لا يمكنني أن أتنازل عن حقي يا أستاذ (بندر) لأن ابنك هو الذي اخطأ بحقي ، قالها حسن الذي كان يدرس في الصف الثالث ثانوي وقد قدم مع والده الذي يعمل مهندساً زراعياً من بلد عربي .
وعلى المكتب المقابل له كان يجلس مدير المدرسة الأستاذ بندر في محاولة منه لإقناع حسن بالتنازل عن حقه إثر تعرضه للضرب من قبل أحد أبناء المدير بعد أن رفض الأول إعطاؤه حل مسألة الرياضيات التي كانت واجباً على التلاميذ .
حاول المدير في بداية الأمر أن يحل المسألة بالتراضي ولكنه فشل أمام صمود حسن الذي ما زال حتى هذه اللحظة يتعرض للإهانات بسبب هزالة جسده وغربته والذي اتخذ قراراً بأن لا يتنازل كعادته .
وما كان من المدير إلا أن وقف بعد أن غشيه الغضب من عناد هذا الطالب وقال له بكل سخف :
فلتعلم أن بوسعي فصلك من المدرسة الآن وقلب القضية ضدك يا حسن ولكني سأدعك تفكر في الأمر إلى الغد والآن عد إلى فصلك .
في الخارج كان الجاني ينتظر دوره وقد تلاقت الأعين هذه المرة في تحد وحقد بين الاثنين .
دخل نواف مطأطأ الرأس وقد أسدل طرفي شماغه على صدره ... وأخذ والده يوبخه على ما فعل ... ونواف صامت لم يرفع رأسه .
ولما عاد حسن لمنزله رأته أمه وقد تورمت شفته السفلى من الحادثة ، وأسرعت مهرولة نحوه مستفسرة عن الأمر وهي تهيأ له بعض الضماد .
وسرِِح الشاب نظره نحو زاوية في سقف الشقة وانزلقت دمعة حارقة على خده وقال : أمي لماذا نعيش هنا ولماذا جئنا إلى هنا ؟
- وما كان من أمه إلا أن قالت له بعض الكلمات التي تعيدها عليه مع كل حادث ضرب يتعرض له .
- أمي لقد هددني مدير المدرسة بالفصل إن لم أتنازل عن حقي ضد ولده .
- ولم لا تتنازل ..قالتها الأم بكل برود .
نظر إليها بنظرة غريبة ولأول مرة ينظر إليها بهذه الطريقة مذ ولد وصرخ بكل قوة : لن أتنازل ولو كلفني ذلك روحي ثم تابع بكل حزن وأسى إنها الكرامة يا أمي نفسي تهان كل هذه السنين وأنا صابر ، إلى متى أذل وهل يوجد نهاية لهذه السلسلة من الإهانات إن لم أوقفها أنا بنفسي .
كان والده قد سمع الحوار بعد أن دخل دون أن يشعرا به وما كان منه وهو ومن قف أمام الطغيان الطبقي أيام دراسته في الجامعة إلا أن سكت ولم يعلق على مقالة ابنه وترك مصيره له .