السلام عليكم ورحمة الله
هذه أولى رواياتي التي سأعرضها عليكم في منتدانا العزيز ، آملة ان تنال على اعجابكم ، و وجدت هذا الموضوع مناسبا ليضع الاعضاء الكرام بوح اقلامهم هنا في هذا المتصفح البروقي ، لذا أُسعد لو تتكرم هيئة الاشراف على هذا القسم بتثبيت الموضوع و لكم خير الجزاء ..
نبذة عن الرواية :
هي رواية فرنسية بمعنى اوروبية ، و قد ادرجت ابطالها ايضا على الاوروبيين ، و هي تحكي عن معاناة فتاة في سن السابعة عشر تقريبا ، تحكي قصة حياتها الحزينة ، عن معاناتها و تحملها و صبرها ، و كم سرقت منها الحياة اعز انسان ، و لكن مهما يكن ، يظل الامل آخرشمعة تضيء لها الدرب ، و لو كانت في آخر لحظات عمرها البريء ...
لا أريد ان اطيل عليكم الانتظار ، و كل هذا ستلاحظونه خلال القصة ...
فإليكم هي :
( أمنياتٌ عبر الحياة )
نبرةُ الجرح الدامي لا تكاد تتوقف ، صرخاتٌ في خلجات الأعماق تترددُ بصوتٍ شجي ، سئمتُ الحياة .. سئمتُ هذا الفراش الابيض ، لم تعد هذه الحياة لي سوى كومةٍ من الآلام ..
لا زلت أُصارع المرض ، و بوهلة .. يتوقف كل شيء ، أخذتُ أسترجع شريط الذكريات (( حياتي .. دراستي .. أمنيتي الغالية التي لا تكاد تتحقق ، بل اصبحت في عِداد الاحلام )) ، كلمات مبهمة اقف امامها حائرة ، فأنا أمام معركةٍ مع عدوٍ يسمى بالمرض ، الذي يقف عائلاً امام احلامي ...
لم تزل أمنية الطفولة تراودني للآن ، << روبنس >> حلمٌ يبعث فيَّ الأمل ، كم حلمتُ بطفولتي أن أغدوا نجماً لامعا في سماء ابداعك ، و أرسم بفرشاتي معنىً للحياة ، نعم .. معنىً للحياة القاسية ..
أبعدتُ عني هذا الشرود ، و همهمتُ بالقيام ، فقد ضاقت روحي حياة البيت البائسة ، فالصمت الرهيب يقتل فينا آخر املٍ للحياة .. و الفقر و الجوع يسيطر على نفوسنا فيبعث فيها إحساساً بالخوف و السكون ....
***********
الحمى لم تفارق جدي للآن ، و الطبيب فقد آخر أملٍ لشفائه ، آهٍ لو أستطيعُ عمل شيءٍ يخلصنا مما نحن فيه ، فلقد نفذ الطعام و ما من شيءٍ نقتاضُ به للحصول على قطعة خبزٍ واحدة ....
ها قد أخذ الظلام يخيم على أرجاء المكان ، و ها هي الثلوج بدأت بالتساقط ، و ترانيم << الجيتار >> بدأت تتراقص على اسماعنا في الريف ، و لهيب نار المدفئة يشعرنا بالامل ..
أقبلتُ نحو جدي أناوله رشفةً من الدواء ..
- (( جدي .. قُم يا جدي و تناول الدواء الذي وصفه لك الطبيب ))
دنوت منه ..
- جدي ما بك ؟
حركته قليلا فسقط على الارض ..
اخذتُ احركه بقوة ، (( جدي .. جدي .. استيقظ ارجوك .. جدي ، لا ارجوك يا جدي لا تتركني لوحدي ، لا ارجووووك ، لاااااااااااااااااا ))
ركضتُ خارجاً ، كانت كل جوارحي تصرخ بلااااااا ، لا لا لااااا ، خانتني دموعي و لم استطع البكاء ، لم استطع ان اعبر عما بداخلي من الم ، سامحني يا جدي لانني لم استطيع فعل شيء ، سامحني .. فأنا لا استحق حبك و حنانك .. لا استحق ثقتك الغالية .. ســـــــــامحني ..
شعرت ُ أن روحي تكاد تفيض من جسدي ، قمتُ متثاقلة أجر أذيالي و جلست على الجسر المحاذي لضفاف البحيرة المتجمدة .. بدأت أبكي بحسرةٍ و الم ، تمنيتُ في تلك اللحظة لو تنشق الارض و تبتلعني لأتخلص من هذه الحياة البائسة ، أو أنه كابوسٌ مزعج سرعان ما استيقظ منه و يرجع كل شيء إلى ما كان عليه ...
أطياف جدي لا تفارق مخيلتي ، تجرني إليها بلهفة ، و تناديني (( إلينا .. إلينا )) ...
سئمت من هذا الوضع ، فالالم يعتصر قلبي ، أرجعُ للبيت و أرى ذكرى جدي في كل مكان ، عندما يجلس بقرب المدفئة و يناديني بصوته المبحوح (( إلينا )) ، كان كل شيء يذكرني به ..
رميتُ بنفسي على السرير و دمعاتي المتخثرة ما زالت في عينيّ ، عندها فقط استسلمت للنوم ... و بدأتُ اغوص في عالم الاحلام لاصل الى ما لا نهاية ......
**************
ظروف الحياة القاسية ، اضطرتني للسفر خارج (( بيونس آيرس )) للبحث عن عمل أقتات منه ، و مع الحرب ، ستزداد الامور سوءاً ، لذا يجب عليّ أن اغارد الريف بأسرع وقت ...
حزمتُ حقائبي و توجهت لمحطة القطار على عجل ..
ها قد بدأ القطار يتحرك ، و معه يتلاشى كل شيء (( طبيعة الريف الجميلة .. كوخنا الريفي .. و ذكرى جــــــــدي ))
صرختُ : < جــــــدي .. ستبقى اجمل لوحةٍ في مخيلتي > ....
ترددات صوتي لا زالت ترن في اذني ، تذكرني بالماضي .. تذكرني بأعز انسان ، ذكراه ستظل في قلبي مهما يكن الثمن ، فمهما كانت الايام طويلة و مهما كانت الليالي حالكة السواد ستظل النور الذي يضيؤها يا جــــــدي .....
***************
انقضت الايام حتى وصلنا (( لباريس )) ، لم يتغير الحال كثيراً عن (( بيونس آيرس )) فالثلوج تكسي الارض ثوباً أبيضاً ، و الجو قارص البرودة ...
استجمعتُ قواي ، و نزلت من القطار ، حملتُ حقيبتي ، و بدأتُ أسير بخطواتٍ حائرة .. لم أعرف إلى اين اتوجه ، فلقد حل الظلام و لم اجد مكانا أقضي فيه ليلتي ..
خارت قواي و لم أعد استطيع المشي .. أشعر ان اطرافي تكاد تتجمد ، أمشي بخطواتٍ متثاقلة ، و أجر قدماي بصعوبة ..
لم استطع المقاومة فسقطتُ على الارض و الثلوج تغطيني ..
*************
استيقظتُ صباحاً على صوت امراةٍ عجوز تدعوني لأتناول الفطور ..
بدت لي كجدتي المتوفاة في حنانها و عطفها ، سألتها عن اسمها فأجابت (( بآنا )) ، اخبرتها بأن اسمي (( إلينا )) ، عندها أخذت تخفي دموعها ، فعجبتُ لامرها ، سألتها باستغراب عن سبب بكائها فأجابت بأنها كانت لها حفيدة في مثل عمري متوفاة كانت تدعى (( بإلينا )) و هي تشبهني تماماً ...
اشفقتُ على حالها و على ما بدت عليه من الحزن و الكآبة .. ثم أخذتُ أشكرها لمساعدتها لي ..
كانت جدةً طيبة ، و ابتسامتها العذبة توقد فيَّ شعلة الامل ..
تجاذبنا أطراف الحديث ، فسألتها : يبدو عليكِ يا جدة بأنكِ تعيشين وحيدةً هنا ؟! ، فأجابت : لقد اعتدت يا ابنتي على حياة الوحدة ، فما أن توفيت حفيدتي ، لم اجد أنيساً لي في هذا البيت سوى صناراتي و صوفي ..
أقبلت تحدثني قائلة : ماذا عنكِ يا ابنتي ، من أين جئتِ و ما حاجتك ؟
فأجبتها : جئتُ يا جدة من (( بيونس آيرس )) بحثاً عن مورد رزق ٍ بعد ما توفي جدي ، فما عاد أحدٌ يرعاني من بعده ، لذا قررت السفر (( لباريس )) ...
تسامرنا و تحدثنا إلى ان جاء وقت النوم ، فأخذتني لترشدني للسرير الذي سأنام عليه ...
*****************
و في صباح اليوم التالي ، استيقظتُ نشيطةً و فتحتُ النافذة لاستنشق الهواء العليل ، كانت مناظر الطبيعة (( كبيونس آيرس )) تماما ، (( زقزقة العصافير .. صوت شلال الماء و الاشجار )) كلها اصبحت لوحةً متجانسة للطبيعة ، فما وجدتُ اجمل و أحلى من هذه الفرصة لأرسم لوحةً لهذه المناظر الخلابة ..
أحضرتُ قطعةً من فحمِ المدفئة ، و بدأتُ أرسمُ على الوجه الخلفي للملصقات الاعلانية التي كنتُ أحتفظُ بها للرسم ...
و عندما انتهيت كنتُ في غاية السعادة ..
تذكرتُ جدي ، فأحضرتُ ملصقةً اخرى ، و بدأتُ أرسمُ ملامح وجهه ، ثم توقفتُ لبرهة .. أخذت الدموع تبلل الورقة فقمتُ فورا للداخل و ارتميتُ على السرير ، اجهشتُ بالبكاء ..
أقبلت المرأة العجوز نحوي تضمني اليها ، و أخذت تهدأ من روعي ، سألتني باضطراب : ما بكِ يا ابنتي .. لِمَ تبكين ؟
أجبتها و دموعي تملأ عينيّ : لا شيء يا جدتي .. لا شيء ....
ومضى الحال بسلام هذا اليوم الى ان حل الظلام من جديد ...
*************
و في صباح يومٍ جديد ، قررتُ القيام للبحث عن عملٍ اقتاتُ به ، و علمتُ مسبقا ان (( بباريس )) متحفاً فنيا للوحات (( روبنس )) ، أخذتُ امشي و أنا اناظر المباني يمنةً و يسرة ، و يال الدهشة ، ها هو المتحف !!
بدا مبنىً ضخما ، فتوجهتُ نحوه و لكن القائمين عليه لم يمكّنانني من الدخول ، إلا اذا دفعت مقابل ذلك قطعةً ذهبية واحدة و هذا مبلغٌ كبير ، لذا عدتُ ادراجي اجر اذيال الخيبة ..
كان بائع الصحف يتجوّل هناك ، ناديته لاشتري منه صحيفة اليوم ، علني أجد عملا يلاؤمني ، أخذتُ اتصفحها و إذا بي أرى طلب خادمةٍ في أحد المنازل الثرية ، أخذتُ العنوان و بدأتُ أجوبُ المدينة بحثاً عن عنوان ذلك البيت ..
اصبتُ بالارهاق ، و اخذ مني التعب مأخذه ، و أخيراً وجدت عنوان المنزل ، طرقتُ الجرس ، و يال العجب ! ، لقد خرجت لي سيدة المنزل ، و لكن يبدو على هيئتها بانها متعالية و عدوانية ، انحنيتُ لها قليلا و قلتُ : مرحبا سيدتي ، حسبما طلبتم في الصحيفة خادمة ، ها انا ذا جئت لاستلم العمل ..
فاجابت بصوتٍ مبحوح : ماذا ؟ لا اذكر اننا طلبنا خادمةً بهذه الثياب القذرة و هذا الوضع المقزز !!
فأجبتها صارخة : و لكن يا سيدتي ، العمل لا يتطلب كل هذا ، ثم انني سوف اشتري لي ملابسا جديدة عندما استلم أول راتبٍ لي ..
صفعتني بقوة و اجابتني صارخةً بوجهي : يا لكِ من فتاةٍ وقحة ، هيا اذهبي من هنا ....
ابتعدتُ شيئاً فشيئاً ، و بدأتُ أركضُ باكية ، و حل الظلام عليّ في الطريق ، كما انني ابتعدتُ كثيرا عن بيت تلك الجدة ، اعتقد انني ظللت الطريق ..
خارت قواي و بدأتُ اتعب ، أخذتُ نفسا عميقا ، و في طريقي للعودة ، نظرتُ للمتحف ، و توجهتُ نحوه آملةً في الدخول ، و لحسن الحظ لم يكن هناك أحد ، فقد كان المكان ساكناً ، دخلتُ اليه و بدأتُ انظر من حولي ، لوحات (( روبنس )) أخيرااا تحقق حلمي في رؤيتها ، الآن فقط عرفتُ لِمَ كان أبي يلح ليرى هذه اللوحات ، جدي .. ها أنا أرى لوحات (( روبنس )) يا جدي ، امنيتي الغالية تحققت اخيرا ، و بوهلة توقف كل شيء ، سقطتُ على الارض ، أحسستُ ان أطرافي متجمدة تماماً ، استسلمتُ أخيرا للموت ، و فاضت روحي بهدوء ، و كانت على فمي ابتسامة رضا ، و آخر كلمةٍ أتلفظ بها هي : جـــــــــــدي ...
النهاية
مع تحيات
اخوكم:
ابــــــــو هـــــــاجــــــــــر