لم يكن البغيض "أبو جهل" يخفي عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحظة واحدة فهو دائم الحديث عنه,ودائم الشتم له,ولدعوته الجديدة.
فقلبه المملوء بالحقد والظلم, كان هو الدافع إلى افتعال هذه المكائد والمظالم,التي تنال من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وكان المسلمون في كل مكان يعرفون هذه العداوة ,وكانوا يدعون الله ليل نهار, أن يخلصهم من شر هذا الظالم.
أما الظالمون من أهل "مكة"فكانوا دائماً في صف "أبي جهل" يساندونه ويشجعونه,ويطلبون منه المزيد.
في صباح هذا اليوم, وبينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ظل الكعبة, قرب مجموعة من كفار"مكة" الذين كانوا يتابعون ما يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بسخرية واستهزاء, حين وصل إلى الكعبة أعرابي بسيط,فقير,فأتجه ناحية كفار"مكة" وبادر إلى تحيتهم قائلاً:عمتم صباحاً أيها الرجال, إني رجل غريب عن "مكة" إني من مدينة"ارش" فقد وصلت "مكة" البارحة,وكانت معي إبل كثيرة.
فاشتراها مني"الحكم بن هشام" ولم يعطني ثمنها, وبات يماطلني في دفع ثمنها, فهل أجد فيكم من يساعدني على اخذ حقي من هذا الرجل الظالم؟
وضحك الرجال حتى انقلبوا على ظهورهم, من كثرة الضحك وصاحوا بصوت واحد" أبو جهل"؟!
وهل تظن انك ستحصل على حقك من"أبي جهل" أيها "الأراشي" البائس؟!
واستغرب "الأراشي" من ضحك الرجال, وأيقن أن حقه قد ضاع.
فصار يصيح: يا ويلي لقد ضاع حقي في "مكة" أقدس بلد في الدنيا. أيها الرجال, إني غريب وابن سبيل , وما عندي من مال استعين به على العودة إلى بلدي , فساعدوني يساعدكم الله.
وأشار الرجال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا للأراشي وهم يضحكون أترى هذا الرجل الساجد في ظل الكعبة هناك؟
اذهب إليه, فأنه سيساعدك في الحصول على مالك.
وتابع الحاضرون ضحكهم , فهم يعرفون مابين "أبي جهل" ورسول الله صلى الله عليه وسلم من عداوة. واقبل "الأراشي" نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم, وانتظره حتى انتهى من صلاته, فأقترب منه, وحكى له قصته كاملة , ورجاء أن يساعده في الحصول على ماله.
وأدرك "رسول الله صلى الله عليه وسلم" ما قصده الرجال الظالمون, من إحراجه أمام "الأراشي" لكنه دعا الله أن يمكنه من خدمة هذا الأعرابي. فأبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه الأعرابي الغريب, وقربه منه, ووعده أن يساعده في الحصول على حقه, فأطمأن قلب"الأراشي"إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وانتظر ما يفعله ليحصل له على حقه. قام "رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقال للأراشي:هيا اتبعني يا أخي. وسار "رسول الله صلى الله عليه وسلم" يتبعه الأعرابي, حتى وصلا بيت "أبي جهل" فطرق "رسول الله صلى الله عليه وسلم" بابه طرقاً خفيفاً ليناً, فخرج عليهما"أبو جهل " غاضباً, ليعرف من الطارق , فلما رأى "رسول الله صلى الله عليه وسلم" في الباب ارتعد خوفاً, وصارت أرجله ترتجف , وأسنانه تصطك, ولم يستطع أن يتفوه بكلمة واحدة. عند ذلك قال "رسول الله صلى الله عليه وسلم" بلهجة حازمة"أعط هذا الرجل حقه يا"أبا جهل" ولم ينتظر"أبو جهل" ليكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه بل أسرع إلى خزانته, فأحضر المال, وأعطاه للأراشي على عجل, ثم دخل إلى غرفته مسرعاً, ورمى بنفسه على فراشه, لا يقوى على الحركة, من شدة الخوف والرعب.
عند ذلك التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى "الأراشي" وقال له:تستطيع الآن ان تعود الى بلدك واهلك, فقد وصلك مالك يا أخا العرب.
وعاد الأعرابي إلى الكعبة وهو يدعو لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر والسيادة, لأنه ساعده في الحصول على حقه من الرجل الظالم, الذي أراد أن يأكل عليه ماله,فلما وصل إلى حيث يقعد كفار "مكة" قال لهم جزى الله هذا الرجل الكريم خيراً, فقد نصرني واخذ حقي من "أبي جهل" ولم يصدق الرجال ما سمعوا, فأسرعوا إلى "أبي جهل" فوجدوه في حالة صعبة يرثى لها من الخوف والرعب, فجسمه لم يتوقف عن الارتجاف بعد, ووجهه اسود من شدة ما ناله من الخوف والفزع, فبادروا إلى سؤاله: ما ألذي حصل لك يا"أبا جهل"؟
قال "أبو جهل" بصوت كسير:لو أنكم رأيتم ما رأيت, لحصل لكم ما حصل لي,فأني لما سمعت صوت"محمد"ورأيت وجهه,رأيت خلفه وحشاً مرعباً يشبه الجمل الغاضب, فلما رآني قادماً, كشر عن أنيابه, وهجم علي يريد أن يمزقني,فما كان مني إلا أن أسرعت إلى خزانتي وأحضرت المال اللازم, وأعطيت للأراشي حقه, ولو لم افعل ذلك لقضى هذا الوحش علي!
ولا يزال خيال هذا الوحش عالقاً في مخيلتي, لم يغادرها حتى هذه الساعة
21-06-2012, 01:16 PM
العرض المتطور
