نعم يا أمي ..
ليس المعزِّي كالمـُعـَزَّى .. وليس المواسي كالمواسى ..
كنتُ يا أمي عندما أقوم بتعزية أحدٍ بفقدِ عزيز ٍ له .. كنتُ أعزِّيه بعباراتٍ ما تمعـَّنتُ بمدى تأثيرها على صاحب المصيبة إلا بعد أن فقدتـُّك .. وكنتُ أقول له كلمات ما تفكـَّرتُ بها وبمدى جدواها في هذا المـُبتلـَى إلا بعد أن وقعت في الموقف ذاته ..
ليست لأنها عبارات خاطئة .. بل على العكس تماماً هي الحق ذاته ..
ولا لأنها كلمات غير صحيحة .. بل هي الصواب بعينه ..
لكن لأنها يا أمي عبارات كانت تخرج من فم من لم يذق مرارة الفـَقـْد .. وكلمات تصدر ممن لم يعرف طعم الفراق ..
كنتُ أقول للمـُبتـَلى بهذا الفقد يا أمي : الميـِّتُ الآن لا يريد منكَ دموعك .. ولا يرضيه منكَ بكاءك ..
مـَن فقدتـَّه يطلب منك الدعاء .. والدعاء فقط ..
كلام لا يختلف على صحـَّته اثنان .. وحقيقة لا ينكرها إلا أحمقٌ أو جاهل ..
لكنني ما كنتُ أفهم يا أمي أبداً بأن الدموع ليست مجرد قطرات تسيل في العينين واقعة تحت آلة تحكـُّم أو جهاز سيطرة يوقفها المرء متى أراد ويكبتها متى شاء ..
ما كنتُ أدرك أن الله تعالى ما خلق الدموع إلا للبكاء .. وما جعل البكاء إلا للتنفيس عن الهموم والأحزان .. وهذا من عظيم لطفه وآيات رحمته ودلائل رأفته بعباده – جلَّ شأنه - ..
نعم يا أمي .. نعم يا توأم روحي .. أعلم يقيناً أنكِ في غنىً عن بكائي .. وأعرف تماماً أنك إلى الدعاء وإرسال الهدايا أحوج بكثير من هذه الدموع التي تسيل من عينيَّ ..
ولكن .. أنـَّى لهذا القلب أن يستوعب هذه الحقيقة .. وأنـَّى لهذه العين أن تقنـَع بهذا القول ..
رحلتي وتركتيني وحيده كالطفل الصغير .. رحتي وتركتي ورائك قلبا يعتصر الم وحزنا..
رحمك الله ورحتنا واسعه واسكنك الجنه ..
أعتذر منكم يا مـَن عزَّيتـُكم بلساني .. ولم أشعر بأوجاعكم بجـَناني ..
أعتذر منكم يا من واسيتـُكم بالأقوال .. ولم أتحسَّس آلامكم بالأفعال ..
أعتذر منكم يا مـَن قدَّمتُ لكم التعازي ثم مضيتُ بحال سبيلي .. ولم أتلمـَّس آلام الفقد في قلوبكم ..
أعتذر منكم جميعاً لأن المـُخبـَر ليس كالمعاين .. فهل قبلتم اعتذاري ؟؟..
مضى على رحيل امي اسبوع ارجو الدعاء لها ..
اللهم اغفر للامي وابي واجمعني بهم في مستقر رحمتك مع النبين والصدقيين والشهداء وحسنا اولئك رفيقا
اللهم صبرني على فراقهاا