أسامة بن زيد ( الحب بن الحب ) . . .
" إنَّ أسامة بن زيد لمن أحب الناس إلي ، وإني لأرجو أن يكون من صالحيكم ، فاستوصوا به خيراً " ...
أسامـة بن زيـد بن حارثة بن شراحيـل الكلبي ، أبو محمد ، من أبناء الإسلام الذين لم يعرفوا الجاهلية أبداً ، ابن زيد خادم الرسـول صلى اللـه عليه وسلم الذي آثـر المصطفى على أبيه وأمه وأهله ...
وأمه هي أم أيمن مولاة رسـول الله وحاضنته ، ولقد كان له وجه أسود وأنف أفطس ولكن مالكاً لصفات عظيمة قريباً من قلب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
حب الرسول له . . .
عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : عثر أسامة على عتبة الباب فشجَّ جبهته ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص شجته ويمجه ويقول : ( لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه ) ...
كما قالت ( رضي الله عنها ) : ( ما ينبغي لأحد أن يبغض أسامة بن زيد بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة ) ...
وقد اشترى الرسول صلى الله عليه وسلم حلة كانت لذي يزن ، اشتراها بخمسين ديناراً ، ثم لبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس على المنبر للجمعة ، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسا الحلة أسامة بن زيد ...
وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بعثاً فأمّرَ عليهم أسامة بن زيد ، فطعن بعض الناس في إمارته فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل ، وأيمُ الله إن كان لخليقاً للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ ، وإنَّ هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده ) .
نشأته وايمانه . . .
على الرغم من حداثة سن أسامة ( رضي الله عنه ) إلا أنه كان مؤمناً صلباً قوياً ، يحمل كل تبعات دينه في ولاء كبير ، لقد كان مفرطاً في ذكائه ، مفرطاً في تواضعه ، وحقق هذا الأسود الأفطس ميزان الدين الجديد ( إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) ...
فهاهو في عام الفتح يدخل مكة مع الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر ساعات الإسلام روعة .
الدروس النبوية . . .
قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعامين خرج أسامة أميراً على سرية للقاء بعض المشركين ، وهذه أول إمارة يتولاها ، وقد أخذ فيها درسه الأكبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهاهو يقول : ( فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد أتاه البشير بالفتح ، فإذا هو متهلل الوجه ، فأدناي منه ثم قال : ( حدثني ، فجعلت أحدثه ، وذكرت له أنه لما انهزم القوم أدركت رجلاً وأهويت إليه بالرمح ، فقال : ( لا إله إلا الله ) ، فطعنته فقتلته ، فتغير وجه رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم وقال : ( ويحك يا أسامة !! ! فكيف لك بلا إله إلا اللـه ؟ !! ! ويحك يا أسامة !! ! فكيف لك بلا إله إلا الله ؟ !! ! ) ، فلم يزل يرددها عليَّ حتى لوددت أني انسلخت من كل عمل عملته ، واستقبلت الاسلام يومئذ ٍ من جديد ، فلا والله لا أقاتل أحداً قال لا إله إلا الله بعد ماسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ...
وحينما أهمَّ قريش شأن المرأة التي سرقت ، فقالوا : ( من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ) ، فقالوا : ( ومن يجترىء عليه إلا أسامة بن زيد حبّ رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم ) ، فكلمه أسامة فقال رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم : ( لم تشفعْ في حد من حدود الله ؟ !! ! ) ، ثم قام النبـي صلى الله عليه وسلم فاختطب فقال : ( إنما أهلك الله الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيمُ الله لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) .
جيش أسامة . . .
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام ، وهو لم يتجاوز العشرين من عمره ، وأمره أن يوطىء الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس وخرج مع أسامة المهاجرون الأولون ، وكان ذلك في مرض الرسول صلى الله عليه وسلم الأخير ، فاستبطأ الرسول الكريم الناس في بعث أسامة وقد سمع ما قال الناس في إمرة غلام حدث على جلة من المهاجرين والأنصار !! ! ، فحمد الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس ، أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله ، وإنه لخليق بالإمارة ، وإن كان أبوه لخليقاً لها ) ، فأسرع الناس في جهازهم ، وخرج أسامة والجيش ، وانتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى ، وتولى أبو بكر الخلافة وأمر بإنفاذ جيش أسامة وقال : ( ما كان لي أن أحل لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، وخرج ماشياً ليودع الجيش بينما أسامة راكباً فقال له : ( يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن ) ، فرد أبوبكر : ( والله لا تنزل ووالله لا أركب ، وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة ) ، ثم استأذنه في أن يبقى إلى جانبه عمر بن الخطاب قائلاً له : ( إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل ) ، ففعل وسار الجيش وحارب الروم وقضى على خطرهم ، وعاد الجيش بلا ضحايا ، وقال المسلمون عنه : ( ما رأينا جيشاً أسلمَ من جيش أسامة ) .
أسامة والفتنة . . .
وعندما نشبت الفتنة بين علي ومعاوية التزم أسامة حياداً مطلقاً ، كان يحب علياً كثيراً ويبصر الحق بجانبه ، ولكن كيف يقتل من قال لا إله إلا الله وقد لامه الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك سابقاً !! ! ، فبعث إلى علي يقول له : ( إنك لو كنت في شدق الأسد ، لأحببت أن أدخل معك فيه ، ولكن هذا أمر لم أره ) ، ولزم داره طوال هذا النزاع ، وحين جاءه البعض يناقشونه في موقفه قال لهم : ( لا أقاتل أحداً يقول لا إله إلا الله أبداً ) ، فقال أحدهم له : ( ألم يقل الله : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ؟ ) ، فأجاب أسامة : ( أولئك هم المشركون ، ولقد قاتلناهم حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله ) .
وفاته . . .
وفي العام الرابع والخمسين من الهجرة ، وفي أواخر خلافة معاوية ، أسلم ( رضي الله عنه ) روحه الطاهرة للقاء ربه ، فقد كان من الأبرار المتقين ، فمات بالمدينة وهو ابن ( 75 ) سنة .