انتشر في برامج الاتصال وشبكات التواصل حديث: [أربعة لايغفر لهم ليلة القدر: مدمن خمر، وعاق لوالديه، وقاطع الرحم، ومشاحن، وهو المصارم]…
وهو جزء من حديث طويل، أخرجه البيهقي في الشعب[3421]، وابن الجوزي في العلل المتناهية[880]، من حديث ابن عباس، وفيه عدة علل، قال ابن الجوزي بعد أن ساقه بسنده: لايصح، وقال الألباني في ضعيف الترغيب (594): موضوع.
والثابت في الباب ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة، عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال:[من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه]..
أما ماذكر في الحديث من إدمان الخمر والعقوق وقطيعة الرحم، فهي من كبائر الذنوب التي لاتكفرها الأعمال الصالحة، بل الكبائر لابد لها من توبة، وهذا مجمع عليه بين العلماء، حكى الإجماع ابن عبدالبر وغيره،
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالالصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).
قال ابن رجبأما الكبائر، فلابد لها من التوبة؛ لأن الله أمر العباد بالتوبة، وجعل من لم يتب ظالماً، واتفقت الأمة على أن التوبة فرض، والفرائض لا تؤدى إلا بنية وقصد، ولو كانت الكبائر تقع مكفرة بالوضوء والصلاة، وأداء بقية أركان الإسلام، لم يحتج إلى التوبة، وهذا باطل بالإجماع، وأيضاً فلو كفرت الكبائر بفعل الفرائض لم يبق لأحد ذنب يدخل به النار إذا أتى بالفرائض، وهذا يشبه قول المرجئة وهو باطل، هذا ما ذكره ابن عبد البر في كتابه "التمهيد"، وحكى إجماع المسلمين على ذلك...
ثم نقل ابن رجب أن بعضهم كان يرى القول بأن الأعمال الصالحة تكفر الكبائر، ونقل عن ابن عبدالبر أنه قال: قد كنت أرغب بنفسي عن الكلام في هذا الباب، لولا قول ذلك القائل، وخشيت أن يغتر به جاهل، فينهمك في الموبقات، اتكالاً على أنها تكفرها الصلوات دون الندم والاستغفار والتوبة، والله نسأله العصمة والتوفيق...
ثم قال ابن رجب: فإن كان مرادهم أن من أتى بفرائض الإسلام وهو مصر على الكبائر تغفر له الكبائر قطعاً، فهذا باطل قطعًا، يعلم بالضرورة من الدين بطلانه…وهذا أظهر من أن يحتاج إلى بيان، وإن أراد هذا القائل أن من ترك الإصرار على الكبائر، وحافظ على الفرائض من غير توبة ولا ندم على ما سلف منه، كفرت ذنوبه كلها بذلك … فهذا القول يمكن أن يقال في الجملة، والصحيح قول الجمهور: إن الكبائر لا تكفر بدون التوبة؛ لأن التوبة فرض على العباد، وقد قال عز وجل[ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون]، وقد فسرت الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود التوبة بالندم، ومنهم من فسرها بالعزم على أن لا يعود، وقد روي ذلك مرفوعاً من وجه فيه ضعف، لكن لا يعلم مخالف من الصحابة في هذا، وكذلك التابعون ومن بعدهم، كعمر بن عبد العزيز، والحسن، وغيرهما).. ا.هـ
والواجب علينا معشر المسلمين المسارعة إلى الخيرات، والأعمال الصالحات، ومنها التوبة والاستغفار، لاسيما من الكبائر، خصوصاً ونحن في العشر الأواخر من رمضان..
جعلنا الله وإياكم ممن صام رمضان وقامه وقام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، فغفر له ماتقدم من ذنبه..