[align=center]
سُئِلَ أعرابيٌّ عن سبَبِ إيمانِهِ بالنبيِّ صلى الله عليهِ وسلّم .. وكيفَ عَلِمَ صِدقَه ؟ فقال : رأيتُهُ لا يأمرُ بشيء والعقلُ ينهى عنه .. ولا ينهى عن شيء والعقلُ يأمرُ به .
أعِيدوا قراءة ما قالَهُ الأعرابيُّ أيّها الأحباب ..
ألا ترونَ أنَّ هذا يَدُلُّ على فهمهِ الدقيق .. وإيمانِهِ العميق .؟
بلى ... فليس المطلوبُ مِنّا هو الإيمان بالله عز وجل وإتِّباع النبيِّ صلى الله عليهِ وسلّم لمجرَّدِ الأمرِ بذلك وفقطوإنّما هو الإيمانُ الذي تدعو إليه الفطرة ويأمر به العقل .. ويؤيّده المنطق السليم ..
إنّما هو الإيمانُ النابع من علمٍ وفهمٍ وإدراك ..
إنه لينبغي أن نتّبع النبي صلى الله عليهِ وسلّم ليقيننا بأنّه لا يأمرُ إلا بما هو الخير الخالص أو الراجح .. و ... وليس المطلوبُ مِنّا كذلك أن نؤمِنَ لمجرّد أن آباءنا وأمهاتنا كانوا مؤمنين وفقط ..!
لا ينهى إلا عن ما هو الفساد الخالص أو الراجح .. وإنَّ المتأمّل في جميع أمور الشرع ليدرك ذلك واضِحاً جليّاً .
وهنا أذكّر بأن العبادة قسمانِ كما ذكرَ أهلُ العلم .. عبادة القهرِ و عبادة والاختيار .
ويدخل تحت عبادة القهر كلُّ المخلوقاتِ في العالم العلوي أو السفلي بما فيهم الكافرون والمُلحدون والعاصون .. فهم حتى وإن كفرو وعصوا .. إلا أنّهم تحت قهرِ الله عزّ وجل خاضعون لأمره .. يقول الله (تعالى في سورة الرعد : ( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ ) ويقول الله تعالى في سورة مريم : ( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) ..
وأمَّا المرادُ بالعبادة في قوله تعالى في سورة الذاريات : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .. وفي قوله تعالى في سورة البقرة : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) .. فإنّما هي عبادةُ الاختيار .
فالله تبارك وتعالى لم يجبر المؤمنين على الإيمان ولا المشركين على الجُحُودِ والعصيان .. وكلُّ هذا من مقتضى حكمته وعلمه ورحمته حتى لا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل .
واعلموا أيّها القرّاء أنَّ التفاوت بين الناس في الدنيا والآخرة ليسَ في عبادةِ القهر .. فكلهم على حدٍّ سواء ... خاضعونَ لأمر الله القائل : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) سورة الأنعام ..
وإنّما التفاوت في عبادةِ الاختيار ... فمنهم من اختار الكفر على الإيمان قاصداً متعمّداً كما حكى الله عن قومِ صالح في سورة فُصّلت : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) ، ومنهم من اختار مع الكفرِ الدّعوةَ إلى كُفره ومناوأة أهل الإيمان وإيذائهم .. وقد قال تعالى في سورة الأنعام : ( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ).. ومن الناس من اختار أن يكون مسلماً فَحسب ، ومنهم من اختار سيرةَ النبيِّ صلى الله عليهِ وسلّم دُستوراً له بما تحمِله هذه السيرة من شمولٍ وصدقٍ وعطاءٍ من أجلِ الله عزّ وجل ومن أجلِ إنقاذ البشرية وهدايتهم للحق المبين .
إن كلمة ( اختيار ) لتعني ... أو ينبغي أن تعني أن هناك نوعاً من التفكيرِ والتأمّلِ الذي يسبق قرارَ الاختيار .. وهذا بدورِه يدل على وجود نصيب من الفهم والإدراك الذي سيثمر قناعةً تستقرُّ في القلب فلا يوصَلُ إليها .
وهذا بعكس ذاك الذي لم يمارس هذا العبادة بشيءٍ من التفكيرِ والفهم .. وإنّما هو على حافةِ الطريق .. سُرعان ما يسقط ويتردّى .. واقرأ إذا شئت قوله تعالى في سورة الحج : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) ..
وبناءً على ذلك .. فكم هو الفرق بين من آمنَ بالله تعالى وهو يعيشُ مع أبوينِ كافرين .. وفي مجتمعٍ كافِرٍ يزيّنُ له الباطل .. ويأمرُ به .. ويشوّه له الحق .. ويجرّم أهله .. فرقٌ بينَ هذا الذي اختارَ الإسلام وهو يعلم ما الذي يمكن أن يعانيه من أجله .. وبينَ من نشأَ في مجتمعٍ مُسلمٍ قد أُتيحت له جميعُ السُبل ، وفُتِحت لهُ جميعُ الأبوابِ لينهلَ من هذا الدينِ ويرتقي في مراتِبه .. ومع ذلك فقد اختارَ أن يكونَ مع الخالِفينَ القاعِدين ..
فرقٌ بين من يحافظ على صلاتِه ، وهو يملِكُ ويقدر على تركِها دونَ أدنى عِتاب أو تثريبٍ من أحد .. إنّهُ ليُحافظ عليها في حينِ أنَّ المُجتمع كلّه ضدّه .. فرقٌ بين هذا وبينَ من كانت الأسباب جميعها مُهيّئةً له ومُتيسّرة أمامه ليؤدّي هذه الشعيرة العظيمة .. ومعَ ذلك فقد اختارَ الكسل على العمل .. والترك على الفعل ..
فرقٌ بينَ من ليسَ بينَهُ وبينَ الخمرِ إلاّ أن يمُدَّ يدَهُ ليشرَبها .. فيمتنع خشيةً لله ورجاءً فيما عِنده .. في الوقت يدرك فيه أضرار هذا الشراب الخبيث .. فرقٌ بينَ هذا وبينَ من كانت بينهُ وبينَ الخمرِ جسورٌ وجسور .. فتحمّلَ المشاقَّ والمتاعِب في تخطّيِها حتى وصلَ إلى مُرادهِ وهدفه .
إنّها عبادةُ الاختيار ..هذا اختارَ الإيمانَ والحقَّ والعدل .. وهو قادِرٌ على الكفرِ والباطلِ والجور ..
وذاكَ اختارَ الكفرَ والسوءَ والبخل .. وهو قادِرٌ على التوحيدِ والحُسنِ والجود ..
وصَدَقَ الله إذ يقول : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) ..وصَدَقَ الله إذ يقول : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) ..
وصَدَقَ الله إذ يقول : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ ) ..فاختاروا لأنفسكم المصيرَ الذي تُريدونه ..
ثمَّ اختاروا لأنفسكم الطريقَ الموصل إلى هذا المصير ..
وإنّما هي أعمالُنا يُحصيها الله علينا ..
فمن وَجَدَ خيراً فليحمدِ الله عزّ وجل .. ومن وَجَدَ غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلاّ نفسه ..
فهذا اختيارُهُ .. وهذهِ تَبِعاتُهُ وثمراتُه ..
[/align]
14-04-2006, 04:23 AM
العرض العادي
