العودة   منتديات سدير > `·• آفاق رحبة •·´ > ¨° الإسلامي °¨

¨° الإسلامي °¨ جميع ما يتعلق بالشريعة علماً و فكراً و منهجاً . قضايا معاصرة - أحكام - فتاوى - نصائح - بحوث شرعية - مقالات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-03-2011, 05:34 PM   #46
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

الحديث الثامن والعشرون

لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم

وعن معاوية -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس أخرجه أحمد والشيخان.

قوله لا تزال: اللام نافية، نفي الزوال يدل على دوام البقاء، وآخر الحديث يؤكد أوله، حتى يأتي أمر الله، وقوله: طائفة تشمل الواحد فأكثر، يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في كتاب جامع بيان العلم وفضله، وقبله أهل اللغة وبعض أهل اللغة، الطائفة في لسان العرب تطلق على الواحد فأكثر وَإِنْ طَائِفَتَانِ من المؤمنين لو تقاتل رجلان من المؤمنين ولو تقاتل رجلان من المؤمنين يصدق عليهم أن كل واحد منهم طائفة، فيصلح بينهم.
وفيه أيضا في قوله طائفة أن دعاة الحق ليس لهم عدد معين ولا مكان معين ولا زمان معين، بل هم على الدوام موجودون، يقلون تارة في بلد ويكثرون، جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى- فقال يا أبا عبد الرحمن الإمام ابن المبارك من أشهر علماء السنة في القرن المتقدم الثاني، وكان إماما في الديانة والسنة والعلم والورع، ولقب بشيخ الإسلام من مرو، يقول فيه الشاعر:

إذا سـار عبد الله من مرو ليلة فقـد سار منها نجمها وهلالها

إذا ذكـر الأحبـار فـي كل بلدة فهـم أنجم فيهـا وأنت هلالها


ولابن حجر في التقريب يقول عنه: ابن المبارك إمام مجاهد جواد جمعت فيه خصال الخير، والذهبي يقول: والله إني لأحبه وأتقرب إلى الله بحبه، هذا الإمام العلم، كان من آيات الله في الديانة والعلم، جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن إن الناس اختلفوا عندنا فمع من أكون، قال: كن مع الجماعة، قال ليس هناك ثم جماعة، فرق، اختلافات، قال: عندكم أبو حمزة السكري؟ قال نعم، قال: الزمه فإنه جماعة وحده، على السنة والديانة.
وقوله قائمة فيه أن دعوة الحق ظاهرة، قال قائمة، وقال ظاهرون، فيه أن دعوة الحق ظاهرة دائما، وفيه أن دعوة الحق بظهورها ووضوحها تخالف تلك الدعوات السرية في السراديب والخنادق وغيرها، فدعوة السنة واضحة كالشمس في النهار ليس دونها سحاب، أما الدعوات السرية الخفية فهذه لا تأتي بالخير وخلاف منهج أهل السنة والجماعة، ورد فيه أثر عن عمر بن عبد العزيز وإن كان فيه ضعف لكن المعنى صحيح: إذا رأيت القوم يجتمعون في أمر دينهم دون العامة فاعلم أنهم على سوء.
دعوة السنة ظاهرة في كل مكان، صاحبها يظهر ما عنده ما يخفي؛ لأن الخير الذي معه ليس له، مأمور بإشاعته ونشره على كل أحد، مع كل أحد في كل مجتمع، وقوله: لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس فيه أن لدعاة الحق مخذلين، ومضارّين ومخالفين، وفيه تثبيت الله تعالى لدعاة الحق، ودفع ضرر المخذلين والمخالفين، والمضارين لهم، وفيه أيضا: دوام المخالفة لهذه الدعوة، داعي الحق والسنة دائما مخالف؛ لأنه يخالف الهوى وشهوة النفس، والدعوات الأخرى توافق الهوى وشهوة النفس.
وفيه أيضا دوام حفظ الله لهذه الدعوة وأهلها، فليفرح صاحب الحق، فليفرح صاحب السنة، بحفظ الله لدعوته وحفظ الله له، وفيه دوام نفع هذه الطائفة لأنفسهم وللناس بتوفيق الله، وفيه أن أصحاب هذه الدعوة، دعوة الحق أدرى الناس بالبدع، وهم أشد الناس ابتعادا عنها، وأشد الناس تحذيرا من البدع ومن أهلها، والفائدة الأخيرة في علمي القاصر البشارة لأهل دعوة الحق، بأنهم هم المنصورون في الدنيا والمنصورون في الآخرة، وأن هذه الطائفة هي الطائفة المنصورة الخيِّرة الثابتة على الحق، الله نسأل أن يجعلنا وإياكم منها


أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-03-2011, 11:36 PM   #47
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

الحديث التاسع والعشرون

خيركم من تعلم القرآن وعلمه

عن عثمان -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه أخرجه البخاري.

فيه تفاضل قوله خيركم، فيه تفاضل العلوم وتفاضل المعلمين، خيركم من تعلم القرآن وعلمه، تفاضل العلوم، وتفاضل المعلمين،

وفيه أن خيرية معلم القرآن وخيرية متعلمه خيرية مطلقة، هي خيرية في الدنيا وخيرية في البرزخ،
وخيرية في الآخرة، أما خيرية الدنيا فهذا الحديث، فقوله عليه الصلاة والسلام:
يؤم القوم من أيها الأكارم أقرؤهم لكتاب الله قُدِّم ليس لنسبه ولا حسبه ولا ماله،
لكن لخيرية ما يعلم، هذا في الدنيا،
وأما الخيرية في البرزخ، فما أخرجه الشيخان لما كثر القتلى في غزوة أحد،
وشق على الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- أن يدفنوا كل ميت في قبر دفنوا كل ميتين أو ثلاثة في قبر واحد
فاستأذنوا النبي -عليه الصلاة والسلام- فأذن لهم فكان عليه الصلاة والسلام يشرف أو يأتي عند الدفن
فإذا أتي بالموتى لإدخالهم في القبر قال: أي هؤلاء الموتى أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير على أحدهما قدمه على أصحابه .


وأما الخيرية في الآخرة، فللحديث قال صلى الله عليه وسلم:
يقال لقارئ القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها

وفيه أيضا الحرص على تعلم القرآن، حفظ القرآن، العمل به، التأدب بما فيه من الآداب،
ولقد جاء عن السلف درر في هذا الأمر، في الترغيب والترهيب، يقول أحدهم يوصي تلميذا له، قال:
يا بني أنت تطلب العلم فعليك بقراءة حزب من القرآن الكريم، فإني إذا قرأت حزبا وداومت عليه فُتِح لي من أبواب العلم ،
قال التلميذ:
فجربت ذلك ففتح الله لي، فاجعل لنفسك حظا من التلاوة، أيضا احرص على تجنب المعاصي، فإنها تمنع فهم القرآن وحفظ القرآن.


ذكر السهمي في تاريخ جرجان أن كرز أو كُرز بن وبرة، دخلوا عليه فكان يبكي،
قالوا: ما لك؟
قال: إن الباب موصد، والستر مجافى ولم يدخل علي أحد، وهاأنا عجزت أن أراجع حفظي، فوالله لا يكون ذلك إلا بذنب جنيته،
فحريّ بطالب العلم أن يعنى بحفظ القرآن وعلم القرآن، في ترجمة أحد الرواة في تقريب التهذيب،
قال ابن حجر: وقيل بأنه كان لا يحفظ القرآن، كان مفسر يحب التفسير، وقيل -لاحظْ- كان لا يحفظ القرآن.


وبلغت همم المتقدمين أمرا عجبا يقول ابن الجوزي أو غيره يوصي طالبا من طلاب العلم، قال:
واجعل لنفسك حظا من القرآن ويكفي أن تحفظه بسبع قراءات،
يكفي أن تحفظ القرآن بسبع قراءات، كيف لو رأى زمننا هذا،
لا نقول يأسا حاش وكلا، ولكن شحذا يقال هذا من باب شحذ الهمم وقوة العزيمة، ثم يقال أيضا في الحديث:
إن على معلم القرآن أن يتمثل هذه الخيرية، على معلم القرآن تمثل هذه الخيرية بأخلاقه، وحسن ألفاظه ونظافة ثيابه،
ذكر الذهبي في معرفة القراء الكبار، ذكر أئمة من القراء،
وكانوا قدوة في أخلاقهم وفي اتباعهم للسنة، وفي محافظتهم على السمت والوقار .


أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-03-2011, 08:57 PM   #48
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

الحديث الثلاثون

نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها

عن جبير بن مطعم -رضي الله تعالى عنه- قال:
سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول بالخيف، خيف منى:

"نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له،
ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهن قلب مؤمن:
إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحيط مَنْ وراءهم "
أخرجه أحمد وابن ماجه والطبراني .

نضّر ويقال نضر، والروايتان صحيحتان من النضارة، نعمه، حسنه؛ ولهذا ترى نضارة في وجوه أهل السنة،
أذكر عبارة نذكرها للفائدة لشيخ الإسلام في كتاب الاستقامة، يقول:
ووجوه أهل السنة كلما تقدمت بهم العمر تزداد نضارة ووضاءة،
ووجوه أهل البدعة، كلما تقدمت بهم السن تزداد قبحا وظلمة،
حتى بلغنا بالتواتر أن بعضهم يمسخ كوجه خنزير أو قرد أو كلب عياذا بالله،

نضر الله امرأ سمع مقالتي، فيه التثبت من النقل عن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم،
التثبت فيما ينقله الإنسان وينسبه إلى النبي عليه الصلاة والسلام.



وقوله فوعاها وحفظها فيه أن الانتفاع بالعلم لا يكمل إلا بالعمل به، وبفهمه،
إما بالسؤال أو بالبحث في كلام أهل العلم، وقوله: ثم أداها إلى من لم يسمعها فيه فضل تبليغ العلم،
وأن من مهام طالب العلم أن يعلم ويعمل، ويدعو ويصبر، ولهذا جاء في المسائل،
الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، اعلم أنه يجب لتعلم المسائل العلم والعمل والدعوة والصبر،
بهذا يكمل لطالب العلم المبتغى والمراد.




وقوله فرب حامل فقه غير فقيه فيه أن مجرد حفظ النصوص لا يكفي، بعض الناس وعاء، حافظ،
يسرد الأحاديث سردا لكن لا يفقه المعاني، وهو مشكور إذا لم يتجاوز إلى ما ليس له به علم،
لكن يُحثّ على التزود من فهم هذه الأحاديث، وقوله:
ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه فيه التأكيد على ما سبق،
وفيه أيضا فضل نشر العلم، وأن من فوائد نشر العلم أن يكون المبلَّغ مفيدا للمبلِّغ،
قد تحفظ حديثا من سنين عددا، ثم إذا قرأته أو سمعته عند أحد ربما يذكر لك فيه فوائد أنت لا تعلمها من قبل هذا.



وقوله: ثلاث لا يُغَلّ وقيل يغِلُّ وقيل يغِلُ، وكلا الألفاظ صحيح،
ومعناها تدور حول لا يكون فيه حقد ولا شر، ولا خيانة في هذه الخصال الثلاثة،
إخلاص العمل لله الشر أن يكون في الإخلاص رياء وحب ظهور، أو أن يكون العمل لغير الله بالكلية عياذا بالله،
والنصح لأئمة المسلمين، الناس في الولاة على أقسام ثلاثة:
قوم لا هم لهم إلا القدح صباح مساء، لو أحسن الولاة ذمهم هؤلاء وجعلوا إحسانهم بقصد الشر،
ولو أساء الولاة زادوا النقد والذم،

وقسم لا هم لهم إلا المدح إن أساء الولاة وأخطئوا التمس ألف عذر وبرأهم،
وإن أحسنوا بالغ في مدحهم، والأمران نقيضان على طرفي نقيد.



أما المنهج الحق، هو منهج أهل السنة والجماعة،
عدم الحقد عياذا بالله، وعدم تمني الشر لهم، بل الفرح بخيرهم،
والبغض لشرهم مع السعي في الأساليب الشرعية لإصلاح الخلل،
أما التهييج والتحريش وإشاعة الفوضى فهذا يأتي بالشر ولا يأتي بالخير؛
ولهذا تجد أهل العلم وأهل السنة يركزون على هذا الأمر لعظم التفريط فيه،
قال شيخ الإسلام: الحق حقان: حق لله، وحق للعباد، حق الله إفراده بالعبادة.

وحق العباد ينقسم إلى قسمين:
حق خاص وحق عام،
الحق الخاص: لك أنت مع أولادك وأهل بيتك وجيرانك،
والحق العام: حق للولاة الرعاة، حقوق الرعية لعموم المسلمين،
حقوق الولاة أن تلزم فيهم النص الشرعي، المناصحة الشرعية بالمكاتبة، بالمهاتفة بالمشافهة،
بالزيارة، بإبلاغ أهل العلم، بالدعاء لهم، قال البربهاري:
إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب بدعة،
ومع الأسف الشديد تأتي أحاديث تجمع الإخلاص لله والنصح ولزوم الجماعة،
فتجد أن لحظ خصلة الولاة تبخس من حقهم، هذا من الجهل،
أنت تتقرب إلى الله بأن هذه النصوص شرعية، لا تقدح ولا تمدح،
ولكن الشرع ميزان الأمور كلها وشاهد لفرعها وأصلها.



فطالب العلم يرى أهل السنة،
الإمام أحمد يجلد، وترفع المبتدعة راية الاعتزال، وتجبر الأمة على القول بالخلق، خلق القرآن،
ورفع الإمام أحمد رأسه لهذه الفتنة وأخمدها الله على يديه ويدي إخوانه، ومع هذا لو أشار بيده لقام أهل بغداد،
ولكن الإمام ينطلق من نصوص، جاءه الواثق أو المتوكل، فتنة تعاقب عليها ثلاثة:
المأمون ثم المعتصم، ثم الواثق وأطفأها الله بالمتوكل،
فطلب أن يحلل فكان يدعو للسلطان وهو في تعذيب منه، ويعلم أنه ملبس عليه.



ثم أيضا العداء للولاة، فيه مضار ثلاث:

الأولى: خلاف المنهج الشرعي في النصح.

الثانية: تفرح أهل الباطل وبطانة السوء على أهل الخير، بتسليط السلطان عليهم.

الثالث: عدم قبول السلطان للنصيحة، أو لأكثر النصح.



لكن الأسلوب الشرعي إن استجاب فلك وله، وإن أبى فلك وعليه،
ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط مِنْ ورائِهم، في لفظ آخر مَنْ وراءهم مَنْ موصولة الذي وراءهم،
بمعنى أن دعوة المسلمين جماعة المسلمين كالسور من لزمه فهو محفوظ بحفظ الله له،
ولزوم جماعتهم فيه حث الإسلام على الاجتماع والتحذير من أسباب الفرقة والاختلاف.




وقوله ثلاث، في أول وسط الحديث فيه التلازم بين هذه الثلاث وأن فيها صلاح الدين والدنيا،

أبو طالب المكي، يقول: من اجتمعت فيه تلك الثلاث في زماننا فهو من أولياء الله،
لأن النفوس تريد الترويض على هذه الأمور، فيا طلبة العلم،
يا دعاة الخير لنلزم جميعا المنهج السليم منهجَ أهل السنة والجماعة في التعامل،
ولنقرأ كتب العقيدة، السلفية التي صنفها العلماء، أهل السنة،
الإمام أحمد، اللالكائي، البربهاري، ابن بطة،
ونرى كيف أنهم تواطئوا على أصول متفق عليها من نص القرآن والسنة
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 18-03-2011, 10:25 PM   #49
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

الحديث الحادي والثلاثون

عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك

عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك " أخرجه مسلم.


"عليك" فيه خطاب الأمر، والأمر للوجوب إلا ما جاء في المعصية، إذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة، بنص الخبر الآخر،

وقوله بالسمع والطاعة، فيه قبح من أظهر السمع والطاعة للولاة في الظاهر، ثم إذا خلا أظهر المخالفة والتحريش،

وهذا من صفات النفاق عياذا بالله، وفيه تلازم السمع والطاعة لولاة الأمور وليس المراد التسليم لكل ما يقال،
والسكوت عن كل خطأ، لا، كما تقدم، الدعاء والنصح، وبيان الحق بالأساليب الشرعية.



وفيه أن من علامات صاحب منهج الحق الثبات على المبدأ في جميع أحواله، في العسر واليسر،
في المنشط والمكره، وفي ظهور الأثرة؛ ولهذا تجد أن صاحب المبدأ ما يتغير،
لكن الذي في قاربه أو في سفينته خروق، كلما سد خرقا انفتح خرق،
يتأرجح تارة تراه مادحا ثم ينقلب قادحا، تارة تراه مبغضا ثم محبا، مجرد لما في نفسه، أما إذا أحب للخير وأبغض للشر فنعم،
فصاحب المنهج الحق على مبدئه وعلى أصوله في جميع الشئون والأحوال.



وقوله: وأثرة، هنا ظهور خلاف طاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- فيمن حرش على الولاة بسبب الأثرة،
أنت مأمور بالسمع والطاعة، الأثرة الدنيوية تذهب، هنا تميز طالب العلم أنا وأنت نعلم هذا الحديث،
وأمرنا بالسمع والطاعة في طاعة الله، والأثرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
سترون من بعدي أثرة فاصبروا، إذا منافاة الصبر خلاف منهج النبوة.



بعض الناس يقولون إذا نذعن وننكس رءوسنا،
لا، انصح وبلغ النصيحة شريطة أن يكون النصح بالأساليب الشرعية،

أما التهييج والخروج، فهذا ليس من منهج أهل السنة والجماعة، من منهج الفرق الضالة التي شوهت مجرى التاريخ؛ ولهذا قال العلماء:
من الذي أراق دم عثمان ودم علي رضي الله تعالى عنهما، إلا الخروج،

وفيه الصبر والاحتساب عند رؤية الأثرة والسعي بالنصح،
وفيه أن تأليب الناس عند الأثرة مخالف لمنهج النبي عليه الصلاة والسلام.



وفيه حث الإسلام على أسباب الاجتماع، والتحذير من أسباب الافتراق، وفيه فوائد كثيرة وأعظمها لزوم منهج أهل السنة والجماعة.

أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 28-03-2011, 10:31 PM   #50
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

الحديث الثاني والثلاثون

أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما



عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" متفق عليه.


في الحديث تهذيب الشرع لجارحة اللسان خصوصا ولجميع الجوارح،

وفيه تعظيم جانب الأخوة الإسلامية، الأخوة سياج عظيم قوي إياك أن تخرقه بغير حق،
إياك أن تسعى في نقده بغير حق فإن الدائرة تكون عليك، وفيه خطورة القول بلا علم،
عموما وخصوصا خطورة القدح في عقائد الناس بلا علم، وفيه أيضا أن الجزاء من جنس العمل.



وكما تقدم أن هذه القاعدة جاءت في آيات كثيرة في القرآن، بل الإسلام كله كما يقال:
الجزاء من جنس العمل، ويعفو عن كثير، وفيه كمال عدل الله عز وجل،
فقد باء بها أحدهما، كاللعن، إذا لعن أحد صاحبه ترتفع اللعنة إلى السماء فتغلق دونها أبواب السماء فترجع،
فإن كان الملعون مستحقا لها، وإلا ردت على صاحبها.


وفيه أن العناية بفهم منهج أهل السنة فيه نجاة للعبد من الخلل والشطط والزلل، فهنا يقال:
إن هذه الألفاظ تكفير، الناس فيه أيضا على أطراف ثلاثة:
قسم يكفر بمجرد أي شيء دون التحقق، وقسم يمنع التكفير بل لا يسمي الكافر كافرا والعياذ بالله،
الآخر أو الناس أو الطرف الآخر،
والقسم حب التناهي غلط خير الأمور الوسط، من قامت عليه الحجة والمحجة،
وعلى قواعد أهل العلم أن من يَكْفُر يكفَّر، أما أن يطلق الإنسان لسانه، كما نسمع الآن هذا كاتب علماني، هذا كذا،
ولو قلت لمتكلم أما تتقي الله الآن كفرته، بأي ذنب قتلت، بأي ذنب كفرته، قال: قال كذا، هلا سألته، هلا تأكدت أن قوله هذا صريح الكفر؟



ولهذا كان أهل العلم يشددون في هذه المسألة، التكفير إخراج الناس من دينهم،
يذكرون قد ينسى الإنسان قد يغفل قد يكون للتأول له مخرج، اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح،
فالقصد من هذا أن أمور التكفير وضوابط التكفير من الأهمية بمكان، فالحذر كل الحذر أن تولج نفسك بابا لا تدري ما وراءه.



لهذا يُنهَى بعض المتسرعين عن إطلاق هذه الألقاب فلان كذا فلان علماني، فلان يعني كافر، فلان كذا،

ولو سألتَه لماذا؟
وجدت أنه لم يسأل في هذا إطلاق هذا الحكم، أو سأل من لا علم عنده، فالحذر أيها الأكارم،
سأل الشوكاني شيخا له عن تكفير أحدهم فيما أذكر أنه الشوكاني يقول،
فيما أذكر الآن والعهد بها بعيد، يقول:
ألححت على شيخ لي عن كفر أحد، فلما أضجرته قال:
يا بني، إن إخراج رجل من الملة ليس بالشيء الهين، فالحذر أيها الأكارم.

أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-04-2011, 03:34 PM   #51
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

الحديث الثالث والثلاثون






عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( لو يُعطى الناس بدعواهم ، لادّعى رجالٌ أموال قوم ودماءهم ، لكن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ) حديث حسن ،
رواه البيهقي وغيره هكذا ، وبعضه في الصحيحين .


الشرح


جبل الله النفس على الضعف ، كما قال تعالى : ( وخلق الإنسان ضعيفا )( النساء : 28 ) ،
وهذا الضعف يشمل الضعف النفسي ، والضعف البدني ، وقد يصبح الضعف في بعض الأحيان مولداً للأخلاق الرديئة ،
والصفات الذميمة ، حتى يقود الإنسان إلى أن يدّعي على أخيه ما ليس من حقّه ،
فيزعم أنه قد أخذ له مالاً ، أو سفك له دماً ، أو أخذ أرضا ، بدعوات كثيرة ليست مبنية على دليل أو برهان ،
بل هي تهم باطلة قائمة على البغي والعدوان .
ولو كانت الموازين البشرية أو مقاييسها هي المرجعية فيما يقع بين الناس من اختلاف ، لعمت الفوضى ، وانتشر الظلم ، وضاعت حقوق الناس ،
وأُهدرت دماء واستبيحت أموال بغير حق ، لكن من رحمة الله أنه لم يترك الناس هملا ،
ولم يكلهم إلى أنفسهم ، بل شرع لهم من الشرائع ما هو كفيل بتحقيق العدل والإنصاف بين الناس ،
وما هو سبيل لتمييز الحق من الباطل ، بميزان لا يميل مع الهوى ، ولا يتأثر بالعاطفة ،
ولكنه راسخ رسوخ الجبال ، قائم على الوضوح والبرهان .

ومن هذا المنطلق أورد الإمام النووي رحمه الله هذا الحديث ، ليكون أصلا في باب القضاء بين الناس ،
إذ هو منهج يجب أن يسير عليه كل من أراد أن يفصل بين خصومات الناس ، ليعود الحق إلى نصابه وأهله ،
ويرتدع أصحاب النفوس المريضة عن التطاول على حقوق غيرهم .

إن هذا الحديث يبيّن أن مجرد ادعاء الحق على الخصم لا يكفي ، إذا لم تكن هذه الدعوى مصحوبة ببينة تبين صحة هذه الدعوى ،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لكن البيّنة على المدّعي ) .

وتعريف البيّنة : اسم جامع لكل ما يظهر الحق ويبيّنه ، وعلى هذا فهناك أمور كثيرة يصدق عليها هذا المعنى ، فمن ذلك :
الشهود ، فعندما يشهد الشهود على حق من الحقوق فإن ذلك من أعظم البراهين على صدق المدّعي ،
ومن هنا أمرنا الله بالإشهاد في الدَّيْن حفظا لهذا الحق من الضياع فقال :
( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى )( البقرة : 282 ) .

ومن البينات أيضا : إقرار المدعى عليه ، وهو في الحقيقة من أعظم الأدلة على صحة الدعوى ، كما ذكر ذلك الفقهاء ، ومن هذا الباب أيضا :
القرائن الدالة على القضية ، وفهم القاضي للمسألة باختبار يجريه على المتخاصمين ، إلى غير ذلك من أنواع البيّنات .

فإذا افتقرت هذه الخصومة إلى بينة تدل على الحق ، أو لم تكتمل الأدلة على صحتها ، توجه القاضي إلى المدعى عليه ،
وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالمنكر ، والمقصود أنه ينكر الحق الذي يطالبه به خصمه ، وينكر صحة هذه الدعوى .

ويطلب القاضي من المدعى عليه أن يحلف على عدم صدق هذه الدعوى ، فإذا فعل ذلك ، برئت ذمته ، وسقطت الدعوى ،
والدليل على ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال :
" كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر ، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله : ( شاهداك أو يمينه ) .

ولعل سائلا يسأل : لماذا اختص المدعي بالبينة ، والمنكر باليمين ؟ وما هي الحكمة من هذا التقسيم ؟
والجواب على ذلك : أن الشخص إذا ادعى على غيره أمرا ، فإنه يدعي أمرا خفيا يخالف ظاهر الحال ،
فلذلك يحتاج إلى أن يساند دعواه تلك ببيّنة ظاهرة قوية تؤيد صحة دعواه ، بينما يتمسّك المنكر بظاهر الأمر ،
ويبقى على الأصل ، فجاءت الحجة الأضعف – وهي اليمين – في حقه .

فإذا لم يأت المدعي بالبينة ، وأنكر المدعى عليه استحقاق خصمه وحلف على ذلك ، لزم القاضي أن يحكم لصالح المنكر ،
لأنه حكمه هذا مبني على ظاهر الأمر والحال .

لكن ثمة أمر ينبغي التنبيه عليه ، وهو أن قضاء القاضي لا يحل حراما ولا يحل حلالا ، ولا يغير من حقائق الأمور ،
لأن القاضي لا يعلم الغيب ، وقد يكون هناك من الأدلة الزائفة أو الشهادات الكاذبة ما يخفى عليه فيحكم بموجبها ،
كما ثبت في البخاري و مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وأقضي له على نحو مما أسمع ،
فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ ، فإنما أقطع له قطعة من النار ) ، وشدد النبي صلى الله عليه وسلم على تخويف الناس من أخذ الحرام فقال :
( من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر – أي كاذب - ، لقي الله وهو عليه غضبان ) ، وأنزل الله تصديق ذلك :
( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله
ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )( آل عمران : 77 ) .
وعلى أية حال : فإن هذا الحديث تربية شاملة للأمة الإسلامية على الأمانة في أقوالهم ، والعدل في أحكامهم ،
دون النظر إلى لون أو جنس أو معرفة سابقة ، وجدير بمجتمع يقوم على هذه القيم أن يكتب له التمكين على الأرض .
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-04-2011, 09:49 PM   #52
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

الحديث الرابع والثلاثون

أخوة الإسلام


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ) رواه مسلم .

الشرح
الأخوة الإسلامية شجرة وارفة الظلال ، يستظل بفيئها من أراد السعادة ، إنها شجرة تؤتي أكلها كل حين ، شهيّة ثمارها ، طيّبة ريحها ، تأوي إليها النفوس الظمأى ، لترتوي منها معاني الود والمحبة ، والألفة والرحمة .


إنها ليست مجرد علاقة شخصية ، ولكنها رابطة متينة ، قائمة على أساس من التقوى وحسن الخلق ، والتعامل بأرقى صوره ، وهي في الوقت ذاته معلم بارز ، ودليل واضح على تلاحم لبنات المجتمع ووحدة صفوفه ، وحسبك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ربط الأخوة بالإيمان ، وجعل رعايتها من دلائل قوته وكماله ، ولا عجب حينئذٍ أن يأتي الإسلام بالتدابير الكافية التي تحول دون تزعزع أركان هذه الأخوّة .


وفي ضوء ذلك ، جاء هذا الحديث العظيم لينهى المؤمنين عن جملة من الأخلاق الذميمة ، والتي من شأنها أن تعكر صفو الأخوة الإسلاميّة ، وتزرع الشحناء والبغضاء في نفوس أهلها ، وتثير الحسد والتدابر ، والغش والخداع ، وأخلاقاً سيئة أخرى جاء ذكرها في الحديث .


فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسد ، ولا عجب في ذلك ! ، فإنه أول معصية وقعت على الأرض ، وهو الداء العضال الذي تسلل إلينا من الأمم الغابرة ، فأثمر ثماره النتنة في القلوب ، وأي حقد أعظم من تمني زوال النعمة عن الآخرين ؟ ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( دب إليكم داء الأمم : الحسد والبغضاء ، ألا إنها هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ) رواه الترمذي .


وعلاوة على ذلك ، فإن الحسد في حقيقته تسخّط على قضاء الله وقدره ، واعتراضٌ على تدبير الله وقسمته للأرزاق والأقوات ، وهذه جناية عظيمة في حق الباري تبارك وتعالى ، وقد قال بعضهم :
ألا قل لمن ظل لي حاسـد أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه لأنك لم ترض لي مــا
ومما جاء النهي عنه في الحديث : النجش ، وأصل النجش : استخدام المكر والحيلة ، والسعي بالخديعة لنيل المقصود والمراد ، ولا شك أن هذا لون من ألوان الغش المحرم في الشرع ، والمذموم في الطبع ، إذ هو مناف لنقاء السريرة التي هي عنوان المسلم الصادق ، وزد على ذلك أن في التعامل بها كسرٌ لحاجز الثقة بين المؤمنين .


والنجش لفظة عامة ، تشمل كل صور المخادعة والتحايل ، لكن أشهر صورها النجش في البيع ، ويكون ذلك إذا أراد شخص أن يعرض سلعة في السوق رغبةً في بيعها ، فيتفق مع أشخاص آخرين ، بحيث يُظهرون للمشتري رغبتهم في شراء هذه السلعة من البائع بسعر أكبر ، مما يضطر المشتري إلى أن يزيد في سعر السلعة ، فهذا وإن كان فيه منفعة للبائع فهو إضرار بالمشتري وخداع له .


ومن الآفات التي جاء ذمها في الحديث ، البغضاء بين المؤمنين ، والتدابر والتهاجر ، والاحتقار ونظرات الكبر ، وغيرها من الأخلاق المولّدة للشحناء ، والمسبّبة للتنافر .


والإسلام إذ ينهى عن مثل هذه المسالك المذمومة ؛ فإنه يهدف إلى رعاية الإخاء الإسلامي ، وإشاعة معاني الألفة والمحبة ؛ حتى يسلم أفراد المجتمع من عوامل التفكك وأسباب التمزق ، فتقوى شوكتهم ، ويصبحوا يدا واحدة على أعدائهم ؛ فالمؤمن ضعيف بنفسه ، قوي بإخوانه ، ومن هنا جاء التوجيه في محكم التنزيل بالاعتصام بحبل الله ، والوحدة على منهجه ، ونبذ كل مظاهر الفرقة والاختلاف ، يقول الله عزوجل في كتابه : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )( آل عمران : 103 ) .


ولن تبلغ هذه الوحدة مداها حتى يرعى المسلم حقوق إخوانه المسلمين ، ويؤدي ما أوجبه الله عليه تجاههم ، ولتحقيق ذلك لابد من مراعاة جملة من الأمور ، فمن ذلك : العدل معهم ، والمسارعة في نصرتهم ونجدتهم بالحقّ في مواطن الحاجة ، كما قال الله عزوجل في كتابه : ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر )( الأنفال : 72 ) ، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما ، أفرأيت إذا كان ظالماً ، كيف أنصره ؟ ، قال : تمنعه من الظلم ؛ فإن ذلك نصره ) .


ثم توّج النبي صلى الله عليه وسلم حديثه بالتذكير بحرمة المؤمن فقال : ( كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ) فالمسلم مأمور بالحفاظ على حرمات المسلمين ، وصيانة أعراضهم وأموالهم وأعراضهم ، فلا يحل له أن يصيب من ذلك شيئا بغير حق ، وحسبك أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار أشرف البقاع وأشرف الأيام ، وتحيّن موقف الحاجة إلى الموعظة ، لينبّه الناس إلى ذلك الأمر العظيم ، لقد خطب الناس يوم النحر فقال : ( يا أيها الناس ، أي يوم هذا ؟ ) ، قالوا : يوم حرام ، قال : ( فأي بلد هذا ؟ ) ، قالوا : بلد حرام ، قال : ( فأي شهر هذا ؟ ) ، قالوا : شهر حرام ، قال : ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ) .


فإذا رعى المسلمون تلك المباديء التي أصلها هذا الحديث ، وصارت أخوّتهم واقعا ملموسا ، فسوف نشهد أيّاما من العزة والرفعة لهذه الأمة ، وسوف يصبح التمكين لها قاب قوسين أو أدنى ، بإذن الله تعالى .
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-04-2011, 12:21 AM   #53
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

الحديث الخامس والثلاثون

النهي عن المنكر من الأيمان



عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم .

الشرح
ترتبط خيرية هذه الأمة ارتباطا وثيقا بدعوتها للحق ، وحمايتها للدين ، ومحاربتها للباطل ؛ ذلك أن قيامها بهذا الواجب يحقق لها التمكين في الأرض ، ورفع راية التوحيد ، وتحكيم شرع الله ودينه ، وهذا هو ما يميزها عن غيرها من الأمم ، ويجعل لها من المكانة ما ليس لغيرها ، ولذلك امتدحها الله تعالى في كتابه العزيز حين قال :
( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )( آل عمران : 110 ) .
وعلاوة على ذلك فإن في أداء هذا الواجب الرباني حماية لسفينة المجتمع من الغرق ، وحماية لصرحه من التصدع ، وحماية لهويته من الانحلال ، وإبقاء لسموه ورفعته ، وسببا للنصر على الأعداء والتمكين في الأرض ، والنجاة من عذاب الله وعقابه .


ولخطورة هذه القضية وأهميتها ؛ ينبغي علينا أن نعرف طبيعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونعرف شروطه ومسائله المتعلقة به ؛ ومن هنا جاء هذا الحديث ليسهم في تكوين التصور الواضح تجاه هذه القضية ، ويبين لنا كيفية التعامل مع المنكر حين رؤيته


لقد بين الحديث أن إنكار المنكر على مراتب ثلاث : التغيير باليد ، والتغيير باللسان ، والتغيير بالقلب ، وهذه المراتب متعلقة بطبيعة هذا المنكر ونوعه ، وطبيعة القائم بالإنكار وشخصه ، فمن المنكرات ما يمكن تغييره مباشرة باليد ، ومن المنكرات ما يعجز المرء عن تغييره بيده دون لسانه ، وثالثة لا يُمكن تغييرها إلا بالقلب فحسب .


فيجب إنكار المنكر باليد على كل من تمكّن من ذلك ، ولم يُؤدّ إنكاره إلى مفسدةٍ أكبر، وعليه : يجب على الوالي أن يغير المنكر إذا صدر من الرعيّة ، ويجب مثل ذلك على الأب في أهل بيته ، والمعلم في مدرسته ، والموظف في عمله ، وإذا قصّر أحدٌ في واجبه هذا فإنه مضيّع للأمانة ، ومن ضيّع الأمانة فقد أثم ، ولذلك جاءت نصوص كثيرة تنبّه المؤمنين على وجوب قيامهم بمسؤوليتهم الكاملة تجاه رعيتهم – والتي يدخل فيها إنكار المنكر - ، فقد روى الإمام البخاري و مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كلكم راع ومسؤول عن رعيته ، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها ، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته ) ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن عاقبة الذين يفرطون في هذه الأمانة فقال : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة ) .


فإذا عجز عن التغيير باليد ، فإنه ينتقل إلى الإنكار باللسان ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم يستطع فبلسانه ) ، فيذكّر العاصي بالله ، ويخوّفه من عقابه ، على الوجه الذي يراه مناسبا لطبيعة هذه المعصية وطبيعة صاحبها


فقد يكون التلميح كافيا – أحيانا - في هذا الباب ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ؟ ) ، وقد يقتضي المقام التصريح والتعنيف ، ولهذا جاءت في السنة أحداث ومواقف كان الإنكار فيها علناً ، كإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد - رضي الله عنه - شفاعته في حد من حدود الله ، وإنكاره على من لبس خاتم الذهب من الرجال ، وغير ذلك مما تقتضي المصلحة إظهاره أمام الملأ.


وإن عجز القائم بالإنكار عن إبداء نكيره فعلا وقولا ، فلا أقل من إنكار المنكر بالقلب ، وهذه هي المرتبة الثالثة ، وهي واجبة على كل أحد ، ولا يُعذر شخص بتركها ؛ لأنها مسألة قلبيّة لا يُتصوّر الإكراه على تركها ، أو العجز عن فعلها ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد : جهادٌ بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمتى لم يعرف قلبه المعروف وينكر قلبه المنكر انتكس " .


وإذا ضيعت الأمة هذا الواجب بالكلية ، وأهملت العمل به ، عمت المنكرات في المجتمعات ، وشاع الفساد فيها ، وعندها تكون الأمة مهددة بنزول العقوبة الإلهية عليها ، واستحقاق الغضب والمقت من الله تعالى .


والمتأمل في أحوال الأمم الغابرة ، يجد أن بقاءها كان مرهونا بأداء هذه الأمانة ، وقد جاء في القرآن الكريم ذكر شيء من أخبار تلك الأمم ، ومن أبرزها أمة بني إسرائيل التي قال الله فيها : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون )( المائدة : 78 – 79 ) .


وتكمن خطورة التفريط في هذا الواجب ، أن يألف الناس المنكر ، ويزول في قلوبهم بغضه ، ثم ينتشر ويسري فيهم ، وتغرق سفينة المجتمع ، وينهدم صرحها ، وفي ذلك يضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا رائعا يوضح هذه الحقيقة ، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ) رواه البخاري .


إن هذا الواجب هو مسؤولية الجميع ، وكل فرد من هذه الأمة مطالب بأداء هذه المسؤولية على حسب طاقته ، والخير في هذه الأمة كثير ، بيد أننا بحاجة إلى المزيد من الجهود المباركة التي تحفظ للأمة بقاءها ، وتحول دون تصدع بنيانها ، وتزعزع أركانها.
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-04-2011, 06:16 AM   #54
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

الحديث السادس والثلاثون

"من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة"

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ،

ومن يسّر على معسر ، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مؤمنا ستره الله في الدين والآخرة ،

والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة ،

وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ،

وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن بطّأ به عمله ، لم يسرع به نسبه ) رواه مسلم .

الشرح


عُني الإسلام بذكر مكارم الأخلاق والحث عليها ، وجعل لها مكانة عظيمة ، ورتّب عليها عظيم الأجر والثواب ،
ومن ذلك هذا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه .

لقد حثّنا النبي صلى الله عليه وسلّم في أوّل وصيّته على تنفيس الكرب عن المؤمنين ،
ولا ريب أن هذا العمل عظيم عند الله ، عظيم في نفوس الناس ، إذ الحياة مليئة بالمشقات والصعوبات ،
مطبوعة على التعب والكدر ، وقد تستحكم كربها على المؤمن ، حتى يحار قلبه وفكره عن إيجاد المخرج .


وحينها ، ما أعظم أن يسارع المسلم في بذل المساعدة لأخيه ، ومد يد العون له ، والسعي لإزالة هذه الكربة أو تخفيفها ،

وكم لهذه المواساة من أثر في قلب المكروب ، ومن هنا ناسب أن يكون جزاؤه من الله أن يفرّج عنه كربة هي أعظم
من ذلك وأشد : إنها كربة الوقوف والحساب ، وكربة السؤال والعقاب ، فما أعظمه من أجر ، وما أجزله من ثواب .

ومن كريم الأخلاق :

التجاوز عن المدين المعسر ، فقد حث الشارع أصحاب الحقوق على تأخير الأجل للمعسرين وإمهالهم إلى حين تيسّر أحوالهم ،

يقول الله عزوجل :

( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة )
( البقرة : 280 ) ، وأعلى من ذلك أن يُسقط صاحب الحق شيئا من حقه ، ويتجاوز عن بعض دينه ،
ويشهد لذلك ما رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( كان رجل يداين الناس ، فكان يقول لفتاه : إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه ؛ لعل الله أن يتجاوز عنا ، فلقي الله فتجاوز عنه).

ثم يحث الحديث على ستر عيوب المسلمين ، وعدم تتبع أخطائهم وزلاتهم ،
وذلك لون آخر من الأخلاق الفاضلة التي تكلّلت بها شريعتنا الغرّاء ، فالمعصوم من عصمه الله ،

والمسلم مهما بلغ من التقى والإيمان فإن الزلل متصوّر منه ، فقد يصيب شيئاً من الذنوب ،

وهو مع ذلك كاره لتفريطه في جنب الله ، كاره أن يطلع الناس على زلَله وتقصيره ،

فإذا رأى المسلم من أخيه هفوة فعليه أن يستره ولا يفضحه ، دون إهمال لواجب النصح والتذكير .

وقد جاء في السنة ما يوضّح فضل هذا الستر ، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ) رواه ابن ماجة ،

في حين أن تتبع الزلات مما يأنف منه الطبع ، وينهى عنه الشرع ، بل جاء في حقه وعيد شديد ،

روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ، فنادى بصوت رفيع فقال :
( يا معشر من قد أسلم بلسانه ، ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ،

ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ) .


ولما كان للعلم منزلة عظيمة ، ومكانة رفيعة ؛ جاء الحديث ليؤكد على فضله وعلو شأنه ،

فهو سبيل الله الذي ينتهي بصاحبه إلى الجنة ، والمشتغلون به إنما هم مصابيح تنير للأمة طريقها ،

وهم ورثة الأنبياء والمرسلين ، لذلك شرّفهم الله تعالى بالمنزلة الرفيعة ، والمكانة عالية ،

فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإنه ليستغفر للعالم من في السماوات والأرض
حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ) رواه أحمد ،

فهم أهل الذكر ، وهم أهل الخشية ، وشتان بين العالم والجاهل .

وأولى ما يصرف العبد فيه وقته : تعلم القرآن ونشر علومه ، كما جاء في الحديث الصحيح :

( خيركم من تعلّم القرآن وعلمه ) ،
وهذه الخيرية إنما جاءت من تعلّق هذا العلم بكلام الله تعالى ، وشرف العلم بشرف ما تعلق به .

ثم لك أن تتأمل ما رتبه الله من الأجر والثواب لأولئك الذين اجتمعوا في بيت من بيوت الله تعالى ؛ يتلون آياته ، وينهلون من معانيه ،

لقد بشّرهم بأمور أربعة : أن تتنزّل عليهم السكينة ، وتعمهم الرحمة الإلهية ، وتحيط بهم الملائكة الكرام ،
والرابعة – وهي أحلاها وأعظمها - : أن يذكرهم الله تعالى في ملأ خير من ملئهم ، ويجعلهم محل الثناء بين ملائكته ،
ولو لم يكن من فضائل الذكر سوى هذه لكفت .

على أن تلك البشارات العظيمة لا تُنال إلا بجدّ المرء واجتهاده ، لا بشخصه ومكانته ، فلا ينبغي لأحد أن يتّكل على شرفه ونسبه ؛
فإنّ ميزان التفاضل عند الله تعالى هو العمل الصالح ، فلا اعتبار لمكانة الشخص إن كان مقصّرا في العمل ،
ولذا يقول الله عزوجل في كتابه :

( فإذا نُفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) ( المؤمنون : 101 ) ،

وهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يغن عن أبي طالب شيئا ،
ولقد جسّد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في كلمات جامعة حين قال :

( ومن بطّأ به عمله ، لم يسرع به نسبه ) .
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 15-04-2011, 03:12 PM   #55
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

الحديث السابع والثلاثون

" إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيّن :"



عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال :
( إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيّن : فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ،
وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف ، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ،
وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما.


الشرح

أفعال الله تعالى دائرة بين الفضل والعدل ، فما من تقدير في هذه الحياة ،
بل ولا شيء في الدنيا والآخرة ، إلا داخلٌ ضمن فضل الله وعدله ، فرحمته سبحانه بالمؤمنين فضل ،
وتعذيبه للعاصين عدل ، وهو – جلّ وعلا – مع ذلك أخبر أن رحمته سبقت غضبه ،
وأن رحمته وسعت كل شيء ، وأَمَرَنا أن نسأله من فضله وعطائه الجزيل .


وهذا الحديث الذي بين أيدينا خير شاهد على فضل الله تعالى على عباده المؤمنين ،
فالله سبحانه وتعالى لما حثّ عباده على التسابق في ميادين الطاعة والعبادة ،
لم يجعل جزاء الحسنة بمثلها ، ولكنه ضاعف أجرها وثوابها عشرة أضعاف ، كما قال سبحانه :
( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) ( الأنعام : 160 ) ،
ثم ضاعف هذه العشرة سبعين ضعفا ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ،
بل إن الله تعالى يُكاثر هذه الحسنات ويضاعفها أضعافا كثيرة ، لمن شاء من عباده .


وقد جاء في القرآن تصوير هذه الحقيقة في مثل رائع ، يجسد فيه معنى المضاعفة ،
ويقرّب صورتها إلى أذهان السامعين ، إنه مشهد من يبذر بذرة في أرض خصبة ،
فتنمو هذه البذرة وتكبر حتى تخرج منها سبع سنابل ، العود منها يحمل مائة حبة ،
ثم تتضاعف هذه السنابل على نحو يصعب على البشر عده وإحصاؤه ،
كذلك حال المؤمن المخلص لربه ، المحسن في عمله ، قال تعالى في محكم التنزيل :
( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل
في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) ( البقرة : 261 ) .

ولا يقتصر فضل الله عند هذا الحد ، بل يتسع حتى يشمل مجرد الهم والعزم على فعل العمل الصالح ،
فإن العبد إذا هم بالحسنة ولم يفعلها ، كتب الله له حسنة كاملة – كما هو نص الحديث - ،
لأن الله سبحانه جعل مجرد إرادة الخير عملا صالحا يستحق العبد أن ينال عليه أجرا .


ذلك حال من هم بالحسنة ، أما من هم بالسيئة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ) ،
ولعل السر في ذلك : أن العبد إذا كان الدافع له على ترك المعصية هو خوف الله والمهابة منه ،
فعندها تُكتب له هذه الحسنة ، وقد أتى بيان ذلك في الرواية الأخرى لهذا الحديث :
( وإن تركها – أي السيئة - فاكتبوها له حسنة ؛ إنما تركها من جرائي ) ومعناها : طلبا لرضا الله تعالى.


وهذا بخلاف من همّ بالسيئة وسعى لفعلها ، ثم عرض له عارض منعه من التمكن منها ،
فهذا وإن لم يعمل السيئة ، إلا أنه آثم بها ، مؤاخذ عليها ؛ لأنه سعى إلى المعصية ولم يردعه عن الفعل خوف من الله ،
أو وازعٌ من الضمير ، ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار .
فقيل : يا رسول الله . هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه ) .


وإذا ضعف وازع الخير في نفس المؤمن ، وارتكب ما حرمه الله عليه ، كُتبت عليه سيئة واحدة فحسب ،
كما قال الله عزوجل في كتابه :
( ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ) ( الأنعام : 160 ) ،
وذلك من تمام عدله سبحانه .


وعلاوة على ذلك ، فقد تدرك الرحمة الإلهية من شاء من خلقه ، فيتجاوز الله عن زلته ويغفر ذنبه ،
كما دلّ على ذلك رواية مسلم :
( فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة أو محاها ) فهو إذاً بين عدل الله تعالى وفضله .



فإذا استشعر العبد هذه المعاني السامية أفاضت على قلبه الطمأنينة والسكينة ، والرجاء بالمغفرة ،

ودفعته إلى الجد في الاستقامة ، والتصميم على المواصلة ، بعزيمة لا تنطفيء ، وهمّة لا تلين .
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 25-04-2011, 11:41 PM   #56
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

الحديث الثامن والثلاثون

العبادة لله وسيلة القرب والمحبة







عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه ،
وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ،
ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينّه ، ولئن استعاذني لأعيذنّه )
رواه البخاري .




الشرح

حديثنا اليوم عن قوم اصطفاهم الله بمحبّته ، وآثرهم بفضله ورحمته ، أولئك الذين اعتصموا بأسباب السعادة والنجاح ، واجتهدت نفوسهم في نيل الرضا والفلاح ،
ولم تملّ أبدانهم قطّ من طول العبادة ، فأفاض الله عليهم من أنواره ، وجعل لهم مكانة لم يجعلها لغيرهم ، وتولاّهم بنصرته وتأييده ، أولئك هم أولياء الله .



إنهم قوم عصمهم الله من مزالق الهوى والضلال ، فبشّروا بالأمن والسعادة في الدنيا والآخرة :
(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون )( يونس : 62 – 63 ) ،
وأنّى لهم أن يخافوا وقد آمنوا بالله وتوكّلوا عليه ؟ ، وأنّى لهم أن يحزنوا وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه ؟ ، فأثمر إيمانهم عملا صالحا ، وسكينة في النفس ، ويقينا في القلب .



ولقد بلغ من علو شأنهم ، وسمو قدرهم ، أن أعلن ربّ العزّة الحرب على كل من أراد بهم سوءاً ، أو ألحق بهم أذى ،
كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم :
( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب )
.



فانظر كيف يدافع الله عن أوليائه وأحبائه ، وكيف يمدّهم بالنصرة والتأييد ، ثم انظر كيف يتوعّد من عاداهم بالحرب .


حينها تعلم أن الله تعالى لا يتخلى عن أوليائه أو يتركهم فريسة لأعدائهم – ولو تأخّر هذا النصر وطالت مدّته - ؛
فهذه النصرة وهذا التأييد إنما هو مرتبط بسنن الله التي لا تتغيّر ولا تتبدّل ، وسنّة الله اقتضتْ أن يمهل الظالمين دون إهمالٍ لهم ،
فإن تابوا وأنابوا ، وزالت عداوتهم للصالحين ، تاب الله عليهم ، وإن أصرّوا على باطلهم ، وتمادوا في غيّهم ، فإنّ الله يملي لهم استدراجاً ، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ،
وبذلك ينتصر الله لأوليائه ، ويجعل العاقبة لهم ، والغلبة على من عاداهم .



وإن بلوغ هذه المكانة شرف عظيم ، ونعمة كبرى يختصّ الله بها من يشاء من عباده ، وحق لنا أن نتسائل :
ما الطريق الذي يعيننا على نيل هذه المرتبة العظيمة ؟.




لقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أول طريق الولاية حين قال :
( وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه ) ، فهذه المنزلة لا تُنال حتى يرفع العبد شعار العبودية لله ،
فيتقرب إليه أولا بما فرضه عليه من الأوامر ، ومايلزمه ذلك من مجانبة المعاصي والمحرمات .



ثم ينتقل المؤمن إلى رتبة هي أعلى من ذلك وأسمى ، وهي التودد إلى الله تعالى بالنوافل ، والاجتهاد في الطاعات ،
فيُقبل على ربّه مرتادا لميادين الخير ، يشرب من معينها ، ويأكل من ثمارها ، حتى يصل إلى مرتبة الإحسان ،
والتي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .



وحال المؤمن عند هذه الدرجة عجيب ، إذ يمتليء قلبه محبة لربه وشوقا للقائه ، وخوفا من غضبه وعقابه ، ومهابة وإجلالا لعظمته ،
فما بالك بعبد يقف بين يدي ربه وكأنه يراه رأي العين ، فلا تعجب من اليقين الذي يبلغه ، والسمو الإيماني الذي يصل إليه .



حينها يكون ذلك المؤمن ملهماً في كل أعماله ، موفقاً في كل أحواله ، فلا تنقاد جوارحه إلا إلى طاعة ، ولا ينساب إلى سمعه سوى كلمات الذكر ،
ولا يقع ناظره إلا على خير ، ولا تقوده قدماه إلا إلى ما يحبه الله ، وهذا هو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم :
( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ) ،
وجدير بعبد وصل إلى هذه الدرجة أن يجيب الله دعاءه ، ويحقق سؤله ، ويحميه من كل ما يضره ، وينصره على عدوه .



ونزف إليك أيها القاريء الكريم شيئا من أخبار أولياء الله ، وطرفا من مآثرهم ، فعن علي بن أبي فزارة قال :
" كانت أمي مقعدة من نحو عشرين سنة ، فقالت لي يوما : اذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو لي ، فأتيت فدققت عليه وهو في دهليزه فقال :
من هذا ؟ قلت : رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء ، فسمعت كلامه كلام رجل مغضب فقال:
نحن أحوج أن تدعو الله لنا ، فوليت منصرفا ، فخرجت عجوز فقالت : قد تركته يدعو لها ، فجئت إلى بيتنا ودققت الباب ،
فخرجت أمي على رجليها تمشي " ، وعن عبيد الله بن أبي جعفر قال :
" غزونا القسطنطينية ، فكُسر بنا مركبنا ، فألقانا الموج على خشبة في البحر - وكنا خمسة أو ستة -
فأنبت الله لنا بعددنا ورقة لكل رجل منا ، فكنا نمصّها فتشبعنا وتروينا ، فإذا أمسينا أنبت الله لنا مكانها ، حتى مر بنا مركب فحملنا " .






لقد جمع الله تعالى لنا في كتابه شروط الولاية ، حين قال تعالى :
(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون )( يونس : 62 – 63 ) ،
ومن هنا قال من قال من أهل العلم :
" من كان مؤمناً تقيّاً ، كان لله وليّاً " .
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27-04-2011, 11:37 AM   #57
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث




التجاوز عن المخطيء والناسي والمُكره



عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه ) ، حديث حسن رواه ابن ماجة و البيهقي وغيرهما .


الشرح
كانت الأمم السابقة تؤاخذ على أخطائها ، وتحاسب على جميع أفعالها ، دون أن تكون مبررات الجهل أو النسيان شفيعةً لهم ، أو سببا في التجاوز عنهم ، في حين أن هذه الأغلال قد رُفعت عن هذه الأمة ، استجابةً لدعائهم ، ورحمةً من الله بهم ، كما بيّن الله تعالى ذلك في قوله تعالى : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به )( البقرة : 286 ) ،
وقوله سبحانه : (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما )( الأحزاب : 5 ) .


والحديث الذي بين أيدينا ما هو إلا مظهر من مظاهر رفع الأغلال والآصار عن أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،
ويتجلّى ذلك إذا علمنا أن هذا الحديث يدخل فيه كثير من الأحكام الشرعية في مختلف أبواب العلم ، حتى إن الإمام النووي رحمه الله قال :
" وهذا الحديث اشتمل على فوائد وأمور مهمة ، لو جُمعت لبلغت مصنفا " .


وصدق الإمام في ذلك ، لأننا إذا تأملنا أفعال العباد فإنها لا تخلو من حالين :
أن تكون صادرة عن قصد واختيار من المكلف - وهذا هو الفعل العمد الذي يحاسب عليه صاحبه ويؤاخذ به - ، أو ألا يكون عمله مبنيا على القصد والاختيار ،
وهذا يشمل الإكراه والنسيان والخطأ ، وهو ما جاء الحديث ببيانه .


فأما الخطأ ، فهو أن يريد الإنسان فعل شيء ، فيأتي فعله على غير مراده ، فهذا قد بينت الشريعة أن الله قد تجاوز عنه ، ولم يؤاخذ صاحبه به .

ولعل من لطيف الأمثلة في هذا الباب ، ما ذكره البخاري و مسلم في غزوة خيبر ، لما تبارز الصحابي الجليل عامر بن الأكوع رضي الله عنه مع مشرك ،
فأراد عامر أن يقتل ذلك المشرك فرجعت ضربته على نفسه فمات ، فتحدث نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عامرا قتل نفسه فبطل بذلك عمله ،
فذهب أخوه سلمة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له : ( مالك ؟ ) فقال له : قالوا إن عامرا بطل عمله ، فقال :
( من قال ذلك ؟ ) ، فقال له : نفر من أصحابك ، فقال : ( كذب أولئك ، بل له الأجر مرتين ) ، ففي هذه الحادثة لم يقصد هذا الصحابي أن يقتل نفسه ، بل كان يريد أن يقتل ذلك المشرك فجاءت ضربته عليه ،
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن خطأه هذا معفو عنه .


على أن رفع الإثم والحرج عن المخطيء لا يعني بالضرورة عدم ترتب أحكام خطئه عليه ، خصوصا فيما يتعلق بحقوق العباد ؛
لذلك يطالب المسلم بالدية والكفارة إذا قتل مسلما خطأ ، كما بين الله تعالى ذلك في قوله :
(وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة
وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما )
( النساء : 92 ) .


وأما النسيان : فقد بينت الشريعة أنه معفو عنه ، ويشهد لذلك قوله تعالى :
( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )( البقرة : 286 ) ، ومع ذلك فإن الأحكام الأخرى تترتب عليه كما أشرنا سابقا ،
فمن نسي الصلاة فيجب عليه أن يقضيها متى ما ذكرها ، ومن نسي الوضوء ثم صلّى فإنه تلزمه إعادة تلك الصلاة .


وثالث هذه الأحوال : الإكراه ، فقد يُكره العبد على فعل شيء لا يريده ، وحينئذٍ لا يقع عليه الإثم أو الحرج .

وقد أنزل الله تعالى قوله :
(من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان )( النحل : 106 )
لما أجبر المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنه على قول كلمة الكفر ، فكانت هذه الآية دليلا على نفي الحرج عن كل من كانت حاله كذلك .


وقد استثنى أهل العلم جملة من المسائل لا تدخل ضمن قاعدة رفع الحرج بالإكراه ،
نحو قتل النفس المعصومة أو الزنا ونحو ذلك مما ذكره أهل العلم في كتب قواعد الفقه .


وحاصل الأمر ، فإن هذا الحديث من أوضح الأدلة على يُسر منهج الإسلام وسماحته ، كما إنه دليل على فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم ،
حيث خفّف الله عنها ما كان على الأمم قبلها ، فلله الحمد من قبل ومن بعد على نعمة الإسلام .


أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 03-05-2011, 10:21 AM   #58
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

الحديث الأربعون




كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل


عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبيّ فقال : ( كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل ) .

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك " . رواه البخاري .

الشرح
عندما نتأمل في حقيقة هذه الدنيا ، نعلم أنهالم تكن يوما دار إقامة ، أو موطن استقرار ، ولئن كان ظاهرها يوحي بنضارتها وجمالها ، إلا أن حقيقتها فانية ، ونعيمها زائل ، كالزهرة النضرة التي لا تلبث أن تذبل ويذهب بريقها .

تلك هي الدنيا التي غرّت الناس ، وألهتهم عن آخرتهم ، فاتخذوها وطنا لهم ، ومحلا لإقامتهم ، لا تصفو فيها سعادة ، ولا تدوم فيها راحة ، ولا يزال الناس في غمرة الدنيا يركضون ، وخلف حطامها يلهثون ، حتى إذا جاء أمر الله انكشف لهم حقيقة زيفها ، وتبين لهم أنهم كانوا يركضون وراء وهم لا حقيقة له ، وصدق الله العظيم إذ يقول : { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ****** ( آل عمران : 185 ) .

وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليترك أصحابه دون أن يبيّن لهم ما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم في الدنيا ، ودون أن يحذّرهم من الركون إليها ؛ فهو الرحمة المهداة ، والناصح الأمين ، فكان يتخوّلهم بالموعظة ، ويضرب لهم الأمثال ، ولذلك جاء هذا الحديث العظيم بيانا وحجة ووصية خالدة .

لقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبيّ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ؛ ليسترعي بذلك انتباهه ، ويجمع إليه فكره ، ويشعره بأهمية ما سيقوله له ، فانسابت تلك الكلمات إلى روحه مباشرة : ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) .

وانظر كيف شبّه النبي صلى الله عليه وسلم مُقام المؤمنين في الدنيا بحال الغريب ؛ فإنك لا تجد في الغريب ركونا إلى الأرض التي حل فيها ، أو أنسا بأهلها ، ولكنه مستوحش من مقامه ، دائم القلق ، لم يشغل نفسه بدنيا الناس ، بل اكتفى منها بالشيء اليسير .

لقد بيّن الحديث غربة المؤمن في هذه الدنيا ، والتي تقتضي منه التمسّك بالدين ، ولزوم الاستقامة على منهج الله ، حتى وإن فسد الناس ، أو حادوا عن الطريق ؛ فصاحب الاستقامة له هدف يصبو إليه ، وسالك الطريق لا يوهنه عن مواصلة المسير تخاذل الناس ، أو إيثارهم للدعة والراحة ، وهذه هي حقيقة الغربة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء ) رواه مسلم .

وإذا كان المسلم سالكاً لطريق الاستقامة ، حرص على قلّة مخالطة من كان قليل الورع ، ضعيف الديانة ، فيسلم بذلك من مساويء الأخلاق الناشئة عن مجالسة بعض الناس كالحسد والغيبة ، وسوء الظن بالآخرين ، وغير ذلك مما جاء النهي عنه ، والتحذير منه .

ولا يُفهم مما سبق أن مخالطة الناس مذمومة بالجملة ، أو أن الأصل هو اعتزال الناس ومجانبتهم ؛ فإن هذا مخالف لأصول الشريعة التي دعت إلى مخالطة الناس وتوثيق العلاقات بينهم ، يقول الله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ****** ( الحجرات : 13 ) ، وقد جاء في الحديث الصحيح : ( المسلم إذا كان مخالطا الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) رواه الترمذي ، ولنا في رسول الله أسوة حسنة حين كان يخالط الناس ولا يحتجب عنهم .

وإنما الضابط في هذه المسألة : أن يعتزل المرء مجالسة من يضرّه في دينه ، ويشغله عن آخرته ، بخلاف من كانت مجالسته ذكرا لله ، وتذكيرا بالآخرة ، وتوجيها إلى ما ينفع في الدنيا والآخرة .

ولنا عودة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كأنك غريب ، أو عابر سبيل ) ، ففي هذه العبارة ترقٍّ بحال المؤمن من حال الغريب ، إلى حال عابر السبيل .

فعابر السبيل : لا يأخذ من الزاد سوى ما يكفيه مؤونة الرحلة ، ويعينه على مواصلة السفر ، لا يقر له قرار ، ولا يشغله شيء عن مواصلة السفر ، حتى يصل إلى أرضه ووطنه .

يقول الإمام داود الطائي رحمه الله : " إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة ، حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل ؛ فإن انقطاع السفر عما قريب ، والأمر أعجل من ذلك ، فتزود لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك " .

وهكذا يكون المؤمن ، مقبلا على ربه بالطاعات ، صارفا جهده ووقته وفكره في رضا الله سبحانه وتعالى ، لا تشغله دنياه عن آخرته ، قد وطّن نفسه على الرحيل ، فاتخذ الدنيا مطيّة إلى الآخرة ، وأعد العدّة للقاء ربه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كانت الآخرة همه ، جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة ) رواه الترمذي .

ذلك هو المعنى الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصله إلى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ، فكان لهذا التوجيه النبوي أعظم الأثر في نفسه ، ويظهر ذلك جليا في سيرته رضي الله عنه ، فإنه ما كان ليطمئنّ إلى الدنيا أو يركن إليها ، بل إنه كان حريصا على اغتنام الأوقات ، كما نلمس ذلك في وصيّته الخالدة عندما قال رضي الله عنه : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك " .
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-06-2011, 03:34 AM   #59
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"
إِنَّ اللهَ لَيُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ جِيرَانِي, أَيْنَ جِيرَانِي?" قَالَ:
"
فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا! وَمَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ يُجَاوِرَكَ? فَيَقُولُ: أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ?".


أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده" ( 16 / 1 ) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 6 / 512 ).


وعمار المساجد هنا هم الذين يحافظون على الصلوات وذكر الله وطلب العلم فيها
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-06-2011, 12:33 AM   #60
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: في رحآب الحديث

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام يوما من الأيام في الناس فقال
" أيها الناس توشكوا أن تكونوا أجنادا مجندة جندا بالشام وجندا بالعراق وجندا باليمن
فقال ابن حوالة يا رسول الله إن أدركني ذلك الزمان فاختر لي فقال صلى الله عليه وسلم
إني اخترت لك الشام فإنه خيرة المسلمين وصفوته من بلاده يجتبي إليها صفوته من خلقه
فمن أتى فليلحق بيمنه وليستق من غدره فإن الله تعالى قد تكفل لي بالشام وأهله"
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:01 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. موقع و منتديات سدير 1432 هـ - 1435 هـ

جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه