلال الأنظمة الشمولية أكثر من 50 عاما .. ثم ما أن انهارت الشيوعية حتى عادت سريعا إلى الأنظمة الديمقراطية ..!
لكن عندنا ..ماذا يحدث عندنا ؟!
يتهاوى حكم الفرد في كل مكان في العالم .. و تتصاعد لدينا نزعة (تأليه) الفرد . حتى الأنظمة الجمهورية في عالمنا العربي تحولت إلى (أسر حاكمة) . يموت الأسد ، و لا يوجد في سورية حاكم كفء غير ابنه الشاب .. و كل رئيس ( ثوري ) يهيئ ابنه لخلافته .. و كل حاكم يصبح (رباً) ، لا يجوز المساس بقدسيته و لا التعرض لآله .. أو انتقاد حاشيته .. حتى لو سرقوا قوت شعوبهم .. وعاثوا في الارض الفساد..!

نتمتع نحن في عالمنا العربي بأكثر الأنظمة إجراما و فاشية .. و بأكثر الحكام حمقا و غباءا و لصوصية . النظام العراقي (جمهورية خوف) حقيقية ، و زعيمها الذليل المهان يتحدث عن (بطولات) أم المعارك . حسني مبارك يتشدق بالديمقراطية ، و يهيئ ابنه لخلافته في ظل نظام الطوارئ المفروض لأكثر من 20 عاما ،الذي تنتهك فيه ابسط حقوق الانسان ، و الابن المحروس دخل قائمة مليارديرات العالم .

القذافي صاحب الكتاب أو (العلف) الأخضر ، و الأفكار الشاذة الغريبة .. و اللجان الشعبية التي تشنق الناس على أبواب بيوتهم .. و مليارات أهدرت في مغامرات الحروب في تشاد و أفريقيا الوسطى .. و دعم الجيش الجمهوري الإيرلندي .. و الملك الأردني .. صاحب المليارات ، موظف في الاستخبارات الأمريكية .. و لا يستر عليه أسياده ، و يعلنون ذلك في صحفهم

هل أتحدث عن نظام بشع مخيف كالنظام التونسي ،الذي يغتال الفضيلة ، أم النظام السوري ، حيث (احتفلت) منظمة العفو الدولية بخروج سجين سياسي (مريض) بعد أن أمضى 28 عاما في السجن لأنه اختلف مع النظام ..!
من المحيط إلى الخليج .. لا صوت يعلو فوق صوت النفاق .. و أصوات الحق و الكرامة في المنافي و المعتقلات .. فكيف ننتصر
؟!
كيف ننتصر.. والانسان مستلب في دواخلنا ..؟!!!
هل أتحدث عن مواطنين (بدون) .. و عن أنظمة .. و عن (...) .. ؟ في فمي ماء .. و هل ينطق من في فيه ماء ..؟!
كيف تواجه الطاغوتَ الأمريكي .. شعوبٌ فقدت إنسانيتها و آدميتها ..؟!
حكام تعاملهم أمريكا مثل مواطنين من الدرجة العاشرة .. لأنهم فقدوا الصلة بشعوبهم ..! لم تكن تلك الشعوب إلا (أبقاراً) حلبوها حتى الدم .. لارضاء نزواتهم..! و استنزفوا خيراتها .. و كرامة و شرف رجالها .. فعرفت أمريكا .. و الغرب (قدرهم) .. فداسوهم .. !

حكام يملكون (مليارات) .. و شعوب جائعة يا دكتور محسن ..! أبناء بعض الحكام لم يبلغوا الحلم بعد ، و ملياراتهم بلغت عنان السماء .. و الشباب بالملايين على الأرصفة .. تسحقهم البطالة .. و الحاجة و العوز .. ثم يتحدثون عن نشوء العنف و التطرف .
ويتحدثون كذلك ..عن سماحة الاسلام ..!!
حينما تصنع أمريكا (قرضايات ) في كل زاوية من وطننا الجريح ، و نحاول أن نقول ( لا) .. نتهم بالإرهاب . و حينما نعبر عن (مقاومة) من أي نوع .. يصنف (جهادا) .. و لأن (الجهاد) صار ممنوعاً ، فسنكون عرضة للتصفية أو السجن .. أو الشحن إلى (غوانتنامو) ..!!
صار سهلاً أن تنسب إلى القاعدة .. أو تكون قد قابلت أسامة بن لادن .. في (الحلم) ..!! أو انتقلت زكاتك بالخطأ إلى أسرة مشردة في جبال أفغانستان ..وثبت انها استمعت لشريط (بن لادن) ، ليتم تصنيفك (مجرماً) .. (إرهابياً) عدواً للحضارة و المجتمع الدولي .

إن تقرير الدكتور الفرجاني موحش و مخيف ، لكن الأكثر وحشة و خوفا هو أننا ساهمنا في هذا الانحدار المخيف .
ساهمت المؤسسات الدينية و (العلماء) في إضفاء صفة القداسة و العصمة على الحكام ، و ساهمت الشعوب ، التي قبلت بحياة .. دونها حياة الحيوانات ، و الأمم الأخرى على مرمى حجر منها.. قد ارتقت بحقوق الإنسان إلى درجات عليا ..وعاشت بحرية وكرامة.. كما يليق بانسان كرمه الله ..!

ساهم الحكام في قيادة شعوبهم و دولهم إلى هذا الانحدار المخيف ، حينما (صدقوا ) أنهم فوق مستوى البشر .. فوق النقد .. فوق المساءلة ..
وتحولت النخب الحاكمة إلى وحش يلتهم المال ، و يفترس الحريات و الحقوق ... و لا يتعلم من دروس انهيار و سقوط الدكتاتوريات ..

أما النخب المثقفة فترددت بين صف الحاكم .. و تبعية المستعمر .. و قطيعة عميقة مع موروثها و شعوبها ..!

أين الإسلام من كل هذا ..؟!

سؤال ينغرس في عمق الوجع الشامل .. ! علماء تخلوا عن دورهم ، و تحولوا إلى ( موظفين) يجهزون الفتاوى .. و حركات إسلامية غابت عنها الرؤية الشاملة .. و تلهت بمظاهر( صحوية ) ، لم تنفذ إلى عمق الأزمة ، و مثقفون إسلاميون نخبويون اكتفوا بترديد مصطلح (الحكمة) .. دون تقديم نموذج حقيقي للتضحية ..والثبات على المبدأ..هاتوا لي مثقفا ( استقال) من عمله.. او احتج على فساد ..؟!

و شباب ركبوا (أسنمة) الجهاد في ( قمم) هنا و هناك .. احترقوا فأضاءوا القمم .. و قدموا (نماذج) ، و لكن ..

ظل السوس ينخر في أعماقنا .. و ظلت ( بيوتنا ) تنتهكها (الوحوش) ..!