¨° مِحبرةُ كتاباتك °¨ خاص بنتاج الأعضاء من خواطر وقصص ومقالات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
17-03-2011, 12:27 PM | #16 | |||||||||
عضو سوبر
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
غفر الله لك يا شيخنا .. وغفر الله تعالى لابنتك بنان ..
وجميع اموات المسلمين ... امين يا رب العالمين وحفظ الله لنا ابنائنا واحبابنا واصدقائنا واخوتنا . جزيل الشكر لك العزيزه راعية جلاجل جميل ما تمتعينا به بارك الله فيك تحياتي . |
|||||||||
17-03-2011, 12:39 PM | #17 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
|
|||||||||
17-03-2011, 12:42 PM | #18 | |||||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
بورك فيك أخي الكريم الماجد
وأسعدني تشريفك لموضوعي وأعتذر عن ما سببته لكم من ألم تحياتي |
|||||||||||
17-03-2011, 12:47 PM | #19 | |||||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
بارك الله فيك حبيبتي نور الشمس
تقبل الله منا ومنك وغفر لشيخنا الفاضل وأبنته بنان وأسكنهم فسيح جناته وموتى المسلمين أجمعين تحيات وتقديري |
|||||||||||
17-03-2011, 05:53 PM | #20 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
(1) |
|||||||||
17-03-2011, 06:42 PM | #21 | |||||||||
لا إله إلا الله
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
جزاكـ الله خير |
|||||||||
18-03-2011, 01:19 AM | #22 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
|
|||||||||
18-03-2011, 10:08 PM | #23 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في مثل هذا اليوم عام 1386 هـ
للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله لمّا قعدت أكتب هذا الفصل لم يكن في ذهني شيء عن الموضوع الذي أكتب فيه ، ولكني نظرت في التقويم المعلق بالجدار فوجدت الموضوع ، الموضوع " أول المحرم " . أفيمر بكم أول المحرم ، كما يمر غيره من الأيام ، وفي صبيحته ولد عام ، وفي ليلته قضي عام ؟ . يجتاز المسافر مرحلة من الطريق فيحط الرحال ، ويقف ليستريح فيتلفت وراءه ليرى كم قطع وينظر أمامه ليبصر كم بقي . وهذه محطة جديدة نقف فيها ونحن نسير على طريق الحياة وسنة أخرى تمضي من العمر ، أفلا نقف عليها ساعة نفكر ونتذكر ونحسب ونعتبر ؟ . نحن اليوم في أول المحرم من سنة 1386هـ ننظر إليه في الفجر فنراه يوماً طويلاً يمتد أمامنا نستطيع أن نعمل فيه ما نشاء ، نستمتع فيه ( إن أردنا ) بدنيانا ونحمله ما نريد حمله من الزاد إلى ُأخرانا ، فإذا أمسى المساء وذهب اليوم لم نعد نستطيع أن نستفيد منه ولا أن نستمتع فيه . نظنه باقياً لنا فـ ( نبذر ) في دقائقه كما يبذر المسرف في ماله ونضيع ساعاته ، ولكنا لا نجده حتى نفقده ، إنه لا يكاد يبدأ حتى ينتهي ثم يمضي فلا يعود أبداً . أذكروا الآن أول يوم من محرم سنة 1385هـ . لقد كنا نراه ( أيضاً ) ونحن نستقبله طويلاً وكنا نقدر أن نصنع فيه خيراً كثيرا ، فأين هو منا اليوم ؟ وأين الأول من محرم سنة 1384هـ ، وأين أوائل المحرمات التي مرت بنا أو مررنا نحن بها من قبل ماذا بقي منها في أيدينا ؟ . تمضي السنة وتجيء أخرى بعدها فمن لم يعمل خيراً فيها ، عمله في التي تليها . ينقضي العام فتظن أنك عشته وأنت في الحقيقة قد مته لا تعجبوا من هذا المقال ودعوني أوضح الفكرة بالمثال . أنت كالموظف الذي منح إجازته السنوية شهراً كاملاً ، إذا قضى فيها عشرة أيام يكون قد خسر منها عشرة أيام فصار الشهر عشرين فإذا مر عشرون صار الشهر عشراً ، فإذا تم الشهر انقضت الإجازة فكأنما لم تكن . أتظنون أني ( أتفلسف ) ؟ لا والله بل أصف الواقع . نحن كلما ازداد عمر الواحد فينا سنة في العد نقصت من عمره سنة في الحقيقة ، حتى ينفد العمر ويأتي الأجل ونستقبل حياة أخرى تبدأ بالموت . لما كنت طالباً كان مستقبلي في نيل الشهادة فلما نلتها صار المستقبل في الوصول إلى الوظيفة ، فلما وصلت إليها صار المستقبل في بناء الأسرة وإنشاء الدار وإنسال الولد ، فلما صارت لي الزوجة والدار والأولاد والحفدة صار المستقبل في الترقيات والعلاوات والمال المدخر ، وفي الشهرة والمجد والكتب والمقالات ، فلما تم لي بفضل الله ذلك كله ، لم يبقى لي مستقبل أفكر فيه ، إلا أن ينور الله لي بصيرتي ويريني طريقي فأعمل للمستقبل الباقي للآخرة وإني لفي غفلة منها . فالمستقبل في الدنيا شيء لا وجود له إنه يوم لن يأتي أبداً لأنه إن جاء صار ( حاضراً ) وطفق صاحبه يفتش عن ( مستقبل ) آخر يركض وراءه . مثل حزمة الحشيش المعلقة بخشبة مربوطة بسرج الفرس تلوح أمام عينيه فهو يعدو ليصل إليها ، وهي تعدو معه فلا يدركها أبداً . إن المستقبل الحق في الآخرة فأين منا من يعمل له ؟ بل أين من يفكر فيه ؟. إنا نقطع الوقت من الصباح إلى المساء في مشاغل نخترعها لننسى بها أنفسنا ونبدد بها أعمارنا من أحاديث تافهة ومجالس فارغة ومطالعات في كتب لا تنفع أو نظرات في مجلات لا تفيد فإن خلا أحدنا بنفسه ثقلت عليه صحبة نفسه وحاول الهرب منها كأن نفسه عدو له لا يطيق مجالسته فهو يضيق بها ويفتش عما يشغله عنها وكأن عمره عبء عليه فهو يحاول أن يلقيه عن عاتقه وأن يتخلص منه . إن هذا اليوم نذير لنا ، بأن السنة المقبلة ستمضي كما مضت السنة المودعة وإن كل واحدة منها تحمل معها جزءاً من أعمارنا حتى تنفذ أعمارنا فلنتدارك ما بقي ، ولنكن يوماً واحداً في السنة من المتناصحين ومن المتواصين بالحق . يا إخوتي القراء ... إننا نعيش الأيام كلها في غفلة فلننتبه اليوم ولنقف كما يقف المسافر على المحطة ، ينظر كم قطع من الطريق وكم بقي عليه منه ؟ ولنفتح دفاترنا كما يفتح دفاتره التاجر ، لنرى ماذا ربحنا في سنتنا التي مضت وماذا خسرنا . لنمد أيدينا فنقول يا ربنا اغفر لنا ما سلف ووفقنا فيما بقي . اللهم إذا كتبت لنا أن نعيش إلى مثل هذا اليوم من قابل فاجعل ما يأتي خيراً لنا وللمسلمين مما ذهب و إلا فاكتب لنا بفضلك وكرمك حسن الخاتمة واغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار . |
|||||||||
20-03-2011, 12:11 AM | #24 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
يقول الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله - خجلت من رجال لم يتعلموا الانتظام الذي تعلمته الكلاب !! حدثني رجل كبير القدر صادق اللهجه قال: كنت في لندن ،فرأيت صفا طويلا من الناس يمشي الواحد منهم على عقب الآخر ممتدا من وسط الشارع إلى اخره فسألت فقالوا أن هنا مركز توزيع وأن الناس يمشون اليه صفا كلما جاء واحد اخذ آخر الصف فلا يكون تزاحم ولا تدافع ولا يتقدم احد دوره ولو كان الوزير ولو كان أمامه الكناس وتلك عادتهم في كل مكان على مدخل الكنيسة وعلى السينما وأمام بائع الجرائد وعند ركوب الترام أوصعود القطار . قال: ونظرت فرأيت في الصف كلبا في فمه سله وهو يمشي مع الناس كلما خطو خطوة.. خطا خطوة لايحاول أن يتعدى دوره أو يسبق من أمامه ولا يسعى من وراءه ليسبقه ولا يجد غضاضة أن يمشي وراء كلب مادام قد سبقه الكلب . فقلت ما هذا ؟ قالوا كلب يرسله صاحبه بهذه السلة وفيها الثمن والبطاقة فيأتيه بنصيبه من الإعاشة . لما سمعت هذه القصة خجلت من نفسي أن يكون الكلب قد دخل النظام وتعلم اداب المجتمع ونحن لانزال نبصر أناسا في أكمل هيئه وأفخم زي تراهم فتحسبهم من الأكابر يزاحمونك ليصعدوا الترام قبلك بعدما وضعت رجلك على درجته… أو يمدون ايديهم من فوق رأسك إلى شباك البريد وأنت جئت قبلهم وأنت صاحب الدور دونهم… أو يقفزون ليدخلوا قبلك على الطبيب وأنت تنظر متالما لساعتين… وهم إنما وثبوا من الباب الى المحراب . خجلت من رجال لم يتعلموا الانتظام الذي تعلمته الكلاب !! |
|||||||||
20-03-2011, 12:27 AM | #25 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
نبذة عن شخينا الجليل’’’وأعتذر لاني وضعتها متأخرة’’’ كان الشيخ الطنطاوي قوة فكرية من قوى الأمة الإسلامية، ونبعا نهل منه طالبو العلم، والأدب في كل مكان، كان قلمه مسلطا كالسيف سيالاً كأعذب الأنهار وأصفاها، رائعة صورته، مشرقا بيانه، وفي ذلك يقول عن نفسه ((أنا من "جمعية المحاربين القدماء" هل سمعتم بها ؟ كان لي سلاح أخوض به المعامع، وأطاعن به الفرسان، وسلاحي قلمي، حملته سنين طوالاً ، أقابل به الرجال، وأقاتل به الأبطال ، فأعود مرة ومعي غار النصر وأرجع مرة أمسح عن وجهي غبار الفشل. قلم إن أردته هدية نبت من شقه الزهر، وقطر منه العطر وإن أردته رزية حطمت به الصخر، وأحرقت به الحجر، قلم كان عذبا عند قوم، وعذاباً لقوم آخرين ) مولده وأصل الشيخ و أسرته: ولد الشيخ علي الطنطاوي في مدينة دمشق في 23 جمادى الأولى 1327 هـ ((12 يونيو 1909 م)) من اسرة علم ودين حيث كانت أسرة الشيخ علي الطنطاوي و أصلها من من طندتا المعروفة حالياً بطنطا عاصمة إقليم الغربية في مصر ، نزح منها عام 1255هـ جده و عمه . أبوه مصطفى الطنطاوي كان واحداً من العلماء المعدودين آنذاك في الشام ووصفه علي الطنطاوي بأنه : ( من صدور الفقهاء ومن الطبقة الأولى من المعلمين والمربين ) وقال عنه أيضاً : ( كنت منذ وعيت أجد - إذا اصبحت - مشايخ بعمائم ولحى يقرؤون على أبي ) وقد توفي والد الشيخ في عام 1925 وقد كان عمر الشيخ علي آنذاك ست عشرة سنة وثلاثة اشهر . فإذا علمنا أن والده كان كما رأينا فلا ريب بأن يصبح الولد عالماً من العلماء ، ونزداد يقيناً بذلك إذا علمنا أن أسرة أمه من الأسر العلمية الكبيرة في الشام فمثلاً : خاله ، أخو أمه ، هو محب الدين الخطيب الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتي الفتح و الزهراء ، وكان له اثر كبير في الدعوة هنالك . نشأة الشيخ وتعليمه : يعتبر علي الطنطاوي من الآوائل الذين درسوا بطريقتين، هما : 1- التلقي على المشايخ. 2- الدراسة في المدارس النظامية. حيث حصل على شهادة البكالوريا المعروفة بشهادة الثانوية العامة سنة 1928م. بعد ذلك ذهب إلى مصر وكان هو الطالب الأول من الشام الذي يؤم مصر للدراسة العالية ، ولكنه لم يكمل السنة الأولى فعاد إلى دمشق في السنة التالية فدرس الحقوق في جامعتها حتى نال الليسانس أو ما يعرف بالبكالوريوس . وقد علمنا أن أباه توفي وعمره ست عشرة سنه ، فكان عليه أن يقوم بمسؤوليات أسرته التي تضم أمه وخمسة من الإخوة والأخوات كان هو كبيرهم . لذلك فكر شيخنا علي الطنطاوي بترك الدراسة والإشتغال بالتجارة ، ولكن الله أبعده عن طريق العمل بالتجارة وعاد إلى الدراسة وكان مّما قال : ( لقد فقدت أبي وأنا في مطلع الشباب، واضطررت إلى أن أكتسب قبل سن الاكتساب ، وتعلمت ودرست على ضيق الحال وقلّة الأسباب، وأكرمني الله فعلمني وكفاني، فما أحوجني أن أمدّ يدي يوماً إلى أحد ممّن خلق الله) ثم ماتت أمه وهو في الرابعة والعشرين، فكانت تلك واحدة من أكبر الصدمات التي تلقاها في حياته ، وقد قال حفيده مجاهد ديرانية : ( ولقد شهدته مراراً يذكرها ويذكر موتها - وقد مضى على موتها ستين سنة - وأشهد ما كان ذلك إلا وفاضت عيناه ) حياته و التعليم : إن التعليم هو العمل الذي ملأ حياته بأكملها، فقد بدأ بالتعليم وهو ما يزال طالباً في الثانوية في إحدى مدارس الشام. ثم انتقل بعد ذلك ليعلم في مناطق أخرى في داخل سوريا وخارجها حيث عمل مدرساً في العراق ، وللعراق قصص مشوقة في مذكراته ، كما معلماً في الرياض و مكة و بيروت . إشتغاله بالصحافه: بدأ الشيخ الطنطاوي العمل في الصحافة عام 1926 حيث نشرت له أول مقالة ، ولهذه المقالة قصة طريفة نذكرها لأخذ العبرة بعدم التقليل من النفس ، وقد رواها الشيخ بنفسه : ( كتبت مقالاً و قرأته على رفيقي أنور العطار ، فأشار علي أن أنشره. فاستكبرت ذلك، فما فتئ يزينه لي حتى لنت له، وغدوت على إدارة المقتبس (جريدة) فسلمت على الأستاذ أحمد كرد علي -رحمه الله ورحم جريدته- ودفعت إليه المقال. فنظر فيه فرأى كلاماً مكتهلاً، ونظر في وجهي فرأى فتى فطيراً، فعجب أن يكون هذا من هذا، وكأنه لم يصدقه فاحتال عليّ حتى امتحنني بشيء أكتبه له زعم أن المطبعة تحتاج إليه فليس يصح تأخيره ، فأنشأته له إنشاء من يسابق قلمه فكره ، فازداد عجبه مني و وعدني بنشر المقال غداة الغد. فخرجت من حضرته وأنا أتلمس جانبيّ أنظر هل نبت لي أجنحه أطير بها لفرط ما استخفني السرور) ثم أكمل قائلاً : (حتى إذا انبثق الصبح وأضحى النهار أخذت الجريدة، فإذا فيها المقال وبين يديه كلمة ثناء لو قيلت للجاحظ لرآها كبيره عليه )وقد كتب الشيخ في الكثير من الصحف منها على سبيل المثال لا الحصر( الفتح و الزهراء و ألف باء و الأيام و الرسالة ) أما من الصحف الحالية فقد كتب في ( الشرق الأوسط و المدينة بالإضافة إلى مجلة الحج ) والصحافة هي العمل الأفضل لديه على حسب كلامه . الشيخ والقضاء : ربع قرن قضاها الشيخ في القضاء كانت من أخصب سنيّ حياته . وقد قال الشيخ عن تلك الفترة : ( لقد تنقلت في البلاد و رأيت اصنافاً من العباد، ولكني لم أخالطهم و لم أداخلهم. كنت ألقاهم من فوق أعواد المنابر أو من خلال أوراق الصحف و المجلات أو من على منبر التدريس، والذين لقيتهم إنما كان لقائي بهم عارضاً؛ ألامسهم و لا أداخلهم، فلما وليت القضاء رأيت ما لم أكن أعرف من قبل ) وعند توليه القضاء ظهر نبوغ علي الطنطاوي وبان تميزه مجدداً ، فلقد أراد أن يكون متقناً لعمله ، مجيداً ومخلصاً له، فلما نجح في امتحان القضاء وعين ، طلب من الوزارة أن تمهله شهراً ، هل تعرفون لمّ ؟؟ إليكم ماقاله الشيخ : ( لا لألعب فيه وأستمتع، ولا لأسافر وألهو، بل لأواظب في المحكمة الشرعية في دمشق حتى أعرف المعاملات كلها: من عقد النكاح، وحصر الأرث، وتنظيم الوصية ، إلى الحكم في قضايا الإرث والوقف والزواج .... ) وقد عمل الشيء الكثير حين توليه القضاء وغير كثيراً من الأخطاء الواقعة في تلك الأيام . وفي عام 1960 كُلف بوضع مناهج الدروس فوضعها وحده بعد سفره لمصر والتقاءه بعلماء الأزهر وإدارة التعليم واعتمدت كلها كما وضعها . إنتقال الشيخ إلى المملكة العربية السعودية : في عام 1963 إنتقل الشيخ للرياض مدرساً في (الكليات والمعاهد ) المعروفة حالياً ( بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميه ) وعاد نهاية العام إلى دمشق لإجراء عملية جراحية مبيتاً النية على عدم العودة مجدداً للمملكة إلا أن عرضاً بالتدريس في مكة قد جعله يغير قراره . إنتقل بعدها الشيخ ليقيم في مكة وجدة خمسة وثلاثين سنة إلى أن توفاه الله . بدأ علي الطنطاوي بالتدريس في كلية التربية بمكة، ثم لم يلبث أن كُلف بتنفيذ برنامج للتوعية الإسلامية، فترك الكلية و ذهب ليجوب مدراس وجامعات السعودية لإلقاء المحاضرات والندوات، ثم تفرغ للإجابة عن الفتاوى في مجلس خصّص له في الحرم أو في بيته، ثم بدأ بإذاعة برنامجيه: ( مسائل ومشكلات) في الإذاعة ، وبرنامج (نور وهداية) في الرائي " و الرائي تعريب لكلمة تليفزيون " والشيخ يعد من أقدم مذيعي العالم بأسره حيث بدأ يذيع لأول مرة في أوائل الثلاثينات من القرن الفائت . ذكرياته: كان الشيخ ينشر كل يوم خميس حلقة من ذكرياته في الصحف إلى أن تعب من العمل فودع القراء( وكانت حلقات الذكريات قد قارب مئتين وخمسين حلقة) أقول : فودع القراء قائلاً : ( لقد عزمت على أن أطوي أوراقي، وأمسح قلمي، وآوي إلى عزلة فكرية كالعزلة المادية التي أعيشها من سنين، فلا أكاد أخرج من بيتي، ولا أكاد ألقى أحداً من رفاقي وصحبي ) آخر آيامه و وفاته : ذكرت فيما سبق إعتزال الشيخ للرائي والإذاعة والصحف ، فقد أغلق بيته واعتزل الناس إلا قليلاً من المقربين . وقد قال حفيدة مجاهد عن آخر أيام شيخنا الحبيب علي الطنطاوي: (وبات الشيخ في - في آخر أيامه- ينسى بعضاً من شؤون حياته ؛ فيصلي الصلاة مرتين خشية أن يكون نسيها، ولكن الله منّ عليه وأكرمه بأن حفظ له توقد ذهنه ووعاء ذاكرته حتى آخر يوم من حياته. وصار يتورع من الفتوى خشية الزلل والنسيان، وكان حتى الشهر الذي توفي فيه تفتح بين يديه القصيدة لم يرها منذ عشرات السنين فيُتم أبياتها ويبين غامضها،وربما اختلُلف في ضبط مفردة من مفردات اللغة أو في معناها فيقول هي كذلك، فنفتح القاموس المحيط ( وهو إلى جواره، بقي كذلك حتى آخر يوم )فإذا هي كما قال. فلما كانت آخر السنوات تعب قلبه الكبير فأدخل المستشفى مراراً، فصار يتنقل بين البيت والمستشفى، حتى فاضت روحه لبارئها بعد عشاء يوم الجمعة، الثامن عشر من حزيران ، عام 1999 في قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد بجدة، ودفن في مكة في اليوم التالي بعدما صُلي عليه في الحرم المكيّ الشريف. اللهم ارحمه برحمتك رحمة واسعة ، اللهم اغفر له وأحسن إليه حيث هو ، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، و أدخله الجنة ، و أعذه من عذاب القبر و من عذاب النار ، آمين يارب العالمين. |
|||||||||
20-03-2011, 09:16 PM | #26 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
من طرائف ذكرياته رحمه الله ,,,
يقول كنت أدرس في مدرسة ثانوية للبنات في دمشق(ولم اكن مصيبا في قبول التدريس فيها ,,وأستغفر الله من دخولي اليها,,لأنه لا يجوز في شرع الله ولا في طبع عباده العرب أن يتولى رجل تدريس بنات سافرات بالغات كاشفات فكيف بأن تدرس بنت فتيانا؟) وكنت أشرح قصيدة الحطيئة,,فمر ذكر (بغيض)فسخرت طالبة من أسمه وأستقبحته ,,!!فسألتها ما أسمك ؟ قالت :مها. قلت :أفلا أنكرت أسمك والمهاة هي البقرة؟ فوضعت رأسها بين كفيها وأخذت تبكي وأطالت البكاء..!! قلت :مالذي يبكيك؟قالت أبكي لأنك قلت أني بقرة. قلت أنها البقرة الوحشية,,ثم أن أهلك هم من سموك بهذا الأسم فأزدادت بكاء.. قلت :لك أن تبكي ما شئت ولكن لا تخرجي صوتا يعطل علينا درسنا’’ على أن المها ليس بقر بل من أنواع الظباء’’ فأنظروا الى المعنى الواحد كيف يرفعه ويخفضه التعبير عنه’’ كالقائد الذي زعموا أنه رأى رؤيا فدععا بمن يعبرها له’’’ فقال له:ستموت أسرتك كلها فشتمه وأمر أن يخرج من مجلسه,, ودعا بآخر فقال له:أنت أطول عمرا من أسرتك كلها فهش له وأكرمه’’!! والمعنى واحد ولكن التعبير أختلف’’وصحت كلمة الجاحظ حين قال((أن المعاني ملقاة على قوارع الطرق,,وأنما يتميز الناس بالألفاظ)) ولعله يقصد أن المشاعر الأنسانية متشابهه,, فما يموتلأحد حبيب الا حزن ولا تأتيه بشارة أوعطية الا فرح ولكن تتفاوت أقدار الناس في التعبير عن هذا الحزن وهذا الفرح الى ذكريات أخرى أخوتي الكرام تحياتي |
|||||||||
22-03-2011, 12:01 AM | #27 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
مناظرةٌ مع نصراني :
قال الشيخُ عليٌّ الطنطاوي - رحمهُ اللهُ - (8/11 - 12) : " ذلك أنهُ كان من عادةِ رؤساءِ الجمهوريةِ في دمشق أنهم يدعون القضاةَ والعلماءَ ، ومن يسمونهم برجالِ الدينِ إلى مائدةِ الإفطارِ في رمضان ، وقد ذهبتُ مرتين فقط إلى دعوتين من الرئيسينِ هاشم بك الأناسي وشكري بك القوتلي رحمةُ اللهِ عليهما ، فجمع أحدهما بيننا نحن قضاة الشرعِ والمشايخِ ورجالِ الدين من النصارى ، وكانت أحاديث مما يُتحدثُ به في أمثالِ تلك المجالسِ ، أحاديث تمسُ المشكلاتِ ولا تخترقها ، وتطيفُ بها ولا تداخلها ، ففاجأنا مرةً واحدٌ من كبارهم يعتبُ علينا ، إننا ندعوهم كفاراً . فجزع الحاضرون ووجموا ، وعرتِ المجلسُ سكتةً مفاجأةً ، فقلتُ للرئيسِ : تسمح لي أن أتولى أنا الجواب ؟ وسألتهُ : هل أنت مؤمنٌ بدينك ؟ قال : نعم ، قلتُ : ومن هم الذين تدعونهم مؤمنين بهِ : أليسوا هم الذين يعتقدون بما تعتقد ؟ قال : بلى ، قلتُ : وماذا تسمي من لا يعتقدُ بذلك ؟ ألا تدعوه كافراً ؟ فسكت . قلتُ إن الكافرَ عندك هو الذي يرفضُ أن يأخذَ بما تراهُ أنت من أسس الدينِ ، وأصولِ العقائدِ ، وكذلك نحنُ فالناسُ عندنا بين مسلمٍ يؤمنُ بما نؤمنُ به من رسالةِ محمدٍ - صلى اللهُ عليه وسلم - ، وإن القرآن أنزلهُ اللهُ عليهِ ، وآخرُ لا يؤمنُ بذلك فنسميه كافراً فهل أنت مسلم ٌ ؟ فضحك وقال : لا ، طبعاً ، قلتُ : وهل أنا في نظرك وبمقاييس دينك مؤمنٌ بما لدى النصارى أو كافرٌ به ؟ فسكت وسكتوا ، قلتُ : أنا أسألك ، فإن لم تجب أجبتُ عنك ، أنا عندك كافرٌ لأني لا أعتقدُ بأن المسيحَ ابنُ اللهِ ، ولا بأنهم ثلاثةٌ الأبُ والابنُ وروحُ القدسِ ، والثلاثةُ واحدٌ ، ولا بمسألةِ الفداءِ ، ولا بامثالِ ذلك مما هو من أصولِ عقائدِ النصارى . وأنت عندي كافرٌ لأنك تقولُ بها ، فلماذا تنكرُ عليّ ما تراهُ حقاً لك ؟ إن ديننا ظاهرٌ معلنٌ ، ليس فيه خبايا ولا خفايا ولا أسرار ، والقرآنُ يتلى في كلِّ إذاعةٍ في الدنيا ، حتى أنني سمعتهُ مرةً في إذاعةِ إسرائيل ، والقرآنُ يقول : " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ " [ المائدة : 17 ] ، ويقولُ في الآيةِ الثانيةِ : " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ " [ المائدة : 73 ] ، فالكفرُ والإيمانُ إذن مسألةٌ نسبيةٌ ، ما تسميه أنت كفراً أسميه أنا إيماناً ، وما أسميه أنا كفراً تسميه أنت إيماناً ، واللهُ هو الذي يفصلُ بيننا يومَ القيامةِ ، فسكتوا " .ا.هـ. |
|||||||||
22-03-2011, 12:12 AM | #28 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
|
|||||||||
24-03-2011, 01:00 AM | #29 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
في لجج البحر .. الشيخ علي الطنطاوي يرثي نفسه .. من أجمل ماقرأت هذه المقالة المؤثرة نشرها الشيخ علي الطنطاوي قبل أكثر من نصف قرن بعد أن مر بحالة غرق كاد أن يفقد حياته لولا عناية الله.. وننشرها هنا بالصفحة باعتبارها وثيقة فيها كل الاعتبار والعظة مع دعواتنا الصادقة بالرحمة والمغفرة للشيخ الراحل علي الطنطاوي. مات علي الطنطاوي. وليس عجبا أن يموت، والموت غاية كل حي، ولكن العجيب أن يرجع بعدما مات، ليصف للقرء الموت الذي رآه . وكان ذلك من شهرين، وكان على سيف البحر في بيروت، وكان البحر هائجا غضبان، يرمي بأمواج كأنها الكثبان، وقد فرّ منه الناس، فليس في الشطوط كلها، على طولها وامتدادها (من سان سيمون إلى الأوزاعي) إلا نفر قليل. ولم يكن يعرف من السباحة إلا درسا واحدا، كان قد تلقاه من أكثر من ثلث قرن، على معلم لم يسبح أبدا، هو أن يقف حيث لا يصل الماء إلى الصدر، ثم يحاول أن ينبطح، ويسيب قدميه، ويخبط بيديه، ويبقى على ذلك مقدار ما يبتلع من ماء البحر (وهو كشربة الملح الإنجليزي) ما يملأ معدته وأنفه.. ثم يخرج. وكان مع شاب تونسي من علماء جامع الزيتونة، ولا يمتاز في السباحة عنه إلا بأنه أجهل فيها منه، حتى هذا الدرس لم يحضره لأنه لم يكن ولد، فلما كبر لم يستطع أن يأخذ مصله، لأن ذلك (المعلم) كان قد مات. وتركا (الحمام) حيث النساء العاريات، ثم أخذت أسبح السباحة التي أعرفها: أرفع رجليّ، وأحرك يديّ، فإذا تعبت خرجت أستمتع بالشمس والهواء، وكنت ممتلئا بالصحة، أكاد أتوثب من النشاط توثبا، وكان الموت بعيدا عن فكري، والموت أبدا أبعد شيء في أفكارنا عنا، وإن كان أقرب شيء في حقيقته منا، نتناساه وهو عن أيماننا وشمائلنا، نشيع الجنائز ونمشي معها ونحن في غفلة عنها، نتكلم كلام الدنيا، ونرى مواكب الموت تمر بنا كل يوم، فلا نفكر ولا نعتبر، ولا نقدّر أننا سنموت كما ماتوا، ومات من كان أصح منا صحة، وكان أشد منا قوة وأكبر سلطانا، وأكثر أعوانا، فما دفعت عنه الموت لما جاءه صحته ولا قوته، ولا حماه منه سلطانه ولا أعوانه، نعرف بعقولنا أن الموت كأس سيشرب منها كل حي، ولكننا ننسى هذه الحقيقة بشعورنا وعواطفنا، وتحجبها عنها شواغل يومنا، وتوافه دنيانا، يقول كل واحد منا بلسانه: إن الموت حق وإنه مقدّر على كل حي، ويقول بفعله: لن أموت، لقد كتب الموت على كل نفس إلا نفسي، فلا يزال في العمر فسحة لي دائما، ولن يأتي أجلي أبدا. وعاودت الدخول في الماء، وأطلت البقاء فيه، وما أحسست وأنا أتزحزح شبرا فشبرا، أني جاوزت هذه البركة، وبلغت موضعا من البحر عميقا، علمت بعد أن فيه تيارا يتحاماه السباحون القادرون، فكيف بمن لم يكن يتقن من السباحة إلا فن الرسوب. * * * * * * * * * * وحاولت الوقوف فإذا أنا لا أجد الأرض الصلبة من تحتي، وحاولت أن أرفع رأسي فأنظر، فإذا أن لا أجد الهواء ولا أبصر شيئا، وأحسست أن الماء المالح قد تدفق على فمي، وأنفي، فأنا لا أملك إلا أن أبلعه وأنشقه، وبدأت أحس آلاما لا تصوّر ولا توصف، ليست في الرأس، وليست في عضو من الأعضاء وحده، ولكنها في كل ذرة من جسدي، وروحي، وشعرت كأن قد ألقيت على صخرة ضخمة، وأن أعصابي تجذب من تحتها وتقلع، كما تجذب خيوط الحرير مما خالطها من الشوك، وصار كل همي من دنياي أن أجد نسمة واحدة من الهواء فلا أجدها، فقلت: هذا هو الموت، هذا هو الموت الذي أفر من الكلام فيه والحديث عنه، والذي أراه بعيدا عني، لم يحن حينه، ولم يدن موعده، لذلك كنت أؤجل التوبة من يوم إلى يوم، أقول إذا بلغت من الشباب تبت، فلما بلغتها قلت: أتوب في الأربعين، فلما جاوزتها قلت: أنتظر حتى أتم بناء الدار، فلما أتممتها قلت: أتوب وأتفرغ إلى الله، إذا بلغت سن التقاعد، كأني أخذت على مَلَك الموت عهدا، ألا يطرق بابي حتى أبلغ سن التقاعد، فها هو ذا قد جاء على غير ميعاد. * * * * * * * * * * وكان أول ما خطر على بالي، أني كنت أتمنى ميتة سهلة سريعة تكون على الإيمان، وأن هذه الأمنية تلازمني من أزمان، فخشيت أن أكون قد سعيت إلى هذه الميتة فأكون (والعياذ بالله) منتحرا، ورحت أفكر فيما صنعته من لدن دخلت الماء، فإذا أنا لا أذكر من ذلك شيئا، وإذا أنا أشعر أنه غدا بعيدا عني كأنه قد كان من سنة، لا من دقائق معدودات، وصغرت الدنيا في عيني، كأني أراها من طيارة قد علت في طباق الجو، ومن كان على سفر، يسرع ليلحق القطار، هل يرى من الشوارع التي يجتازها شيئا؟ هل يغريه منها جمال ساحر، أو فن طريف؟ إنه يحس بها غريبة عنه، وأنها ليست له، يغدو منظرها في عينه كصورة زائفة فكيف ينظر إلى هذه الدنيا من أيقن الموت ؟ لقد أمحت (والله) صورة الدنيا كلها من أمامي. ومالي وللدنيا، ولم يبقى لي فيها إلا لحظات معدودات، أنا أتجرع فيها ثمالة كأس الآلام؟ لم يبقى لي منها ما يغريني بها، حتى الأهل والولد شغلت بنفسي عنهم، فلا تصدقوا ما تقرؤونه في القصص من أن المشرف على الغرق، يفكر في أحبائه أو في أعماله، أو في أدبه وعلمه ومقالاته وأشعاره، أو يهمه ما يقال فيه من بعده ربما كان ذلك من غير المسلم، أما المسلم فلا يرى في تلك الساعة إلا ما هو قادم عليه. * * * * * * * * * * وازدحمت عليّ الخواطر فيما أفعله، فحاولت التشهد والتوبة أولا، فلم أستطع النطق بشيء مما كان في فمني من الماء، وازدادت علي الآلام ولكنها لم تقطع خواطري، وكان ذهني في نشاط عجيب ما أحسست مثله عمري كله، وكنت بين خوف من الموت ورغبة فيه: أرغب فيه أرجو أن تكون هذه الميتة على الإيمان، وأخاف لأنه ليس لدي ما أقدم به على الله، وقد فاجأني الموت، كما يفاجئ التلميذ المهمل، الذي لا يزال يؤجل المطالعة والحفظ، ويقول: الامتحان بعيد، وتمضي الأيام، حتى إذا رآه صار أمامه قطع أصابعه ندما، وأذهب نفسه حسرة، وما نفعه ذلك شيئا. هذا هو امتحان يسير، أسوأ ما فيه أن تذهب بالسقوط فيه سنة من عمره سدى، فكيف بالامتحان الأعظم، الذي ما بعده إلا النعيم الأبدي في الجنة، أو الشقاء الطويل في النار، الامتحان الذي ليس فيه (إكمال) و لا تعاد له دورة، و لا يجبر فيه (كسر) درجة، و لا تنفع فيه شفاعة شافع، و لا وساطة ذي جاه أو مال، و رأيت موقف الحساب رأي العين، و قد شغلت كل أمري نفسه، و الناس يدعون ليأخذوا نتائج الامتحان، فمن أخذ كتابه بيمينه، و حمل إلى الجنة فهذا هو الفائز، و من أخذ كتابه بشماله و سيق إلى النار فهذا هو الخاسر، و هذا هو الخسران المبين. و عرضت عملي، فلم أجد لي عملاً من أعمال الصالحين، فلا أنا من أهل المراقبة الذين لا يغفلون عن الله طرفة عين، و لا أنا من المبتعدين الذين يقومون الليالي الطوال و الناس نيام، و يناجون ربهم في الأسحار، و ما أنا من المتقين الذين يتجنبون المحرمات، ما أنا إلا واحد من الغافلين المذنبين، أي والله فبم أقدم على الله؟ * * * * * * * * * * و نظرت فإذا كل ما ربحته من عمري لحظات، لحظات كنت أحس فيها حلاوة الإيمان، و أخلص فيها التوجه إلى الله تقابلها عشرات من السنين كنت سابحاً فيها في بحار الغفلة، تائهاً في بيداء الغرور، أحسب من جهلي، أن الأيام ستمتد بي، لم أدر أن العمر ساعات محدودة، و أن ذلك هو رأس مالي كله، فإن أضعته لم يبق لي من بعده شيء. و ذكرت حديثاً كنت حفظته في صباي ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، و صحتك قبل سقمك، و فراغك قبل شغلك، و غناك قبل فقرك، و حياتك قبل موتك)). و ندمت لأنني لم أكن وضعته في صدر مجلسي، و اتخذته منهجاً لحياتي، و لكني لم أعرف (مع الأسف) معناه، و لم أدرك حقيقته، إلا عندما انتهت حياتي. و فكرت فيما كنت أكابد من ألم الطاعة، فإذا الألم قد ذهب و بقي الثواب، و نظرت فيما استمتعت به من لذة المعصية، فإذا هو قد ذهب و بقي الحساب، فندمت على كل لحظة لم أجعلها في طاعة. * * * * * * * * * * و نظرت فإذا المقاييس كاملة تتبدى ساعة الموت، و إذا كل ما كنت أحبه و أنازع عليه، قد صار عدماً! و إذا أنا لم آخذ معي شيئاً، بنيت داراً فما حملت معي منها حجراً، و اقتنيت مالاً فما كان لي منه، إلا ما ظننت من قبل أني خسرته، و هو ما أخرجته لله، و كتبت آلفاً من المقالات في عشرات من السنين، و كان لي من القراء و المستمعين ملايين و ملايين، فما نفعني كلمة قلتها لوجه الله، و أين هي؟ لقد تركني هؤلاء المعجبون (كما يقولون) بأدبي و بياني أموت الآن و حدي، ما جاء واحد منهم ليأخذ بيدي، و ما أقبل واحد منهم يدفع الموت عني! و عرفت لذائذ الحياة كلها، فما الذي بقي في يدي و أنا أموت غرقاً من لذائذ، و ما الذي استبدلته بالعمل الصالح الذي لا أرجو النجاة الآن إلا به؟ لقد كان إبليس يشغلني عن الخشوع في الصلاة بالتفكير في ((البنطال)) أن يفسد كيه السجود، و يخوفني أن تذهب صحتي، بقطع المنام لصلاة الفجر أو صيام أيام الحر من آب، و أن أخسر حسن رأي الناس في إن جهرت بقولة الحق، أو أن ينالني من ذلك أذى في جسدي أو في رزقي! فوجدتني الآن أخسر الناس، إذ بعت الباقي، بهذا الوهم الزائل، كزنوج إفريقية الذين يعطون كنوز بلادهم وخيراتها، ليأخذوا خرزات لماعة، أو ساعة طنانة، أو هينة من هينات الحضارة. أما العاقل فيبذل ما لديه من متاع، ويعلم أن الذي يعطيه اليوم، هو الذي يبقى له غدا، وأن الذي يحتفظ به ويخفيه يخسره ويخرج من يده، ويكون مستعدا للسفر في كل لحظة.. وأما الأحمق فيتمسك بخيمته ومتاعه القليل ويقول: أنا باق هنا، هذه هي داري، وهذا متاعي، وما الدار الآخرة إلا أكاذيب جرائد، وأساطير محررين، وأن أكون أحمق فأبيع عاجلا حاضرا، بآجل موهوم، ويرى الناس يطيرون كل يوم فلا يفكر ويظن أنه وحده هو الباقي، حتى يجيء دوره، فيحمل قسرا لا يملك دفعا ولا منعا، ويخسر ما كان له في الجزيرة، ولا يلقى في أمريكا إلا جحيم الفقر والحاجة إلى الناس. وغلبني ألم الموت، ولم يعد في طوقي أن أفكر، فترجعت إلى الله وتصورت كرمه وعفوه، وكان يغلب عليّ الأمل وحب الحياة، فأضرب بيدي ورجلي وأرفع يميني أشير بها، ثم يدركني اليأس فأسلم أمري إلى الله، ولم أكن أتمنى بعد المغفرة، إلا شيئا واحدا، هو أن يخفف الله عني بتعجيل موتي، أخشى أن يطول بي هذا الألم فوق ما طال. * * * * * * * * * * وقد خيّل إليّ أني بقيت على ذلك ساعات، ولكن تبين لي من بعد، أني لم ألبث أكثر من دقيقتين، في دقيقتين أحسست هذه الآلام، ومرت في ذهني هذه الخواطر. وهذا من العجائب التي أودعها الله النفس البشرية، فأنت ترى حلما تعيش فيه عشرين سنة بأحداثها، ولا تكون قد نمت أكثر من خمس دقائق. ثم لما خارت قواي، وأوشكت أن أغوص فلا أطفوا أبدا، خيّل إليّ أني أسمع أصواتا تناديني، وأحسست بيدي تمس شيئا صلبا، أدركت أنه طرف من زورق، ففرحت فرحة ما فرحت قط مثلها، وشعرت أني أرفع إلى الزورق، ثم غبت عن نفسي وهم يمسكون برجلي لأخرج بعض ما في جوفي من ماء البحر. * * * * * * * * * * لقد خرجت بنفس جديدة، واتعظت موعظة أرجو أن تدوم لي، وعرفت قيمة الحياة، وحقيقة الموت، ونحن لا نعرف من الموت إلا ظاهره دون حقيقته، نراه عدما، ونندب القريب والحبيب إن وضعناه في حفرة باردة، وخلفناه وحيدا، تأكله الدود، وليس حبيبك الذي أودعته الحفرة، ولكن جسده، والجسد ثوب يخلع بالموت، كما تخلع الحية ثوبها، فهل يبكي أحد على ثوب خلع!؟ وما الموت إلا انتقال إلى حياة أرحب وأوسع، إلى النعيم الدائم أو الشقاء الطويل، ولو كان الموت فناء لكان نعمة. ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي=ولكنا إذا متنا بعثنا ونسـأل بعدها عن كل شيء فإذا كان الموت سفرة لابد منها، فالعاقل من تهيأ لها، وأعد لها الزاد والراحلة، وذكرها دائما كي لا ينساها، ونظر في كل شيء، فإن كان مما يستطيع أن يحمله فيها حرص عليه، وإن كان مجبرا على تركه وراءه زهد فيه وانصرف عنه. * * * * * * * * * * وبعد.. فلا يهنئني أحد بالسلامة، بل ليدع لنفسه ولي بحسن الخاتمة، فإني أخاف والله ألا أجد ميتة أكون فيها حاضر القلب مع الله، مستشعرا التوبة، متصورا الدار الآخر، كما كانت هذه المرة. |
|||||||||
25-03-2011, 01:33 PM | #30 | |||||||||
مشرفة سابقة
|
رد: من مذكرات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أكثر من رائعة
وما زلت أرتشف من عبيق الذكريات رحيقاً لا يمل !
ففي الجزء الثاني ازدادت عذوبتها وأصبحت حديثاً تمنيت ألا نهاية له ! أبرز ما في هذا الجزء ..حديثه عن وفاة أمه يا لها من قصة وتبعاتها مؤثرة جداً يقول الشيخ علي ..في حلقته الـ 47 تحت عنوان / ( يوم ماتت أمي ) ” وجاء اليوم الأسود .. وكان يوم أربعاء أذكره تماماً وكان في الثاني والعشرين من صفر سنة 1350 هـ عدت إلى الدار فوجدت أمي معصوبة القدم ، وإذا هي تسر في أذني أن في رجلها جرحاً صغيراً من مقص سقط عليها . فهممت أن آتي بالطبيب فقالت : لا . لم ترد أن أتعب أن بدعوة الطبيب ولم تحب أن تزعج إخوتي بمعرفة الخبر ، وهوّنَت من أمره فرأيته هيناً .. وأصبحت فأوهمتني أن الجرح قد برئ .. ولم أعلم أنها أمضت كل الليل ساهرة لأن الألم لم يكن ليدعها تنام . فلما اشتد الوجع إلى اليوم الثالث واشتد ولم تعد تستطيع احتماله خبرتني .. ذهبت بها لدكتور في عيادة .. فشق الجلد لينظف الجرح من غير أن يطهر المشرط ، فوضع هو أسباب الداء من حيث كنا نرجو على يديه الشفاء . وأعدتها إلى الدار فإذا الألم يزيد ولا ينقص ، كان في القدم فارتفع إلى الساق فذهبنا بها إلى المستشفى .. فأدخلوها مباشرة إلى غرفة العمليات وخرج الدكتور يقول : لابد من بتر الساق .. فاكتب هنا أنك موافق . ولم يدع لي وقتاً للتفكير .. فالأمر لا يحتمل التأخير فكتبت وأخذ الورقة ودخل ، ولبثت مثل المشدوه أفكر كيف تدخل بساقين وتخرج بساق واحدة . وكبر علي الأمر ونسيت أن بعض الشر أهون من بعض وأن الإنسان يتمنى المصيبة إذا واجه أكبر منها لقد تمنيت بتر الساق حين فُتح الباب وظهر الدكتور .. ينطق وجهه قبل أن ينطق لسانه ، يخبر أن أمي لن تخرج بساق ولا بساقين ، لن تخرج إلا محمولة الأعناق . لقد ماتت أمي ! “ ( القصة اختصرتها لأضعها هنا وإلا فالشيخ قد تحدث عنها بتفاصيل أكثر ) بعد وفاة والدته – رحمها الله – ورحم الله شيخنا علي الطنطاوي ورحم الله كل من يقرأ هذه السطور كانت في سوريا وفي أغلب الدول العربية بدعة قد أصبحت عادة وهي أن بعد وفاة الشخص يجتمعون في بيت المتوفى ويقرأون القرآن ويلبسون السود ( للنساء ) فبعد وفاة والدة الطنطاوي .. أصرت عليه عمته وخالته بفعل هذه العادة فأبى وقال يتحدث عن نفسه : “أفئن فقدت أمي فهل أفقد معها ديني وعقلي ورجولتي ؟ لا .. وقلت لخالتي وعمتي : لا ! “ ثم أخذ إخوته وأغلق الباب وحمل معه المفتاح واتجه للوادي .. يقول ما نصه : “ وما نمت حتى تلقيت طعنة مفاجئة من خنجر حاد ، حين أقبلنا نفرش الفرش لننام فسألني أخي الصغير سعيد : وأين ستنام أمي ؟ ” بعدها رحمه الله بدأ بحديث آخر ثم قال في نهاية الحلقة : ” ولهذا الرجل قصة طريفة أرويها لكم لعلي أنفس بها عنكم بعدما حملتكم قصص المآسي والأحزان ولكن طال المقال .. فإلى المرة القادمة إن شاء الله “ لم أتمالك نفسي فكتبت بجانب هذه الأسطر ” أحبك “ ********************************** |
|||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|