رسائل جوال سيرة المصطفى

[بين السطور]

كان النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الطريق يردف أبا بكر رضي الله عنه على الراحلة ، فإذا سأل أحد في الطريق أبا بكر رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، يجيب أبو بكر رضي الله عنه قائلا : هذا رجل يهديني السبيل ، فيحسب السائل أنه يعني الطريق ، وإنما كان يعني سبيل الخير والهدي ، وهذا من فطنته رضي الله تعالى عنه .

[بين السطور]

مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبه بحي بني مدلج ، فرآهم رجل فجاء إلى قومه يخبرهم وكان في القوم سراقة بن مالك ، فعرف سراقة أن من يخبر عنهم الرجل هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبه ، ولكنه قال للرجل لم ترى محمدا وركبه وإنما رأيت فلانا وفلانا خرجوا قبل قليل أمام أعينا ، وذلك لأنه أراد الحصول على الجائزة التي وعدت بها قريش دون أن يشاركه أحد فيها .

[بين السطور]

جلس سراقة بن مالك في المجلس زمنا بعد سماعه نبأ ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك حتى لا يشك أحد في أمره ، ثم انطلق إلى بيته فتجهز وأمر جاريته أن تقود فرسه خارج ديار قومه وتقف به خلف تل من الرمال ، ثم لحقها مستخفيا فركب فرسه وأسرع يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه .

[بين السطور]

لما دنا سراقة بن مالك من رسول الله صلى الله عليه وسلم عثرت به فرسه ، فنزل عنها وأخرج الأزلام التي كانوا يستقسمون بها ، ليعرف هل يضرهم أم لا ، فخرج السهم الذي يكره وهو ألا يضرهم ، ولكنه ركب فرسه وانطلق خلف النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ مكانا يسمع فيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فساخت ( غاصت ) ، يدا فرسه في الأرض حتى بلغتا الركبتين .

[بين السطور]

لما ساخت يدا فرس سراقة في الأرض نزل عنه ولاحظ أن الفرس لما انتزع يديه من الأرض خرج معها دخان كثيف كالإعصار ، فعرف سراقة حينئذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظ وأن دينه سيظهر ، وبلغ به الخوف كل مبلغ فنادى يا محمد الأمان ! فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره عن الجائزة التي رصدتها قريش لمن يأتي به ، وأخبره عن ما يريد الناس به .

[بين السطور]

عرض سراقة بن مالك على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاد والمتاع فلم يقبل منه شيئا ، ولكنه طلب منه أن يصرف عنه من يريد اللحاق به ، وطلب سراقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتاب أمان ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر بن فهيرة أن يكتب له ، فكتب له ما أراد في رقعة من جلد .

[بين السطور]

عندما رجع سراقة بن مالك إلى قومه جعل يقول لهم ( قد استبرأت لكم الخبر ) ، أي أتيتكم بالخبر اليقين ( قد كفيتكم ما ههنا ) ، يقصد أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس في الجهة التي أتى منها ، فسبحان الله كان في أول النهار جاهدا في الوصول إليهما ، وفي آخر النهار حارسا لهما .

[بين السطور]

ظل خطاب الأمان مع سراقة بن مالك ، حتى جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة حنين والطائف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم وفاء وبر ، ووفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكرمه ، وفي ذلك اليوم أسلم سراقة بن مالك رضي الله عنه ، ودخل في زمرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[بين السطور]

روى غير واحد من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة عندما لحقه في طريق الهجرة : كيف بك إذا لبست سواري كسرى ، ولما أتى إلى عمر رضي الله عنه بسواري كسرى دعا سراقة فألبسه السوارين وقال له أرفع يديك فقال الله أكبر الحمد لله الذي سلبهما كسرى الذي كان يقول أنا رب الناس وألبسهما سراقة بن مالك أعرابي من بني مدلج .

[بين السطور]

مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبه الميمون بخيمتي أم معبد ، فسألوها إن كان عندها طعام فاعتذرت لفقرها ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة قرب الخيمة فسألها عنها فقالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم ( أي لا تستطيع السير للمرعى لضعفها ) ، فقال : هل بها لبن ، قالت : هي أجهد من ذلك ، أي لا لبن فيها .

[بين السطور]

استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أم معبد في حلب تلك الشاة الهزيلة التي لم تستطع لضعفها السير مع بقية الغنم للمرعى ، فقالت أم معبد إن رأيت بها حلبا فاحلبها ، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضرعها بيده وسم الله ، فدر الضرع ، فدعا بإناء فحلب فسقى أم معبد ثم سقى أصحابه حتى رووا ، ثم شرب وملأ الإناء وتركه ، وخرجوا يواصلون السير .

[بين السطور]

جاء زوج أم معبد ورأى اللبن فتعجب من ذلك ، فأخبرته بالذي حدث فقال : والله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلبه ، وطلب من زوجته أن تصفه له ، وعندما سمع وصفه قال : والله هذا صاحب قريش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا ، لقد كنت هممت أن اصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيل .

[بين السطور]

مر النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه بعبد يرعى غنما ، فطلبوا منه طعاما فاعتذر لهم بأن لا لبن في شياهه إلا شاة جف لبنها قريبا ، فاستأذنه النبي صلى الله عليه وسلم فمس ضرعها فحلبت ورووا منها جميعا ، وعندما رأى الراعي ذلك أسلم وطلب أن يتابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يلحق به بعدما يسمع بظهوره ، أي انتشار الدين .

[بين السطور]

أخبر ابن مسعود رضي الله عنه أنه بعد أن حلب النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الشاة التي لا لبن فيها ولا يكون اللبن في مثلها عادة ، شرب هو وأبو بكر ثم سقاه ، فقال ابن مسعود : علمني من هذا القول الطيب ( يعني القرآن ) فقال : إنك غلام معلم ، قال ابن مسعود : ولقد أخذت فيما بعد سبعين سورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينازعني فيها أحد .

[بين السطور]

قبل الوصول إلى المدينة ، لقي النبي صلى الله عليه وسلم قافلة الشام وفيها التجار ، وكان من بينهم الزبير بن العوام رضي الله عنه ، وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية رضي الله عنها ، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا .