بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أحياناً تكون هناك أفكار تتضارب في رأس الواحد منا ، تتزاحم حتى لا تعرف بأيهم تبدأ.!
و تحاول جاهداً أن ترتب هذه الأفكار ، و يختلف أسلوب الترتيب من شخص لآخر ، و إن كان المنطق يقول أن الشخص يرتبها حسب الأهمية ، و هنا يتبين الاختلاف لأن أهمية الأمور تختلف من شخص لآخر.
كل هذا يمكن أن نتجاوزه إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في نظري عند محاولة صياغة هذه الفكرة كتابةً و أفراغها على الورق ، و هنا تقف اللغة حاجزاً ، و تتلعثم الأصابع على لوحة المفاتيح.!
حتى عندما تكون تجربتك ثرية في الكتابة و لم تكن تجد صعوبة في إفراغ أفكارك إلا أن هناك بعض الأفكار تجعلك مكبلاً لا تقدر على الحركة ، أو تحد من حريتك كثيراً فلا تدري كيف تبدأ.!
هناك مثلاً المحاذير الاجتماعية ، هذه القيود التي فرضها المجتمع على الأشخاص لا بل على الأفكار و ثقافة العيب ، و نحن مجتمع محافظ ، و المكان الذي تكتب فيه هو مكان له خصوصية ، كل هذه أمور سوف تحد من منظورك و تقصقص ريش رؤيتك حتى أنه في بعض الأحيان لن تستطيع التحليق و ستبقى رابضاً في الأرض لا تقوى على تغطية الفكرة التي تنوي إيصالها و هنا تتقاعس النفس و تذوب الفكرة في دهاليز النسيان.!
المشكلة الأكبر هي عندما يربط البعض هذه المحاذير الاجتماعية بالعقيدة ، و يأتي إليك محملاً بكل هذا الإرث ، و يرى أن مناقشتك له هي تحدي واضح لله جل في علاه ، و كفرٌ صريح يؤدي بك إلى نار جهنم و العياذ بالله.!
هذه المحاذير الاجتماعية التي أخذها الكثير على أنها مسلمات تحرم مناقشتها ، ما الذي جعلها كذلك؟
أليس من المفترض و هي تؤثر حتى على طريقة تفكيرنا و نظرتنا أن نناقشها؟
و عن طريقة التفكير يخطر في بالي نقاش دار بيني و بين الأخ لواء العز عن التعليم ، و هنا قد يطرح أحدكم تساؤلاً عن العلاقة بين طريقة التفكير و التعليم ، و لذا أقول أن العلاقة هي علاقة وثيقة و قوية ، و قد أعجبتني فقرة في كتاب ( الغرب و العالم – الجزء الأول ) لمؤلفه ( كافين رايلي ) ، ترجمة ( عبدالوهاب المسيري و آخرون ) ، و تقول هذه الفقرة التالي :-
" التعليم هو معرفة كيف نخلق الحقائق و التفسيرات ، و كيف نختبرها للتأكد من صحتها ، و كيف نطرح أسئلة مفيدة و نجيب عليها ، و نخلق معنى ما ، و نقيّم مدى الدقة ، و نفكر بشكل نقدي و واضح."
التعليم هو أحد أهم وسائل التنشئة و هو الموضوع الذي ناقشناه في أحد أوتاد أخونا الـسـفـيـر و التي لم يسعدنا بإدراج ثالثها بعد ، و إن كنت أظن أنه تناسى الموضوع برمته.!
إن الناظر إلى طريقة التعليم في مؤسساتنا التعليمية من الصف الأول الابتدائي حتى نهاية الصفوف الجامعيّة يجد أن لا فرق بين الطريقة و الإستراتيجية أو حتى الأسلوب ، و هنا مكمن المشكلة ، فلو أخذنا التعريف السابق للتعليم و تمت مقارنته بالطريقة و الإستراتيجية و الأسلوب المتبع في مدارسنا و جامعاتنا لوجدنا الفرق الكبير و الخلل العميق.
من أكبر الأدلة و أعمقها على هذا الخلل هو ما نسمعه من حين لآخر عن أحد طلبتنا / طالباتنا ، الدارسون في الخارج و تفوقهم العلمي ، فما الذي أختلف بنظركم؟
بالتأكيد أن الذي أختلف هو الطريقة و الأسلوب ، و إلا فالشخص هو الشخص.!
كما أن بعض العادات الاجتماعية يعتبر قيداً يكبل العقل و بالتالي يؤثر على أسلوب التفكير و طريقة المعالجة ، و لعلي أختم بمقطع من نفس الكتاب ( الغرب و العالم ) ، يقول:-
" لكي نعرف مدى مرونة عاداتنا الاجتماعية أو جمودها ، فعلينا أن نتساءل كيف ظهرت و متى ؟ و إذا شئنا أن نعرف كيف يمكن تغييرها ، فإن علينا أن نعرف ما الذي جعلها على هذا النحو ، و ما أفضى بنا إلى هذه النقطة؟ و إذا كنا قد اخترنا أسلوباً في الحياة من بين عدة أساليب ، فمتى قمنا بذلك الاختيار؟ ، و لماذا؟ ، و ماذا كانت البدائل؟ و لماذا لم يقع عليها الاختيار؟ "
تحيّة تشبهكم و سلام.