رسائل جوال سيرة المصطفى

[بين السطور]

نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحصن أن من خرج من الحصن فهو حر فخرج إليه ثلاثة وعشرون رجلا منهم أبوبكرة الذي تدلى ببكرة مستديرة يستقى عليها فكناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكرة وأمر أن يمون من خرجوا من الحصن

لما طال الحصار واستعصى الحصن وأصيب المسلمون بما أصيبوا به من الرشق بالنبل وبسلك الحديد المحماة وكان أهل الحصن قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة استشار النبي عليه الصلاة والسلام نوفل بن معاوية فقال نوفل : هم ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك.

عزم النبي صلى الله عليه وسلم على رفع الحصار بعد مشورة نوفل بن معاوية وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يؤذن في الناس بالرحيل فأذن في الناس إنا راحلون غدا إن شاء الله ، فثقل عليهم وقالوا : نذهب ولا نفتحه؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما رأهم قد استثقلوا قرار فك الحصار أغدوا على القتال فغدوا فاصابتهم الجراح فقال: إنا غافلون غدا إن شاء الله فسروا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.

[بين السطور]

كان المؤلفة قلوبهم هم من نال نصيب الأسد في تلك الغنائم فقد أعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ومائة من الأبل فقال أبو سفيان: وابني يزيد فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مثلها فقال أبو سفيان: وأبني معاوية، فأعطاه مثلها

لما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف أقام بالجعرانة ولم يقسم الغنائم رجاء أن تأتيه هوازن مؤمنة وبقى ينتظر توبتهم بضع عشرة ليلة ولكن لم يجئه أحد فبدأ بقسمة المال ليسكت الطامعين من رؤساء القبائل وأشراف مكة.

أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم حكيم بن حزام مائة من الابل فسأله مائة أخرى فأعطاه وأعطى صفوان بن أمية ثلاثمائة من الإبل وأعطى الحارث بن الحارث مائة من الإبل

أعطى النبي صلى الله عليه وسلم رجالا من رؤساء قريش مائة مائة من الإبل وكذا أعطى خمسين خمسين وأربعين أربعين حتى شاع بين الناس أن محمد يعطي عطاء من لا يخشى الفقر فازدحم عليه الأعراب يطلبون منه المال.

[بين السطور]

قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنب بعيره فأخذ من سنامه وبرة ثم قال: أيها الناس والله مالي من فيئكم –غنائمكم- ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم، وهكذا تتجلى نزاهة النبي صلى الله عليه وسلم وزهده.

بعد إعطاء المؤلفة قلوبهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت رضي الله عنه بإحضار الغنائم ثم قسمها على الناس فكانت سهامهم لكل رجل إما أربعة من الإبل وإما أربعين شاة فإن كان فارسا أخذ أثني عشر بعيرا وعشرين ومائة شاة.

كان تقسيم الغنائم مبني على سياسة حكيمة ولكنها لم تفهم من قبل بعض المسلمين كما يجب فقد وجد بعض الأنصار في أنفسهم لأنهم لم يصيبوا من الغنائم شيئا فجاء سعد بن عبادة وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بما يجد قومه فقال له النبي عليه الصلاة والسلام أجمعهم لي ياسعد .

جمع سعد بن عباده قومه الأنصار في مجلس فجاء رجال من المهاجرين فدخلوا وجاء بعدهم مجموعة فلم يؤذن لهم ، فجاء إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال :يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم أنكم وجدتم علي في أنفسكم؟ .

[بين السطور]

قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار : ألم آتكم ضلالا فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قال الأنصار: بلى لله ورسوله الفضل والمنة فقال لهم ألا تجيبوني قالوا: بم نجيبك يا رسول الله ، لله ورسوله الفضل والمن.

قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: أما والله لو شئتم لقلتم ولصدقتم ولصدقتم: أتيتنا مخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فآسيناك أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم على لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار .

دعا النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار فقال: اللهم ارحم الأنصار وابناء الأنصار وأبناء ابناء الأنصار فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا : رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا.

[بين السطور]

بعد أن تم توزيع الغنائم أقبل وفد من هوازن مسلما وهم أربعة عشر رجلا على رأسهم زهير بن صرد وفيهم أبو برقان عم الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فأسلموا وبايعوا ثم قالوا يا رسول الله :إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وهن مخازي القوم .

قال النبي صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن : إن أحب الكلام إلي أصدقه فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ قالوا ما نعدل بالأحساب شيئا فقال: إذا صليت صلاة الظهر فقوموا فقولوا إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المؤمنين أن يرد إلينا سبينا .

قال النبي صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وقال المهاجرون والأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله فقال الأقرع أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة أما أنا وبنو فزارة فلا وقال ابن مرداس أما انا وبنو سليم فلا فقالت بنوسليم ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن هوازن: إن هؤلاء القوم جاءوا مسلمين فمن طابت نفسه فليرد سبيهم ومن أحب أن يمسك فليرد عليهم وله ست أضعاف ما عنده عند أول فيء يفي الله تعالى به فردهم المسلمون طيبة بذلك نفوسهم.

[بين السطور]

لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من قسمة الغنائم في الجعرانة أهل معتمرا منها فأدى العمرة وانصرف راجعا إلى المدينة وولي على مكة عتاب بن أسيد رضي الله عنه وكان رجوعه إلى المدينة قبل نهاية ذي القعدة سنة 8هـ بأسبوع.

بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة يستقبل الوفود ويبعث العمال ويبث الدعاة ويكبت من بقي من أهل الاستكبار والكفر وكان ذلك في السنة التاسعة من الهجرة وهو العام المسمى : عام الوفود.

لما هل هلال محرم سنة 9هـ بعث النبي صلى الله عليه وسلم المصدقين إلى القبائل –وهم المكلفون بجلب الزكاة أي العاملين عليها، فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم ويزيد بن الحصين إلى أسلم وغفار وعباد بن بشر إلى سليم ومزينة وغيرهم من عمال الزكاة.

بعث النبي صلى الله عليه وسلم لجلب الزكاة رافع بن مكيث إلى جهينة وعمرو بن العاص إلى فزارة والضحاك بن سفيان إلى بني كلاب وبشبر ين سفيان إلى بني كعب والمهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء وزياد بن لبيد إلى حضرموت وعدي بن حاتم إلى طيء واسد

[بين السطور]

بعث النبي صلى الله عليه وسلم لتحصيل الزكاة ابن اللتبية الأزدي إلى بني ذبيان و لما رجع قال: هذا لكم وهذا أهدي إلى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال الرجل نبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي فهلا جلس في بيت ابيه أو أمه فينظر أيهدى له أم لا ! فرها ابن اللتبية في الزكاة .

بعث النبي صلى الله عليه وسلم لجمع الزكاة مالك بن نويرة إلى بني حنظلة والزبرقان بن بدر إلى بني سعد وقيس بن عاصم إلى بعض بني سعد والعلاء الحضرمي إلى البحرين .

لم يبعث كل العمال المكلفون بجمع الزكاة في شهر واحد بل تأخر بعث بعضهم ولكن كانت بداية بعث عمال الزكاة في محرم سنة9هـ وهذا يدل على انتشار الإسلام وقوة شوكته ودخول الناس فيه.

بعث النبي صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزاري في محرم سنة 9هـ إلى بني تميم في خمسين فارسا ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري وسببها أن بني تميم كان قد أغروا القبائل ومنعوهم من دفع الجزية فهاجمهم عيينة رضي الله عنه.

[بين السطور]

أسر عيينة رضي الله عنه من بني تميم أحد عشر رجلا وإحدى وعشرين امرأة وثلاثين صبيا وساقهم إلى المدينة فأنزلوا في دار رملة بنت الحارث رضي الله عنها فجاء وفد من تميم إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه فخرج عليهم.

سمع النبي صلى الله عليه وسلم من بني تميم ثم مضى فصلى الظهر وجلس في صحن المسجد فأظهروا رغبتهم في المفاخرة ، وقدموا خطيبهم عطارد فتكلم فأمر النبي عليه الصلاة السلام ثابت بن قيس رضي الله عنه فأجابهم فقدموا شاعرهم الزبرقان فأنشد مفتخرا فأجابه حسان رضي الله عنه .

لما فرغ الشاعران قال الأقرع بن حابس خطيبه أخطب من خطيبنا وشاعره أشعر من شاعرنا وأصواتهم أعلى من أصواتنا وأقوالهم أعلى من أقوالنا ثم اسلموا فأجازهم النبي صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم ورد عليهم النساء والصبيان.

بعث النبي صلى الله عليه وسلم الضحاك بن سفيان الكلبي رضي الله عنه إلى بني كلاب في ربيع الأول سنة 9هـ وذلك لدعوتهم إلى الإسلام فأبوا وقاتلوا فهزمهم المسلمون وقتلوا منهم رجلا

[بين السطور]

بعث النبي صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجرز المدلجي إلى سواحل جدة في ربيع الآخر سنة 9هـ في ثلاثمائة رجل إلى رجال من الحبشة كانوا قد اجتمعوا بالقرب من الساحل للقيام بعمليات قرصنة فخاض علقمة البحر حتى وصل إلى جزيرة فهرب الأحباش.

بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خمسين ومائة راكب على مائة بعير وخمسين فرس إلى صنم لطي يقال له القلس –ليهدمه- وأعطاه راية سوداء ولواء أبيضا وكان ذلك في شهر ربيع الأول من سنة 9هـ

لما طلع الفجر شن علي رضي الله عنه بجيشه الغارة على محلة حاتم الطائي فهدموا صنمهم وسبوا وغنموا وهرب عدي بن حاتم إلى الشام ووجد المسلمون في خزانته ثلاثة أسياف وثلاثة أدرع فقسموا الغنائم ولم يقسموا آل حاتم.

كان في السبي أخت عدي فاستعطفت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسول الله غاب الوفد وانقطع الولد وأنا عجوز كبيرة مابي من خدمة فمن علي من الله عليك قال النبي عليه الصلاة والسلام: ومن وافدك قالت :عدي قال: الذي فر من الله ورسوله؟

[بين السطور]

مر النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي بأخت عدي بن حاتم فقالت :غاب الوفد وانقطع الولد وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة ،فرد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم برده الأول فلما كان اليوم الثالث استعطفته فمن عليها وأطلق سراحها .

لحقت أخت عدي بن حاتم بأخيها في الشام فلما التقت به حدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها ائته راغبا أو راهبا فجاء عدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير كتاب ولا أمان.

انطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعدي بن حاتم إلى داره فلما أجلسه بين يديه حمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال له: ما يفرك؟ أيفرك أن تقول لا إله إلا الله فهل تعلم إله سوى الله؟ فقال: لا فقال إنما تفر أن يقال الله أكبر فهل تعلم شيئا أكبر من الله؟ فقال: لا

قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم فإن اليهود مغضوب عليهم وإن النصارى ضالون، فقال عدي فإني مسلم حنيف، فانبسط وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به فنزل عند رجل من الأنصار وجعل يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم طرفي النهار.

[بين السطور]

روى ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلس عدي بن حاتم بين يديه قال له: إيه يا عدي ألم تكن ركوسيا؟ قال: بلى، قال ألم تكن تسير في قومك بالمرباع قال: بلى، قال: فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك

بينما كان عدي بن حاتم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء رجل فشكا الفاقة والفقر وأتاه آخر فشكا قطع السبيل فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عدي: هل رأيت الحيرة، فإن طالت بك الحياة فلترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف إلا الله.

قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم لئن طالت بك الحياة لتفتحن كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بك الحياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة ويطلب من يقبله فلا يجد أحدا يقبله منه

قال عدي: رأيت الظعينة ترحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم الحياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج الرجل ملء كفه من ذهب أو فضة فلا يجد من يقبله.

[بين السطور]

حدث الأمر الثالث الذي تنبأ به النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه وهو أن يخرج الرجل بملء كفه ذهبا وفضة فلا يجد من يقبله وذلك في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله حيث فاض المال على الناس ولم يوجد أحد يقبل الصدقة.

كانت غزوة فتح مكة فرقان بين الحق والباطل وبداية لعهد التمكين لدعوة الإسلام فقد دخل الناس بعدها في دين الله أفواجا واستراح المسلمون من المتاعب الداخلية وتهيئوا لنشر تعاليم دينهم في شتى أنحاء المعمورة.

كانت الروم قوة تهدد الدولة الإسلامية وبدأ تعرضها للمسلمين بأن قام عامل الروم شرحبيل بن عمرو بقتل للصحابي الجليل الحارث بن عمير رضي الله عنه وهو في طريقه لإيصال رسالة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظيم بصرى وكان ذلك سببا لمعركة مؤتة.

[بين السطور]

بالرغم من أن المسلمين قد فقدوا أبطالا عظاما في معركة مؤتة إلا أن رجوع الجيش الإسلامي بعد ذلك اللقاء دون أن يسحق على يد الروم أكسبه سمعة طيبة أقلقت قيصر الروم فأخذ يعد العدة لغزو المسلمين في قعر دارهم وكسر شوكتهم.

بلغت المدينة المنورة أخبار جيش الروم الذي يتجهز لدهم المدينة فأصبح الصحابة الكرام في حالة ترقب وحذر فما يسمعون صوتا غريبا إلا حسبوه زحف الروم وكانوا لا ينامون إلا والسلاح تحت رؤوسهم وهم يتوقعون العدو في أي لحظة.

يدل على القلق من الروم ما أخبر به عمر رضي الله عنه أنه كان يتعاقب مع أنصاري على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل كل واحد للآخر ما دار في غيبته فلما اعتزل النبي عليه الصلاة والسلام نساءه جاء الأنصاري فقدق الباب فقال عمر: جاء الروم؟

[بين السطور]

في هذه الظروف التي كان الروم يعدون فيها للهجوم الكاسح على المدينة أسس المنافقون وكرا للتآمر في صورة مسجد ليكونوا عونا للأعداء على الإسلام وأهله وعرضوا على الرسول عليه الصلاة والسلام الصلاة فيه فلم يجبهم لطلبهم.

لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك قام بهدم مسجد الضرار الذي بناه المنافقون للدس والتآمر وقد أنزل الله تعالى عليه: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل...)الآيات

كان الأنباط الذي يقدمون من الشام إلى المدينة يتاجرون بالزيت هم مصدر الأخبار عن تحركات الروم وكانوا يتحدثون عن جيش قوامة أربعون ألف مقاتل فيه من قبائل لخم وجذام وغيرهما من متنصرة العرب وأن مقدمتهم بلغت موضعا يقال له بلقاء.

[بين السطور]

صادف إعداد الروم للزحف على المدينة زمن الصيف حيث الحر الشديد وكان الناس في عسر وبلاء وقلة في وسائل الحركة وكانت المسافة إلى بلاد الروم بعيدة وكانت الثمار قد طابت فكانوا يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم

كان النبي صلى الله عليه وسلم يدرك المخاطر ويحسب حساب العواقب ويعرف قدر التحديات، كان يعرف أنه لو سمح للروم بغزوه سيكون لذلك الأثر السيئ على سمعة المسلمين العسكرية وعلى دولته الناشئة ولذا قرر أن يقوم بهجمة استباقية.

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغزو بلدا تكلم عن بلد آخر للتعتيم ولكنه في غزوة تبوك أخبر أصحابه صراحة بتوجهه إلى الروم وذلك لخطورة المهمة ومشقتها حتى يتهيأ كل واحد منهم نفسيا لهذه المهمة العسيرة ويتأهبوا تأهبا كاملا.