العودة   منتديات سدير > `·• آفاق رحبة •·´ > ¨° حوار الأعضاء °¨

¨° حوار الأعضاء °¨ للطرح الجاد و الهادف بأقلامكم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-08-2014, 01:36 PM   #1
سليمان الزيادي
 
تم شكره :  شكر 19067 فى 3938 موضوع
رحّال نسبة التقييم للعضورحّال نسبة التقييم للعضورحّال نسبة التقييم للعضورحّال نسبة التقييم للعضورحّال نسبة التقييم للعضورحّال نسبة التقييم للعضورحّال نسبة التقييم للعضورحّال نسبة التقييم للعضورحّال نسبة التقييم للعضورحّال نسبة التقييم للعضورحّال نسبة التقييم للعضو

 

Icon6 أيشعرون حقاً؟!


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

مقدمة.

فكرة هذا الموضوع راودتني أثناء حوار مع الأخ ( فيصل / قلم صريح ) في موضوع ( صراعٌ نادر ) في قسم التسليّة ، و نظراً لأنني لا أملك رأياً جازماً حول هذه الفكرة ترددت حتى كانت رغبة الأخ ( فيصل ) في مناقشة الفكرة نقاشاً مستفيضاً ، و لذا كان هذا الموضوع و هنا.
و الموضوع هو عبارة عن رؤية ناتجة عن قراءات شتى و متعددة ، و أغلب ما فيه هي آراء لعلماء و مشاهداتهم لعالم الحيوان و محاولة تفسير لتصرفات هذه الحيوانات في سبيل الوصول إلى فهمٍ أعمق ، و الفكرة هي :-
هل تملك الحيوانات مشاعر / عاطفة؟.

مدخل.

يروي الدكتور مارك بيكوف أستاذ علم البيئة و علم الأحياء التطوري في جامعة كلورادو في مقاطعة بولدر و هو أيضاً متخصص في أبحاث و دراسة تصرفات الحيوان كما أن بحوثه فازت بعدة جوائز في مجالها ، يروي هذه القصة المنشورة في مجلة ( الطبيعة ) في السابع من نوفمبر عام 2012م فيقول:-
كنت أنا وصديقي رود قبل سنوات نمتطي صهوة دراجتنا النارية حول بولدر / كلورادو عندما شاهدنا لقاء بين خمسة من طيور العقعق – و هي من فصيلة الغرابيات و تتمتع بذكاء كبير – و قد كان أحد هذه الطيور ميتاً على قارعة الطريق بعد أن صدمته سيارة عابرة ، و كانت الأربعة الباقية تقف حوله. عندما تقدم الأول نحو الجثة و نقرها نقراً لطيفاً ، و قام الثاني بفعل نفس الفعل ، و طار الثالث و أحضر بعض العشب و وضعه بجانب الجثة ، و كذا فعل الرابع ، ثم وقف الأربعة وقفة حداد حول الجثة لبضع ثوان ثم حلقوا طائرين.!
و قد كان رود مذهولاً بهكذا تصرف من الطيور ، و سألني إن كان هذا التصرف معروفاً بين طيور العقعق؟
فأجبته أنني لم أشاهد من قبل ، كما أنني لم أقرأ عن مثل هذا التصرف.!
نحن في الواقع لا نعرف إن كانت هذه الطيور تفكر في المشاعر ، و لكن بقراءة تصرفها لا يوجد سبب يمنعنا من أن نقول أن الطيور الأربعة كانت تقول وداعاً يا صديقنا.!
ثم يروي قصة أخرى واجهها في رحلة له إلى كينيا ، حيث يقول :-
رحلتي إلى كينيا و تنزانيا فتحت عيناي على عالم الفيّلة ، و التي أعتبرها من أكثر الكائنات التي شاهدتها إدهاشاً ، عندما تشاهد قطيع الفيّلة عن قرب يمكنك أن تحس هذا الحضور المهيب ، هذا الوعي ، و هذه العواطف ، هذا اللقاء المباشر معها كان يختلف عن رؤية الفيّلة المحتجزة في حدائق الحيوان ، و التي تعيش وحيدة في حدود و محيط غير طبيعي ، و قد كانت رحلتي هذه روحية ، و ملهمة ، و تحويلية.!
عند مراقبة مجموعة من الفيّلة التي تعيش في محميّة سامبيورو في شمال كينيا لاحظنا أن أحدهم و تدعى بابيل تمشي ببطء و قد عرفنا أنها تعرضت لإعاقة لذا فهي لا تستطيع أن تمشي بالسرعة التي يمشي بها القطيع ، و مع هذا لاحظنا أن الفيّلة في مجموعة بابيل لم يتركوها خلفهم ، و لكنهم كانوا ينتظرونها.!
و عندما سألت دليلنا و المتخصص في الفيّلة لاين دوقلاس هاملتون عن هذا الأمر أجاب أن هذه الفيّلة دائماً ما تنتظر بابيل و أن هذا الأمر مستمر منذ سنوات.
القطيع يمشي لفترة ثم يقف و ينظر للخلف باحثاً عن بابيل و حسب مكان تواجدها يقرر القطيع إما الانتظار أو إكمال المسيرة.!
لماذا يقوم الفيّلة في هذا القطيع بهذا الفعل؟!
القطيع لا يستفيد من بابيل ،و ليس هناك من سبب أو مكسب من مساعدتها.!
الاستنتاج المنطقي الوحيد الذي يمكن أن نتوصل إليه هو : أن الفيّلة الأخرى تهتم لأمر بابيل ، لذا قاموا بتعديل سلوكهم حتى تبقى بابيل مع القطيع.!
الصداقة و التعاطف متلازمان على طول الخط.

ما هي العاطفة؟.

من الصعب أن نجيب على هذا السؤال إجابة محددة.!
أغلبنا يعرف العواطف عندما يراها و لكن كيف نحددها؟!
يعرف الدكتور مصطفى فهمي في كتاب الدوافع النفسية العاطفة بأنها :-
استعداد نفسي، ينشأ عن تركيز مجموعة من الانفعالات حول موضوع معين، ذلك لأن هذا الموضوع في خبرة الشخص الماضية كان مثيراً لعدد من الميول المختلفة ونتج عن تكرر هذه الاستثارة أن أصبح الفرد مستعداً للاستجابة الانفعالية (على نحو له، استجابة تختلف باختلاف الموقف الذي يوجد فيه. فالعاطفة إذن هي عبارة عن اتجاه وجداني نحو موضوع بعينه، مكتسبة بالخبرة والتعلم).
و يفرق بين العاطفة و الانفعال فيقول :-
(والفرق كبير بين العاطفة والانفعال. فبينما يكون الانفعال تجربة عابرة، تكون العاطفة نزعة مكتسبة تكونت بالتدرج، بعد أن مرت خلال تجارب وجدانية وأعمال عدة ).أ.هـ.
فالعاطفة هي مزيج من عدة انفعالات ، وتمتاز بأنها أبقى أثرا ، وأطول أمدا من الانفعال الذي يكون وقتيا ، ويزول بزوال المؤثر بل من العواطف ما يلازم الإنسان حتى نهاية عمره كالعاطفة الدينية و هناك عوامل خارجية تساعد على تكوين العاطفة ، و منها البيئة والتعليم .

و يرى ديكارت أن هناك 6انفعالات أساسية (الحب والحقد و الدهشة والرغبة والفرح والحزن)
أما عمانوئيل فميز 5انفعالات أساسية (الحب و الأمل والتواضع والفرح والحزن)
وحدد جيمس 4 انفعالات أساسية(الحب والخوف و الأسى والغضب) وهناك لوائح أخرى لفلاسفة وعلماء نفس مختلفة.
و يتساءل الدكتور بيكوف عن العواطف و هل هي بدنية أم عقلية ، أم كلاهما؟.
ثم يجيب قائلاً :-
كمتخصص ، أستطيع أن أقرر أن العواطف هي ظواهر نفسية تساعد في إدارة السلوك و التحكم؛ و هي ظاهرة نفسية تحفزنا على التحرك. غالبا ما يتم التمييز بين "الاستجابات العاطفية" لردود الفعل الجسدية و"المشاعر" التي تنشأ من الأفكار. تُظهر الاستجابات العاطفية أن الجسم يستجيب لبعض المؤثرات الخارجية. على سبيل المثال، نرى سيارة مسرعة قادمة في الاتجاه المعاكس فنشعر الخوف - فيزيد معدل دقات القلب لدينا ويرتفع ضغط الدم ودرجة حرارة الجسم. لكن في الواقع، نحن لا نشعر بالخوف حتى يستجيب الدماغ للتغيرات الفسيولوجية الناتجة عن ردة الفعل الناتجة عن رؤية سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس.
و المشاعر، من ناحية أخرى، هي الظواهر النفسية، والأحداث التي تحدث فقط في دماغ الفرد. حدث خارجي قد يثير عاطفة واحدة، مثل الغضب أو الحزن. كما أن المشاعر تساعدنا وتؤثر في كيفية تفاعلنا مع الآخرين في طائفة واسعة من المواقف الاجتماعية المختلفة.
و يعتبر تشارلز داروين، أول عالم قام بدراسة العواطف دراسة منهجية، وقد حدد ستة عواطف أساسية و هي : الغضب والسعادة والحزن والاشمئزاز والخوف والمفاجأة. وأكد على أن هذه المشاعر الأساسية تساعدنا على التعامل بسرعة مع مجموعة واسعة من الظروف وتساعدنا على التواصل في عالم اجتماعي معقد. وأضاف آخرين لقائمته هذه عواطف أخرى.
فمثلاً ستيوارت والتون، في كتابه التاريخ الطبيعي للمشاعر الإنسانية، أضاف الغيرة والاحتقار والعار، والحرج إلى مجموعة داروين الأساسية، في حين أن عالم الأعصاب أنطونيو داماسيو يقول أن العواطف الاجتماعية تشمل أيضا التعاطف والشعور بالذنب، والفخر، و الحسد والإعجاب والسخط. و من المثير للاهتمام أن أيا من هؤلاء الباحثين لم يذكر الحب.!
و السؤال هو أي من هذه العواطف إن وجدت ، يواجهها الحيوان و يتعامل معها؟
و هل يواجه الحيوان و يتعامل مع عواطف لا يتعامل معها البشر؟
أسئلة مثيرة للاهتمام.!
أخصائي السلوك جويس بول، الذي درس الأفيال لسنوات عديدة، يقول ما يلي:
"بينما أنا على ثقة أن الفيلة تشعر ببعض المشاعر التي لا نشعر بها، والعكس بالعكس، إلا أنني أعتقد أيضا أن بيننا العديد من العواطف المشتركة."

العواطف الأولية و العواطف الثانوية.

يقسم الباحثون العواطف، إلى أولية و ثانوية. فالعواطف الأولية هي مشاعر فطرية أساسية. وهي لا تحتاج إلى الفكر الواعي وتشمل العواطف الستة التي ذكرها داروين و هي : الغضب والسعادة والحزن والاشمئزاز والخوف والمفاجأة. تكون للحيوانات ردة فعل للعواطف الأولية مثل الخوف أو الأصوات الصاخبة ، وبعض الروائح، هذه وغيرها من مثل هذه المحفزات تشير إشارات فطرية في كثير من الأحيان إلى "خطر" و الذي يتسبب في رد فعل تلقائي لتجنبه بدون تفكير. هناك مساحة ضئيلة أو معدومة للخطأ عندما نواجه حافزا خطير، لذا كانت ردود الفعل الفطرية و التي تعتبر حاسمة بالنسبة لبقاء الأفراد.
و يقول العلماء أن مكان مثل هذه العواطف هو داخل الفص الصدغي من المخ و خصوصاً في اللوزة الدماغية أو اللوزة العصبية ، و اللوزة الدماغية تشكل جزءا من الجهاز الحوفي، وتشارك في إدراك وتقييم العواطف و المدارك الحسية والاستجابات السلوكية المرتبطة بالخوف والقلق وهي تراقب باستمرار ورود أي إشارات خطر من حواس الإنسان تعتبر كنظام إنذار و استشعار للمتعة.
و يقول عبدالهادي مصباح في كتاب العبقرية و الذكاء و الإبداع :-
( الأهواء والمشاعر كلها تعتمد على اللوزة، والحيوانات التي تزال لوزتها أو تتعطل عن العمل، تفقد الشعور بالخوف والغضب، وتفقد كذلك الدافع للمنافسة أو التعاون، ولا تهتم بتأكيد مرتبتها من النظام الاجتماعي لجنسها، وتصبح انفعالاتها سطحية أو تختفي كلية.
وعندما تشعر اللوزة بشيء منذر - كالخوف مثلا – ترسل إشارات عاجلة لكل الأجزاء الرئيسية بالمخ، فتنبه إفراز الهرمونات الجسدية المسئولة عن الكر أو الفر، وتحشد مراكز الحركة، وتنشط الجهاز الدوري، والعضلات، والأمعاء. وهناك دوائر أخرى من اللوزة تطلق الإشارات الأساسية من المخ، بما فيها الأجزاء التي تجعل الحواس أكثر انتباها، وبذلك تجعل المخ أكثر تأهبا، وإشارات أخرى من اللوزة تجعل جذع المخ يثبت الوجه على تعبير الخوف، وتجميد الحركات غير الضرورية التي قد تقوم بها العضلات، وترفع من معدل ضربات القلب، وضغط الدم، وتبطئ من التنفس، وهناك أيضا إشارات تثبت الانتباه على مصدر الخوف، وتجهز العضلات للاستجابة المناسبة له، وفي الوقت نفسه تقوم أجهزة الذاكرة القشرية بالبحث عن أي معلومات تتعلق بموقف الطوارئ القائم، وتجعل لها الأولوية على أي أفكار أخرى ). أ.هـ.

أما العواطف الثانوية فهي عواطف أكثر تعقيدا، و تكون في مراكز الدماغ العليا ، في القشرة الدماغية. ويمكن أن تنطوي على العواطف الأساسية من الخوف والغضب، أو أنها يمكن أن تكون أكثر دقة، و تنطوي على أشياء مثل الأسف، الشوق، أو الغيرة. العواطف الثانوية ليست تلقائية: يتم معالجتها في الدماغ، والفرد يفكر بها و يتخذ قراراً في ما يجب القيام به حيالها – و ما هو الإجراء الأمثل الذي يجب أن يتخذه. الفكر الواعي والعواطف الثانوية يمكن أن تؤثر في كيفية استجابتنا للمؤثرات.
في المشاعر الأولية: قد نحني عندما نشعر بشي يطير فوق رؤوسنا، ولكن عندما ندرك أنه ليس سوى الظل، فإننا سوف لن نحاول الركض وبدلا من ذلك، سوف نشعر بالإحراج، و نتظاهر بأن شيئاً لم يحدث.!
هل تملك الحيوانات مثل هذه العواطف ، أقصد العواطف الثانويّة؟!

حديث التراث.

كتب الجاحظ في كتابه الحيوان – الجزء الأول - ما يلي :-
والقسمة الأُخرى ما أودَع صدور صنوفِ سائر الحيوان مِنْ ضُرُوبِ المعارف وفَطَرها عليه من غريب الهداياتِ وسخَّر حناجِرَها لَهُ من ضروبِ النَّغَم الموزونة والأَصواتِ الملحنة والمخارِجِ الشجِيَّة والأغاني المطربة فقد يقال إنَّ جميعَ أصواتها معدَّلة وموزونة موقَّعة ثمَّ الذي سهَّل لها من الرفق العجيبِ في الصنعة مما ذلَّله اللّه تعالى لمناقيرها وأكُفِّها وكيف فَتَحَ لها من باب المعرفةِ على قدر ما هَيَّأَ لها من الآلة وكيفَ أَعطَى كثيراً مِنها مِنَ الحسِّ اللطيفِ والصنْعةِ البديعة من غير تأديبٍ وتثقيف ومن غير تقويمٍ وتلقين ومن غير تدريج وتمرين فبَلَغَتْ بِعَفوها وبمقدار قوى فِطرتها من البَديهةِ والارتجال ومن الابتداءِ والاقتضاب ما لا يَقْدرُ عليه حُذّاقُ رجالِ الرأي وفلاسفةُ علماءِ البشر بِيَدٍ ولا آلة بل لا يبلغ ذلك من الناسِ أكملُهُمْ خصالا وأَتمُّهُمْ خلالاً لا مِنْ جهة الاقتضاب والارتجال ولا من جِهة التعسُّف والاقتدار ولا من جهة التقدُّم فيه والتأنِّي فيه والتأتِّي له والترتيبِ لمقدِّماته وتمكين الأسباب المُعِينةِ عليه فصار جهد الإنسان الثاقبِ الحسِّ الجامِعِ القُوى المتصرِّفِ في الوجوه المقدَّم في الأُمور يَعجِز عن عَفْوِ كَثيرٍ منها وهو ينظرُ إلى ضروب ما يجيء منها كما أعطيت العنكبوتُ وكما أعطِيَت السُّرْفَة وكما عُلِّم النحْل بل وعُرِّفَ التُّنَوِّطُ مِن بديعِ المعرفة ومِن غَرِيبِ الصنعة في غير ذلك مِن أصناف الخلق ثم لم يوجب لهم العجز في أَنْفُسِهِمْ في أكثر ذلك إلاّ بما قوي عليه الهَمَجُ والْخشَاشُ وصِغارُ الحشرات ثم جعل الإنسان ذا العقلِ والتمكينِ والاستطاعة والتصريف وذا التكلُّفِ والتجرِبَة وذا التأنِّي والمنافَسَة وصاحبَ الفهْمِ والمسابَقَة والمتبصِّرَ شأنَ العاقبة متى أحسَنَ شيئاً كان كلُّ شيءٍ دونَه في الغُمُوض عليه أَسهلَ وَجَعَل سائِرَ الحيوانِ وإن كان يحسنُ أحدُها ما لا يحسنُ أحذَقُ الناس متى أحسنَ شيئاً عجيباً لم يمكنْهُ أن يُحسِن ما هو أقربُ منه في الظنّ وأسهلُ منه في الرأي بل لا يحسِنُ ما هو أقرب منه في الحقيقة فلا الإنسانُ جَعَلَ نفسه كذلك ولا شيءٌ من الحيوان اختارَ ذلك فأحسَنَتْ هذه الأجناسُ بلا تعلُّم ما يمتَنِع على الإنسان وإن تعلَّم فصار لا يحاوله إذْ كان لاَ يطمع فيه ولا يحسُدُها إذا لا يؤمِّل اللَّحَاقَ بها ثمّ جعل تعالى وعزَّ هاتين الحكمتين بإزاء عُيونِ الناظِرين وتُجَاهَ أسماعِ المعتَبرِين ثمَّ حثَّ على التفكير والاعتبار وعلى الاتّعاظ والازدِجار وعلى التعرُّفِ والتبَيُّنِ وعلى التوقُّفِ والتذَكُّر فَجَعَلَها مذكّرةً منبِّهة وجَعَلَ الفِطر تُنْشِئ الخَواطرَ وتجُولُ بأهلها في المذاهب ذَلِكَ اللّهُ رَبُّ العالَمِينَ . فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ .

آية و معنى.

يقول الله جلّ في علاه :-
( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ).
و المراد من هذه الآية هي جملة ( إلا أمم أمثالكم ) ، و قد أحضرت تفسيرها من التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي ، نظراً لأنه توسع في تفسيرها حيث قال :-


السؤال الخامس : قوله : ( إلا أمم أمثالكم ) قال الفراء : يقال إن كل صنف من البهائم أمة وجاء في الحديث : لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فجعل الكلاب أمة .

إذا ثبت هذا فنقول : الآية دلت على أن هذه الدواب والطيور أمثالنا ، وليس فيها ما يدل على أن هذه المماثلة في أي المعاني حصلت ولا يمكن أن يقال : المراد حصول المماثلة من كل الوجوه وإلا لكان يجب كونها أمثالا لنا في الصورة والخلقة ، وذلك باطل فظهر أنه لا دلالة على أن تلك المماثلة حصلت في أي الأحوال والأمور فبينوا ذلك .

والجواب : اختلف الناس في تعيين الأمر الذي حكم الله تعالى فيه بالمماثلة بين البشر وبين الدواب والطيور وذكروا فيه أقوالا :

القول الأول : نقل الواحدي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يريد ، يعرفونني ويوحدونني ويسبحونني ويحمدونني . وإلى هذا القول ذهب طائفة عظيمة من المفسرين وقالوا : إن هذه الحيوانات تعرف الله وتحمده وتوحده وتسبحه واحتجوا عليه بقوله تعالى : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) [ الإسراء : 44 ] وبقوله في صفة الحيوانات ( كل قد علم صلاته وتسبيحه ) [ النور : 41 ] وبما أنه تعالى خاطب النمل وخاطب الهدهد ، وقد استقصينا في تقرير هذا القول وتحقيقه في هذه الآيات .

وعن أبي الدرداء أنه قال : أبهمت عقول البهائم عن كل شيء إلا عن أربعة أشياء : معرفة الإله ، وطلب الرزق ، ومعرفة الذكر والأنثى ، وتهيؤ كل واحد منهما لصاحبه .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة يعج إلى الله يقول : يا رب إن هذا قتلني عبثا لم ينتفع بي ولم يدعني آكل من خشاش الأرض .

والقول الثاني : المراد إلا أمم أمثالكم في كونها أمما وجماعات وكونها مخلوقة بحيث يشبه بعضها بعضا ، ويأنس بعضها ببعض ، ويتوالد بعضها من بعض كالإنس ، إلا أن للسائل أن يقول : حمل الآية على هذا الوجه لا يفيد فائدة معتبرة ؛ لأن كون الحيوانات بهذه الصفة أمر معلوم لكل أحد فلا فائدة في الإخبار عنها .

القول الثالث : المراد أنها أمثالنا في أن دبرها الله تعالى وخلقها وتكفل برزقها ، وهذا يقرب من القول الثاني : في أنه يجري مجرى الإخبار عما علم حصوله بالضرورة .

القول الرابع : المراد أنه تعالى كما أحصى في الكتاب كل ما يتعلق بأحوال البشر ، من العمر والرزق والأجل والسعادة والشقاوة فكذلك أحصى في الكتاب جميع هذه الأحوال في كل الحيوانات . قالوا : والدليل عليه قوله تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) وليس لذكر هذا الكلام عقيب قوله : ( إلا أمم أمثالكم ) فائدة إلا ما ذكرنا .

القول الخامس : أراد تعالى أنها أمثالنا في أنها تحشر يوم القيامة ويوصل إليها حقوقها ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يقتص للجماء من القرناء .

القول السادس : ما اخترناه في نظم الآية ، وهو أن الكفار طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم الإتيان بالمعجزات القاهرة الظاهرة ، فبين تعالى أن عنايته وصلت إلى جميع الحيوانات كما وصلت إلى الإنسان . ومن بلغت رحمته وفضله إلى حيث لا يبخل به على البهائم كان بأن لا يبخل به على الإنسان أولى ، فدل منع الله من إظهار تلك المعجزات القاهرة على أنه لا مصلحة لأولئك السائلين في إظهارها ، وأن إظهارها على وفق سؤالهم واقتراحهم يوجب عود الضرر العظيم إليهم .


القول السابع : ما رواه أبو سليمان الخطابي عن سفيان بن عيينة ، أنه لما قرأ هذه الآية قال : ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من بعض البهائم ، فمنهم من يقدم إقدام الأسد ، ومنهم من يعدو عدو الذئب ، ومنهم من ينبح نباح الكلب ، ومنهم من يتطوس كفعل الطاووس ، ومنهم من يشبه الخنزير فإنه لو ألقي إليه الطعام الطيب تركه وإذا قام الرجل عن رجيعه ولغ فيه . فكذلك نجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها ، فإن أخطأت مرة واحدة حفظها ، ولم يجلس مجلسا إلا رواه عنه .

ثم قال : فاعلم يا أخي أنك إنما تعاشر البهائم والسباع ، فبالغ في الحذار والاحتراز ، فهذا جملة ما قيل في هذا الموضع . أ.هـ.

و لا يخفى عليكم الآيات العديدة التي تتكلم عن الحيوان في القرآن الكريم ، و لكن كان اختياري لهذه الآية نظراً لوجود المقارنة فيها.

خاتمة.

أختم بمقولة للدكتور بيكوف حيث قال :-
"كثير من الحيوانات تعاني الألم والقلق والمعاناة، جسديا ونفسيا، عندما يتم احتجازها في الأسر أو تتعرض للمجاعة، والعزلة الاجتماعية ، أو حالات مؤلمة لا تستطيع الفرار منها. حتى لو لم تماثل نفس تجربة الألم والقلق، أو المعاناة التي يمر بها الإنسان- أو حتى الحيوانات الأخرى ، بما في ذلك أعضاء من نفس الفصيلة- إنها مسألة ألم و معاناة و قلق فردي.!

أوردت فيما أعلاه وجهات نظر متعددة و متباينة و من مصادر شتى في محاولة للإحاطة بالفكرة ، و قد حاولت أن أدرج جميع وجهات النظر التي تمكنت من معرفتها ، و الوصول إليها ، مراعياً أن يكون الموضوع مختصراً ، و مركزاً قدر الإمكان.

في انتظار حضوركم و تدفقكم العذب ، و بالحوار نرتقي.
تحيّة تشبهكم و سلام.

التوقيع


إن كنت تصدق كل ما تقرأ ،
رحّال غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:14 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. موقع و منتديات سدير 1432 هـ - 1435 هـ

جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه