رسائل جوال سيرة المصطفى

[بين السطور]

أوصى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بأربعة أيام بثلاثة أمور، أوصى بإخراج اليهود من جزيرة العرب، وأوصى بإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزهم ونسي الراوي الثالثة ولعلها الاعتصام بالكتاب والسنة، أو إنفاذ جيش أسامة أو الصلاة وما ملكت أيمانكم.

مع اشتداد المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه كان يصلي بأصحابه الكرام حتى يوم الخميس قبل اربعة أيام من وفاته فقد اشتد عليه المرض بعد أن صلى بالناس صلاة المغرب فقرأ فيها سورة المرسلات.

[بين السطور]

لما حضرت صلاة العشاء زاد ثقل المرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لم يستطع الخروج للمسجد قالت عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اصلى الناس؟ قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لي ماء بالمخضب ففعلنا فاغتسل فذهب ليتوضأ فأغمي عليه.

أغمي على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستطع الخروج لصلاة العشاء فلما افاق قال قال لأهله: هل صلى الناس؟ فقالوا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لي ماء في المخضب فلما أراد القيام أغمي عليه وتكرر ذلك ثلاث مرات وفي ذلك بيان لشديد حرضه على هذه الشعيرة العظيمة .

[بين السطور]

لما تيقن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يستطيع الخروج للصلاة بالناس في هذا المرض قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فصلى بهم أبوبكر رضي الله عنه سبعة عشر صلاة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

راجعت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أوثلاث مرات ليصرف الإمامة عن أبيها أبي بكر رضي الله عنه وكانت تقول : إنه رجل أسيف أي كثير البكاء فأبى وقال: إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس.

[بين السطور]

قبل وفاته بيوم أو يومين وجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة فخرج بين رجلين لصلاة الظهر وأبوبكر يصلي بالناس فلما رآه أبوبكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه بأن لا يتأخر وقال: أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى يسار ابي بكر رضي الله عنه فكان أبوبكر يقتدي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويسمع الناس التكبير.

[بين السطور]

يوم الأحد قبل يوم من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أعتق غلمانه وتصدق بسبع دنانير كانت عنده ووهب سلاحه للمسلمين وفي تلك الليلة استعارت عائشة رضي الله عنها الزيت من جارتها للمصباح وكانت درعه مرهونة ليهودي بثلاثين صاعا من شعير.

بينما كان المسلمون في صلاتهم فجر يوم الأثنين الذي قبض فيه خرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ففرح به الناس حتى كادوا أن يفتتنوا في صلاتهم وتراجع أبوبكر رضي الله عنه وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم سيأتي للصلاة بهم.

[بين السطور]

أشار النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام بمواصلة الصلاة وابتسم ابتسامة عريضة مشرقة ثم دخل الحجرة وأرخى الستر وكان ذلك آخر بروز للنبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه الكرام .

فلما ارتفعت الشمس دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة فسر لها بكلام فبكت ثم دعاها فسر لها كلاما فضحكت فلما سألت لاحقا قالت: سرني أنه سيقبض في مرضه هذا فبكيت ثم سرني أني أول من يلحق به من أهل بيته فضحكت رضي الله عنها و أرضاها وصلى الله وسلم على أبيها .

[بين السطور]

دعا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم الحسن والحسين فقبلهما وأوصى بهما خيرا ثم دعا نساءه فوعظهن وذكرهن وكانت فاطمة تقول وكرب أباه فقال: ليس على أبيك كرب بعد اليوم.

وجد النبي صلى الله عليه وسلم أثر السم الذي وضعته له اليهودية في ذراع الشاة المسمومة بخيبر وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم الناس فقال: الصلاة الصلاة وما ملكت ايمانكم وكرر هذه الوصية مما يدلل على أهمية الصلاة و وجوب المحافظة عليها .

[بين السطور]

كانت عائشة رضي الله عنها تقول: إن من نعم الله علي أن وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي ليلتي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته وقصدت بذلك السواك الذي ألانته له صلى الله عليه وسلم .

دخل عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده سواك وكانت عائشة مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأته ينظر إلى السواك في يد عبد الرحمن فقالت له: آخذه لك فاشار إليها نعم فأخذت السواك فلينته بأسنانها ودفعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاك به أحسن استياك كأنه يتهيأ للقاء ربه جل وعلا .

[بين السطور]

كان أمام النبي صلى الله عليه وسلم ماء فكان يدخل يده فيه فيقول: لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ولما فرغ من السواك رفع يده أو أصبعه وشخص ببصره نحو السقف وتحركت شفتاه فأصغت إليه عائشة وهو يقول: مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والشهداء والصالحين.

[بين السطور]

كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم يوم الأثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة 11هـ الذي قبض فيه ثلاث وستون سنة وأربعة أيام قضاها صالحا راشدا مجاهدا قانتا لله حنيفا لم يعبد فيها صنما ولم يشرب فيها خمرا ولم يقارف فيها ظلما.

تسرب النبأ الفادح في المدينة فاظلمت وحزنت قال أنس بن مالك رضي الله عنه ما رأيت يوما قط أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأيت يوما قط أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[بين السطور]

قالت فاطمة رضي الله عنها بعد أن انتقل والدها عليه الصلاة والسلام: يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه في جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، وقد عم الحزن نساء المدينة ورجالها فرسول الله صلى الله عليه وسلم الأب الروحي لجميع المسلمين بل هو إمامهم و قدوتهم و سبب هدايتهم و هداية البشرية جمعاء .

أخرج خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عمر من وعيه فقال: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات وإنما ذهب إلى ربه كما غاب موسى عليه السلام عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم وو الله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم.

[بين السطور]

أقبل ابوبكر رضي الله عنه على فرسه من منزله بالسنح فلم يكلم أحدا حتى دخل المسجد فدخل حجرة عائشة فاقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغطى بثوب فكشف وجهه فقبله وبكى وقال بأبي أنت وأمي لا يجمع الله عليك موتتبن أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها.

خرج أبوبكر رضي الله عنه ليكلم الناس وكان عمر قائما يتكلم فقال له: إجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس إلى أبي بكر فقال لهم: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى: ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم .. )

[بين السطور]

لما قرأ أبوبكر رضي الله هذه الآية عرف الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات قال ابن عباس رضي الله عنهما: "والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبوبكر رضي الله عنه فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها.

قال سعيد بن المسيب قال عمر رضي الله عنه: والله ما هو إلا أن سمعت ابابكر تلاها فعقرت حتى ما تنقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الارض حين سمعته تلاها فعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات

[بين السطور]

تداول الصحابة الكرام حول من يكون الخليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستمرت المداولة مدة ثم اتفقوا على ابي بكر رضي الله عنه وفي يوم الثلاثاء غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم

كان القائمون على غسله صلى الله عليه وسلم العباس وعلي وقثم والفضل ابني العباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسامة بن زيد رضي الله عنهما وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه وأسامة وشقران يصبان الماء وعلي يغسل النبي صلى الله عليه وسلم.

[بين السطور]

أسند أوس النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره ثم كفنوه في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولاعمامة أدرجوه فيها إدراجا واختلفوا في موضع دفنه فقال أبوبكر رضي الله عنه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما نبي قبض إلا دفن حيث قبض.

رفع أبو طلحة فراش النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه فحفر تحته وجعل القبر لحدا ودخل الناس الحجرة عشرة عشرة يصلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتقدم يؤمهم أحد تكريما لرسول الله صلى الله عليه وسلم.