العودة   منتديات سدير > ¨° المنتدى الترفيهي °¨ > ¨° التراث والسياحة °¨

¨° التراث والسياحة °¨ نوادر- أدوات قديمة - قصص وقصائد من التراث - تبادل الخبرات و التجارب في مواقع وأزمنه و وسائل و طرق الرحلات البرية و الصيد ، والسفر والسياحة .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-06-2011, 02:05 AM   #106
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

2

وفي الليلة التالية استأنفت شهرزاد الحكاية ، قالت :
بلغني أيها الملك السعيد أن طالب بن سهل سار هو وأصحابه يقطعون البلاد من الشام إلى أن دخلوا مصر ،
فتلقاه أمير مصر وأنزله عنده وأكرمه غاية الإكرام في مدة إقامته عنده،
ثم بعث معه دليلاً إلى الصعيد الأعلى حتى وصلوا إلى الأمير موسى بن نصير .

فلما علم به خرج إليه وتلقاه وفرح به فناوله الكتاب فأخذه وقرأه وفهم معناه ووضعه على رأسه ، وقال :
سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين ، ثم إنه اتفق رأيه على أن يحضر أرباب دولته فحضروا فسألهم عما بدا لهم في الكتاب ، فقالوا :

أيها الأمير إن أردت من يدلك على طريق ذلك المكان ، فعليك بالشيخ عبد الصمد بن عبدالقدوس الصمودي ،
فإنه رجل عارف وقد سافر كثيراً وهو خبير بالبراري والقفار والبحار وسكانها وعجائبها والأرضين وأقطارها فعليك به
فإنه يرشدك إلى ما تريده . فأمر بإحضاره فحضر بين يديه فإذا هو شيخ كبير قد أهرمه تداول السنين والأعوام
فسلم عليه الأمير موسى وقال له : يا شيخ عبدالصمد إن مولانا أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قد أمرنا بكذا وكذا ،

وأنا قليل المعرفة بتلك الأرض وقد قيل لي أنك عارف بتلك البلاد والطرقات ، فهل لك رغبة في قضاء حاجة أمير المؤمنين ؟

فقال الشيخ : اعلم أيها الأمير أن هذه الطريق وعرة بعيدة الغيبة قليلة المسالك . فقال له الأمير :
كم مسيرة مسافتها ؟ فقال : مسيرة سنتين ذهاباً ومثلها إياباً، وفيها شدائد وأهوال وغرائب وعجائب
وأنت رجل مجاهد وبلادنا بالقرب من العدو فربما تخرج النصارى في غيبتك والواجب أن تستخلف في مملكتك من يدبرها .

قال : نعم . فاستخلف ولده هارون عوضاً عنه في مملكته وأخذ عليه عهداً وأمر الجنود أن لا يخالفوه
بل يطاوعوه في جميع ما يأمرهم به فسمعوا كلامه وأطاعوه وكان ولده هارون شديد البأس هماماً جليلاً وبطلاً كميناً ،

وأظهر له الشيخ عبد الصمد أن الموضع الذي فيه حاجة أمير المؤمنين مسيرة أربعة أشهر وهو على ساحل البحر ،
وكله منازل تتصل ببعضها وفيها عشب وعيون ، فقال : قد يهون الله علينا ذلك ببركتك يا نائب أمير المؤمنين .

فقال الأمير موسى : هل تعلم أن أحداً من الملوك وطئ هذه الأرض قبلنا ؟
قال له : نعم يا أمير المؤمنين هذه الأرض لملك الإسكندرية داران الرومي ،

ثم ساروا ولم يزالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى قصر فقام تقدم بنا إلى هذا القصر الذي هو عبرة لمن اعتبر،
فتقدم الأمير موسى إلى القصر ومعهم الشيخ عبد الصمد وخواص أصحابه حتى وصلوا إلى بابه،

فوجدوه مفتوحاً وله أركان طويلة ودرجات وفي تلك الدرجات درجتان ممتدتان وهما من الرخام الملّون
الذي لم ير مثله والسقوف والحيطان منقوشة بالذهب والفضة والمعدن، وعلى الباب لوح مكتوب فيه باليوناني،

فقال الشيخ عبد الصمد : هل أقرأه يا أمير المؤمنين ؟ فقال له : تقدم واقرأ بارك الله فيك ،
فما حصل لنا في هذا السفر إلا بركتك فقرأه فإذا فيه شعر هو


قوم تراهم بعد ما صنعوا*****يبكي على الملك الذي نزعوا
فالقصر فيه منتهى خبر*****عن سادة في الترب قد جمعوا
أبادهـم موت وفرقهم*****وضيعوا في التراب ما جمعوا
كأنما حطوا رحالهـم*****ليستريحوا سرعة رجـعـوا



فلما قرأ هذه البيات بكى الأمير موسى حتى غشي عليه وقال له لا إله إلا الله الحي الباقي بلا زوال
ثم إنه دخل القصر فتحير من حسنه وبنائه ، ونظر إلى ما فيه من الصور والتماثيل وإذا على الباب الثاني أبيات مكتوبة ،
فقال الأمير موسى : تقدم أيها الشيخ واقرأ ، فتقدم وقرأ فإذا هي


كم معشر في قبابها نـزلوا*****على قديم الزمان وارتحلوا
انظر إلى ما بغيرهم صنعت*****حوادث الدهر إذ بهم نزلـوا
سموا كل ما لهم جمعـوا*****وخلفوا حظ ذاك وارتحلوا
كم لابسوا نعمة وكم أكلوا*****فأصبحوا في التراب قد أكلوا



فبكى الأمير موسى بكاء شديداً ، واصفرت الدنيا في وجهه ، ثم قال : لقد خلقنا لأجل هذا .
ثم تأملوا القصر فإذا هو قد خلا من السكان ، وعدم الأهل والقطان ،
دوره مرصعات ، وجهاته مقفرات ، وفي وسطه قبة عالية شاهقة في الهواء وحواليها أربعمائة قبر
فبكى الأمير موسى ومن معه، ثم دنا من القبة فإذا لها ثمانية أبواب من خشب الصندل بمسامير من الذهب
مكوكبة بكواكب الفضة مرصعة بالمعادن من أنواع الجواهر مكتوب على الباب الأول هذه الأبيات


ما قد تركت فما خلفته كرماً*****بل بالفضاء وحكم في الورى جاري
فطالما كنت مسروراً ومغتبطاً*****احمي حماي كمثل الضيغم الضاري
حتى رمـيت بـأقـدار مـقـدرة*****شحاً عليه ولو ألقيت في الـنارِ
إن كان موتي محتوماً على عجل*****فلم أطق دفعه عني بإكثاري



فلما سمع الأمير موسى هذه الأبيات بكى بكاء شديداً حتى غشي عليه، فلما أفاق دخل القبة،
فرأى فيها قبراً طويلاً هائل المنظر، وعليه لوح من الحديد الصيني ، فدنا منه الشيخ عبدالصمد وقرأ
فإذا فيه مكتوب بسم الله الدائم الأبدي الأبد بسم الله الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد
بسم ذي العزة والجبروت باسم الحي الذي لا يموت.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

يتبع
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-06-2011, 02:06 PM   #107
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

3



وفي الليلة التالية استأنفت شهرزاد الحكاية ، قالت :
بلغني أيها الملك السعيد أن الشيخ عبد الصمد لما قرأ ما ذكرناه رأى مكتوباً في اللوح ،
أما بعد أيها الواصل إلى هذا المكان اعتبر بما ترى من حوادث الزمان وطوارق الحدثان ،
ولا تغتر بالدنيا وزينتها وزورها وبهتانها وغرورها وزخرفها فمنها ملاقاة مكارة غدارة أمورها
مستعارة تأخذ المعار من المستعير فهي كأضغاث النائم وحلم الحاكم كأنها سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء
يزخرفها الشيطان للإنسان إلى الممات، فهذه صفات الدنيا فلا تثق بها ولا تمل إليها
فإنها تخون من استند إليها وعَوَّلَ في أموره عليها ، لا تقع في حبالها ولا تتعلق بأذيالها ،
فإني ملكت أربعة آلاف حصان أحمر في دار وتزوجت ألف بنت من بنات الملوك نواهد أبكار كأنهن القمار،
ورزقت ألف ولد كأنهن الليوث العوابس، وعشت من العمر ألف سنة منعم البال والأسرار ،
وجمعت من الأموال ما يعجز عنه ملوك الأقطار ، كان ظني في النعيم يدوم لي بلا زوال ،
فلم أشعر حتى نزل بنا هادم اللذات ومفرق الجماعات وموحش المنافل ومخرب الدور العامرات ،
وإن سألت عن اسمي فإني كوش بن شداد ابن عاد الأكبر في ذلك اللوح مكتوب أيضاً هذه الأبيات

إن تذكروني بعد طول زماني*****وتقلب الأيام والحدثان
فأنا ابن شداد الذي ملك الورى*****والأرض أجمعها بكل مكان
دانت لي الزمر الصعاب بأسرها*****والشام من مصر إلى عدنان
قد كنت في عز أذل ملوكها*****وتخاف أهل الأرض من سلطان

فبكى الأمير موسى حتى غشي عليه لما رأى من مصارع القوم .
فبينما هم يطوفون بنواحي القصر ويتأملون في مجالسه ومتنزهاته ،
وإذا بمائدة على أربعة قوائم من المرمر مكتوب عليها ، قد أكل على هذه المائدة ألف ملك أعور ،
وألف ملك سليم العينين كلهم فارقوا الدنيا ، وسكنوا الأرماس والقبور .

وسار العسكر والشيخ عبد الصمد أمامهم يدلهم على الطريق حتى مضى ذلك اليوم كله وثانية وثالثة وإذا هم برابية عالية

فنظروا إليها فإذا عليها فارس من نحاس وفي رأس رمحه سنان عريض براق يكاد يخطف البصر مكتوب عليه :

أيها الواصل إلي إن كنت لا تعرف الطريق الموصلة إلى مدينة النحاس فافرك كف الفارس فإنه يدور ثم يقف ،

فأي جهة وقف إليها فاسلكها ولا خوف عليك ولا حرج فإنها توصلك إلى مدينة النحاس .

ففرك الأمير موسى كف الفارس فدار كأنه البرق الخاطف وتوجه إلى غير الجهة التي كانوا فيها
فتوجه القوم فيها وساروا فإذا هي طريق حقيقية فسلكوها ، ولم يزالوا سائرين يومهم وليلتهم حتى قطعوا بلاداً بعيدة .

فبينما هم سائرون يوماً من الأيام وإذا هم بعمود من الحجر الأسود وفيه شخص غائص في الأرض إلى إبطيه
وله جناحان عظيمان وأربع أيادي يدان منها كأيدي الآدميين ويدان كأيدي السباع فيهما مخالب
وله شعر في رأسه كأنه أذناب الخيل وله عينان كأنهما مرآتان
وله عين ثالثة في جبهته كعين سبع يلوح منها شرار النار وهو أسود طويل ، وينادي :
سبحان رب حكم النبلاء العظيم والعذاب الأليم إلى يوم القيامة .
فلما عاينه القوم طارت عقولهم واندهشوا لما رأوا من صفته وولوا فقال الأمير موسى للشيخ عبد الصمد : ما هذا ؟
قال : لا أدري ما هو ، فقال : ادن منه وابحث عن أمره فلعله يكشف عن أمره ولعلك تطلع على خبره ،
فقال الشيخ عبد الصمد : أصلح الله الأمير إننا نخاف منه ، قال : لا تخافوا فإنه مكفوف عنكم وعن غيركم بما هو فيه .

فدنا منه الشيخ عبد الصمد وقال له : أيها الشخص ما اسمك وما شأنك وما الذي جعلك في هذا المكان على هذه الصورة ؟
فقال له : أما أنا فإني عفريت من الجن واسمي داهش بن الأعمش ،
وأنا مكفوف ههنا بالعظمة محبوس بالقدرة معذب إلى ما شاء الله عز وجل .
قال الأمير موسى : يا شيخ عبد الصمد اسأله ما سبب سجنه في هذا العمود ؟
فسأله عن ذلك فقال له العفريت : إن حديثي عجيب وذلك أنه كان لبعض أولاد إبليس صنم من العقيق الأحمر
وكنت موكلاً به وكان يعبده ملك من ملوك البحر جليل القدر عظيم الخطر
يقود من عساكر الجان ألف ألف يضربون بين يديه بالسيوف ويجيبون دعوته في الشدائد ،
وكان الجان الذي يطعيونه تحت أمري وطاعتي يتبعون قولي إذا أمرتهم ،
وكانوا كلهم عصاة عن سليمان بن داود عليهما السلام وكنت أدخل في جوف الصنم فآمرهم وأنهاهم
وكانت ابنة ذلك الملك تحب ذلك الصنم كثيرة السجود له منهمكة على عبادته وكانت أحسن أهل زمانها ذات حسن وجمال وبهاء وكمال

فوصفتها لسليمان عليه السلام فأرسل إلى أبيها يقول له :
زوجني ابنتك واكسر صنمك العقيق وأشهد أن لا إله إلا الله وأن سليمان نبي الله
فإن أنت فعلت ذلك كان لك ما لنا وعليك ما علينا وإن أنت أبيت أتيتك بجنود لا طاقة لك بها ،
فاستعد للسؤال جواباً والبس للموت جلباباً فسوف أسير لك بجنود تملأ الفضاء وتدرك كالأمس الذي مضى ،

فلما جاءه رسول سليمان عليه السلام طغى وتجبر وتعاظم في نفسه .

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح


يتبع
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-06-2011, 06:06 PM   #108
عضو رائع
 
تم شكره :  شكر 1736 فى 585 موضوع
اخوالطيبين is an unknown quantity at this pointاخوالطيبين is an unknown quantity at this pointاخوالطيبين is an unknown quantity at this pointاخوالطيبين is an unknown quantity at this pointاخوالطيبين is an unknown quantity at this pointاخوالطيبين is an unknown quantity at this pointاخوالطيبين is an unknown quantity at this pointاخوالطيبين is an unknown quantity at this pointاخوالطيبين is an unknown quantity at this pointاخوالطيبين is an unknown quantity at this pointاخوالطيبين is an unknown quantity at this point

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

مجهود رائع وعطاء متدفق
اسد نجد اخذت من وقتك الكثير
لهذه النقاوة بأختيار المواضيع
وتزخ المنتدى برذاذها الجميل
تقبل مروري واعجابي بمحتوى المتصفح

التوقيع
الطيب من معدنه غير مستغرب
اخوالطيبين غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-06-2011, 11:59 PM   #109
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

  المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اخوالطيبين مشاهدة المشاركة  

مجهود رائع وعطاء متدفق
اسد نجد اخذت من وقتك الكثير
لهذه النقاوة بأختيار المواضيع
وتزخ المنتدى برذاذها الجميل
تقبل مروري واعجابي بمحتوى المتصفح

 

أهلا بك أخي الكريم وبتواجدك البهي

أسعدني جدا تشريفك لمتصفحي المتواضع

وأشكر لك إطرائك العطر ..

دمت دوما بخير وعافية ..
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 19-06-2011, 01:31 AM   #110
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

4




وفي الليلة التالية استأنفت شهرزاد الحكاية ، قالت:

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك تجبر وتعاظم في نفسه وتكبر ثم قال لوزرائه :
ماذا تقولون في أمر سليمان بن داود فإنه أرسل يطلب ابنتي وأن أكسر صنم العقيق ، وأن أدخل في دينه ؟ فقالوا :
أيها الملك العظيم هل يقدر سليمان أن يفعل بك وأنت في وسط هذا البحر العظيم
فإن هو سار إليك لا يقدر عليك فإن مردة الجن يقاتلون معك وتستعين عليه بصنمك الذي تعبده
فإنه يعينك وينصرك والصواب أن تشاور ربك في ذلك - يعنون به الصنم العقيق الأحمر - وتسمع ما يكون جوابه
فإن أشار عليك أن تقاتله ، فقاتله وإلا فلا ، فعند ذلك سار الملك من وقته وساعته ودخل على صنمه بعد أن قرب القربان وذبح الذبائح
وخر له ساجداً وجعل يبكي ويقول شعراً

يا رب إني عارف بقدركا****وها سليمان يروم كسركا
يا رب إني طالب لنصركا*****فأمر فإني طائع لأمركا
ثم قال ذلك العفريت الذي نصفه في العمود للشيخ عبد الصمد ومن حوله يسمع :
فدخلت أنا في جوف الصنم من جهلي وقلة عقلي وعدم اهتمامي بأمر سليمان وجعلت أقول شعراً

أما أنا فلست منه خائف*****لأني بكل أمر عارف
وإن يرد حربي فإني زاحف*****وإنني للروح منه خاطف

فلما سمع الملك جوابي له قوي قلبه وعزم على حرب سليمان نبي الله عليه السلام وعلى مقاتلته ،

فلما حضر رسول سليمان ضربه ضرباً وجيعاً ورد عليه رداً شنيعاً وأرسل يهدده ويقول له مع الرسول :
لقد حدثتك نفسك بالأماني أتتوعدني بزور الأقوال ، فإما أن تسير إلي وإما أن أسير إليك .
ثم رجع الرسول إلى سليمان وأعلمه بجميع ما كان من أمره وما حصل له .
فلما سمع نبي الله سليمان ذلك قامت قيامته وثارت عزيمته وجهز عساكره من الجن والإنس والوحوش والطير والهوام
وأمر وزيره الدمرياط ملك الجن أن يجمع مردة الجن من كل مكان ، فجمع له من الشياطين ستمائة ألف
وأمر آصف بن برخيا أن يجمع عساكره من الإنس فكانت عدتهم ألفاً أو يزيدون وأعدوا العدة والسلاح،
وركب هو وجنوده من الجن والإنس على البساط والطير فوق رأسه طائرة والوحوش من تحت البساط سائرة
حتى نزل بساحتك وأحاط بجزيرتك وقد ملأ الأرض بالجنود .، ثم أرسل إلى ملكنا يقول له :
ها أنا قد أتيت فاردد عن نفسك ما نزل ، وإلا فادخل تحت طاعتي وأقر برسالتي واكسر صنمك واعبد الواحد المعبود وزوجني ابنتك بالحلال
وقل أنت ومن معك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سليمان نبي الله ،
فإن قلت ذلك كان لك الأمان والسلامة وإن أبيت فلا يمنعك تحصنك مني في هذه الجزيرة
فإن الله تبارك وتعالى أمر الريح بطاعتي فأمرها أن تحملني إليك بالبساط وأجعلك عبرة ونكالاً لغيرك .

فجاء الرسول وبلغه رسالة نبي الله سليمان عليه السلام ، فقال له :
ليس لهذا الأمر الذي طلبه مني سبيل فأعلمه أني خارج إليه . فعاد الرسول إلى سليمان ورد عليه الجواب ،
ثم إن الملك أرسل إلى أرضه وجمع له من الجن الذين كانوا تحت يده ألف ألف ،
وضم إليهم غيرهم من المردة والشياطين الذين في جزائر البحار ورؤس الجبال ثم جهز عساكره وفتح خزائن السلاح وفرقها عليهم .

أما نبي الله سليمان عليه السلام فإنه رتب جنوده وأمر الوحوش أن تنقسم شطرين على يمين القوم وعلى شمالهم
وأمر الطيور أن تكون في الجزائر وأمرها عند الحملة أن تختلف أعينهم بمناقيرها ،
وأن تضرب وجوههم بأجنحتها وأمر الوحوش أن تفترس خيولهم ، فقالوا : السمع والطاعة لله ولك يا نبي الله

ثم إن سليمان نصب له سريراً من المرمر مرصعاً بالجوهر مصفحاً بصفائح الذهب الأحمر
وجعل وزيره آصف بن برخيا على الجانب الأيمن ووزيره الدمرياط على الجانب الأيسر وملوك الإنس على يمينه وملوك الجن على يساره
والوحوش والأفاعي والحيات أمامه ، ثم زحفوا علينا زحفة واحدة وتحاربنا معه في أرض واسعة مدة يومين
ووقع البلاء في الثالث فنفذ فينا قضاء الله تعالى وكان أول من حمل على سليمان أنا وجنودي ،
وقلت لأصحابي إلزموا مواطنكم حتى أبرز إليهم وأطلب قتال الدمرياط وإذا به قد برز كأنه الجبل العظيم
ونيرانه تلتهب ودخانه مرتفع فأقبل ورماني بشهاب من نار فغلب سهمه على ناري وصرخ صرخة عظيمة
تخيلت منها أن السماء انطبقت علي واهتزت لصوته الجبال .
ثم أمر أصحابه فحملوا علينا حملة واحدة وحملنا عليهم وصرخ بعضنا على بعض وارتفعت النيران وعلا الدخان
وكادت القلوب أن تنفطر وقامت الحرب على ساق، وصارت الطيور تقاتل في الهواء والوحوش تقاتل في الثرى ،
وأنا أقاتل الدمرياط حتى أعياني وأعييته . ثم بعد ذلك ضعفت وخذلت أصحابي وجنودي وانهزمت عشائري
وصاح نبي الله سليمان هذا الجبار العظيم ، فحملت الإنس على الإنس ، والجن على الجن ، ووقعت بملكنا الهزيمة وكنا لسليمان غنيمة ،
وحملت العساكر على جيوشنا والوحوش حولهم يميناً وشمالاً ،
والطيور فوق رؤوسنا تخطف أبصار القوم تارة بمخالبها ، وتارة بمناقيرها ، وتارة تضرب بأجنحتها في وجوه القوم
والوحوش تنهش الخيول وتفترس الرجال ،
حتى أكثر القوم على وجه الأرض كجذوع النخل .

وأما أنا فطرت من بين أيادي الدمرياط فتبعني مسيرة ثلاثة أشهر حتى لحقني ووقعت كما ترون.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح


يتبع
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-06-2011, 12:19 AM   #111
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

5




وفي الليلة التالية استأنفت شهرزاد الحكاية ، قالت:

بلغني أيها الملك السعيد أن الجني الذي في العامود لما حكى لهم حكايته من أولها إلى أن سجن في العامود ، قالوا له :
أين الطريق الموصلة إلى مدينة النحاس ؟ فأشار إلى طريق المدينة وإذا بينهم وبينها خمسة وعشرون باباً لا يظهر منها باب واحد ولا يعرف له أثر،
وسورها كأنه قطعة من جبل أو حديد صب في قالب ، فنزل القوم ونزل الأمير موسى والشيخ عبد الصمد
واجتهدوا أن يعرفوا لها باباً ويجدوا لها سبيلاً فلم يصلوا إلى ذلك . فقال الأمير موسى :
يا طالب كيف الحيلة في دخول هذه المدينة فلابد أن نعرف لها باباً ندخل منه ؟ فقال طالب :
أصلح الله الأمير لنستريح يومين أو ثلاثة وندبر الحيلة إن شاء الله تعالى في الوصول إليها والدخول فيها .

فعند ذلك أمر الأمير موسى بعض غلمانه أن يركب جملاً ويطوف حول المدينة لعله يطلع على أثر باب ،
أو موضع قصر في المكان الذي هم فيه نازلون فركب بعض غلمانه وسار حولها يومين بلياليهما يَجِّدُ السير ولا يستريح ،
فلما كان اليوم الثالث أشرف على أصحابه ، وهو مدهوش لما رأى من طولها وارتفاعها ، ثم قال : أيها الأمير إن أهون موضع فيها هذا الموضع .

ثم إن الأمير موسى أخذ طالب بن سهل والشيخ عبد الصمد ، وصعد على جبل مقابلها وهو مشرف عليها ،
فلما طلعوا ذلك الجبل رأوا مدينة لم تر العيون أعظم منها ،
قصورها عالية وقبابها زاهية ودورها عامرات وأنهارها جاريات وأشجارها مثمرات وأنهارها يانعات
وهي مدينة بأبواب منيعة خالية مدة لا حس فيها ، ولا انس يصفر ، البوم في جهاتها ، ويحوم الطير في عرضاتها ،
وينمق الغراب في نواحيها وشوارعها ويبكي على من كان فيها .

فوقف الأمير موسى يتندم على خلوها من السكان ، وخرابها من الأهل والقطان ، وقال :
سبحان من لا تغيره الدهور والأزمان خالق الخلق بقدرته ، فبينما هو يسبح الله عز وجل
إذ حانت منه التفاتة إلى جهة وإذا فيها سبعة ألواح من الرخام الأبيض وهي تلوح من البعد ،
فدنا منها فإذا هي منقوشة مكتوبة فأمر أن تقرأ كتابتها ، فتقدم الشيخ عبد الصمد وتأملها وقرأها
فإذا فيها وعظ واعتبار وزجر لذوي الأبصار ،
مكتوب على اللوح الأول بالقلم اليوناني :
يا ابن آدم ماذا أغفلك عن أمر هو أمامك قد ألهتك عنه سنينك وأعوانك أما علمت أن كأس المنية لك يترع وعن قريب له تتجرع
فانظر لنفسك قبل دخولك رمسك أين من ملك البلاد وأذل العباد وقاد الجيوش نزل بهم والله هادم اللذات ومفرق الجماعات
ومخرب المنازل العامرات فنقلهم من سعة القصور إلى ضيق القبور .
وفي أسفل اللوح مكتوب هذه الأبيات

أين الملوك ومن بالأرض قد عمروا*****قد فارقوا ما بنوا فيها وما عمروا
وأصبحوا رهن قبر بالذي عملوا*****عادوا رميماً به من بعد ما دثروا
أين العساكر ما ردت وما نفعـت*****وأين ما جمعوا فيها وما ادخروا
أتاهم رب العرش علـى عجل*****لم ينجهم منه أموال ولا وزر

فبكى الأمير موسى وجرت دموعه على خده ، وقال :
والله إن الزهد في الدنيا هو غاية التوفيق ونهاية التحقيق .
ثم إنه أحضر دواة وقرطاساً وكتب ما على اللوح الأول ، ثم إنه دنا من اللوح الثاني وإذا عليه مكتوب :
يا ابن آدم ما غرك بقديم الأزل وما ألهاك عن حلول الأجل ، ألا تعلم أن الدنيا دار بوار ما لأحد فيها قرار وأنت ناظر إليها ومكب عليها ،
أين الملوك الذين عمروا العراق وملكوا الآفاق أين من عمروا أصفهان وبلاد خراسان
دعاهم داعي المنايا فأجابوه وناداهم منادي الفناء فلبوه وما نفعهم ما بنوا وشيدوا ولا رد عنهم ما جمعوا وعددوا وفي أسفل اللوح مكتوب هذه الأبيات

أين الذين بنوا لذاك وشيدوا*****غرفاً به لم يحكها بنيان
جمعوا العساكر والجيوش مخافة*****من ذل تقدير الإله فهانوا
أين الأكاسرة المناع حصونهم*****تركوا البلاد كأنهم ما كانوا

فبكى الأمير وقال :
والله لقد خلقنا لأمر عظيم ، ثم كتب ما عليه ودنا من اللوح الثالث فوجد فيه مكتوباً :
يا ابن آدم أنت بحب الدنيا لاه وعن أمر ربك ساه كل يوم من عمرك ماض وأنت قانع وراض فقدم الزاد ليوم الميعاد
واستعد لرد الجواب بين يدي رب العباد وفي أسفل اللوح مكتوب هذه الأبيات


أين الذي عمر البلاد بأسرها*****سنداً وهنداً واعتدى وتجبرا

والزنج والحبش استقاد لأمره*****والنوب لما أن طغى وتكبرا
لا تنتظر خيراً بما في قبره*****هيهات أن تلقى بذلك مخبرا
فدعته من ريب المنون حوادث*****لم ينجه من قصره ما عمرا

فبكى الأمير موسى بكاء شديداً ثم دنا من اللوح الرابع فرأى مكتوباً عليه :
يا ابن آدم كم يملك مولاك وأنت خائض في بحر لهواك كل يوم أوحى إليك أنك لا تموت ، يا ابن آدم لا تغرنك أيامك ولياليك ،
وساعاتك الملهية وغفلاتها واعلم أن الموت لك مرصداً وعلى كتفك صاعداً ما من يوم يمضي إلا صبحك صباحا ومساك مساء
فاحذر من هجمته واستعد له فكأني بك وقد جعلت طول حياتك وضعت لذات أوقاتك ،
فاسمع مقالي وثق بمولى الموالي ليس للدنيا ثبوت ، إنما الدنيا نسجة العنكبوت ورأى في أسفل اللوح مكتوباً هذه الأبيات

أين من أسس الذرى وبناها*****وتولى مشيدهـا ثم علا
أين أهل الحصون من سكنوها*****كلهم عن تلك الصياصي تولى
أصبحوا في القبور رهناً ليوم*****فيه حقاً كل السرائر تبلى
ليس يبقى سوى الإله تعالى*****وهو مازال للكرامة أهلا

فبكى الأمير موسى وكتب ذلك ونزل من فوق الجبل وقد صور الدنيا بين عينيه ، فلما وصل إلى العسكر وأقاموا يومهم يدبرون الحيلة في دخول المدنية ،
قال الأمير موسى لطالب بن سهل ولمن حوله من خواصه :
كيف تكون الحيلة في دخول المدينة لننظر عجائبها لعلنا نجد فيها ما نتقرب به إلى أمير المؤمنين ؟
فقال طالب بن سهل : أدام الله نعمة الأمير نعمل سلماً ونصعد عليه لعلنا نصل إلى الباب من الداخل ،
فقال الأمير موسى : هذا ما خطر ببالي وهو نعم الرأي ،
ثم إنه عاد بالنجارين والحدادين وأمرهم أن يسووا الأخشاب ويعملوا سلماً مصفحاً بصفائح الحديد ،
ففعلوه وأحكموه ومكثوا في عمله شهراً كاملاً واجتمعت عليه الرجال فأقاموه وألصقوه بالسور ،
فجاء مساوياً له كأنه قد عمل له قبل ذلك اليوم .

فتعجب الأمير موسى منه وقال : بارك الله فيكم كأنكم قستموه عليه من حسن صنعتكم ، ثم إن الأمير موسى قال للناس :
من يطلع منكم على هذا السلم ويصعد فوق السور ويمشي عليه ويتحايل في نزوله إلى أسفل المدينة لينظر كيف الأمر ثم يخبرنا بكيفية فتح الباب ،
فقال أحدهم : أنا أصعد عليه أيها الأمير وأنزل أفتحه ، فقال له الأمير موسى :
اصعد بارك الله فيك . فصعد الرجل على السلم حتى صار في أعلاه ثم قام على قدميه وشخص إلى المدينة وصفق بكفيه وصاح بأعلى صوته وقال :
أنت مليح ، ورمى بنفسه إلى داخل المدينة فانهرس لحمه على عظمه . فقال الأمير موسى :
هذا فعل العاقل فكيف يكون فعل المجنون ، إن كنا نفعل هذا بجميع أصحابنا لم يبق منهم أحد فنعجز عن قضاء حاجتنا وحاجة أمير المؤمنين
ارحلوا فلا حاجة لنا بهذه ، فقال بعضهم : لعل غير هذا أثبت منه
فصعد ثان وثالث ورابع وخامس فما زالوا يصعدون من ذلك السلم إلى السور واحداً بعد واحد إلى أن راح منهم اثني عشر رجلاً وهم يفعلون كما فعل الأول .

فقال الشيخ عبد الصمد : ما لهذا الأمر غيري وليس المجرب كغير المجرب ، فقال له الأمير موسى :
لا تفعل ذلك ولا أمكنك من الطلوع إلى هذا السور لأنك إذا مت كنت سبباً لموتنا كلنا ولا يبقى منا أحد لأنك أنت دليل القوم ،
فقال له الشيخ عبد الصمد : لعل ذلك يكون على يدي بمشيئة الله تعالى ، فاتفق القوم كلهم على صعوده .

ثم إن الشيخ عبد الصمد قام ونشط نفسه وقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم إنه صعد على السلم وهو يذكر الله تعالى ويقرأ آيات النجاة ،
إلى أن بلغ أعلى السور ثم إنه صفق بيديه وشخص ببصره فصاح عليه القوم جميعاً وقالوا :
أيها الشيخ عبد الصمد لا تفعل ولا تلق نفسك وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون إن وقع الشيخ عبد الصمد هلكنا بأجمعنا ،
ثم إن الشيخ عبد الصمد ضحك ضحكاً زائداً وجلس ساعة طويلة يذكر الله تعالى ويتلو آيات النجاة ،
ثم إنه قام على حيله ونادى بأعلى صوته : أيها الأمير لا بأس عليكم ،
فقد صرف الله عز وجل عني كيد الشيطان ومكره ببركة بسم الله الرحمن الرحيم ،
فقال له الأمير : ما رأيت أيها الشيخ ؟ قال : لما وصلت أعلى السور رأيت عشر جوار كأنهن الأقمار
وهن يشرن بأيديهن أن تعال إلينا وتخيل لي أن تحتي بحراً من الماء فأردت أن ألقي نفسي كما فعل أصحابنا ،
فرأيتهم موتى فتماسكت عنهم وتلوت شيئاً من كتاب الله تعالى ،
فصرف الله عني كيدهن وانصرفن عني فلم أرم نفسي ورد الله عني كيدهن وسحرهن ولاشك إن هذا سحر مكين صنعه أهل تلك المدينة
ليردوا عنها كل من أراد أن يشرف عليها ويروم الوصول إليها وهؤلاء أصحابنا مطروحون موتى

ثم إنه مشى على السور إلى أن وصل إلى البرجين النحاسيين فرأى لهما بابين من الذهب ولا قفل عليهما وليس فيهما علامة للفتح ،

ثم وقف الشيخ أمام الباب وتأمل فرأى في وسط الباب صورة فارس من نحاس له كف ممدود كأنه يشير به وفيه خط مكتوب فقرأه الشيخ عبد الصمد ،
فإذا فيه : افرك المسمار الذي في سرة الفارس اثني عشر فركة فإن الباب ينفتح فتأمل الفارس فإذا في سرته مسمار محكم متقن مكين ففركه اثني عشر فركة
فانفتح الباب في الحال وله صوت كالرعد فدخل منه الشيخ عبد الصمد وكان رجلاً فاضلاً عالماً بجميع اللغات والأقلام ،
فمشى إلى أن دخل دهليزاً طويلاً نزل منه على درجات فوجده بدكك حسنة وعليها أقوام موتى
وفوق رؤوسهم التروس المكلفة والحسامات المرهفة والقسى الموترة والسهام المفوقة وخلف الباب عامود من حديد ومتاريس من خشب
وأقفال رقيقة وآلات محكمة . فقال الشيخ عبد الصمد في نفسه :
لعل المفاتيح عند هؤلاء القوم ، ثم نظر بعينه ، وإذا هو بشيخ يظهر أنه أكبرهم سناً وهو على دكة عالية بين القوم الموتى فقال الشيخ عبد الصمد :
وما يدريك أن تكون مفاتيح هذه المدينة مع هذا الشيخ ولعله بواب المدينة وهؤلاء من تحت يده ، فدنا منه ورفع ثيابه وإذا بالمفاتيح معلقة في وسطه .

فلما رآها الشيخ عبد الصمد فرح فرحاً شديدأً وكاد عقله أن يطير من الفرحة ، ثم إن الشيخ عبد الصمد أخذ المفاتيح ودنا من الباب وفتح الأقفال
وجذب الباب والمتاريس والآلات فانفتحت وانفتح الباب بصوت كالرعد لكبره وهوله وعظم آلاته فعند ذلك كبر الشيخ وكبر القوم معه
واستبشروا وفرحوا وفرح الأمير بسلامة الشيخ عبد الصمد وفتح باب المدينة وقد شكره القوم على ما فعله
فبادر العسكر كلهم بالدخول من باب فصاح عليهم الأمير موسى وقال لهم :
يا قوم لا نأمن إذا دخلنا كلنا من أمر يحدث ولكن يدخل النصف ويتأخر النصف
ثم إن الأمير موسى دخل من الباب ومعه نصف القوم
وهم حاملون آلات الحرب فنظر القوم إلى أصحابهم وهم ميتون فدفنوهم ورأوا البوابين والخدم والحجاب والنواب راقدين فوق الفرش الحرير موتى كلهم

ودخلوا إلى سوق المدينة فنظروا سوقاً عظيمة عالية الأبنية لا يخرج بعضها عن بعض والدكاكين مفتحة والموازين معلقة والنحاس مصفوفاً
والخانات ملآنة من جميع البضائع ورأوا التجار موتى على دكاكينهم وقد يبست منهم الجلود ونخرت منهم العظام وصاروا عبرة لمن اعتبر .

ونظروا إلى أربعة أسواق مستقلات كالهشيم مملوءة بالمال فتركوها ومضوا إلى سوق الخز ،
وإذا فيه من الحرير والديباج ما هو منسوج بالذهب الأحمر والفضة البيضاء على اختلاف الألوان
وأصحابه موتى رقود على أنطاع الأديم يكادون أن ينطقوا فتركوهم ومضوا إلى سوق الجواهر واللؤلؤ والياقوت فتركوه ومضوا إلى سوق الصيارفة ،

فوجدوهم موتى وتحتهم أنواع الحرير والابريسم ودكاكينهم مملوءة من الذهب والفضة ،

فتركوهم ومضوا إلى سوق العطارين فإذا دكاكينهم مملوءة بأنواع العطريات ونوافح المسك والعنبر العود والكافور وغير ذلك وأهلها كلهم موتى
وليس عندهم شيء من المأكول .
فلما طلعوا من سوق العطارين وجدوا قريباً منه قصراً مزخرفاً متقناً ،
فدخلوه فوجدوا أعلاماً منشورة وسيوفاً مجردة وقسياً موترة وترساً معلقة بسلاسل من الذهب والفضة وخوذاً مطلية بالذهب الأحمر ،

وفي دهاليز ذلك القصر دكك من العاج المصفح بالذهب الوهاج الابريسم ،
وعليها رجال قد يبست منهم الجلود على العظام يحتسبهم الجاهل قياماً ولكنهم من عدم القوت ماتوا وذاقوا الحمام ،
فعند ذلك وقف الأمير موسى يسبح الله تعالى ويقدسه وينظر إلى حسن ذلك القصر ومحكم بنائه وعجيب صنعه بأحسن صفة وأتقن هندسة
وأكثر نقشة باللازورد الأخضر مكتوب على دائرة هذه الأبيات

انظر إلى ما ترى يا أيها الرجل*****وكن على حذر من قبل ترتحل
وقدم الزاد من خير تفوز به*****فكل ساكن داراً سوف يرتحل
وانظر إلى معشر زانوا منازلهم*****فأصبحوا في الثرى رهناً بما عملوا
بنوا فما نفع البنيان وادخروا*****لم ينجهم مالهم لما انقضى الأجل
كم أملوا غير مقدور لهم فمضوا*****إلى القبور ولم ينفعهم الأمل
واستنزلوا من أعالي عز رتبتهم*****لذل ضيق لحد ساء ما نزلوا
فجاءهم صارخ من بعد ما دفنوا*****أين الأسرة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت محجبة*****من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حسب سائلهم*****أما الخدود فعندها الورد منتقل
قد طال ما أكلوا يوماً وما شربوا*****فأصبحوا بعد طيب الأكل قد أكلوا

فبكى الأمير موسى حتى غشي عليه، وأمر بكتابة هذا الشعر ودخل القصر فرأى حجرة كبيرة وأربع مجالس عالية كباراً متقابلة واسعة منقوشة بالذهب والفضة
مختلفة وفي وسطها فسقية كبيرة من المرمر وعليها خيمة من الديباج وفي تلك المجالس جهات ،
وفي تلك الجهات فساقي مزخرفة وحيضان مرخمة ومجار تجري من تحت تلك المجالس ،
وتلك الأنهر الأربعة تجري وتجتمع في بحيرة عظيمة مرخمة باختلاف الألوان .

ثم قال الأمير موسى للشيخ عبد الصمد : ادخل بنا هذه المجالس ، فدخلوا المجلس الأول ،
فوجدوه مملوءاً من الذهب والفضة البيضاء واللؤلؤ والجواهر واليواقيت والمعادن النفيسة
ووجدوا فيها صناديق مملوءة من الديباج الأحمر والأصفر والأبيض ،
ثم إنهم انتقلوا إلى المجلس الثاني ففتحوا خزانة فيه فإذا هي مملوءة بالسلاح وآلات الحرب
من الخوذ المذهبة والدروع الداودية والسيوف الهندية والرماح الخطية والدبابيس الخوارزمية ،
وغيرها من أصناف آلات الحرب والكفاح

ثم انتقلوا إلى المجلس الثالث فوجدوا فيه خزائن عليها أقفال مغلقة وفوقها ستارات منقوشة بأنواع الطراز ،
ففتحوا منها خزانة فوجدوها مملوءة بآلات الطعام والشراب من أصناف الذهب والفضة وسكارج البلور والأقداح المرصعة باللؤلؤ الرطب وكاسات العقيق
وغير ذلك فجعلوا يأخذون ما يصلح لهم من ذلك ويحمل كل واحد من العسكر ما يقدر عليه .

فلما عزموا على الخروج من تلك المجالس رأوا باباً من الصاج متداخلاً فيه العاج والأبنوس وهو مصفح بالذهب الوهاج في وسط ذلك القصر
وعليه ستر مسبول من حرير منقوش بأنواع الطراز وعليه أقفال من الفضة البيضاء تفتح بالحيلة بغير مفتاح ،
فتقدم الشيخ عبد الصمد إلى تلك الأقفال وفتحها بمعرفته وشجاعته وبراعته فدخل القوم من دهليز مرخم ،
وفي جوانب ذلك الدهليز بواقع عليها صور من أصناف الوحوش والطيور وكل ذلك من ذهب أحمر وفضة بيضاء وأعينها من الدر واليواقيت
تحير كل من رآها ، ثم وصلوا إلى قاعة مصنوعة
فلما رآها الأمير موسى والشيخ عبد الصمد اندهشا من صنعتها ،
ثم إنهم عبروا فوجدوا قاعة مصنوعة من رخام مصقول منقوش بالجواهر يتوهم الناظر إليها أن في طريقها ماء جارية لو مر عليه لزلق
فأمر الأمير موسى الشيخ عبد الصمد أن يطرح عليها شيء حتى يتمكنوا أن يمشوا عليها ،
ففعل ذلك وتحيل حتى عبروا فوجدوا فيها قبة عظيمة مبنية بحجارة مطلية بالذهب لم يشاهد القوم في جميع ما رأوه أحسن منها .

وفي وسط تلك القبة قبة عظيمة من المرمر بدائرها شبابيك منقوشة مرصعة بقضبان الزمرد لا يقدر عليها أحد من الملوك ،
وفيها خيمة من الديباج منصوبة على أعمدة من الذهب الأحمر ، وفيها طيور أرجلها من الزمرد الأخضر ،
وتحت كل طير شبكة من اللؤلؤ الرطب مجللة على فسقية وموضوع على الفسقية سرير مرصع بالدر والجواهر والياقوت
وعلى السرير جارية كأنها الشمس الضاحية لم ير الراءون أحسن منها وعليها ثوب من اللؤلؤ الرطب
وعلى رأسها تاج من الذهب الأحمر وعصابة من الجوهر ، وفي عنقها عقد من الجوهر وفي وسطه جواهر مشرقة .

وعلى جوانبها جوهرتان نورهما كنور الشمس وهي كأنها ناظرة إليهم تتأملهم .

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح


يتبع
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-06-2011, 12:19 PM   #112
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية ذئب الشرقيه
 
تم شكره :  شكر 106 فى 34 موضوع
ذئب الشرقيه will become famous soon enoughذئب الشرقيه will become famous soon enoughذئب الشرقيه will become famous soon enough

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

أخي العزيز ( أســــــــــــــد نــــــــــــــــــــــــــجـــــــد )



( ما أجمل مواضيعك مميزه للغايه وثمينه )


أذا كان هناك قصص من الماضي


فانت قصة هذا المنتدى (سدير )من الماضي والحاضر


هنيئا الى هذا المنتدي بك

وأرجو ان تسجل اعجابي بمواضيعك الرائعه والجميله

ذئب الشرقيه غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 20-06-2011, 12:54 PM   #113
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

  المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ذئب الشرقيه مشاهدة المشاركة  

أخي العزيز ( أســــــــــــــد نــــــــــــــــــــــــــجـــــــد )

أهلا ومرحبا بك أخي الكريم ذئب الشرقية




( ما أجمل مواضيعك مميزه للغايه وثمينه )

هذا من ذوقك ولطفك أسعدك الرحمن



أذا كان هناك قصص من الماضي


فانت قصة هذا المنتدى (سدير )من الماضي والحاضر


هنيئا الى هذا المنتدي بك

وهنيئا لنا بإنضمام شخص رائع مثلك للمنتدى


وأرجو ان تسجل اعجابي بمواضيعك الرائعه والجميله

وأن تسجل تقديري لتشريفك الرائع هـنا

 

أشكرك من الأعماق
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-07-2011, 11:41 PM   #114
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية اميرال
 
تم شكره :  شكر 178 فى 88 موضوع
اميرال is an unknown quantity at this pointاميرال is an unknown quantity at this pointاميرال is an unknown quantity at this pointاميرال is an unknown quantity at this point

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

مشكور اخوي

وفي القصص عبر لمن اعتبر

اميرال غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-07-2011, 11:50 AM   #115
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية طُـهـر
 
تم شكره :  شكر 1892 فى 220 موضوع
طُـهـر نسبة التقييم للعضوطُـهـر نسبة التقييم للعضوطُـهـر نسبة التقييم للعضوطُـهـر نسبة التقييم للعضوطُـهـر نسبة التقييم للعضوطُـهـر نسبة التقييم للعضوطُـهـر نسبة التقييم للعضوطُـهـر نسبة التقييم للعضوطُـهـر نسبة التقييم للعضوطُـهـر نسبة التقييم للعضوطُـهـر نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي



من أجمل ما قرأت ..

شكراً وشكراً كثيراً ..

متابعة ..

()

طُـهـر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-08-2011, 02:06 AM   #116
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

  المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اميرال مشاهدة المشاركة  

مشكور اخوي

وفي القصص عبر لمن اعتبر

 
أهلا بك أخي الكريم ومرحبا بك في منتداك

أسعدني جدا تواجدك وتشريفك

لا خلا ولا عدم
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-08-2011, 02:09 AM   #117
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

  المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طُـهـر مشاهدة المشاركة  



من أجمل ما قرأت ..

شكراً وشكراً كثيراً ..

متابعة ..

()

 


لكِ مني كل تحية وتقدير أختي الكريمة

أشكر لكِ تفضلكِ وتشريفك متصفحي

والذي إزدان بتواجدكِ

أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10-08-2011, 02:54 PM   #118
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

6

وفي الليلة التالية استأنفت شهرزاد الحكاية ، قالت :

بلغني أيها الملك السعيد أن الأمير موسى لما رأى هذه الجارية تعجب غاية العجب من جمالها
وتحير من حسنها وحمرة خديها وسواد شعرها

يظن الناظر أنها بالحياة وليست ميتة ، فقالوا لها :
السلام عليكِ أيتها الجارية ،
فقال لهم طالب بن سهل أصلح الله شأنكم اعلموا أن هذه الجارية ميتة لا روح فيها فمن أين لها أن ترد السلام ؟
ثم إن طالب بن سهل قال للأمير :
إنها صورة مدبرة بالحكمة وقد قلعت عيناها بعد موتها وجعل تحتها زئبق وأعيدتا إلى مكانهما
فهما يلمعان كأنما يحركهما الهدب يتخيل للناظر أنها ترمش بعينيها وهي ميتة ،

فقال الأمير موسى :

سبحان الذي قهر العباد بالموت .
وأما السرير الذي عليه الجارية فله درج وعلى الدرج عبدان أحدهما أبيض ، والآخر أسود بيد أحدهما آلة من الفولاذ ،

وبيد الآخر سيف مجوهر يخطف الأبصار وبين يدي العبدين لوح من ذهب وفيه كتابة تقرأ وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله خالق الإنسان وهو رب الأرباب ومسبب الأسباب
بسم الله الباقي السرمدي بسم الله مقدر القضاء والقدر

يا ابن آدم ما أجهلك بطول الأمل وما أسهاك عن حلول الأجل

أما علمت أن الموت لك قد دعا وإلى قبض روحك قد سعى فكن على أهبة الرحيل وتزود من الدنيا فستفارقها بعد قليل .
أين آدم أبو البشر أين نوح وما نسل أين الملوك الأكاسرة والقياصرة أين ملوك الهند والعراق
أين ملوك الآفاق أين ملوك العمالقة أين الجبابرة ؟

لقد خلت منهم الديار وقد فارقوا الأهل والأوطان أين ملوك العجم والعرب لقد ماتوا بأجمعهم وصاروا رمماً أين السادة ذوو الرتب ؟
لقد ماتوا جميعاً


أين قارون وهامان أين شداد بن عاد بن كنعان وذووا الأوتاد قرضهم الله قارض الأعمار وخلى منهم الديار
فهل قدموا ليوم الميعاد واستعدوا لجواب رب العباد

يا هذا إن كنت لا تعرفني فأنا أُعرّفك باسمي ونسبي
أنا ترمزين بنت عمالقة الملوك من الذين عدلوا في البلاد وملكت ما لم يملكه أحد من الملوك ،

وعدلت في القضية وأنصفت بين الرعية وأعطيت ووهبت ،
وقد عشت زمناً طويلاً في سرور وعيش رغيد وأعتقت الجواري والعبيد حتى نزل بي طارق وحلت بين يدي الرزايا

وذلك أنه قد تواترت علينا سبع سنين لم ينزل علينا ماء من السماء ولا نبت لنا عشب على وجه الأرض فأكلنا ما كان عندنا من القوت فلم يجدوه ثم عادوا إلينا بالمال بعد طول الغيبة فحينئذ أظهرنا أموالنا وذخائرنا وأغلقنا أبواب الحصون التي بمدينتنا
وسلمنا الحكم لربنا وفوضنا أمرنا لمالكنا فمتنا جميعاً كما ترانا وتركنا ما عمرنا وما ادخرنا فهذا هو الخبر وما بعد العين إلا الأثر . وقد نظروا في أسفل اللوح فرأوا مكتوباً فيه هذه الأبيات

بني آدم لا يهزأ بك الأمل*****عن كل ما ادخرت كفاك ترتحلوا
أراك ترغب في الدنيا وزينتها*****وقد سعى قبلك الماضون والأول
قد حصلوا المال من حل ومن حرم*****فلم يرد القضا لما انتهى الأجل
قادوا العساكر أفواجاً وقد جمعوا*****فخلفوا المال والبنيان وارتحلوا
إلى قبور وضيق في الثرى رقدوا*****وقد أقاموا به رهناً بما عملوا
كأنما الركب قد حطوا رحالهمو*****في جنح ليل بدار ما بها نزل
فقال صاحبها يا قوم ليس لكم*****فيها مقام فشدوا بعد ما نزلوا
فكلهم خائف أضحى بها وجلا*****ولا يطيب له حل ومرتحل
فقدم الزاد من خير تسير غدا*****وليس إلا بتقوى ربك العمل


فبكى الأمير موسى لما سمع هذا الكلام والذي قرأه عليه الشيخ عبد الصمد :
والله إن التقوى هي رأس الأمور والتحقيق والركن الوثيق وإن الموت هو الحق المبين، والوعد اليقين
فراع فيه يا هذا المرجع والمآب واعتبر بمن سلف قبلك في التراب وبادر إلى سبيل الميعاد،
أما ترى الشيب إلى القبر دعاك وبياض شعرك على نفسك قد نعاك فكن على يقظة الرحيل والحساب،
يا ابن آدم ما أقسى قلبك فما غرك بربك أين الأمراء السالفة العبرة لمن يعتبر ،
أين ملوك الصين أهل البأس والتمكين، أين عاد بن شداد وما بنى وعمر ابن النمرود والذي طغى وتجبر، أين فرعون الذي جحد وكفر؟
كلهم قد قهرهم الموت على الأثر ، فما بقي صغيراً ولا كبيراً ولا أنثى ولا ذكر قرضهم قارض الأعمار ومكور الليل على النهار اعلم أيها الواصل إلى هذا المكان ممن رآنا أنه لا يغتر بشيء من الدنيا وحطامها،
فإنها غدارة مكارة ودار بور وغرو، فطوبى لعبد ذكر ذنبه وخشي ربه وأحسن المعاملة وقدم الزاد ليوم المعاد
فمن وصل إلى مدينتنا ودخلها وسهل الله عليه دخولها فيأخذ من المال ما يقدر عليه ولا يمس من فوق جسدي شيئاً
فإنه ستر لعورتي وجهازي من الدنيا
فليتق الله ولا يسلب منه شيئاً فيهلك نفسه ، وقد جعلت ذلك نصيحة مني إليه وأمانة مني لديه والسلام ، فأسأل الله أن يكفيكم شر البلايا والسقام .

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح


يتبع
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-08-2011, 07:04 AM   #119
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي

7

وفي الليلة التالية استأنفت شهرزاد الحكاية ، قالت :

بلغني أيها الملك السعيد أن الأمير موسى لما سمع هذا الكلام بكى بكاء شديداً حتى غشي عليه
فلما أفاق كتب جميع ما رآه واعتبر بما شاهده ثم قال لأصحابه :


ائتوا بالأعدال واملوها من هذه الأموال وهذه الأواني والتحف والجواهر ، فقال طالب بن سهل للأمير موسى :
أيها الأمير أأترك هذه الجارية بما عليها وهو شيء لا نظير له ولا يوجد في وقت مثله أوفى ما أخذت من الأموال وأحسن هدية تتقرب إلى أمير المؤمنين ،

فقال الأمير موسى : يا هذا ألم تسمع ما أوصت به الجارية في هذا اللوح لاسيما وقد جعلته أمانة
وما نحن من أهل الخيانة ، فقال الوزير طالب :

وهل لأجل هذه الكلمات تترك الأموال وهذه الجواهر وهي ميتة
فماذا ستصنع بهذا وهو زينة الدنيا وجمال الأحياء ويكفي ثوب من القطن نستر به هذه الجارية فنحن أحق به منها ،
فتقدم نحو السلم وصعد على الدرج حتى صار بين العمودين ووصل بين الشخصين
وإذا بأحد الشخصين ضربه في ظهره والآخر بالسيف الذي في يده ورمى رأسه ووقع ميتاً ،
فقال الأمير موسى :
لا رحم الله لك مضجعاً لقد كان في هذه الأموال ما فيه كفاية والطمع لاشك يزري بصاحبه ،
ثم أمر بدخول العساكر فدخلوا وحّملوا الجمال من تلك الأموال والمعادن .
ثم إن الأمير موسى أمرهم أن يغلقوا الباب كما كان
ثم ساروا على الساحل حتى أشرفوا على جبل عال مشرف على البحر
وفيه مغارات كثيرة وإذا فيها قوم من السود وعليهم نطوح
وعلى رؤوسهم برانس من نطوح لا يُعرف كلامهم ،

فلما رأوا العسكر جفلوا منهم وولوا هاربين إلى تلك المغارات ونساؤهم وأولادهم على أبواب المغارات .

فقال الأمير موسى : يا شيخ عبد الصمد ما هؤلاء القوم ؟
فقال : هؤلاء طلبة أمير المؤمنين
فنزلوا وضربت الخيام وحطت الأموال فما استقر بهم المكان حتى نزل ملك السودان من الجبل ودنا من العسكر
وكان يعرف العربية فلما وصل إلى الأمير موسى سلم عليه فرد عليه السلام وأكرمه ،
فقال ملك السودان للأمير موسى :

أنتم من الإنس أم من الجن ؟ فقال الأمير موسى : أما نحن فمن الإنس ،
وأما أنتم فلا شك أنكم من الجن لانفرادكم في هذا الجبل المنفرد عن الخلق ولعظم خلقكم .

فقال ملك السودان :
بل نحن قوم آدميون من أولاد حام بن نوح عليه السلام وأما هذا البحر فإنه يعرف بالكركر ،
فقال له الأمير موسى :

ومن أين لكم علم ولم يبلغكم نبي أو وحي إليه في مثل هذه الأرض ؟
فقال : اعلم أيها الأمير أنه يظهر لنا من هذا البحر شخص له نور تضيء له الآفاق
فينادي بصوت يسمعه البعيد والقريب
يا أولاد حام استحيوا ممن يَرى ولا يُرى

وقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ،
وأنا أبو العباس الخضر ، وكنا قبل ذلك نعبد بعضنا فدعانا إلى عبادة رب العباد .


ثم قال للأمير موسى :
وقد علمنا كلمات نقولها ، فقال الأمير موسى :

وما هذه الكلمات ؟
قال :
هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير

وما نتقرب إلى الله عز وجل إلا بهذه الكلمات ولا نعرف غيرها
وكل ليلة جمعة نرى نوراً على وجه الأرض ونسمع صوتاً يقول

سبوح قدوس رب الملائكة والروح ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
كل نعمة فضل الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


فقال له الأمير موسى نحن أصحاب ملك الإسلام عبد الملك بن مروان
وقد جئنا بسبب القماقم النحاس التي عندكم في بحركم

وفيها الشياطين محبوسة من عهد سليمان عليهما السلام ،
وقد أمر أن نأتيه بشيء منها يبصره ويتفرج عليه .


فقال له ملك السودان : حباً وكرامة .
ثم أضافهم بلحوم السمك وأمر الغواصين أن يخرجوا من البحر شيئاً من القماقم السليمانية
فأخرجوا لهم اثني عشر قمقماً ،

ففرح الأمير موسى بها والشيخ عبد الصمد والعساكر لأجل قضاء حاجة أمير المؤمنين ،
ثم إن الأمير موسى وهب لملك السودان مواهب كثيرة وأعطاه عطايا جزيلة ،
وكذلك ملك السودان أهدى إلى الأمير موسى هدية من عجائب البحر على صفة الآدميين وقال له :
إن ضيافتكم في هذه ثلاثة أيام من لحوم هذا السمك .

فقال الأمير موسى : لابد أن نحمل معنا شيئاً حتى ينظر إليه أمير المؤمنين فيطمئن خاطره بذلك أكثر من القماقم السليمانية ،
ثم ودعوه وساروا حتى وصلوا إلى بلاد الشام ، فدخلوا على أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان
فحدثه الأمير بجميع ما رآه وما وقع له من الأشعار والأخبار والمواعظ ، وأخبره بخبر طالب بن سهل .

فقال له أمير المؤمنين ليتني كنت معكم حتى أعاين ما عاينتم ، ثم أخذ القماقم وجعل يفتح قمقماً بعد قمقم ،
والشياطين يخرجون منها ويقولون التوبة يا نبي الله وما نعود لمثل ذلك أبداً فتعجب عبد الملك بن مروان من ذلك ،
وأما بنات البحر اللواتي أهداها لهم ملك السودان ، فإنهم صنعوا لها حيضاناً من خشب وملأوها ماء
ووضعوها فيها فماتت من شدة الحر ،
ثم إن أمير المؤمنين أحضر الأموال وقسمها بين المسلمين وقال :
لم يعط الله أحداً مثل ما أعطى سليمان بن داود عليهم السلام ،
ثم إن الأمير موسى سأل أمير المؤمنين أن يستخلف ولده مكانه على بلاده وهو يتوجه إلى القدس الشريف يعبد الله فيه ،
فولى أمير المؤمنين ولده وتوجه إلى القدس الشريف ومات فيه
وهذا آخر ما انتهى إلينا من حديث مدينة النحاس على التمام والله أعلم .


وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح



يتبع
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 13-08-2011, 05:21 PM   #120
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: قـصـص من الـمـاضـي




العجوز وزوجة التاجر

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن تاجراً كان كثير المال وكان له ولد يعز عليه ،
فقال الولد لوالده يوماً من الأيام :
يا وآلدي أتمنى عليك أمنية تفرج عني بها ، فقال له أبوه :
ما هي يا ولدي حتى أعطيكها ولو كانت نور عيني لأبلغك به مقصودك ؟ فقال له الولد :
أتمنى عليك أن تعطيني شيئاً من المال أسافر به مع التجار إلى بلاد بغداد لأتفرج عليها وأنظر قصور الخلفاء لأن أولاد التجار وصفوا لي ذلك وقد اشتقت أن أنظر إليها
فقال له وآلده يا بني من له صبر على غيبتك ،
فقال له الولد أنا قلت لك هذه الكلمة ولا بد من المسير إليها برضا أو بغير رضا
فإنه وقع في نفسي وجد لا يزول إلا بالوصول إليها .

فلما تحقق منه ذلك جهز له متجراً بثلاثين ألف دينار وسفره مع التجار الذين يثق بهم ووصى عليه التجار
ثم إن وآلده ودعه ورجع إلى منزله ومازال الولد مسافراً مع رفقائه التجار
إلى أن وصلوا إلى مدينة بغداد دار السلام .

فلما بلغوها دخل الولد سوقها ورأى داراً حسنة مليحة أذهلت عقله وأدهشت ناظره
فيها الطيور تغرد والمجالس يقابل بعضها بعضاً وأرضها مرخمة بالرخام الملون
وسقوفها مذهبة باللازورد المعدني .

فسأل البواب عن مقدار أجرتها كم في الشهر ، فقال له : عشرة دنانير ،
فقال له الولد :
هل أنت تقول حقاً أو تهزأ بي ؟
فقال له البواب :
والله لا أقول إلا حقاً فإن كل من سكن هذه الدار لا يسكنها إلا جمعة أو جمعتين .
فقال له الولد : وما السبب في ذلك ؟
فقال : يا ولدي كل من سكنها لا يخرج منها إلا مريضاً أو ميتاً وقد اشتهرت هذه الدار بهذه الأشياء عند جميع الناس
فلم يتقدم أحد على سكنها وقد قلت أجرتها لهذا القدر .
فلما سمع الولد ذلك تعجب منه غاية العجب ، وقال :
لابد أن يكون لهذه الدار سبب من الأسباب حتى يحصل فيها ذلك المرض أو الموت ،
ثم تفكر الولد في نفسه واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم وأزال ذلك الوهم من خاطره
وسكنها وباع واشترى ومضى عليه مدة أيام في الدار ،
ولم يصبه شيء مما قال له ذلك البواب .

فبينما هو جالس يوماً من الأيام على باب الدار إذ مرت عليه عجوز شمطاء كأنها الحية الرقطاء ،
وهي تكثر من التسبيح والتقديس وتزيل الحجارة والأذى من الطريق ،
فرأت الولد جالساً على الباب فنظرت إليه وتعجبت من أمره فقال لها الولد يا امرأة هل تعرفينني أو تشبهين علي .
فلما سمعت كلامه هرولت إليه وسلمت عليه وقالت له :
كم لك ساكناً في هذه الدار؟ فقال لها : يا أمي مدة شهرين ، فقالت :
من هذا تعجبت وأنا يا ولدي لا أعرفك ولا تعرفني ولا شبهت عليك بل إني تعجبت
من أنه لا أحد غيرك يسكنها إلا ويخرج منها ميتاً أو مريضاً ،
وما أشك أنك يا ولدي مخاطر بشبابك فهلا طلعت القصر ونظرت من المنظرة التي فيه ؟
ثم إن العجوز مضت إلى حال سبيلها فلما فارقته العجوز صار الولد متفكراً في كلامها ،
وقال في نفسه :
أنا ما طلعت أعلى القصر ولا أعلم أن به منظرة .
ثم دخل من وقته وساعته وجعل يطوف في أركان البيت
حتى رأى في ركن منها باباً لطيفاً معششاً عليه العنكبوت بين الأشجار ،
فلما رآه الولد قال في نفسه : لعل العنكبوت ما عشش على هذا الباب إلا لأن المنية داخله ،
فتمسك بقول الله تعالى : قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، ثم فتح ذلك الباب وطلع في سلم لطيف حتى وصل إلى أعلاه .


وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح

يتبع



أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:32 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. موقع و منتديات سدير 1432 هـ - 1435 هـ

جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه