والنبي صلى الله عليه وسلم بريء منه ، لما روي انه صلى الله عليه وسلم قال : (( حلت شفاعتي لأمتي ، إلأا صاحب بدعة )) [ذكره الشاطبي في الاعتصام] .
والبدعة رافعة للسنن التي تقابلها ، وليس لصاحبها توبة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله حجر التوبة عن كل صاحب بدعة )) [كذا في الشاطبي] .
وهو ملعون شرعاً لقوله عليه السلام : (( من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )) [ذكره الشاطبيعن مالك] ، ومعلوم لكل ذي لب : أن هذه الطرق كلها محدثة ، لأن ما لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دينا فهو بدعة باتفاق السلف والخلف .
ويبعد صاحبها عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم لحديث رواه مالك في الموطأ ، ولفظه : (( فليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم : ألا هلم هلم ، فيقال : إنهم قد بدلوا بعدك ، فاقول : فسحقا ، فسحقا ، فسحقا )) .
وقد تبرأ الله ورسوله من أصحاب البدع ، وقال تعالى : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء )) ، وفي الحديث : (( أنا برئ منهم ، وهم برآء مني )) [ذكره الشاطبي في الاعتصام] .
وعن يحيى بن أبي عمر الشيباني ، قال : ( كان يقال : يأبى الله لصاحب بدعة بتوبة ، وما انتقل صاحب بدعة إلا إلى شر منها ) .
وقال عمر بن عبد العزيز سن رسول الله صلى الله عليه وسلم سننا ، وسن ولاة الأمر من بعده سنناً الاخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعتة الله وقوة على دين الله ، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها ، من عمل بها مهتد ومن انتصر بها منصور ، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً ) .
ومما يعزي لأبي إلياس الألباني : ( ثلاث لو كن في ظفر لوسعهن ، وفيهن خير الدنيا والآخرة ، اتبع ولا تبتدع ، اتضع ولا ترتفع ، ومن ورع لا يتسع ) .
كذا في الشاطبي عنهم ، والآثار هنا كثيرة جداً ، حاصله ان صاحب البدعة لا توبة له ، لأنه إذا خرج عنها إنما يخرج إلى ما هو شر منها ، كما في حديث أبي ذر ، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( سيكون من أمتي قوم يقرؤن القرآن لا يجاوز حلاقيمهم ، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه ، هم شرار الخلق والخليقة )) .
فهذه شهادة ان المبتدع لا توبة له ، وسبب بعده عن التوبة أن الدخول تحت أوامر الشريعة صعب على النفس ، لأنه أمر يخالف الهوى ، ويصد عن سبيل الشهوات ، فيتقل عليها جداً ، لأن الحق ثقيل والنفس غنما تنشط بما يخالف هواها لا بما يخالفه ، وكل بدعة فللهوى فيها مدخل لأنها راجعة إلى نظر مخترعها ، لا إلى نظر الشارع ، فكيف يمكنه الخروج عن ذلك ؟! ودواعي الهوى تحسن له ما تمسك به ؟ فتراه منهمكاً في أوراده ليلاً ونهاراً ، لا يفتر عن ذلك ، ومع ذلك فمثواه النار ، قال تعالى : { وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية ****** ، وقال : { هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ****** ، وما ذاك إلا لخفة يجدونها في ذلك الالتزام ، ويرى أن أعماله أفضل من أعمال غيره ، أفيفيد البرهان مطلباً { كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ****** .
علم مما تقدم أن المبتدع لا توبة له ، وحينئذ يخاف عليه سوء الخاتمة والعياذ بالله ، لأنه مرتكب إثماً عاص لله تعالى ، فيخشى عليه عند موته أن يستفزه الشيطان ، ويغلبه على قلبه ، حتى يموت على التغيير والتبديل ، حيث كان مطيعاً له فيما تقدم من زمانه .
فلنقتصر على ما ذكرنا وبالله التوفيق .