رسائل جوال سيرة المصطفى

[بين السطور]

سار النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه حتى إذا كان بثنية المرار بركت راحلته
فقال الناس: حل حل فألحت
فقالوا: خلأت القصواء
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصواء وماذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل،
ثم قال والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت به.

نزل النبي صلى الله عليه وسلم بأقصى وادي الحديبية على حوض قليل الماء لم يكفي لحاجة الناس فشكوا العطش لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه في الحوض فتفجر الماء غزيرا ووفى بحاجتهم وزاد
وهذا من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ومن البركة التي كانت تجري على يديه.

[بين السطور]

جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أتيت كعب بن لؤي نزلوا أعدادا مياة الحديبية معهم العوذ المطافيل –الإبل صغيرة السن- وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنما جئنا معتمرين وإن قريشا أنهكتهم الحرب فإن شاءوا ماددتهم –أي صالحتهم- وإن شاءوا دخلوا فيما دخل فيه الناس –أي الإسلام –وإن هم أبوا إلا القتال لأقاتلنهم

رجع بديل إلى أهل مكة فقال إني جئتكم من عند هذا الرجل وسمعته يقول قولا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا في أن تحدثنا عنه بشي وقال أهل الراي فيهم هات ما سمعته فقال لهم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثت قريش مكرز بن حفص فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا رجل غدر فلما كلمة قال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما قال لبديل.

[بين السطور]

جاء رجل من قبل قريش رجل من كنانة يقال له الحليس بن علقمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أشرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها فبعثوها له واستقبله القوم يلبون فقال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ورجع إلى قريش فقال: ما ينبغي أن يصد هؤلاء عن البيت.

جاء عروة بنت مسعود الثقفي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما قال لبديل فقال يا محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك وإن تكن الأخرى فوالله إني لا أرى وجوها وإني أرى أوباشا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك –يعني بهذا الوصف الصحابة- فسبه أبوبكر الصديق رضي الله عنه.

[بين السطور]

قال عروة لأهل مكة أي قوم والله لقد وفدت على الملوك على قيصر وكسرى والنجاشي والله ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإن أمر ابتدروا أمره وإن توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا اصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.

[بين السطور]

أراد شباب مكة المتحمس أن يشعلوا نار الحرب ويفسدوا دعوات المصالحة فقرروا أن يخرجوا ليلا ويتسللوا إلى معسكر المسلمين فخرج سبعون منهم أو ثمانون وهبطوا من جبل التنعيم وحاولوا التسلل إلى معسكر المسلمين إلا أن قائد الحرس في الجيش الإسلامي محمد بن مسلمة رضي الله عنه ألقى عليهم القبض جميعا ثم أطلقهم النبي صلى الله عليه وسلم لاحقا رغبة في الصلح.

بعث النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أهل مكة ليؤكد لهم الهدف من مجيئه وأنهم يريدون العمرة لا القتال وكان النبي صلى الله عليه وسلم عرض أمر الذهاب إلى أهل مكة في هذا الصدد لعمر رضي الله عنه فقال يا رسول الله ليس لي بمكة من بني عدي من يغضب لي إذا أوذيت ولكن أرسل عثمان فإن عشيرته بها.

[بين السطور]

رحل عثمان رضي الله عنه قاصدا مكة فمر على جماعة من قريش بمكان يقال له (بلدح) فقالوا أين تريد فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا قالوا قد سمعت ما تقول فانفذ إلى حاجتك وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص –وهو من قرابته- فرحب به ثم أسرج فرسه فحمل عليه عثمان حتى جاء به مكة وبلغ الرسالة إلى زعماء قريش فلما فرغ عرضوا عليه أن يطوف بالبيت فرفض حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

احتبست قريش عثمان بن عفان رضي الله عنه ولعل ذلك كان لمزيد من التشاور في الأمر ثم يردوا على عثمان ولما طال الاحتباس أشاع الناس أن عثمان رضي الله عنه قد قتل فقال النببي صلى الله عليه وسلم لا نبرح حتى نناجز القوم ثم دعا أصحابه إلى البيعة فثاروا إليه يبايعونه على ألا يفروا وبايعته جماعة على الموت فرضي الله عنهم وأرضاهم ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين يقال له الجد بن قيس .

[بين السطور]

أخذ النبي صلى الله عليه وسلم هذه البيعة تحت شجرة وكان عمر رضي الله عنه آخذ بيده وكان معقل بن يسار رضي الله عنه يرفع غضن الشجرة عن راس النبي صلى الله عليه وسلم وقد أظهروا الحب والتفاني والإخلاص والتضحية وأنزل الله تعالى فيهم قوله: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة".

بعثت قريش سهيل بن عمرو ليعقد صلحا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكدت على بند من بنوده وهو أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم هذا العام ولا يدخل مكة معتمرا فيه وذلك لئلا تقول العرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دخل مكة على أهلها عنوة ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو قال: سهل أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل.

[بين السطور]

جاء سهيل بن عمرو فتكلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ثم اتفقا على بنود الصلح التي منها أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك العام دون أن يعتمر ويعود في العام القادم لأداء العمرة ويحل لهم أن يبقوا في مكة ثلاثة أيام وألا يحملوا معهم من السلاح إلا سلاح الراكب.

من بنود صلح الحديبية أن تضع الحرب أوزارها بين المسلمين وكفار مكة ثم أن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل فيه وتعتبر القبيلة التي تنضم لأي من الفريقين جزءا من ذلك الفريق وأي عدوان تتعرض له يعتبر تعديا على ذلك الفريق.

[بين السطور]

من بنود صلح الحديبية أن من أتى إلى المسلمين من قريش وانضم إليهم فعلى المسلمين رده ومن أتى من المسلمين إلى قريش فلا يجب على قريش رده إلى المسلمين وقد وجد بعض الصحابة الكرام في أنفسهم من هذا الصلح حيث رأوا أن فيه ظلم يقع عليهم ولكن الله تعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم أن عاقبة هذا الصلح ستكون خيرا.

دعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأجل أن يكتب بنود صلح الحديبية ليتم التوقيع عليها بينه وبين سهيل بن عمرو فأملى عليه "بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال سهيل أما الرحمن فوالله لا ندري ما هو؟ ولكن أكتب بسمك اللهم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب بسمك اللهم

[بين السطور]

أملى رسول الله صلى الله عليه وسلم على علي رضي الله عنه فقال: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال سهيل لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك ولكن أكتب محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله يعلم إني رسول الله وإن كذبتموني وأمر عليا أن يكتب محمد بن عبد الله فأبى علي أن يمحو لفظ رسول الله فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده.

لما تمت كتابة الصحيفة وأعلن الصلح دخلت خزاعة في حلف مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا حلفاء بني هاشم منذ عهد عبد المطلب وكان دخولهم في هذا الحلف تأكيد لذلك الحلف القديم أما بنو بكر فقد دخلوا في حلف مع قريش.

[بين السطور]

بينما كان علي رضي الله عنه يكتب كتاب الصلح جاء ابو جندل رضي الله عنه وهو ابن سهيل الذي أبرم مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلح وكان مقيدا حتى لا يلحق بالمسلمين فخرج بقيوده من أسفل مكة ورمى بنفسه بين ظهراني المسلمين فقال سهيل للنبي صلى الله عليه وسلم هذا أول ما أقاضيك عليه على أن ترده فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنا لم نقض الكتاب بعد فقال سهيل إذا لا اقاضيك علي شيء أبدا.

أخذ سهيل يضرب ابنه أبا جندل في وجهه ويأخذ بتلابيبه فقال له النبي أجزه لي قال: ما أنا مجيزه لك قال بلى فافعل قال: ما أنا بفاعل وصرخ أبو جندل بأعلى صوته يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا جندل أصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله فلا نغدر بهم.

[بين السطور]

كان موقفا مؤثرا موقف أبي جندل وهو يصرح في وسط المسلمين ولا يستطيع أحد منهم نصرته فقام إليه عمر رضي الله عنه فقال له: يا أبا جندل أصبر فإنما هم المشركون وإنما دم الواحد منهم دم كلب ويقرب السيف منه رجاء أن يضرب عنق ابيه ولكنه لم يفعل وأرجع أبو جندل إلى مكة.

لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من كتابة الصلح قال لأصحابه قوموا فانحروا، فما قام منهم أحد فقال ثلاثا قوموا فانحروا فلم يقم منهم أحد فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة رضي الله عنها وذكر لها ما لا قاه من الناس فقالت يا رسول الله أتحب ذلك؟ أخرج ثم لا تكلم أحدا حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك.

[بين السطور]

خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عند أم سلمة وقد عزم على الأخذ بمشورتها فلم يكلم أحدا ونحر بدنه وأمر الحلاق أن يحلق له شعره فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا ونحر النبي صلى الله عليه وسلم جملا كان لأبي جهل ليغيظ المشركين ودعا النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة واحدة.

جاء نسوة مؤمنات فسأل أولياؤهن أن يردوهن عليهم بالعهد الذي تم في الحديبية فرفض النبي صلى الله عليه وسلم واستدل بنص العهد الذي جاء فيه: "وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته علينا"، فلم تدخل النساء في العهد وأنزل الله تعالى في ذلك قوله: "يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار" الآيات من سورة الممتحنة.

[بين السطور]

من ثمرات صلح الحديبية اعتراف قريش ولأول مرة بالإسلام كقوة لها وجودها في الساحة كما أكدت هذه المعاهدة أن الحرب الدامية التي خاضها المسلمون ضد خصومهم في المنطقة لم يكن الهدف منها مصادرة أموال الناس وإزهاق أرواحهم بل كانت من أجل الحرية الكاملة لتبليغ رسالة الإسلام.

حزن المسلمون حزنا شديدا عندما تم إبرام هذا الصلح وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنهم سيطوفون بالبيت ثم ها هو يرجع ولم يطف به كما أن بعض بنود هذا الإتفاق لم تعجب الصحابة الكرام الذين كانوا برفقة النبي صلى الله عليه وسلم مما جعل الجو السائد عندهم جو الكآبة والحزن.

[بين السطور]

جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى قال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال بلى قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم فقال : يا عمر إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ولن يضيعني أبدا فقال: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال لا قال: فإنك آتيه ومطوف به.

انطلق عمر رضي الله عنه مغطاظا حتى أتى إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال له كما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورد عليه أبو بكر كما رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد: فاستمسك بغرزه حتى تموت فوالله إنه لعلى الحق فنزل قول الله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم على عمر فقال عمر: يا رسول الله أفتح هو؟ قال نعم فطابت نفسه.