العودة   منتديات سدير > ¨° المنتدى الترفيهي °¨ > ¨° التراث والسياحة °¨

¨° التراث والسياحة °¨ نوادر- أدوات قديمة - قصص وقصائد من التراث - تبادل الخبرات و التجارب في مواقع وأزمنه و وسائل و طرق الرحلات البرية و الصيد ، والسفر والسياحة .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-12-2010, 02:33 PM   #1
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

  المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيصل المرشد مشاهدة المشاركة  

ياسد ,, تعيشنا في تاريخ قصصه ممتعة
شكراً
**
اما هذي "
قصة المهادي"
و جعت قلبي الله يجزاك
خير

 
شرفني مرورك يالغالي

أشكر لك تواجدك ...
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-12-2010, 08:39 AM   #2
قلم مميز
 
الصورة الرمزية قلم صريح
 
تم شكره :  شكر 37306 فى 6792 موضوع
قلم صريح نسبة التقييم للعضوقلم صريح نسبة التقييم للعضوقلم صريح نسبة التقييم للعضوقلم صريح نسبة التقييم للعضوقلم صريح نسبة التقييم للعضوقلم صريح نسبة التقييم للعضوقلم صريح نسبة التقييم للعضوقلم صريح نسبة التقييم للعضوقلم صريح نسبة التقييم للعضوقلم صريح نسبة التقييم للعضوقلم صريح نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

هذي هي ياسد
تاريخ منسي و انت تحييه عندنا
و الاخراج اكثر من رائع و متعوب عليه
شكراً

قلم صريح غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-01-2011, 09:31 PM   #3
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية رحيق الياسمين
 
تم شكره :  شكر 23306 فى 5888 موضوع
رحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضورحيق الياسمين نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

ذكاء المحامي ودهاء القاضي
عندما كادت هيئة المحكمة أن تنطق بحكم الإعدام على قاتل زوجته
والتي لم يتم العثور على جثتها رغم توافر كل الأدلة التي تدين الزوج..
وقف محامى الدفاع يتعلق بأى قشة لينقذ موكله.. ثم قال للقاضي: ليصدر
حكماً بالإعدام على قاتل.. لابد من أن تتوافر لهيئة المحكمة يقين لا يقبل
الشك بأن المتهم قد قتل الضحية.. والآن.. سيدخل من باب المحكمة.. دليل
قوي على براءة موكلي وعلى أن زوجته حية ترزق!!.. وفتح باب المحكمة
واتجهت أنظار كل من في القاعة إلى الباب.. وبعد لحظات من الصمت والترقب..
لم يدخل أحد من الباب.. وهنا قال المحامى..الكل كان ينتظر دخول القتيلة!! وهذا يؤكد
أنه ليس لديكم قناعة مائة بالمائة بأن موكلي قتل زوجته!!!
وهنا هاجت القاعة إعجاباً بذكاء المحامى.. و تداول القضاة الموقف..
و جاء الحكم المفاجأة..
حكم بالإعدام لتوافر يقين لا يقبل الشك بأن الرجل قتل زوجته!!!
و بعد الحكم تساءل الناس كيف يصدر مثل هذا الحكم.. فرد القاضي ببساطة..
عندما أوحى المحامى لنا جميعاً بأن الزوجة لم تقتل ومازالت حية.. توجهت
أنظارنا جميعاً إلى الباب منتظرين دخولها إلا شخصاً واحداً في القاعة!!!
انه الزوج المتهم!!! لأنه يعلم جيداً أن زوجته قتلت..
وأن الموتى لا يسيرون

التوقيع
رحيق الياسمين غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-01-2011, 10:56 PM   #4
عضو مميز
 
الصورة الرمزية بارق الشمال
 
تم شكره :  شكر 782 فى 447 موضوع
بارق الشمال has much to be proud ofبارق الشمال has much to be proud ofبارق الشمال has much to be proud ofبارق الشمال has much to be proud ofبارق الشمال has much to be proud ofبارق الشمال has much to be proud ofبارق الشمال has much to be proud ofبارق الشمال has much to be proud ofبارق الشمال has much to be proud ofبارق الشمال has much to be proud ofبارق الشمال has much to be proud of

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

بارك الله في جهودك أخي أسد نجد

لنقل هذه القصص

فائق التحية

التوقيع
,
,

( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ) سورة الأنعام الآية : 104
اللهم اجعلنا ممن عَلِمنا فعَمِلنا وبَلَّغنا :

هذه الأحكام شرعية أضعها لكم لأهميتها وإبراءً للذمة فأنصحك أخي / أختي في الله قراءتها وتطبيقها طاعةً لأوامر الله عز و جلَّ .



جزى الله الأخ فارس القصيم خير الجزاء على نقل الفتاوى ..
,

,
يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك,
بارق الشمال غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 13-01-2011, 10:52 PM   #5
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

  المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بارق الشمال مشاهدة المشاركة  

بارك الله في جهودك أخي أسد نجد

لنقل هذه القصص

فائق التحية

 

وبارك الله فيك أخي الكريم

أشكر لك تشريفك العطر
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 13-01-2011, 11:36 PM   #6
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

قصة أسر الشيخ جديع




هذه من القصص المشهورة والتي وردت بعدة روايات نأخذ منها العبرة
وما كان يجري في البادية من علوم وسلوم .. إلى جانب التنويع في طرح هذه القصص .


كان الشيخ الفارس جديع بن هذال في نجد (قبل نزوحه وقبيلته للعراق) ومعه إثنين من الرجال يسيرون على خيولهم

ولكنهم ابتعدوا وحلوا في فيضة واسعة فريّحوا فيها وناموا ..





وإذا بشيخ أحد القبائل وجماعته يحيطون بهم ويأسرونه ومن معه ..
وقام وجماعته يتشاورون فيما يعملونه بهم عندما عرفوا أن الأسير هو الفارس المعروف جديع ..
فقال أخوه وكان صغير السن : الرأي إمّا خزيزة وإما عايدة
(وهذا كضرب مثل بأن لديه رأيين )


وكان رأيه إما أن تطلقوه مناّ بلا فداء فتكون لكم عنده يد لا تضيع
وإما أن تقتلوه وترتاحوا منه ..
فلم يقبلوا برأيه .. ورأوا أن يطلبوا فداءه بإبل وخيل ..
سألهم جديع عندما عادوا إليه عما يريدونه منه ومن رفيقيه ..



فقالوا : نطلب الفداء
فقال جديع : أرسلوا رفيقي إلى قومي يحضر لكم ما تطلبونه ..
فأطلقوا خويه وأبعدوه عنه حتى لا يوصيه بشيء
فصاح جديع بأعلى صوته مخاطبا خويه : لا تنسى طلبهم أبل وخيل كثيرة
فقال خويه نعم
وأضاف جديع قلهم لا يتركوني ولا يطيعون راعي الغنم
وأخبرهم أن عند هدلان دواء رأسي وخلهم يجيبون الدواء منه .


وصل خويه بالرسالة وسرعان ما قام جماعته بتجميع المطلوب وأرسلوا لهدلان ليحضر الدواء المطلوب ..

فحضر هدلان العبادي وأجتمع بكبار القوم وقال لهم أنا لست طبيبا أعالج الناس

ولكن أذكر أن جديع استشارني وأشرت عليه برأي سديد ..

وهو الآن أكيد يبي مني استشارة ..

فردوا عليه طيب وإيش اللي تشوفه أنت ؟
فقال : إن جديع يأمركم بترك راعي الغنم ومعناه أن تتركوا الماشية وتسرعوا لتغتنموا شيخ القوم وجماعته فلا بد وأن معهم غنائم كثيرة ..
فأخذوا برأيه وساروا يم جديع ومعهم هدلان ..
فلما اقتربوا قال هدلان عندي لكم رأي آخر .. أريد خيلا تسري وراء القوم
فإذا ما إنهزموا بجديع فيقومون بردهم لأن هدفنا الأساسي جديع ..
ففعلوا ذلك .


وفي الليل أحست فرس الشيخ جديع بقدوم الخيل وكان اسمها الشُنين فأخذت
تضرب الأرض بيديها .. فقال جديع لخويه عربنا على ظني الليله ياصلون ..




أحس وسمع ذلك أخو شيخ القوم وقال لجماعته لقد نصحت لكم قبلا والآن قوم جديع بالقرب منكم وربما يباغتوكم بعد قليل ..

وأرى أن يؤخذ جديع وأغلى ما عندنا من الإبل ويسرا بهم الآن ..
وإذا صّبحنا قوم جديع ولم يجدوه فلن يفعلوا شيئا لأنهم إنما أتوا لتخليصه ..

فقبلوا رأيه وانطلقوا بجديع وكرام الإبل ..
إلا أن الخيل التي اقترحها هدلان قامت بردهم وتخليص جديع منهم ..


وهكذا تم فك أسر الشيخ جديع بتفكير سليم وتخطيط متقن .


هذا وفي إحدى المرات حدث خلاف بين جماعة جديع وجماعة هدلان
فقال شاعر من جماعة هدلان يذكرهم بوقفتهم معهم في إنقاذ جديع :


يا ناقلين العـــــلم ودوه هزاع
................... والشيخ أخو بتلا تعمه ملامه
نسيت يوم جديع يشبك وينباع
................... ويقاد قواد السلف في خـزامه
حنا لفيناكم عــلى كل مطواع
.................... واللي فزعنا له كربنا حزامه
ترى السلف بين المخاليق بالصاع
................... ولا أريد لك نفع يوم القـــيامه



( إما خزيزة وإما عيادة )
فهي تعني رأيين إما الأخذ بالأول أو الثاني
وأساس معنى الخزيزة هي أطيب الإبل التي ينتقيها زعيم القوم من الغنيمة والعايدة التي تليها بمعنى أن الرأي الأول هو المهم)

أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 18-01-2011, 10:30 AM   #7
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

البندري والوضيحي ومجول




كان مجول أسيرا بعد حرب بين عنزة وشمر ومقيدا في بيت الشيخ مطلق الجرباء شيخ شمر ووالد البندري ..

لم يكن موجودا في الدار تلك الساعة سوى البندري والوضيحي ابن عم الجرباء والأسير مجول ..

أخذ الوضيحي الربابة وغنى عليها :

يا ليتني ندَّاف قــطـــنٍ وأبيعــه
............... متحضرٍ ما فاتني سوق راوا
أشوف حور العين ترد الشريعه
............... يســبن مال البزقان الغــــناوا
راعي الكريشه ريف قلبي ربيعه
............... عـــليه بيبان الضــماير تهاوا


فانتهز مجول الفرصة وطلب من الوضيحي أن يعطيه الربابة
وغنى عليها :


تسعين خيبة للوضيحي نفيعه
............... مع مثلهن يتجر بهن سوق راوا
ثلث يبسط به وثلث يبيعــــــه
............... والثلث الآخر فوق رأسه غطاوا
مداح بنت مكبرين الوشيعــه
............... خطار أهلها في المشــاتي مقاوا
ما قالها في البندري الرفيعـه
............... بنت الـــذي ذباح كـــومٍ عـــداوا
إيلا ظهر ضيق علينا الوسيعـة
............... جرحه صطا بقلوبنا ما تشـــاوا
كم روضة خضرا حرمنا ربيعه
............... مشبعٍ ذيابٍ جايعــــات تعــــاوا


وما كاد أن ينتهي من هذه الأبيات حتى قفزت البندري إليه وحلت القيود من رجليه ..
وألبسته من لباس أبيها مطلق الجرباء وهو لباس ثمين ..

وأجلسته في أعز مكان في المجلس وقدموا له الفنجال ..

جاء مطلق الجرباء ووجد أسيره على تلك الحال فدهش وسأل عن السبب فأخبرته البندري بأبيات الشعر التي قالها ..

فقال لا تكون البندري أكرم منا فقام بإرساله إلى قومه معززا ومكرما .. وقد كان بإمكانه أن يأخذ فدية كبيرة لإطلاق سراحه ..
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-09-2011, 02:39 AM   #8
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي


الزول زوله والحلايـا حلايـاه = والفعل ماهو فعل وافي الخصايل




هذا البيت أشهر من نار على علم وتردد كثيرا على ألسنة الناس في كثير من المناسبات المختلفة وهو نتاج قصة حقيقية حدثت في الزمن القديم فهذا البيت لزوجة الشيخ وديد بن عروج شيخ قبيلة بني لام التي كان موطنها العارض في وسط نجد وقد كانت قبيلة كثيرة العدد تفرعت منها عدة قبائل معروفة الآن في جزيرة العرب ومنها من نزح إلى العراق.

أما قصة البيت المذكور أعلاه فهي أن الشيخ وديد بن عروج قد أشتهر بالمغازي الكثيرة وكان لديه ذلولا أصيلة ولكنها دائما ضعيفة وهزيلة الحال لكثرة غزواته عليها ولم يبن الشحم على جسمها بسبب ذلك ، وبعد موته تقدم أخوه (لزّام) للزواج من أرملة أخيه لحفظ الأبناء وتربيتهم ، وتم الأمر إلا أن الفرق بين الرجلين كان كبيرا جدا في نظر الزوجة ، فلزّام لم يظهر له فعل كأخيه وديد وأكتفى في حياة أخيه بالمكوث في البيت وقضاء لوازمهم إذا ما غاب أخيه للغزو .

وقد زاد حزن الزوجة عندما رأت الذلول الهزيل وقد تغيرت أوصافها وتبدل حالها فمن بعد الهزال ركب الشحم عليها وفي احدى المرات عاد الراعي بالإبل فإذا بالذلول (تهدر) وكأنها جمل ،





فتذكرت زوجها السابق الشيخ وديد وغزواته ومحاسنه التي تفتخر بها كأي أمرأة بدوية تحب الرجل الفارس الشجاع ، وقارنت بين حياتها تلك وبين حياتها الحالية مع أخيه لزّام فقالت :

يالله يا عايد علـى كـل مضمـاه=يا مخضر الأرض الهشيم المحايـل
أنت الكريم ورحمتك مـا نسيناه=تروف باللـي دوم عينه تخايـل
تلطف بمن كن عينه مـداواه=اللـي بقلبه حاميات المـلايـل
ألوج مثل أيوب مـن عظـم بـلواه=واسهر إلى ما يصبح النجـم زايـل
على حبيـبٍ كـل ماقلـت أبنسـاه=لذكره تفطني مـن الهجـن حايـل
ليا نسيتـه ذكرتنـي بطـريـاه=شيبا ظهر من عاصيـات الجلايـل
يلتاع قلبي كل مـا أذكـر سوايـاه=كمـا يلـوع الطيـر شبك الحبايـل
لا واحبيبي سبع سنيـن فرقـاه=عليه أنـا قضيّـت كـل الجدايـل
لا واحبيبي يتلف الهجـن ممشـاه=ليا بغـى لـه نيـةٍ مـا يسايـل
لا واحبيبي يسقي الربع مـن مـاه=دليلهـن لا ضيّـعـوه الـدلايـل
لا واحبيبي يرعب الهجـن بغنـاه=من كثر ما يوحيـه ليـل وقوايـل
لا واحبيبـي كـل قـومٍ تنصـاه=تلقـى ربوعـه طيبيـن القبـايـل
لا واحبيبي تدفـق السمـن يمنـاه=ياما ذبح من بيـن كبـشٍ وحايـل
لا واحبيبـي وافيـاتٍ سجـايـاه=عليه غضـات الصبايـا غلايـل
لا واحبيبـي دوم للعفـن متـقـاه=يـامـا كلنـه مدمجـات الفتايـل
لا واحبيـبـي بـيـن ذولا وذولاه=خلـي بوجـه معدليـن الدبـايـل
لا واحبيبي طـاح يـوم الملاقـاه=بنحور غلبا فـوق غـب السلايـل
لا واحبيبي طيـر شلـوى تعشـاه=قطاعة المهجـة سناعيـس حايـل
يا عارفين وديد يا طـول هجـراه=يا ليتني بوديـد مـا أبغـى بدايـل
أخذت أخوه أبي العوض ذاك من ذاه=والبيت واحد مـن كبـار الحمايـل
عنـدي مثيلـه واحـدٍ كنـه إيـاه=عليه من توصيـف خلـي مثايـل
الـزول زولـه والحلايـا حلايـاه=والفعل ماهو فعل وافي الخصايـل


كما قالت أيضا في تلك المقارنة عدة قصائد منها هذه القصيدة القوية التي قالت فيها :

يافاطري ياما جرالك من العنـا=مع دربك العيرات نشّت لحومهـا
غدا عنك نواس العدا مرذي النضا=يجرها مع ما نبا مـن حزومهـا
غدا عنك وأرث في مكانه ازلابه=تروعه الظلمـا بتالـي نجومهـا
ياما حويتي جل ذودٍ مـن العـدا=أضحى عليها الغزو يفرق سهومها
وياما يثور عند عينك من الدخن=معاركٍ تدنـي لـلأرواح يومهـا
عليك مقدم لابـةٍ شـاع ذكـره=حامي تواليهـا مقـدي يمومهـا


ولسوء حظ الزوجة فقد سمعها زوجها لزّام وأضمر الشر في نفسه لكنه لم يشأ أن يعاقبها إلا بعد أن يجعلها ترى فعله وشجاعته
وبالفعل قام باعلان المغزى




وطالت غزواته حتى أن رفاقه سئموا من طول المدة وكان كلما كسب شيئا أرسله إلى قومه وهو ماضٍ في غزواته وقد أنشد هذه القصيدة :

أنا ابن عروج وهاذي سواتـي=موصل سمان الهجن شنٍ ما يجنه
خمسين يومٍ والنضـا مقفياتـي=مع مثلهن وهن علـى وجههنـه
نمشي النهار وليلنا مـا نباتـي=كم ذود مصلاحٍ امنيـسٍ خذنـه
من ظن فينا الطيب شافه ثباتـي=واللي هقى فينا الردى ضاع ظنه
كم من صبيٍ عشقةٍ للبناتـي=عقب التعجرف بدّل الضحك ونه
استاخذ المذهول عاف الحياتـي=هو ما درى إن الهجن بيوصلنـه
من فوق هجنٍ من فحلهن خواتـي=غيب الصبايا الخافية يظهرنـه

ولما رجع من غزواته كانت ذلوله بالكاد تمشي وفي حالة يرثى لها من شدة الاعياء والهزال ويقال أنها بركت قبل أن تصل إلى البيت ، فأمر زوجته أن تذهب لإحضارها وكان يمشي خلفها يريد الفتك بها لما قالته سابقا من قصائد تمس كرامته وهي لم تكن تعلم بأنه يمشي خلفها ، فلما رأت الذلول على تلك الحال قالت هذه القصيدة التي كانت سبباً في نجاتها من خطر لم تكن تعلم عنه :


يا بكرتي وش علـم حالـك ضعيفـي=أشـوف حيلـك وانـيٍ عقـب الأردام
عقب الفسـق ومهـادرك بالمصيفـي=ومصـاول القعـدان مرباعـك العـام
عقـب الاباهـر والسنـام المنيـفـي=صرتي كما المفرود مـن فعـل لـزّام
قطـع عليـك ديـار قـومٍ تخيـفـي=تسعين ليله راكـب الهجـن مـا نـام
أقفى عليـك مـن الحساء للقطيفـي=لحوران والحـرة إلـى نقـرة الشـام
وتدمـر وصلهـا وخمّهـا مستخيفـي=واشبيـح والضاحـك وقديـم الأقـدام
وأخـذ عليـك اذواد جـوٍ مريـفـي=وضحك كما برق الحبـاري بالأكـوام
يزفهـا يـقـداه مشـيـه هريـفـي=واقفى عليهـن متلـف الهجـن لا قـام
وعادوا على العارض ركيـبٍ يهيفـي=يتلون ابـن عـروج مقـدم بنـي لام
زهابهـم حـب القـرايـا النظيـفـي=وسلاحهـم صنـع الفرنجـي والأروام
ياما انقطع مع ساقتـه مـن عسيفـي=ومن فاطرٍ مشيه عـن الجيـش قـدام
عقـب الشحـم وملافخـه للرديـفـي=قامت تسندر مثـل مبخـوص الأقـدام
تـوي هنيـت وطـاب بالـي وكيفـي=من عقب ضيمي صرت في خير وأنعام

وهكذا أثبت لزّام أنه لا يقل عن أخيه شجاعة وفروسية وثبت للزوجة أن الخلف كالسلف


--------
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-02-2011, 09:34 PM   #9
لا إله إلا الله
 
الصورة الرمزية حُلُمٌ مُبَعْثَرْ
 
تم شكره :  شكر 30608 فى 8159 موضوع
حُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

الله يعافيك
.
قصص رآئع ـه
.
تستح ـق التقييم
.
مشكؤر

التوقيع
أستغفر الله.
حُلُمٌ مُبَعْثَرْ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-02-2011, 09:35 PM   #10
لا إله إلا الله
 
الصورة الرمزية حُلُمٌ مُبَعْثَرْ
 
تم شكره :  شكر 30608 فى 8159 موضوع
حُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضوحُلُمٌ مُبَعْثَرْ نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

الله يعافيك
.
قصص رآئع ـه
.
تستح ـق التقييم
.
مشكؤر

التوقيع
أستغفر الله.
حُلُمٌ مُبَعْثَرْ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 18-02-2011, 01:02 AM   #11
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

  المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وبشر الصابرين مشاهدة المشاركة  

الله يعافيك .
قصص رآئع ـة.
تستح ـق التقييم
.
مشكور

 

أشكر لك تشريفك أيتها الكريمة

وأشكر لك لطف إطرائك

أسعدك الرحمن

أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-03-2011, 08:49 AM   #12
مراقبة سابقة
 
الصورة الرمزية حنين الذكرى
 
تم شكره :  شكر 38830 فى 6318 موضوع
حنين الذكرى نسبة التقييم للعضوحنين الذكرى نسبة التقييم للعضوحنين الذكرى نسبة التقييم للعضوحنين الذكرى نسبة التقييم للعضوحنين الذكرى نسبة التقييم للعضوحنين الذكرى نسبة التقييم للعضوحنين الذكرى نسبة التقييم للعضوحنين الذكرى نسبة التقييم للعضوحنين الذكرى نسبة التقييم للعضوحنين الذكرى نسبة التقييم للعضوحنين الذكرى نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بوركت جهودك أخي الفاضل
ونفع بك ووفقك الله لما فيه الخير
دمت بحفظ الرحمن
التوقيع

كُلَّمآ هَمَمْتُ بِبَوْحِ حُزْنِيْ
أَخْجَلْنِيْ قَوْلِهِ تَعَآلَى :(وَبَشِّرِ اْلْصَآبِرِيْنْ)

إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
استودعتكم الله الذي لاتضيع ودائعه
حللوني وسامحوني
حنين الذكرى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-03-2011, 05:23 PM   #13
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

  المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنين الذكرى مشاهدة المشاركة  

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بوركت جهودك أخي الفاضل
ونفع بك ووفقك الله لما فيه الخير
دمت بحفظ الرحمن

 
جزاك الله خير أيتها الفاضلة

أشكر لك تشريفك

دمت بخير
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29-03-2011, 05:20 PM   #14
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

شعراء قتلهم شعرهم




شعر الهجاء والغزل والتشبيب بالنساء
قتل عدداً من شعراء الجاهلية والإسلام


• أبو الطيب المتنبي هجا امرأة؛ فقتله أخوها.
• بشار بن برد هجا المهدي؛ فأمر بضربه بالسوط حتى مات.
• قصيدة أبي نُخَيلة أضاعت ولاية العهد من عيسى بن موسى، وعقدتها للمهدي؛ فقُتل الشاعر بسببها!.
• وَضَّاح اليمن تَغَزَّل بقصائده في أم البنين، زوجة الوليد بن عبد الملك؛ فقتله.
• طَرَفَة بن العبد هجا عمرَو بن هند، ملك الحيرة؛ فأمر بقتله.
• • • •
الشعر صورة من صور البيان والبلاغة، وفن محبب الى النفوس، والشعر العربي سِجل حافل بأحوال العرب الاجتماعية والسياسية عبر العصور، وتصوير شامل لما كان عليه المجتمع في العهود السابقة، ولقد كان الشعر -في الماضي- الوسيلة الإعلامية الأولى التي تؤثِّر في الناس، وكان الحكام والسلاطين يستثمرون الشعراء في مدحهم وتحسين صورتهم، والدفاع عن مواقفهم وسياساتهم، وكانت تقام الأسواق والمنتديات التي يجتمع فيها الشعراء، ويتبارون في تقديم ما لديهم من قصائد وأشعار، مثل سوق عكاظ في الجاهلية، الذي بلغت شهرته الآفاق.

غير أن هناك من الشعراء من شذَّ عن الطريق، وأمعن في هجاء بعض الأفراد، سواء كانوا أشخاصاً عاديين، أو أمراء، أو سلاطين، وقام بمناصرة فرق وتيارات معادية لبعض الخلفاء وأصحاب النفوذ؛ حتى قاده شعره ولسانه الى الموت؛ فصار صريعاً لشعره، وقتله لسانه!!

وهذا الكتاب الذي صدر بالقاهرة للباحث سمير مصطفى فراج، تحت عنوان "شعراء قتلهم شعرهم" يلقي الضوء على عدد من هؤلاء الشعراء الذين سلكوا هذا السبيل الشائك، ولقوا حتفهم ضحية شعرهم.

والكتاب يقدم نماذج لفطاحل الشعراء في الجاهلية والإسلام؛ من أمثال المتنبي، وطرفة بن العبد، وبشار بن برد، ووضَّاح اليمن، وعبيد بن الأبرص، وكعب الأشقري.

ويتضح من سطور هذا الكتاب أن هناك عوامل مشتركة من أغراض الشعر ساهمت في مصرع هؤلاء الشعراء؛ أوَّلها الهجاء والمخاصمة، وثانيها الغزل والتشبيب بالنساء، وثالثها الفخر.

فالشعراء الذين قتلهم شعرهم: إما هجَّاءٌ أمعن في مخاصمة بعض الولاة أو الحكام أو الشعراء، وانطلق في النيل من شرفه والتشهير به وإظهار نقائصه، وإمَّا عاشق أمعن في التغزل بالنساء والتشبيب بهم؛ حتى جاء حتفه على يد ولي المرأة أو أخيها أو زوجها أو ابنها. وهذا ما سوف يتضح من عرضنا للنماذج التي شملها هذا الكتاب.

• الغزل ونهاية شاعرين:
وأول النماذج التي يقدمها الكتاب هو الشاعر "هُدْبة بن خَشْرَم"، من بني عامر، من بادية الحجاز، وكان شاعراً متقدماً فصيحاً، وراوية للحطيئة، وقد بدأ الشعر يرسم نهايته، هو وشاعر آخر من شعراء عصره، وهو "زياد بن زيد"، وهما من شعراء العهد الأموي، حيث كانا مع رَهْط من قومهم قاصدين الحج، وكان مع هدبة أخته فاطمة، فتغزل بها زياد قائلاً:
عُوجِي عَلَيْنَا وارْبَعِي يا فَاطِمَا ما دُونَ أنْ يرَى البْعيرُ قَائِماً
أَلا تَرَيْنَ الدَّمْعَ مِني ساجِمَا حِذارَ دارٍ مِنْكِ لَنْ تُلائِمَا
فَعَرَّجَتْ مُطَّرِداً عُراهِما فَعْماً يَبُذُّ القطفَ الرَّوَاسِما

وأطال زياد في قصيدته، فغضب هدبة، ورد عليه بأن تغزل في أخته، وكانت تسمى أم حازم، فقال:
لَقَد أُرَانَي وَالغُلامَ الحازِمَا نُزْجِي الْمطيَّ ضُمراً سَوَاهِما
متى تَظُنُّ القُلَّصُ الرَّوَاسِما والجّلة النَّاجِية الْعَياهِمَا
يَبْلُغْنَ أمَّ حَازِمٍ وَحَازِمَا إذَا هَبْطنَ مُستَحيراً قَاتِما

فسبه زياد، ورد عليه هدبة، وطال بينهما ذلك؛ حتى صاح بهما القوم، فسكتا، كل منهما على ما في نفسه، ولكن هدبة كان أشد حنَقاً على زياد، ورأى أنه قد غلبه وضامه، فقد تغزل في أخته فاطمة، وهي حاضرة سامعة، بينما تغزل هدبة في أم حازم، وهي غائبة لا تسمع غزله فيها.

ومن هذا اليوم صارت عداوة بين هدبة وزياد، ظهرت بوادرها في المعارضات الشعرية بينهما، ولم يشف هدبة ما قاله من الشعر، وتحيَّن الفرصةَ لقتل زياد حتى قتله، فأمسك سعيد بن العاص والي المدينة به، وأرسله إلى معاوية بن أبي سفيان، فأقر أمامه بقل زياد، وحبس بالمدينة ثلاث سنوات، حتى يبلغ "المِسْوَر" ولد زياد الحلم، ويخير بين أخذ الدية أو القصاص.

وبعد أن بلغ الغلام أراد سعيد بن العاص بذل محاولة أخيرة مع عبد الرحمن أخي زياد بأن يقبل دية أخيه ويعفو عن هدبة، ولكن عبد الرحمن أصر على قتله، وقال للوالي: إنه قال بيتاً من الشعر؛ لو لم يقله لقبلت الدية، أو صفحت بغير دية! والله، لو أردت شيئاً من ذلك؛ لمنعني قوله:
لَنَجْدَعَنَّ بأيدينا أنوفَكم ويذهَب القَتلُ فيما بينَنَا هَدْراً


فدفع الوالي بهدبه ليقتل، فبدت في عينه حسرة، وما ندم بشر على قول؛ كما ندم هدبة على قوله هذا البيت الذي قاده إلى الموت! والتفت هدبة الى قوم زياد وهو مقيد بالحديد قائلاً:
فإِن تَقْتُلُوني في الحَدِيدِ فإِنَّني قَتَلْتُ أَخاكُمْ مُطْلَقاً لم يُقيَّد

فقال عبد الرحمن: والله لا نقتله إلا مطلقاً من وثاقه، ثم قال:
قَدْ عَلِمَتْ نفسي وأنتَ تَعلَمُهْ لأَقْتُلَنَّ اليومَ مَنْ لا أَرْحَمُهْ

ودفع السيف الى "المسور بن زياد" فضرب هدبة ضربتين مات فيهما.

كعب الأشقري:
وينتقل المؤلف الى نموذج أخر من الشعراء الذين قتلهم شعرهم، وهو كعب الأشقري من قبيلة الأزد، وكان خطيباً وشاعراً، من أصحاب المهلب بن أبي صفرة، وقد مدحه، ومدح أبناءه، ورافقهم في حروبهم مع الأزارقة، وقد أوفده المهلب الى الحجاج مبشراً بانتصاره على الأزارقة، فأنشده من مدائحه فيهم قوله:
لولا المهلَّبُ ما زُرْنا بلادَهم ما دامتِ الأرضُ فيها الماءُ والشجرُ
وما من الناسِ من حيِّ علمْتُهُمُ إلاَّ يُرَى فيهمُ من سيبِكمْ أثرُ
فَما يجاوِزُ بابَ الجسرِ من أحدٍ! قد عضتِ الحربُ أهلَ الجسرِ فانجحروا!

فضحك الحجاج، وقال إنك لمنصف يا كعب، المهلب كان أعلم بك حيث بعثك.

واستمر ولاء كعب للمهلب وأبنائه من بعده، وكانوا لا يسمحون للشعراء بهجائه، ولما عزل يزيد بن المهلب عن خرسان ووليها قتيبة بن مسلم؛ مدحه كعب ونال من يزيد، وثلبه وهجاه، ولما بلغه أن يزيد قد وليها مرة أخرى؛ هرب الى عُمانَ، وأقام بها مدة، ثم كرهها، فكتب إلى يزيد بن المهلب معتذراً، ولكن يزيد لم يسامحه، ولم يصْفُ له، وداهنَه حتى رجع خرسان، وتخير له قاتلاً من قرابته؛ هو ابن أخيه الذي كانت بينهما عداوة وتباعد، وهجاه كعب بقوله:
إنَّ السَّوَادَ الذي سَرْبَلْتَ تعرِفُهُ ميراثُ جدِّكَ عن آبائِه النُّوبِ
أشبهتَ خالَكَ خالَ اللؤمِ مؤتسياً بهديه سالكاً في شرِّ أسلوبِ

وهكذا أغرى يزيد بن المهلب هذا الفتى بالمال؛ فقتل عمه الذي هجاه بلسانه.

عبيد بن الأبرص:
ويتعرض الكتاب لواحد من فحول الشعراء في الجاهلية، وهو عبيد بن الأبرص من بني أسد، وقد عاصر امرأ القيس، وكانت له جولة معه، بعد أن رفض امرؤ القيس ما عرضه بنو أسد؛ من دية لقتل أبيه أو تقديم شريف من أشرافهم مقيَّداً ليُقتل بدم حجر؛ فكتب عبيد قصيدة فخرا لقومه، وهجاء لقيس وقومه، ومما جاء فيها:
ياذاَ المُخَوَّفُنَا بقَتْـ ـلِ أَبيهِ إِذْلالاً وحَينَا
أَزَعَمْتَ أَنَّكَ قد قَتَلْـ ـتَ سَرَاتَنا كَذِباً ومَينَا؟
هَلاَّ على حُجْر بْنِ أُ مِّ قَطَامِ تَبْكى لا عَلَيْنَا!
إِنَّا إِذَا عضَّ الثّقا فُ بِرَأَسِ صَعْدَتنَا لَوَيْنَا
نَحْمِى حَقِيقَتَنَا وبَعْـ ـضُ القَوْمِ يَسقُطُ بَيْنَ بَيْنَا
هَلاَّ سَأَلْتَ جُمُوعَ كِنْـ ـدَةَ يَوْمَ وَلوْا أَيْنَ أَيْنَا!

ولكن امرؤ القيس كان مشغولاً بثأر أبيه، فلم يرد عليه.

وقد بدأت نهاية هذا الشاعر على يد الملك المنذر بن ماء السماء؛ فهذا الملك كان له يومان يوم بؤس ويوم نعمة؛ فإذا كان في يوم نعمة أتي بأول من يراه؛ فَحَباه، وكساه، وأعطاه من إبله مئة، ونادمه يومَه، وإذا كان في يوم بؤسه؛ أتى بأول من يراه، فيأمر به فيذبح.

وبينما هو جالس في يوم بؤسه؛ إذ أشرف عليه عبيد بن الأبرص، فقال لرجل كان معه: من هذا الشقي؟ فقال له: هذا عبيد بن الأبرص الأسدي الشاعر، فأتي به، فقال له الرجل الذي كان معه: اتركه فاني أظن أن عنده من حسن الشعر أفضل مما تدركه في قتله، فاسمع منه، فقبل الملك، وقال لعبيد: أنشدني:
أقفر من أهله ملحوب

لكن عبيداً لم يستطع أن يقوله، وعزَّت عليه نفسه، فرثاها بقوله:
أَقْفَرَ من أهلِهِ عبيدُ فليس يُبدي ولا يُعيدُ
عنتْ له خُطَّةٌ نَكُودُ وَحَانَ منها له وُرودُ

وأبى عبيد أن ينشدهم شيئاً مما أرادوا، فأمر به المنذر فقتله.

نهاية المتنبي:
ويصل المؤلف الى المتنبي الذي كان بعض شعره سبباً لمقتله، والمتنبي شاعر العربية الكبير الذي شغلت حياته وشعره حيزاً كبيراً من دراسات المتخصصين في الأدب العربي؛ حيث كان يكتب للنفس العربية، والإحساس العربي، والنبض العربي، الذي لا يرتبط بحدود أو فواصل تاريخية.

وكان المتنبي يستعلي على الشعراء، ويكثر من السخرية منهم ومن شعرهم، على نحو جعله هدفَهم جميعاً، وكان يكثر من الفخر بنفسه، فهو القائل:
سيعلمُ الجميعُ ممن ضَمَّ مجلسُنا بأنني خيرُ من تَسعى بِهِ قَدَمُ
أنا الذي نَظَرَ الأعمى إلى أدبي.. وأسمعتْ كلماتي مَن به صَمَمُ


وفي إحدى قصائده التي كتبها في صباه يقول:
إن أكن معجَباً فعُجْبُ عجيبٍ لم يجد فوق نفسهِ من مزيدِ
أنا تربُ الندى وربُّ القوافي وسمامُ العِدَى وغيظُ الحسودِ
أنا في أمةٍ تداركها اللـ ـهُ غريبٌ كصالحٍ في ثمودِ


ويقول:
أيُّ محلٍّ أرتقي أيُّ عظيمٍ أتقي؟
وكلُّ ما خلقَ اللَّـ ـهُ وما لم يخلقِ
محتقرٌ في همَّتي كشعرةٍ في مَفْرِقي

هكذا كان المتنبي في تقديره لذاته، يراها الأعلى دائماً، والأحق بالمجد والشرف، ولا يتنازل عن هذه الرؤية تحت أي ظروف كانت!.

• الهجاء القاتل:
والغريب أن المتنبي قتل بسبب الهجاء؛ على الرغم من أن الهجاء لا يمثل ركناً أساسياً في ديوانه؛ فعندما ترك المتنبي سيف الدولة أمير حلب الذي كتب الكثير من القصائد في مدحه ومناقبه؛ بعد أن وشي بينهما الواشون؛ اتجه إلى مصر لمدح واليها كافور الإخشيدي الذي كان عبداً أسود مثقوب الأذن، ولكن كافور خذله؛ فأطلق المتنبي فيه لسانه يهجوه وشعبَ مصر، فنجده في قصيده يبالغ في هجائه لكافور، ويصفه بكل صفات الرجل الدنيء؛ من الكذب، وإخلاف الوعد، والغدر، والخيانة، وخسة الأصل، والجبن؛ فيقول:
أُرِيكَ الرِّضَا لو أخْفَتِ النَّفْسُ خافيا وما أنا عن نفسي ولا عنك راضيا
أَمَيْناً؟ وإخلافاً؟ وغَدْراً؟ وخِسَّةً؟ وجُبْناً؟ أَشَخْصاً لُحْتَ لي أم مَخازيا؟
وإنك لا تدري: ألونُكَ أسودٌ من الجهلِ؟ أم قد صار أبيضَ صافيا؟!

ثم يقول وهو راحل عن مصر:
العَبدُ لَيسَ لُحرٍّ صَالِحٍ بأخٍ لَو أنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولُودُ
لا تشترِ العبدَ إلاّ والعصا معه إنَّ العبيد لأنجاسٌ مناكيدُ!
ما كنت أحْسِبُني أحيا إلى زمنٍ يسيء بي فيه عبدٌ وهو محمودُ

ومع هذا الهجاء الشديد اللهجة لكافور؛ استطاع المتنبي الخروج من مصر دون أن يمسه سوء، وجاء مقتله بسبب قصيدة هجا بها رجلاً يسمى "ضبة بن زيد"، يتعرض فيها لحادثة مقتل أبي ضبة، وقد فر وترك أباه، وهو يستخف به فيقول فيها:
ما أنصفَ القومُ ضُبَّهْ وأمّه الطُّرطُبّهْ
وَمَا عليكَ مِنَ القَتْـ ـلِ إنَّما هيَ ضَرْبَهْ
وَمَا عليكَ مِنَ الغَدْ رِ إنَّما هِيَ سُبَّهْ

ثم يقول:
ما كنت إلا ذُباباً نفتكَ عنّا مِذبّه
وإنْ بَعُدْنا قليلاً حملْت رُمحاً وحَرْبَهْ
إن أوحشتْك المَعَالي فَإِنَّها دارُ غُرْبَهْ
أو آنستْك المَخَازِي فإنَّهَا لكَ نِسْبَهْ

وفي القصيدة أبيات كثيرة؛ يتعرض فيها المتنبي لأم ضُبة، ويرميها بأفحش التهم، وكان لأم ضبة أخ يسمى "فاتك بن أبي جهل الأسدي"؛ فلما بلغته القصيدة أخذ الغضب منه كل مأخذ، وأضمر السوء لأبي الطيب، وعندما علم أبو نصر محمد الحلبي بِنية فاتك؛ حذر المتنبي، فلم يزده هذا التحذير الا عناداً، وركب المتنبي وسار، فلقيه فاتك في الطريق، فأراد المتنبي أن ينجو بنفسه، فقال له غلامه: ألستَ القائل:
الخيلُ والليلُ والبَيداءُ تعرفني والسيفُ والرُّمح والقرطاسُ والقلمُ؟

فثبت المتنبي حتى قتله فاتكٌ، وقتل ابنَه محمداً وغلامَه، وهكذا كانت نهاية هذا الشاعر العربي الكبير التي جاءت بسبب شعره ولسانه.

قصيدة أضاعت خلافة:
وينتقل المؤلف إلى شاعر آخر من الشعراء الذين قتلهم شعرهم، وهو الشاعر أبو نُخَيْلَةَ، الذي تخصص في مدح كل من آلت إليه الخلافةُ من بني أمية وبني العباس؛ فعندما كان الأمر بيد بني أمية مدحهم، وعندما انتقل إلى بني العباس مدحهم! وكانت قصائده معلقة على كرسي الخلافة يتناولها الجالس عليه؛ بغض النظر عن شخصه وسلوكه!!.

وقد تضمنت قصائد مدحه لبني العباس هجاء لبني أمية، ولأن شخصيته الشعرية كانت مهتزة؛ فقد كان مهيئاً أن يصيبه -من جراء شعره- شر عظيم، وهذا ما حدث بالفعل، ووضع نهاية لحياته.

فعندما علم أبو نخيلة أن أبا جعفر المنصور يريد تولية ابنه المهدي ولاية العهد، بدلاً من ابن أخيه عيسى بن موسى؛ وجدها فرصة للتقرب من أبي جعفر بقصيدة يؤيد بها رأيه، ويشيعُه بين الناس، ويطالب بخلع عيسى بن موسى، وبالبيعة للمهدي، فقال:
إلى أميرِ المؤمنينَ فاعْمِدِي إلى الذي يَنْدَى ولا يندى ندي
سيري إلى بحرِ البِحارِ المُزْبِدِ إلى الذي إن نَفِدَتْ لم يَنْفَدِ
ليسَ وليُّ عهدِنا بالأسعدي عيسى! فَزَحْلِقْها إلى محمدِ
فقدْ رضينا بالغلامُ الأمردِ وقد فَرَغْنَا غيرَ أن لم نشهدِ
وغير أن العقدَ لم يؤكدِ فلو سمعنا قولَك: امدد امددِ
كانَتْ لنا كدَعْقَةِ الوِرْدِ الصَّدِي فنادِ للبيعةِ جمْعاً نحشدِ

وقد أشاع أبو نخيلة هذه القصيدة؛ حتى رواها الخدم والخاصة، وتناشدها العامة، فبلغت المنصور، فدعا به، وعيسى بن موسى جالس عن يمينه، فأنشده إياها، وأنصت له حتى سمعها عن آخرها، وظهر على وجهه السرور.

ثم قال لعيسى بن موسى: ولئن كان هذا عن رأيك؛ لقد سررتَ عمك، وبلغتَ من مرضاته أقصى ما يبلغه الولد البار السار.

فقال عيسى: "لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين".

وهكذا خُلع عيسى، وعقدت البيعة للمهدي بولاية العهد، فأراد عيسى أن ينتقم من هذا الشاعر الذي تسببت قصيدته في ضياع الخلافة التي عاش عمره ينتظرها.

واشتد عيسى في طلب أبي نخيلة؛ حتى فر الى خراسان، فأرسل خلفه مولى له يسمى قِطْرِيّاً ومعه عدد من الرجال، فلحقوه في الطريق، فأخذوه، وكتفوه، وأضجعه قطري، وذبحه، وسلخ وجهه، وألقى جسمه إلى النسور، ولم يبرح مكانه حتى لم يبق منه إلا عظامه!.

• طَرَفَة بن العبد:
ويقف المؤلف مع شاعر جاهلي مشهور، هو طرفة بن العبد الذي قُتل وهو في السادسة والعشرين من عمره، ومع حداثة سنه؛ الا أنه استطاع أن يشمخ بقامته أمام كبار شعراء عصره، وتميز عليهم بحكمة كانت وليدة ظروفه الخاصة، وظهرت في بعض أشعاره، ومنها قوله:
إذا قلَّ مالُ المَرءِ قَلَّ بَهَاؤُه وضاقَتْ عليه أرضُهُ وسماؤُه
وأصبحَ لا يدري وإن كان حازماً أَقُدَّامُهُ خيرٌ لَهُ أمْ وَرَاؤُه
ولم يمشِ في وجهٍ على الأرضِ واسعٍ من الناسِ إلا ضَاقَ عنه فضاؤُه
فإن غابَ لم يُشْفِقْ عليه صديقُهُ وإن آبَ لم يفرحْ به أصفياؤُه
وإن ماتَ لم يَفْقِدْ وليٌّ ذهابُهُ وإن عاشَ لم يَسْرُرْ صديقاً لقاؤُه

وقوله:
إذا تمَّ عقلُ المرء ِتمت أمورُهُ وتمتْ أياديه وطابَ ثناؤُه
وان لم يكن عقلٌ تبيَّنَ نقصُهُ وإن كان مفضالاَ كثيراً عطاؤُه

وقد بدأت نهاية هذا الشاعر الشاب عندما رحل من اليمامة إلى الحيرة، وادعى جوار ملكها عمرو بن هند، وعندما أساء إليه الملك يوماً، ولم يكرِم وفادته، كما كان يفعل من قبل؛ هجاه، وهجا أخاه قابوساً، ولكن الهجاء لم يصل إلى أسماع عمرو بن هند إلا عن طريق رجل يسمى عبدعمرو بن بشر الذي هجاه طرفة أيضاً، وقد قال طرفة يهجو بن هند:
ليت لنا مكانَ المَلكِ عَمْرٍو رَغُوثاً حَول قُبتَّنا تَخُورُ
من الزَّمِرات أَسْبل قادِمَاها وضَرَّتُها مُرَكَّنة دَرُورُ
يشاركُنا لنا رِخْلانُ فيها وتعلوها الكِبَاش فلا تنورُ
لَعَمْرُكَ إن قابوسَ بنَ هند ليخلِطُ مُلكَهُ نوكٌ كَثيرُ!

في هذه الأبيات يرى طرفة عمرو بن هند ملكاً لا يصلح للمُلك، وخير منه نعجة تخور، وإن كانت قليلة الصوف؛ فربما كان لبنها كثيراً يكفي رضيعها وحالبها، وهي لا تنفر من الكباش، فقد اعتادت أن يقع عليها الذكور!.

فغضب عمرٌو، وأضمر في نفسه الانتقام من طرفة، ثم أرسله إلى عامله على البحرين برسالة، وأمره فيها بقتله، فقتله.

• صريع أم البنين:
ويتحدث المؤلف عن شاعر آخر صرعه شعره، هو "وضَّاح اليمن" عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كُلال، وسمي وضاحاً لجمالة، وكان أحدَ ثلاثةٍ من العرب يردون المواسم مقنَّعين يسترون وجوههم خوفاً من العين، وحذراً على أنفسهم من النساء لجمالهم! وهؤلاء الثلاثة هم: المقنع الكِندي، وأبو زيد الطائي، ووضاح.

وقد بدأ وضاح يدق أول مسمار في نعشه عندما استجاب لأم البنين زوجة الخليفة الوليد بن عبد الملك، وقال فيها شعراً، والقصة بدأت عندما كانت أم البنين تؤدي فريضة الحج، وكتب الوليد يتوعَّد الشعراءَ جميعاً؛ إن ذكرها أحد منهم، أو ذكر أحداً ممن معها، ولكنها عندما وقعت عيناها على وضاح اليمن؛ هوتْه، وطلبت منه، ومن كُثَيِّرٍ أن ينسبا إليها شعراً، ولكن كثيراً أدرك عاقبة ذلك فلم ينسب لها، ولم يكن وضاح على ذلك القدر من الحذر والحيطة، وانطلق لسانه برقيق الشعر نسيبا في أم البنين، متغافلا عن مكانتها ومكانة زوجها وهو خليفة المسلمين.
ومما قاله فيها:
أَصَحوتَ عن أم البنيـ ـنَ وذكرِهَا وعنائِها؟
وَهَجَرْتَهَا هجرَ امرئٍ لم يسل صَفْوَ صفائِها
قرشيةٌ كالشمسِ أشـ ـرقَ نورُهَا ببهائِهَا
زادتْ على البِيضِ الحِسَا نِ بحسْنِهَا ونَقَائِهَا
لولا هوى أمِّ البني نَ وحاجتي للقائِها
قد قربت لي بغلةً محبوسةً لنجاتِها

ثم يقول في جرأة على زوجة الخليفة أكثر من ذلك:
صَدَعَ البينُ والتَّفَرُّقُ قلبي وتولَّتْ أمُّ البنينَ بِلُبِّي
ثوتِ النفسُ في الحُمُولِ لَدَيها وَتَوَلَّى بِالجِسْمِ مِنِّي صَحبي
وِلِقِد قُلتُ والمدامعُ تجري بدموعٍ كأنها فَيْضُ غَرْبِ
جَزَعاً للفراقِ يومَ تَوَلَّتْ: حَسْبيَ اللهُ ذو المَعَارِجِ حَسْبي!

وهذا الأقوال الصريحة في أم البنين كانت دوافع قوية لدى الوليد؛ للتخلص من هذا الرجل الذي ملأ الدنيا بها شعراً، وقد أحسَّ وضَّاحٌ بما يحيط به من خطر؛ فراح يبتغي السبل لإرضاء الخليفة، وقد وعدتْه أم البنين أن تَرْفِدَه عنده، وتقوِّيَ أمره؛ فمدحه الوضاح بعدة قصائد، ولكن هذه القصائد لم تشفع له، ودبر الوليد لقتله، وقيل أنه دفنه حياً، في حفرة حفرها له في قصره.

• بشار الهجاء:
ويقف المؤلف عند شاعر عربي آخر، عاش في العصر العباسي، واشتهر بشعر الهجاء، وهو الشعر الذي كان سبباً في مقتله، وهذا الشاعر هو بشار بن برد، الذي احترف الهجاء منذ صباه المبكر، وذاع صيته بهجائه الذي كان يؤرق ويتعب من يتوعدهم به، ولم يكن يخشى -في هجائه- شخصية كبيرة في الدولة، حتى ولو كان الخليفة ذاته؛ فقد هجا العباس بن محمد أخا الخليفة المنصور، وهجا الخليفة المهدي نفسه، ووزيره يعقوب بن داود.

وكان الهجاء يمثل الخطوة التالية؛ بعد أن يمدح فيخيب أمله ولا يعطى، فكان هجاؤه رجوعاً عن المدح.

وقد مدح الخليفة المهدي فلم يعطه شيئاً؛ فقال يهجوه:
خَليفةٌ يَزْني بعمّاتِهِ يَلْعَبُ بالدّبُّوقِ والصَّولجَانْ

وقد وصل هذا الشعر إلى المهدي عن طريق وزيره يعقوب، فكاد ينشق غيظاً، ثم قصد البصرة، وقبض على بشار، وأمر بضربه بالسوط حتى الموت، فأخذ إلى سفينة، وضرب سبعين سوطاً حتى مات، فألقوا به في الماء، فحمله الماء فأخرجه إلى دجلة، فأخذ فأتي به أهله فدفنوه.

• حماد عجرد:
أما آخر الشعراء الذين يعرض لهم المؤلف في كتابه؛ فهو شاعر من شعراء العصر العباسي، لا يختلف كثيراً عن بشار بن برد، وهو حَمَّادُ عَجْرَد، الذي كان واحداً من كبار هَجَّائي عصره، وكانت بينه وبين بشار جولات كثيرة من الهجاء المتبادل، وتميز هجاء حماد بفحشه الشديد، وامتلائه بالألفاظ المستنكرة التي يأباها الذوق وتَمُجُّهَا الآذان؛ حتى بدا بشار أمامه شاعراً مهذَّباً، عفيف اللفظ، رقيق الصورة!!!.

وكما جمع بينهما الهجاء؛ اشتركا في المصير الذي صار إليه كل منهما، وهو القتل بسبب الشعر؛ فقد رأينا كيف قتل بشار بسبب هجائه للمهدي، وسترى هنا مصير حماد، وكيف قُتل بسبب تشبيبه بامرأة تسمى زينب بنت سليمان.

فقد كان محمد بن أبي العباس السفاح يهوى زينب؛ فخطبها فلم يزوجوه، وكان حماد صديقه ونديمه، فقال له محمد: قل فيها شعراً. فقال حماد على لسان محمد:
زَيْنَبُ، ماذَنْبِي؟ ومَاذا الذَّي غَضِبْتُمْ فيِه وَلَمْ تُغْضَبُوا؟!
وَاللهِ، ما أَعْرِفُ لِي عِنْدَكُمْ ذَنْباً! فَفِيمَ الهَجْرُ يا زَيْنَبُ؟!
إن كنت قد أغضبتكم ضلة فاستعتبوني إنني أعتب
عودوا على جهلي بأحلامكم إنني وإن لم أذنب المذنب

فلما بلغ هذا الشعر مسامع محمد بن سليمان -أخو زينب- نَذَر دمَه، وأصر على قتله؛ لكنه لم يستطع لمكانة حماد من محمد بن أبي العباس. فلما مات محمد؛ جَدَّ ابنُ سليمان في طلب حماد، فلم يجد حماد من يستجير به، فاستجار بقبر سليمان بن علي، والد محمد بن سليمان، وراح يمدحه ويمدح سليمان، فقال:
مِنْ مُقِرّ بِالذَّنْبِ[1] لَم يُوجِبِ اللـ ـهُ عَلَيْهِ بِسَىِّءٍ إقرارَا
يا ابْنَ بِنْتِ النَّبِيِّ إنِّيَ لاَ أَجْـ عَلُ إلاَّ إلَيْك مِنْكَ الْفِرارَا
يا ابْنَ بِنْتِ النَّبيِّ أَحْمَدَ لا أَجْـ عَلُ إلاَّ إليكَ مِنْكَ الفِرَارَا
غَيْرَ أني جَعَلْتُ قَبْرَ أَبِي أَيْـ يُوبَ لِي مِنْ حَوَادِثِ الدَّهْرِ جَارَا
وَحَرِيٌّ مَنِ اسْتَجَارَ بِذَاكَ الْـ قَبْرِ أَنْ يَأْمَنَ الرَّدَى وَالعِثَارَا
لمْ أَجِدْ لِي مِنَ العِبَادِ مُجِيرا فَاسْتَجَرْتُ التُّرَابَ وَالأَحْجَارَا

لكن محمد بن سليمان لم يرض بهذا، وقال: والله لأبُلَّنَّ قبر أبي من دمه، فلم يجد حمادُ بُدّاً من الفرار إلى بغداد؛ ليستجير بجعفر بن المنصور الذي أجاره، واشترط لذلك أن يهجو محمد بن سليمان، فقال فيه حماد:

قُلْ لِوَجْه اَلخِصيِّ ذِي اْلعارِ إنِّي سَوْفَ أُهْدي لزَيْنَبَ الأْشْعارَا
قَدْ لَعَمْرِي فَرَرْتُ مِن شِدَّةِ الخَوْ فِ وَأَنْكَرْتُ صَاحِبي نَهارَا!
وَظَنَنتُ القُبُورَ تَمْنَعُ جَارا فَاستجرْتُ التُّرَابَ والأَحْجَارَا!
كُنتُ عندَ استجارَتي بِأبي أَيْـ يُوبَ أَبغي ضَلالةً وخسارَا
لم يُجِرْني وَلمْ أَجَدْ فِيهِ حَظّا أَضْرَمَ اللهُ ذَلِكَ القَبْرَ نارَا


فلما بلغ محمداً قولُه؛ قال: "والله لا يفلتني أبداً، وإنما يزداد حتفاً بلسانه، ولا والله لا أعفو عنه، ولا أتغافل أبداً".

وظل ابن سليمان يطلب حماداً، وحماد ينتقل من مكان إلى مكان يبحث عن مأوى وملاذ؛ حتى أدركه ابن سليمان في منطقة تسمى الأهواز، فأرسل مولى له فظفر به، فقتله.
--------------------
[1] إنه الضلال والخسران المبين؛ كيف ينسي -وهو في شدة بلائه- أن يدعو ربه القائل: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأْرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)[النمل:62]؟!.
أعرض عن ربه؛ ولجأ إلى أحجار لا تضر ولا تنفع، وأشرك بربه؛ فكان عاقبته أن تخلى عنه من كان حوله، ومات ميتة سوء.
________________________________________
3- المتنبي
جولنار - المملكه العربيه السعوديه 27/12/2009 05:19 pm
حبيت اعلق على ابيات المتنبي الصراحه انا تعجبني كل ابياته لكن يوم كتب شعر هجاء لضبه وبدأ يسب امه انا تمنيت ان هذا لم يحصل امه ليس له دخل اذا هجاء امفروض يهجو ضبه شخصيا وليس امه ولكن يدل على شهامته عندما اراد افراد ورجع وقاتل
هنيئا لك يا شاغل الناس وافضل بيت شعر سمعته هو
نثرتهم فوق الاحيديب نثره
كما تنثر على العرووس الدراهم

طَرَفة بن العبد

ينتمي طرفة بن العبد إلى بني مالك بن ضُبيعة، من بطون قبيلة بكر بن وائل، وهو أحد أبرز الشعراء الجاهليين، جعله بعضهم ومنهم لبيد بن ربيعة ثاني شعراء الجاهلية بعد امرئ القيس، وفضّل ابن قتيبة في الشعر والشعراء معلقته على سائر المعلقات فقال: "وهو أجودهم طويلة"، ولكن لم يؤثر عنه إلا أشعار قليلة، ولعل ما يفسر قلة شعره مقتله المبكر وهو في السادسة والعشرين.
وتذكر الأخبار في سبب قتله أنه كان وخاله المتلمس، وهو من شعراء الجاهلية أيضاً، ممن يفدون على ملك الحيرة عمرو بن هند "عمر بن المنذر" وكان بهما حفياً، وكان لطرفة بن العبد ابن عم اسمه عبد عمرو بن بشر، ولم تكن صلة طرفة به صلة الود والمحبة وإنما كان الود مفقوداً بينهما لسوء سيرته مع أخت طرفة، فهجاه طرفة بأبيات يسخر بها منه فيقول:
ولا خير فيه غير أن لـه غنىً
وأن لـه كَشحاً إذا قام أهضما
كان من سادة قومه، وكان سميناً بادناً. فأسرّها ابن عمه في نفسه. وكان له منزلة رفيعة عند عمرو بن هند.
ثم إن ابن هند وكل إلى طرفة وخاله المتلمس ملازمة أخيه قابوس بن المنذر، وكان قابوس فتى عابثاً لا يشغله إلا اللهو والقنص والشراب، فوجدا عناءً في ملازمته، وربما أنفقا اليوم كله في الوقوف ببابه، حتى ضاقا ذرعاً بالأمر، فنقما عليه وعلى أخيه عمرو بن هند لإذلالهما على هذا النحو، وكان طرفة فتى جريئاً لا يبالي بعواقب الأمر، فجرى على لسانه هجاء في عمرو بن هند وأخيه قابوس، قال فيه:
فليت لنا مكان الملك عمرو
رَغَوثاً حول قبتنا تخورُ
لعمرك إن قابوس بن هند
ليخلط مُلكَه نَوك كثير
فقد تمنى طرفة لو أنهم بدلوا بعمر بن هند نعجةً تخور حول خبائهم، ورمى أخاه قابوساً بالحمق، ولكن عمرو بن هند لم يبلغه هذا الشعر، وكان طرفة قال قبل ذلك شعراً يتغزل فيه بأخت عمرو بن هند، وقد رأى ظلها، فقال:
ألا بأبي الظبي الذي يبرقُ شِنْفاهُ
ولولا الملك القاعــد قد ألثمني فاه
فغضب عمرو بن هند على طرفة ولكنه أسرها في نفسه. واتفق بعد ذلك أن ابن هند خرج إلى الصيد ومعه ابن عم طرفة، فأصاب حمار وحش، فطلب الملك إلى عبد عمرو أن ينزل إليه فأعياه، فضحك عمرو بن هند، وقال له: لقد أبصر طرفة حسن كشحك حين قال شعره فيك، وفي رواية أخرى أنه شاهد كشحه وهما في الحمام، فأجابه عبد عمرو: إن طرفة قال فيك ما هو أقبح من هذا الشعر، وروى له ما قاله طرفة في هجائه، فاشتد غضبه، ولكنه لم يشأ أن يقتل طرفة فوراً، اتقاء لغضب عشيرته، فدعاه ودعا خاله المتلمس، وكان قال أيضاً شعراً في هجاء ابن هند، وقال لهما: أمضيا إلى عامل البحرين فقد أمرت لكما بجائزة، ودفع إليهما بكتاب مختوم إلى عامله، وقد أمره فيه بقتلهما.
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-04-2011, 02:53 PM   #15
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

حكاية الهميان


كان أذان الفجر يصعد من مآذن الحرم في مكة في أول يوم من رمضان سنة أربعين ومائتين للهجرة،
فهبط على تلك الذرى المباركة قعيقعان وأبي قبيس، فينساب مع نسيم البحر رخياً ناعشاً،
يسحب ذيوله على تلك الصخور التي كانت (محطة) بريد السماء ، ومنزل الوحي ، ومنبع رحمة الله للعالمين ،
حتى يمسح ستور الكعبة ، فيتنزل على من في الحرم تنزل النفحات الإلهية على قلوب عباد الله المخلصين .

وكانت صفوف المؤمنين قائمة للصلاة تدور بالكعبة من جهاتها كلها ، صفوف في الحرم ترى الكعبة وتنعم بالقرب منها ،


وصفوف لا تراها ولكنها تتوجه إليها ، وتبصرها بقلوبها، تقوم وراء الجبال الشُـمِّ والبحار ، في المدن والقرى ،
والصحاري والسهول ، والأودية والقمم ، والأكواخ ، والسجون و المغائر ، في القفار المشتعلة حراً ،
و البطاح المغطاة بالثلج ... تتسلسل وتتعاقب لا تنقطع ما امتدت الأرض وكان فيها مسلمون ...

*******

وأَمَّ أهلُ مكة الحرمَ ، ولم يبق في داره إلا شيخ في السادسة والثمانين ، أو محطم ما عليه قميص مشدود بحبل ،


وقاموا للصلاة ما يستطيعون الوقوف مما حشدوا به بطونهم من طيبات الطعام ، من كل حلوى وحامض ، وحار وبارد ، وسائل وجامد ،
ووقف أحدهم يصلي وما يستطيع القيام من الجوع ، فقد أمسك للصوم بلا سحور ،
ونام ليلته البارحة بلا عشاء ، وأمضى أمسه من قبلها بلا غداء ...

فلما قضى صلاته قعد على محرابه منكسراً حزيناً ، وما كان يفكر في نفسه فلقد طال عهده بالفقر حتى ألفه ،
وهوَّن إيمانُه الدنيا عليه حتى نسي نعيمها وازدراها ،
ولكنه كان يفكر في هذه البطون الجائعة من حوله ، وهو كاسبها و معيلها ، وهذه المناكب العارية…
ولو كان في مكانه رجل آخر قاسى الذي قاساه ، و رأى الأغنياء يبذرون المال تبذيراً ،
و يضيعون الألوف بالباطل ، على حين يحتاج هو إلى الدانق فلا يجده .. لثار على الدنيا ، وذم الزمان ، وحقد على الناس ،
ولكنه كان رجلاً مؤمناً ، يعلم أن الناس لا يملكون عطاء ولا منعاً ، وأن ما كان لك سوف يأتيك على ضعفك ،
وما كان لغيرك لن تناله بقوتك ، رفعت الأقلام و جفت الصحف.

فقال: آه. الحمد لله على كل حال.

وقام فنزع القميص ، و نادى: يا لبابة.

فجاءت امرأة ملتفة بخرقة قذرة ، فدفع إليها بالقميص و أخذ الخرقة فالتف بها…

فقالت المرأة : يا أبا غياث ، هذا ثالث يوم لم نذق فيه طعاماً ، و هذا يوم صيام وحر…
فإذا صبرت وصبرت أنا فإن البنات و العجوز لا يقدرن على الصبر ، وقد هدهن الجوع ،
فاستعن بالله ، واخرج فالتمس لنا شيئاً فلعل الله يفتح عليك بدوانق أو كسيرات ندخرها فطورنا.

قال: أفعل إن شاء الله.

********

وانتظَرَ حتى علت الشمس وكان الضحى ، فخرج يجول في أزِقَّة مكة وطرقِها ، وكان الناس قد انصرفوا إلى دورهم ليقيلوا ،
فلم يلق في تطوافه أحداً. واشتد الحر و تخاذلت ساقاه ، وزاغ بصره ، وأحس بجوفه يلتهب التهاباً من العطش ،
و كان قد صار في أسفل مكة فألقى بنفسه في ظل جدار.
وكان من أكبر أمانيه أن يدركه الأجل فيموت مؤمناً، فيتخلص من هذا الشقاء و ينال سعادة الأبد.
و جعل ينكب التراب بيده ، و هو سادر في أمانيه ، فلمست يده شيئاً مستطيلاً ليناً فسحبها و نظر ،
فإذا هو بذنب حية مختبئة خلال التراب ، فتعوذ بالله ،


ثم عاودته رغبته في الموت ، وتمنى لو تلدغه فتريحه ، ثم ذكر أنه لا ينبغي للمؤمن أن يطلب الموت ،
وإنما ينبغي له أن يقول : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وأمتني إن كان الموت خيراً لي.
فقالها واستغفر الله.

وعاد يرقب الحية فإذا هي ساكنة ، فعجب منها، ولمسها برجله فلم تتحرك ، فبحث عنها وحفر ،
فإذا الذي رآه حزاماً وليس بحية ، فشده فجاء في يده (هِميان) فيه الذهب ،
عرفه من رنينه وثقله ، فأحس جوعَه وعطشَه قد ذهبا ،


وكأن القوة قد صُبت في أصابعه ، والشباب قد عاد إليه …
وتصور أن سيحمل إلى نسائه الشبع والراحة ، ويملأ أيديهن مما كن يتخيلنه ولا يعرفنه من نعيم الحياة ، ورغد العيش ،

وجعل يفكر فيما يشتريه لهن ، وكيف يلقين هذه النعمة التي ساقها الله إليهن ، حتى كاد يخالط في عقله.

ثم تنبه في نفسه دينُه ، وعلا صوت أمانته يقول له : إن هذا المال ليس لك.
إنما هي لقطة لابد لك من التعريف بها سنة ، فإذا لم تجد صاحبها حلَّت لك.

وتصور السنة وطولها وهو يبحث عن عشاء يومه.
وهل يبقى حياً سنة أخرى؟ وهل تبقى أسرتُه في الحياة؟
وماذا ينفعه أن يكون الذهب له بعدما مات من الجوع ، ومات معه من يرثه؟…

وأحس كأن قواه قد خارت ، وودّ لو أعاد الهميان إلى مكانه ، ولم يكن قد ابتلي هذه البلية…
ولكنه كان رجلاً فقيهاً يعلم أن اللقطة إن مُست فلا بد من التعريف بها ، وإن هو أرجعها إلى مكانها وفُقدت كان المسؤول عند الله عنها ،
أما إذا لم يمسها فلا شيء عليه منها…

و جعلت الأفكار تصطدم في رأسه ، وتتراكض وتصطرع ،
حتى شعر أن عظم صدغيه سيتكسر من قرع الأفكار المتراكضة في رأسه ، وطفق يسمع صوتاً يهتف به أن :
خذها فهي رزق ساقه الله إليك.
ادفع بها الموت عن بناتك اللائى أطاف بهن الموت.
أشبِع بها هذه الأجواف الجوعى.
اكسُ هذه الأجساد العارية.
ثم إذا أيسرت رددتها إلى صاحبها ، أو دفعت إليه دنانير ناقصة لن يضره على غناه نقصُها..

ثم يسمع هاتف دينه يقول له : اصبر يا رجل ، و لا تخن أمانتك ، و لا تعص ربك ، وعقد العزم على الصبر ،
واستعان بالله ، وذهب إلى داره يخبئ الهميان حتى يجيء صاحبه…
أو يحكم الله فيه..



*******

ودخل الدار متلصصاً ، فرأته امرأته فقالت:

ما جاء بك يا أبا غياث؟

قال: لاشيء.

وأَحَبَّ أن يكتمها خبر الهميان ، وما كان يكتمها من قبل أمراً.

قالت : بلى والله ؛ إن معك شيئا، فما هو؟

فخاف أن تراه فيستطار لبها…

فقص عليها القصة ، وكانت امرأة تقية دينة ، ولكنها أضعف منه إرادة ، وأوهن عزماً فقالت :
افتحه ، وخذ منه دنانير اشتر لنا بها شيئاً ، فإننا مضطرون والمضطر يأكل الميتة…

قال لا والله ، ولئن مسستِه أو أخبرتِ خبره أحداً فأنت طالق.

وتركها مغيظة محنقة وخرج يبحث عن صاحبه ، لعله يأخذ منه شيئاً حلالاً يدفع به الضر عن عياله.

*******

ومشى إلى الحرم ، وكان فيه شاب طبري طالب علم.

قال الشاب الطبري : ( فرأيت خراسانيا ينادي ،


يا معشر الحاج من وجد همياناً فيه ألف دينار فرده علي ، أضعف الله له الثواب.

فقام إليه شيخ من أهل مكة كبير من موالي جعفر بن محمد ، فقال : يا خراساني ، بلدنا فقير أهله ،
شديد حاله ، أيامه معدودة ، ومواسمه منتظرة ، ولعله يقع في يد رجل مؤمن يرغب فيما تبذله له حلالاً فيأخذه ويرده عليك.

قال : الخراساني : يابا كم يريد؟

قال العُـشر، مائة دينار.

قال: يابا .لا نفعل ولكن نحيله على الله تعالى).

وافترقا.
قال الطبري : فوقع في نفسي أن الشيخ هو الواجد للهميان فاتبعته ، فكان كما ظننت ،
فنزل إلى دار مسفلة زرية الباب والمدخل ، فسمعته يقول : يا لبابة.

قالت: لبيك أبا غياث.

قال : وجدت صاحب الهميان ينادي عليه مطلـقـاً.
فقلت له : قيِّده بأن تجعل لواجده شيئاً ، فقال: كم ؟ قلت : عُـشـرُه. قال : لا نفعل ،
ولكنا نحيله على الله عز وجلّ ، فأيشٍ نعمل ؟ لابد لي من رده.

فقالت له : نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة ،
ولك أربع بنات و أختان وأنا وأمي وأنت تاسع القوم.

يا أبا غياث إن الله أكرم رجلاً يحيي هذه الأنفس .
إنك لم تسرقه ولم تغصبه ، ولكن الله هو الذي وضعه بين يديك ،
فلا ترفض نعمة أنعم الله بها عليك.
إن الله يسألك عن هؤلاء النسوة…

قال الطبري : ونظرت في وجه الشيخ فأحسست مما بدا عليه أنه قد تصور بناته جائعات عاريات ،
والعجوز المسكينة أم لبابة وقد جف جلدها على عظمها فصارت كأنها الحطبة الجوفاء ،
تتردد فيها الأنفاس ، ففاضت نفسه رقةً عليهن فسال دمعه على شيبته ، ورأت المرأة ذلك فازداد طمعها فيه…
ثم رأته يعبس وتبدو عليه الصرامة لقد ودّ لو استعان بشيء من هذه الدنانير…

ولكنه ذكر أنه صبر خمسين سنة فما كان ليُضيع هذا كلَّه في لذة يوم ، وذكر أنه على شفير القبر،
وأنه سيلقى الله ، فما كان ليلقاه خائنا أمانته ، أما عياله فلهم الله ، والله أرأف بهم وأشفق عليهم ، وشد من عزمه ،
وصاح بها:

( لست أفعل، ولا أحرق حشاشتي بعد ست وثمانين سنة ).

قال الطبري: ( ثم سكتَ وسكتت المرأة. وانصرفتُ أنا).

*******

وأذن المغرب ، وقعد الشيخ ونساؤه على كسيرات وتمرات ، التقطها لهم…
وقعد الناس من حولهم على الموائد الحافلات بشهيِّ الطعام ، تفوح من بيوتهم روائح الشواء والحلواء ،
يأكلونها ويستمتعون بها ، وينسون أن رمضان شهر الإنسانية والإيثار ،
وأن الله ما فرض علينا الصيام للجوع والعطش والعذاب…
ولكن ليذكرنا هذا الجوع الاختياري الموقوت ، إن في الدنيا من يجوع جوعاً إجبارياً ،
لا حد له ينتهي عنده ، وليكون لنا من أعصابنا وجوارحنا ، مذكراً بالإحسان.

فمن يقعد على مائدته الحافلة بالطعام ، وجاره يتلوى من الجوع ، لا يفكر فيه ، ولا يشاركه طعامه،
فما صام ولا عرف الصيام ، وإن جاع نهارَه كلَّه وعطش…

إن العادة تضعف الحس ، وإن إلف النعيم يُذهب لذتها ، فأوجب الله الصيام علينا لنذوق مرارة الفقد فنعرف حلاوة الوجدان ،
ولنشتهي في النهار لقمة من الخبز الطري ، والجرعة من الماء البارد ،
فنعلم أن هذه اللقمة الطرية ، وهذه الجرعة الباردة ، نعمة من النعم ، فلا ندع الإحسان مهما كان قليلاً ، ولا نزهد في صدقة نقدر عليها.

ولقد كان لإبراهيم الحربي رغيف كل يوم ليس له سواه ،
فكان يترك منه كل يوم لقمة حتى إذا كان يوم الجمعة أكل اللقم وتصدق بالرغيف…

كان الشيخ يفكر في هذا ، فيألم لما صار عليه حال المسلمين ،
ثم يذكر أن الله هو ملهم الخير ، وصرف الأرزاق ، فيحمده حمد رجل مؤمن راض.

وأمضى ليلته الرابعة بلا طعام ، لأنه ترك التمرات والكسيرات للعجوز و البنات يتبلغن بها…

******

قال الرجل الطبري: ( فلما كان من الغد سمعت الخراساني يقول : معاشر الحاج ووفد الله من حاضر و باد ،
من وجد همياناً فيه ألف دينار ورده أضعف الله له الثواب . فقام الشيخ إليه ، فقال :

يا خراساني قد قلت لك بالأمس ونصحتك ، وبلدنا والله فقير قليل الزرع والضرع ،
وقد قلت لك أن تدفع إلى واجده مائة دينار فلعله يقع في يد رجل مؤمن يخاف الله عز وجل ، فامتنعتَ .
فاجعل له عشرة دنانير منها فيرده عليك ويكون له في العشرة ستر وصيانة.

فقال له الخرساني: يابا لا نفعل ولكن نحيله على الله عز وجل.

ثم افترقا…

فلما كان اليوم الذي بعده سمعت الخراساني ينادي ذلك النداء بعينه ، فقام إليه الشيخ. فقال:
يا خراساني: قلت لك أول أمس العُشر منه ، وقلت لك أمس عُشرَ العُشرِ عشرةُ دنانير فلم تَقبَل ،
فأعطِه ديناراً واحداً عُشرَ عُشرِ العُشرِ ، يشتري بنصف دينار قربة يسقي عليها المقيمين بمكة بالأجرة
وبالنصف الآخر شاة يتخذها لعياله.

قال: يابا لانفعل ولكن نحيله على الله عز وجل).

فرأى الشيخ أن لا حيلة له فيه ، وانقطع آخر خيط من حبال آماله ، وتوهم حالة بناته وأختيه وزوجته وأمها…
وأن هذا الخراساني منعهم ديناراً واحداً من ألف يدفعون به الجوع والعري ، والموت الكامن وراءهما ،
ورأى الألف كلها بيده فحدثته نفسه بأن يمسكها ، أو يدفعها إليه ناقصة ديناراً ،

ولكنه ذكر الله والحساب فاستعاذ بالله من هذا الخاطر ، وهل يشتري الشقاء الدائم باللذة العاجلة ،
وهو يعلم أن لذات الدنيا كلها لا تنسي كربة واحدة من كرب يوم الحشر ،
وشقاءها كله تذهبه نفحةٌ واحدةٌ من نفحات الجنة.

لا والله ، ولقد روي أن (( من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه)) فترك له الهميان ، وقال للخراساني:

تعال خذ هميانك…

فقال له: امش بين يدي…

قال الشاب الطبري : ( فمشيا وتبعتهما ، حتى بلغا الدار.
فدخل الشيخ فما لبث أن خرج ، وقال : ادخل يا خراساني ، فدخل ودخلت ،

فنبش الشيخ تحت درجة له فأخرج الهميان أسود من غلاظ ، وقال : هذا هميانك؟

فنظر إليه ، و قال: هذا همياني.

ثم حلّ رأسه من شد وثيق ثم صب المال في حجره وقلبه مراراً ، ثم قال : هذه دنانيرنا.

وكانت لبابة والبنات ينظرن من شق الباب إلى الذهب الذي نسين لونه وشكله ، وحسبنه قد فقد من الأرض ،
كما ينظر الجائع إلى قدور المطعم… يتمنى منه لقمة يشد بها صلبه…

( وأعاد الرجل الذهب إلى الهميان وشده. ووضعه على كتفه وقلب خلقانه فوقه وخرج).

ولم ينظر، في وجه الشيخ ، ولم يُـلقِ في أذنه كلمة شكر.

وأحست لبابة كأنه قد اختطف وحيدها ، وكأن شعبةً انخلعت من قلبها ، فطارت وراءه ، وشُده البنات ،
ولبثن مفتوحات الأشداق دهشة وذهولاً… فلما ابتعد وأيسن منه سقطن على وجوههن من الجوع والضعف واليأس…

وسمع الشيخ حركة ، فنظر فإذا الخراساني قد رجع… فرفع إليه رأسه ينظر ماذا يريد ،
وكان أولى به أن يعرض عنه ، وأن يبغضه ، وقد منعه ديناراً واحداً يحيى لو جاد به عليه هذه الأنفس المشرفة على الموت ،

ولكن الشيخ كان رجلاً سمحاً لا يتسع قلبه لبغضاء ، فقام إليه وسأله عما رجع به ، فقال الخراساني:

( يا شيخ، مات أبي وترك ثلاثة آلاف دينار ، فقال : أخرِج ثلثها ففرقه في أحق الناس عندك له ،
وبع رحلي واجعله نفقة لحجك ، ففعلت ذلك ، وأخرجت ثلثها ألف دينار ، وشددته في هذا الهميان ،
وما رأيت منذ خرجت من خراسان إلى الآن رجلاً أحق به منك ، فخذه بارك الله لك فيه.... ووضعه وولّى).

قال الطبري: ( وكنت قد ذهبت فما راعني إلا الشيخ يسرع خلفي يدعوني فرجعت إليه فقال لي : ل
قد رأيتك تتبعنا من أول يوم ، وعلمتُ أنك عرفت خبرنا ، وقد سمعت أحمد بن يوسف اليربوعي يقول :
سمعت نافعاً يقول : عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لعمر و لعلي رضي الله عنهما:
إذا أتاكم الله بهدية بلا مسألة ولا استشراف نفس فاقبلاها ، و لا ترداها فترداها على الله ؛
فهي هدية من الله والهدية لمن حضر )) فسِـر معي.

فسرت معه. فقال لي: إنك لمبارك ، وما رأيت هذا المال قط ، ولا أمَّلتُه قط ، أترى هذا القميص ؟
إني والله لأقوم سَحَـراً فأصلي الغداة فيه ، ثم أنزعه فتصلي فيه زوجتي وأمها ،
وبناتي ، وأختاي ، واحدة بعد واحدة ، ثم ألبسه وأمضي أكتسب إلى ما بين الظهر والعصر،
ثم أعود بما فتح الله علي من أقِطٍ وتمر وكسيرات كعك ، فنتداول الصلاة فيه…

حتى إذا وصلنا إلى الدار نادى : يا لبابة يا فلانة وفلانة ، حتى جئن جميعاً فأقعدني عن شماله ؛
وحل الهميان وقال : ابسطوا حجوركم ، فبسطت حجري ، وما كان لواحدة منهن قميص له حجر تبسطه فمددن أيديهن ،

وأقبل يعد ديناراً ديناراً ، حتى إذا بلغ العاشر قال ، وهذا لك ،
حتى فرغ الهميان فنال كل واحدة منهن مائة دينار و نالني مائة)).

******

ولما أذن المغرب وحف نساء الشيخ بمائدة كموائد الناس ، عليها الطيبات من الطعام ، قال لامرأته:

أرأيت يا لبابة ؟ إن الله لا يضيع أجر الصابرين ، إن الله هو أرحم الراحمين ، يا لبابة ،
لقد منعنا أنفسنا دينارا حراما ، فجاءنا الله بألف حلال.
وأكل الشيخ لقيمات ، ثم قام ليخرج ، فقالت له امرأته:

إلى أين يا أبا غياث؟

قال : أفتش ، فلعل في الناس فقيراً صائماً ، لا يجد ما يفطر عليه ، فنُـشـرِكه في طعامنا...


ذيل القصة:

قال الشيخ الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:

(وقد نفعني الله بهذه الدنانير فتقوتُّ بها ، وكتبت العلم سنين ، وعدت إلى مكة بعد ست عشرة سنة
فوجدت البنات ملكات تحت ملوك ، وعلمت أن الشيخ توفي بعد ما فارقته بشهور ،
فكنت أنزل على أزواجهن وأولادهن فأروي لهن القصة ، ويكرمونني غاية الإكرام.

وسألت عنهم بعد ذلك بأربعين سنة فعلمت أنه لم يبق منهم أحد ، رحمة الله عليهم جميعا)).
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:14 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. موقع و منتديات سدير 1432 هـ - 1435 هـ

جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه