عنــدمـــا ... تـ بـ كـ يـــ الأرضــــ ...!!

[ღأغاريد الأملღ]

(( عندما تبكي الأرض ))

في ليلة بريَّةٍ ... بدريَّةٍ ...
جاشت مشاعر شاعرٍ
متأملٍ...
متفكِّرٍ...
أطلقتُ للنفس الخيال...
بَرٌّ ...
وفي نسماته سرٌّ وسر...
برٌّ وفي نغماته
ما يطربُ الآذان
سحرٌ أيُّ سِحْر...
برٌّ وفي قسماته
أثر التجاعيد التي
تحكي وتحكي قصة
منسوجة فوق الجبين...
يا بَرُّ ما لك صامتٌ !
هيا أجبنيَ إنني
أهواكَ...
بُحْ لي بالذي
أملى عليك
الدهرُ في تلك السنين...
بحْ لي بأسرار القرون...
وسكتُّ أنظرُ
وهو يَطرقُ بالعصا ...
ويهزُّ رأساً بالوقار مكللٌ...
فأجابني
ياشاعراً يهوى التأمل
إن لي نبأ وأخبارٌ
ومثلك ليس يجهل...

أنا ها هنا مذ أن
دحى الله الأراضيَ
والسماء بناها...
مهد الإله بسيطتي
سبحان من سوّاها ...

مرت بي الأزمان
مر القرن تلو القرن
والذكرى يتيه بخاطري ذكراها

مرت بي الأحوال من عسرٍ
إلى يسرٍ
كذا الدنيا
وما زالت
وسوف تظلُّ ...
أحياناً يسركَ طيفُها ومناها...
فإذا بلغت من السرور مراتباً
خلعتْك منها
أو أتتكَ بسيء الأخبار
يا لَغرورها وجفاها ...
أما أنا فالحال يغني
عن حديثيَ با بنيّ...
ها أجدبت أرضي
وهذا الجدب لم أعهده
لا ما حلّ بي...
قل لي
فما ذا يفعل الأقوام
أخبر أي عليّ...

فلقد عهدتُ الماء
ينزل بالربا
غيثاً هنيئاً طيباً
أحيا به
تهتز منه جوانبي
وبه ربت
بل أنبتت من كل زوج
يبهج الأنظار
في لونٍ بهيّ...

أما الرياح فإنني
أهدي لها شكري
فكم حملت إليَّ
من السُّحب...
من كل مثقَلة تصب
عليّ وبلاً
كالدراهم في الصباح
وفي الغروب كما دنانير الذهب...

ثم ارتخى وامتدَّ
قال : البدرُ
يا الله يا لجمال
منظره يؤانسني
على مرِّ الليالي
فهو مرآتي
يخبِّرني بأخبار الأحبة
ثم أخبره بما لاقيت
من دنيا النصب...
ما ملَّني
وأنا كذلك
ما مللتُ
بالرغم من طول السفر...
بالرغم من تلك الغِير...
عشنا الوفاء
عشنا الصفاء
عشنا الكدر
عشنا الحياة بحلوها وبمرها
عشنا السلامة والخطر...
عشنا المنافع والضرر
قلبان منجذبان
ما زلنا على عهد تقادم واستقر...
عشنا ليحيا غيرنا
بكرامة ومودة وسعادة ...

قلت : اسمعاني أنتما
نبض الحياة جميعِها
وجميعِ أجناس البشر...
زدني أيا رحبَ الفؤاد من الحديث
من الحكم
ما زلتُ في شوق السماع
وفي نهم...

قال : استمع
مرت بي الأقوام
والأقوام من كل القبائل
والشعوب...

من عهد آدم كم أتت
أمم شهدت عليهم حلوا هناك
سكنوا هنا
رحلوا
وحلَّ سواهمُ خلقٌ كثير...
رحلوا وأنتَ لترحلنَّ
فما على الدنيا خلود
وهناك قرب الصخر
قد ولد الوليد...
وخلفه
مَن قد قضى نحْباً
فيا عجباً لذي الدنيا
لقد لعب الصغار هنا
برملي
كم لهَوْ بين الدروب ...
عبثوا هنا ورموا هنا
صرخوا هناك
ببراءة وطفولة
متعتهم حتى الغروب...
كم مرَّ بي الفرسان في
جيشٍ فهزوا الظَّهرَ هزا
لو كنتَ فيهم فارساً
لرأيت عزّا...
مرت جحافلهم فأين همُ
وهل سمعتْ لهم أذناك رِكْزا ...
وهنــاك...
في ذاك الكثيب
تسامر الخلان
أعواما مضت كالحلم
أخباراً وشعراً ...
وبكى الحبيب حبيه
فالبينُ قد أصلاه جمراً...
وهناك تحت الدوحة الخضراء
كان لقاؤهم
لاتسألنِّي عنه
يا لجمال لقياهم
وطيبهمُ يفوح شذاً وطهرا...
أمم يحل بها الفناء
أمم على أعقابها قامت
وقد كانت تظن لها البقاء...

ثمَّ انحنى يبكي ...
فأبكاني وأنهكنا البكاء...
وسألت ما يبكيك ؟
قال : كذا أنا
نحو الفنا لابد صائر ...
لكنني أفنى إلى أبدٍ
وأنت تعيش ...
في الأخرى
( فماذا اخترت
من دارٍ ؟!
إذا ما كنتَ من أهل البصائر... )

فأتيتُه كي ما أقبل رأسَه
قال : اتَّئِدْ ...
بيني وبينك
كم أضم من الورى
واريتهم فهمُ هنا
بين الحشا
خففْ هُديتَ المَوْطِأَ
فمنعَّمٌ لا تؤذهِ
ومعذَّب لاتؤذني فيصبني منه الأذى
فوقفتُ ...
يا الله حتى الأرض لم تسلم...
أذى العاصي يلاحقها
وتكره مرقده
تحنو على من يتقي
وبودها أن تسعده...

قبَّلتهُ
مازال يبكي
فانصرفتُ
ودمعتي تجري
لقد أشجيتني يا بَرُّ
قد أذهلتني حتى نسيتُ
فلم أخبِّرْهُ بما
فعل الأكابر والأصاغر...
ما أحدثوا...

لكنني
ما زال في أذني صدى كلماته ...
ونقشتُ في قلبي وصيته التي
قد قالها نصحاً
سيبقى ماثلاً
وعلى مدى الأيام سائر...

أَبُنَيَّ
( ما ذا اخترتَ
من دارٍ ؟!
إذا ما كنتَ من أهل البصائر )...

م*ن*ق*و*ل*