السلام عليكم
هذا الموضوع تابع لسابقه موضوع (فضل الجهاد والمجاهدين)
الجهاد جهادان , جهاد طلب , وجهاد دفاع , والمقصود منهما جمعيا هو تبليغ دين الله ودعوة الناس إليه وإخراجهم من الظلمات إلى النور , و إعلاء دين الله في أرضه , وأن يكون الدين كله لله وحده كما قال عز وجل في كتابة الكريم من سورة البقرة ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ... )( ) وقال في سورة الأنفال ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ... )( ) وقال عز وجل في سورة التوبة ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )( ) و الآيات في هذا المعني كثيرة .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله , أن محمدا رسول الله , ويقيموا الصلاة , ويؤتوا الزكاة , فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم , وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل ) متفق عليه صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) .
وفي صحيح مسلم عنه أيضا رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به ) .
وفي صحيح مسلم أيضا عن طارق بن أشيم الأشجعي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه علي الله عز وجل ) .
والأحاديث في هذا المعني كثيرة , وفي هذه الآيات الكريمات والأحاديث الصحيحة الدلالة الظاهرة علي وجوب جهاد الكفار والمشركين وقتالهم بعد البلاغ والدعوة إلى الإسلام , وإصرارهم على الكفر حتى يعبدوا الله وحده ويؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ويتبعوا ما جاء به , وأنه لا تحرم دماؤهم وأموالهم إلا بذلك وهي تعم جهاد الطلب , وجهاد الدفاع , ولا يستثني من ذلك إلا من التزم بالجزية بشروطها إذا كان من أهلها عملا بقول الله عز وجل ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ
صَاغِرُون )( ) .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلمه أنه أخذ الجزية من مجوس هجر , فهؤلاء الأصناف الثلاثة من الكفار وهم اليهود , والنصارى , والمجوس , ثبت بالنص أخذ الجزية منهم.
فالواجب أن يجاهدوا ويقاتلوا مع القدرة حتى يدخلوا في الإسلام , أو يودوا الجزية عن يد وهم صاغرون , أما غيرهم فالواجب قتالهم حتى يسلموا في اصح قولي العلماء , لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل العرب حتى دخلوا في دين الله أفواجا , ولم يطلب منهم الجزية , ولو كان أخذُها منهم جائزاً تحقنُ به دماؤهم و أموالهم لبينَه لهم ولو وقع ذلك لنقل .
وذهب بعض أهل العمل إلى جواز أخذها من جميع الكفار لحديث بريدة المشهور في ذلك المخرج في صحيح مسلم , والكلام في هذه المسألة وتحرير الخلاف فيها وبيان الأدلة مبسوط في كتب أهل العمل من أراده وجده , ويُستثنى من الكفار في القتال النساء والصبيان والشيخ الهرم ونحوهم ممن ليس من أهل القتال ما لم يشاركوا فيه فان شاركوا فيه وساعدوا عليه بالرأي والمكيدة قوتلوا كما هو معلوم من الأدلة الشرعية .
وقد كان الجهاد في الإسلام على أطوار ثلاثة :
الطور الأول : الأذن للمسلمين في ذلك من غير إلزام لهم كما في قوله سبحانه
( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ )( ) .
الطور الثاني : الأمر بقتال من قاتل المسلمين والكف عمن كف عنهم , وفي هذا النوع نزل قوله تعالى ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي ... )( ) , وقوله تعالى )وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ... )( ) , وقوله تعالى ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )( ) في قول جماعة من أهل العلم , وقوله تعالي في سورة النساء ( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً )( ) والآية بعدها .
الطور الثالث : جهاد المشركين مطلقا وغزوهم في بلادهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ليعم الخير أهل الأرض , وتتسع رقعه الإسلام , ويزول من طريق الدعوة دعاة الكفر والإلحاد , ويَنعمَ العباد بحكم الشريعة العادل , وتعاليمها السمحة , وليخرجوا بهذا الدين القويم من ضيق الدنيا إلى سعة الإسلام , ومن عبادة الخلق إلى عبادة الخالق سبحانه , ومن ظلم الجبابرة إلى عدل الشريعة و أحكامها الرشيدة.
وهذا هو الذي استقر عليه أمر الإسلام وتوفي عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه قوله عز وجل في سورة براءة وهي من آخر ما نزل ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ... )( ) , وقوله سبحانه ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ... )( ) والأحاديث السابقة كلها تدل علي هذا القول وتشهد له بالصحة .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الطور الثاني وهو القتال لمن قاتل المسلمين والكف عمن كف عنهم قد نسخ لأنه كان في حال ضعف المسلمين , فلما قواهم الله وكثر عددهم وعدتهم أمروا بقتال من قاتلهم , ومن لم يقاتلهم حتى يكون الدين كله لله وحده , أو يؤدوا الجزية أن كانوا من أهلها .
وذهب آخرون من أهل العمل إلى أن الطور الثاني لم ينسخ بل هو باق يُعمَل به عند الحاجة إليه , فإذا قويَ المسلمون واستطاعوا بدء عدوهم بالقتال وجهاده في سبيل الله فعلوا ذلك عملا بآية التوبة وما جاء في معناها , أما إذا لم يستطيعوا ذلك فإنهم يقاتلون من قاتلهم واعتدي عليهم , ويكفون عمن كف عنهم بآية النساء وما ورد في معناها , وهذا القول أصح وأولى من القول بالنسخ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله .
وبهذا يعلمُ كل من له أدنى بصيرة أن قول من قال من كتاب العصر وغيرهم إن الجهاد شرع للدفاع فقط قول غير صحيح , والأدلة التي ذكرنا وغيرها تخالفه , و إنما الصواب هو ما ذكرنا من التفصيل كما قرر ذلك أهل العلم والتحقيق , ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه رضي الله عنهم في جهاد المشركين اتضح له ما ذكرنا , وعرف مطابقة ذلك لما أسلفنا من الآيات والأحاديث والله ولي التوفيق .
اللهم أنصر اخواننا المجاهدين في كل مكان
اللهم أنصرهم على على عدوهم
اللهم سدد رميهم واجمع كلمتهم
اللهم تقبل موتاهم وفك أسراهم
يارب العالمين