نزهة بين الرفوف
.
.
.
السلام عليكم ورحمة الله ...
خرجت الأربعاء الماضي في نزهة ، وكانت الخيارات المتاحة كثيرة بدأ من الحيسية ، شعيب حريملاء ، وانتهاءً بالشوكي. لكن كل هذه الأماكن يجمعها – للأسف - قاسم واحد هذه الأيام ألا وهو الجفاف - نسأل الله تعالى أن يعجل بزواله. وبالرغم من أنني من عشاق الطبيعة ومن محبي قضاء جل أوقاتهم بين أحضانها إلا أن كثرة المشاغل إذا اجتمعت مع قلة الأمطار ولدت نوعا من الصدود حتى عن أعز الهوايات على قلبي.
ونتيجة لذلك فقد قررت تغيير وجهة التنزه متتبعاً موطنا جديداً من مواطن "الربيع" ، قريب من البيت ولا يستغرق وقتاً طويلاً في الاستعداد للذهاب ولا يتطلب من التجهيزات إلا أمراً واحداً وهو تعبئة الجيوب بما لذ وطاب من الأوراق النقدية! ولقد سمعت أن المنطقة المنشودة "مرْبعة" بشكل استثنائي فقررت دون تردد شد الرحال إلى هناك والتنزه بين أوراق الكتب هذه المرة وكان المقصد أرض المعارض بحي المروج الذي امتلأت مروجه هذا الأسبوع بشتى أنواع الكتب.
كان يوم الأربعاء الماضي يوافق أول أيام المعرض وبالرغم من أن الافتتاح كان في اليوم السابق إلا أن الأربعاء كان يمثل يوم الافتتاح بالنسبة ل"الغلابا" أمثالي ممن لا يمتلكون دعوات خاصة. وبالرغم من أنني قد توجهت سابقاً لمبنى البريد لعلي أجد في صندوقي دعوة للمعرض أرسلت عن طريق الخطأ إلا أنني لم أجد إلا فواتير الهاتف والجوال تنتظر في ملل من يسددها.
المهم في الأمر أن الله يسر لي زيارة المعرض يوم الاربعاء مع العائلة الكريمة ولا أخفيكم سراً أنّا هممنا أن نعود أدراجنا لما رأينا من تجمهر الكثير من الرجال أمام البوابة حتى شككت في نفسي وظننت أني قد أخطأت في قراءة جدول الزيارات. ولا أخفيكم كذلك كم كانت سعادتي غامرة بتصرف رجال الأمن عند البوابة فما أن رأوني بصحبة العائلة حتى فرقوا جزءاً من التجمهر وفتحوا لنا طريقاً للدخول وفهمت أثناء مروري أن بعض العزاب هداهم الله أبوا إلا الدخول رغم أن الجدول المعلن واضح ولا يقبل التأويل، فكان رجال الأمن معهم في شد ورد والنتيجة أنني قد استمتعت مع عائلتي بجولة خالية من الإزعاج والمضايقة وكل ذلك بفضل الله ثم بجهود رجال الأمن ورجال الحسبة عند البوابات وداخل المعرض فلهم مني ومن كل مسلم غيور كل احترام وتقدير.
بعد هذه المقدمة دعونا نتجول معاً داخل أروقة المعرض ...
المعرض ضخم ، وعلى الرغم من أن دور النشر أقل من العام الماضي إلا أنه لا يزال من العسير على الزائر أن ينتهي من التجول في كامل المعرض في زيارة واحدة إلا إذا كان الغرض من تجوله قياس طول الممرات أو البحث عن مخارج الطوارئ ، فالتنزه في معارض الكتب لا يختلف كثيراً عن التنزه في البساتين ، إذ لا يكفي أن تمر مرور الكرام بجميل الأزهار والثمار دون أن تتأمل في واحدة وتشم رائحة أخرى وتتذوق ثالثة وتقطف رابعة وهكذا. صحيح أن بعض تلك الثمار قد لا تكون صالحة للاستهلاك الآدمي وبعضها الآخر قد تكون مسمومة ، أما بعض الأزهار التي تبدو جميلة قد تخفي تحت بتلاتها أشواكاً تدمي أيدي المتناولين لها. لكن هذا لا يمنع التجول في البستان والتمتع بما طاب من ثماره. أما ما خبث منها فما لك وله؟ إما أن يسقط على الأرض ويكون سماداً لبقية أشجار البستان أو تأتي عليه الهوام حيث لا فرق لديها بين طيب وخبيث ولم يعد يضرها الخبيث لأن الخبث أضحى أصلاً في أجسادها لا يتأثر بما وافقه في المزاج.
وبما أن الزيارة كانت عائلية فقد ذهب جزء لا بأس به من الوقت في التجول في جناح الطفل وهو الجزء الخارجي من المعرض (لكنه مغطى ومنور بالرغم من ذلك) ولم يلفت نظري هناك سوى إحدى الدور التي تعرض ألعاباً مناسبة لتنمية ذكاء الأطفال ، والذي أثار اهتمامي أن من بين تلك الألعاب أصنافاً جديدة ومبتكرة وهي لا تدخل ضمن الوسائل التعليمية لكنها مفيدة جداً لتنمية قدرات الأطفال الذهنية ، وكان ضيق الوقت وازدحام الزوار عليها قد منعنا من أن نتفحص معروضاتها بدقة، ولعل زيارة قادمة تجعل الصورة أوضح إن شاء الله.
أما البقية الباقية من دور النشر هناك فلم تقدم جديداً في مجال ثقافة الطفل سوى المزيد من الكتب الملونة والكتب التي تحتاج إلى تلوين وكأنّ الطفل اليوم لا يعيش وسط عالم مليء بالألوان الصاخبة التي لم تعد كتبنا مع ما فيها من ألوان تكفي للفت انتباههم.
دخلنا مع البوابة الثانية وبدأنا التجول بين كتب الكبار الآن ولا أخفيكم أن قدراً قليلاً من خيبة الأمل قد تسرب إلى نفسي مع أول نظرة ألقيتها على دور النشر في الممر التاسع الذي بدأنا به جولتنا.
إن فكرة عدم السماح بعرض الكتب التي تجاوز عمرها العامين أمر رائع ولقد لمسنا الفرق الهائل لهذا القرار قبل عامين ، لكن المطلع على المعرض في السنوات الثلاث الأخيرة يدرك أن معظم المعروض هذا العام هو من نتاج العام الماضي والذي كان معروضاً بدوره في المعرض السابق كإصدار جديد. أما الإصدارات الجديدة فعلاً (إصدارات عام 1428 / 1429 – 2008) فقليلة جداً ولم يبذل الناشرون الذين مررت بهم حتى الآن أدنى جهد لتمييز الجديد من مطبوعاتهم في مكان مستقل بل دفنوا جديدهم القليل في إصدارات العام الماضي وما قبله أملاً في تصريف البضاعة القديمة أولاً - تماما على طريقة بائعي الخضار والفاكهة.
كما أن هناك الكثير من التجاوزات التي تنم عن قدر من عدم الاحترام لأنظمة المعرض في المقام الأول. فبالرغم من أن سياسة البيع في المعرض تنص على أهمية وضع ملصق السعر على غلاف الكتاب إلا أن من التزم بهذا القرار أصبحوا شواذاً بين الكم الغالب من المخالفين ، وحتى من طبق القرار لم يطبقه إلا على جزء يسير من معروضاته.
ما السر في هذه التجاوزات التي نراها تزداد عاماً بعد عام ، أيتحمل العارضون الملامة كلها أم أن لإدارة المعرض منها نصيب؟! أخشى ما أخشاه أن يكون تهاون العارضين بقرارات إدارة المعرض نابع من إدراكهم لعدم جديتها في المقام الأول.
كنت قد قطعت على نفسي عهداً أن لا أشتري أي كتاب في اليوم الأول للزيارة وأن أقضي زيارتي الأولى في التصفح فقط وتسجيل أسماء الكتب التي تشدني لأنني تعلمت من زيارات سابقة أن بعض الكتب قد توجد لدى أكثر من ناشر بطبعات وتحقيقات مختلفة بعضها أفضل من بعض وبأسعار متفاوتة كذلك. وشراء أول كتاب تقع يدي عليه قد يورث ندماً فيما بعد عندما أرى أخاه التوأم وقد ارتدى حلة أفخم وعرض بسعر أفضل.
ورغم كل تلك الوعود التي قطعتها إلا أن دارة الملك عبد العزيز قد تمكنت من أن تقتطع مني ما يقارب الثلاثمائة ريال بالرغم من أنها أمست أقل عنفواناً منها في معرض عام 1426 هـ حيث أن العناوين الجديدة هذا العام تعد على أصابع اليد ، وكثير من الكتب التي اشتريتها هي كتب عجزت ميزانية العام الماضي أن تغطيها فأصبحت هذا العام على رأس القائمة وبها بدأت.
لكن ما يميز الدارة عن غيرها أنك تطمئن لقيمة ما تشتريه حيث لا مزايدات في الأسعار ولأن جُلّ العناوين الموجودة لديهم عناوين ينفردون بها عن غيرهم.
------------------------------------------------------------------------------------------------------
اسمحوا لي بالتوقف هنا لأن المعرض بحاجة لزيارة أخرى غير الزيارة المقتضبة التي تقرؤون تفاصيلها. وزيادة على اختصار الزيارة فإن البال المشغول لا يسعف المرء بتذكر تفاصيل ما يمر به.
أعدكم بإكمال النزهة حالما تتيسر لي زيارة ثانية للمعرض ويتيسر لي الوقت لكتابة تفاصيلها إن شاء الله ولعل من أعجبه ما قرأ أن يعود في نهاية الأسبوع القادم ليقرأ التتمة أو يكملها بنفسه إن شاء ، أما من لم تعجبه "شخبطتي" أعلاه فله العذر في ذلك وأقول له "استر ما واجهت".
دمتم جميعاً بحفظ الله ورعايته................................
\_\*><دلعاس><*/_/