العودة   منتديات سدير > `·• آفاق رحبة •·´ > ¨° الرأي العـام °¨

¨° الرأي العـام °¨ للموضوعات العامة واختيارات الأعضاء من موضوعات مميزة ..

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-03-2012, 02:28 PM   #1
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

ico5 كتاب الحيوان للجاحظ

هنا أيها الكرام والكريمات سأضع بين أيديكم


كتاب:الحيوان للجاحظ



أخذ البريء بذنب المذنب

قال اللّه عزَّ وجل : وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ ُ وِزْرَ أُخْرَى وقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام :
لا يَجْنِ يمِينُكَ عَلَى شِمَالك وهذا حكمُ اللّه تعالى وآدابُ رسوله والذي أُنْزِلَ به الكتابُ ودلَّ عليه من حُجَج العقول .

فأمَّا ما قالوا في المثل المضروب رَمَتْنيِ بِدَائهَا وانسَلَّتْ
وأمّا قولُ الشعراءِ وذمُّ الخطباءِ لِمنْ أخَذَ إنساناً بذنْب غيره وما ضَرَبُوا في ذلك من الأمثال
كقول النابغة حيث يقول في شعره :
( وكَلَّفْتَنِي ذَنْبَ امْرِئٍ وترَكْتَ ** كذِي العُرِّ يُكوَى غيرُه وهو رَاتِع )

وكانوا إذا أصاب إبلَهُم العُرّ كَوَوُا السليمَ ليدفعَه عن السقيم فأسقمُوا الصحيحَ من غير أن يُبْرِئوا السقيم .

وكانوا إذا كثُرتْ إبلُ أحدِهم فَبَلَغَت الألف فقئوا عَينَ الفحْل
فإنْ زادَت الإبلُ على الألف فقئوا العينَ الأخرى وذلك المفقَّأُ والمعمَّى اللذان سمعتَ في أشعارهم .

قال الفرزدق :
( غلبتك بالمفقئ والمعنَّى ** وبيتِ المُحْتَبِي والخافقاتِ )

وكانوا يزعمون أن المفقأ يطرد عنها العين والسواف والغارة فقال الأوّل :
( فقأت لها عَيْنَ الفَحِيل عِيَافَةً ** وفيهنّ رَعْلاَءُ المسامِع والحامي )

الرعلاء : التي تشق أذنها وتترك مدلاة ، لكرمها وكانوا يقولون في موضع الكَفَّارة والأمْنِيَّة كقول الرجل :

إذا بلغَتْ إبلي كذا وكذا وكذلك غنَمي ذَبحْتُ عند الأوثان كذا وكذا عتيرة

والعتيرة من نُسُك الرَّجبيّة والجمع عتائر والعتائر من الظباء فإذا بلغتْ إبلُ أحدِهم أو غنمُه ذلك العددَ
استعملَ التأويلَ وقال :
إنَّما قلتُ إنِّي أذبحُ كذا وكذا شاة والظباء شاء كما أنّ الغنم شاء

فيجعل ذلك القربانَ شاءً كلَّه ممَّا يَصِيد من الظباء فلذلك يقول الحارثُ ابن حِلِّزةَ اليشكُريُّ :

( عَنَتاً باطلاً وظُلْماً كما تُع ** تَرُ عَنْ حَجْرَةِ الرَّبِيضِ الظِّباءُ)
بعد أن قال :
( أمْ عَلينا جُناحُ كِنْدَةَ أن يَغ ** نَمَ غَازِيُهمُ ومِنَّا الجزاءُ )

وكانوا إذا أورَدُوا البقرَ فلم تشرَبُ إمَّا لكَدر الماء أَو لقلَّةِ العطَش
ضربوا الثورَ ليقتَحِم الماء لأنَّ البقرَ تَتْبَعه كما تتْبع الشَّوْلُ الفحل وكما تتبع أتُنُ الوحش الحِمار فقال في ذلك عَوْفُ بن الخَرِع :
( تمنَّتْ طيِّئٌ جَهْلاً وجُبْناً ** وقد خالَيتُهم فأَبَوْا خلائي )
( هَجَوْني أنْ هَجَوْتُ جِبَال سَلمى ** كضَرْب الثَّورِ للبقرِ الظِّماء )

وقال في ذلك أَنَس بن مُدْرِكة في قتله سُلَيك بنَ السُّلَكَة :
( أنِفْتُ لِلْمَرء ِإذْ نِيكتْ حَلِيلتُه ** وأن يُشَدَّ على وجعائها الثَّفَرُ )

وقال الهَيَّبان الفهميّ :
( كما ضُرِبَ الْيَعْسُوب أَنْ عافَ باقِرٌ ** وما ذَنْبُهُ أن عافَتِ الماءَ باقرُ )
ولمّا كان الثورُ أميرَ البقر وهي تطيعُه كطاعة إناث النحل لليعسوب سمَّاه باسم أمير النحْلِ .

وكانوا يزعمون أنَّ الجنَّ هي التي تصُدُّ الثِّيرانِ عن الماء حتى تُمْسِكَ البقرُ عن الشرب حتى تهلِك
وقال في ذلك الأعشى :
( فإنِّي وما كلَّفتُموني وربِّكم ** لأعلَمُ مَنْ أمْسَى أعقَّ وأَحربا )
( لَكالثَّور والجنّيُّ يَضرِبُ ظَهرَه ** وما ذنْبُه أن عافَتِ الماءَ مَشرَبا )
( وما ذنْبُه أَنْ عافَتِ الماءَ باقِرٌ ** وما إن تَعَافُ الماءَ إلاَّ ليُضْرَبا )
كأنّه قال : إذا كان يُضْرَب أبداً لأنها عافت الماء فكأنَّها إنما عافَتِ الماءَ ليُضْرب
وقال يحيي بن منصور الذُّهليّ في ذلك :
( لكالثَّور والجنيّ يَضْرِبُ وَجْهَه ** وما ذَنْبه إن كانَتِ الجِنُّ ظالِمه )
وقال نَهْشلُ بنُ حَرِّيٍّ :
( أتُتْرَكُ عارضٌ وبنو عَدِيٍّ ** وتَغْرَمَ دارِمٌ وهُم بَرَاءُ )
( وكيف تكلّفُ الشِّعرَى سُهيلاً ** وبينَهما الكواكبُ والسَّماء )

وقال أبو نُوَيرة بن الحصين حين أخذه الحكم بن أيُّوب بذَنْب العَطَرَّق :
( أبا يُوسُفٍ لو كنتَ تَعلَمُ طاعَتي ** ونُصْحِي إذنْ ما بِعتَني بالمحلَّق )

( ولا ساقَ سَرّاق العِرَافة صالحٌ ** بَنِيَّ ولا كُلِّفْتُ ذَنْبَ العطرق )

وقال خِداش بن زُهير حين أُخذ بدماء بني محارب :

( أُكلّفُ قَتْلَى مَعْشر لستُ مِنهمُ ** ولا دارُهُمْ داري ولا نصرُهُم نَصْرِي )

( أُكلَّفُ قَتلَى العِيصِ عِيصِ شُواحِط ** وذلك أمرٌ لم تُثَفّ لَهُ قِدْرِي )

وقال الآخر :
( إذا عَرَكت عِجْلٌ بنا ذنْبَ طيِّءٍ ** عَرَكْنا بتَيمِ اللاتِ ذنبَ بَني عِجْلِ )

ولما وَجَد اليهودِيُّ أخا حنبض الضبابيّ في منزله فخصَاه فمات
وأخذَ حنبض بني عَبْس بجنايَة اليهوديّ قال قيس بن زُهَيْر :
أتأخذُنا بذنْبِ غيرِنا وتسألنا العَقلَ والقاتلُ يهوديٌّ من أهل تيماء فقال :
واللّه أنْ لو قتلَتْه الريح لودَيْتُمُوه فقال قيس لبني عَبس :
الموتُ في بني ذُبيانَ خَيْرٌ من الحَياةِ في بَني عامر ثم أنشأ يقول :
( أكلَّفُ ذا الخُصْيَيْن إن كان ظَالماً ** وإن كنتُ مظلوماً وإن كنتُ شاطنا )

( خصاه امرؤ من آل تيماء طائر ** ولا يعدم الإنسي والجن كائنا )
( فَهَلاَّ بني ذُبيانَ أمُّكَ هَابِلٌ ** رَهَنْتَ بفَيفِ الرِّيحِ إن كُنْتَ رَاهِنا )
( إذا قلتُ قد أفلتُّ من شَرِّ حنبض ** أتاني بأُخْرَى شرّه مُتَباطِنا )
( فقد جَعَلَتْ أكبادُنا تجتويكُمُ ** كما تجتَوِي سوقُ العِضاهِ الكرازِنا )
قتل لقمان بن عاد لنسائه وابنته ولما قَتَل لُقمان بنُ عادٍ ابنَته وهي صُحْر أختُ لُقَيم قال حين قَتَلها :
ألَسْتِ امرأة وذلك أنّه قد كان تزوج عِدَّةَ نساء كلُّهنَّ خُنَّهُ في أنفُسهنّ
فلمَّا قَتَلَ أُخراهنَّ ونزل من الجبل كان أوَّلَ من تلقّاه صُحْر ابنته فوثَبَ عليها فقتلها وقال :
وأنت أيضاً امرأة وكان قد ابْتُلِي بأنَّ أختَه كانت مُحْمِقة وكذلك كان زوجُها فقالتْ لإحدَى نساءِ لُقْمان :

هذه ليلةُ طُهْرِي وهي ليلتُك فدَعيني أنامُ في مَضجَعِك فإنَّ لقمانَ رجلٌ مُنْجِب
فعسَى أن يقَع عليَّ فأُنْجِبَ فوَقَعَ على أُختِه فَحَمَلَتْ بِلُقَيْم فهو قولُ النَّمِرِ بن تَولَب :

( لُقيمُ بنُ لُقمانَ من أُختِهِ ** فكانَ ابنَ أُختٍ لهُ وابنَما )
( ليالِيَ حمّق فاستحصنَتْ ** عليه فَغُرَّ بها مُظْلِما )
( فأحبَلَهَا رَجلٌ مُحكِمٌ ** فجاءت به رجلاً مُحْكِمَا )

فضربت العربُ في ذلك المثلَ بقتل لقمان ابنتَه صُحراً فقال خُفافُ بن نَدْبةَ في ذلك :
وقال في ذلك ابن أُذَيْنَة :
( أتجمَع تَهيَاماً بليلَى إذا نأَتْ ** وهِجْرانَها ظُلماً كما ظُلِمَتْ صُحْرُ)
وقال الحارثُ بن عُبَاد :

( قَرِّبا مربطَ النعامةِ مِنِّي ** لَقِحَتْ حربُ وائلٍ عَنْ حِيالِ )

( لم أكنْ من جُنَاتِها عَلِمَ اللهُ ** وإنِّي بحَرِّها اليومَ صالِي )

وقال الشاعر وأظنُّه ابنَ المقفَّع :

( فلا تَلُمِ المرءَ في شأنِهِ ** فربَّ ملومٍ ولَمْ يُذْنِبِ )

وقال آخر :
( لعلَّ لَهُ عُذْراً وأَنتَ تَلُومُ ** وكم لائمٍ قد لاَمَ وهْوَ مُليم )

حديث سنمَّار وقال بعض العرب في قتل بعضِ الملوك لِسِنمَّار الرومي
فإنه لما علا الخَوَرْنَق ورأى بُنْياناً لم يرَ مثله ورأى في ذلك المستشرف
وخاف إن هو استبقاه أن يموت فيبني مثلَ ذلك البنيانَ لرجُلٍ آخرَ من الملوك
رمَى به من فوق القصر فقال في ذلك الكلبيّ في شيءٍ كان بينَه وبين بعضِ الملوك :

( سِوَى رَصِّه البنيانَ سَبعين حِجَّةً ** يُعَلَّى عليه بالقرَامِيدِ والسَّكْبِ )

( فلما رأى البُنْيانَ تمَّ سُحُوقَه ** وآضَ كمِثْلِ الطَّوْدِ ذِي الباذِخ الصَّعْبِ )

( وظنَّ سِنِمّارٌ به كُلَّ حبوة ** وفازَ لَدَيْهِ بالمودَّةِ والقُرب )

( قال اقذِفُوا بالعِلْجِ مِنْ رأسِ شاهقٍ ** فذاكَ لعَمْرَ اللّهِ مِنْ أعظَمِ الخَطْب )

وجاء المسلمونَ يروي خَلَفٌ عن سلف وتابعٌ عن سابِق وآخَرُ عنْ أوّل أنَّهمْ لم يختلِفُوا في عيبِ قول زِياد :

لآخُذَنَّ الوَلِيَّ بالوَلِيِّ والسَّمِي بالسَّمِيِّ والجارَ بالجارِ ولم يختلفُوا في لَعْن شاعِرهم حيث يقول :

( إذا أُخِذَ البَريءُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ ** تجَنَّبَ ما يُحاذِرُه السقيمُ )

قال : وقِيل لِعَمْرو بن عُبَيد : إنّ فلاناً لما قدَّم رجلاً ليُضْرَبَ عُنُقه فقيل له :
إنَّه مجنون فقال : لولا أنَّ المجنونَ يَلِدُ عاقلاً لخلَّيت سبيلَه قال : فقال عَمْرو :
ما خَلَقَ اللّهُ النَّارَ إلاّ بالحق ولمّا قالت التغلَبِيَّةُ للجَحَّافِ في وَقْعَة البِشْر :
فضَّ اللّهُ فاكَ وأعماك وأطالَ سُهادَك وأَقَلَّ رُقادَك فوَاللّه إنْ قَتَلْتَ إلاّ نساءً
أعالِيهنَّ ثُدِيٌّ وأسافِلُهُنَّ دُمًى فقال لِمنْ حَولَه : لولا أن تَلِدَ هذِه مثلَها لخَلَّيتُ سَبيلَها فبلغ ذلك الحسنَ فقال :
أمَّا الجَحَّاف فجَذْوةٌ من نارِ جهنَّم .

قال : وذمَّ رجلٌ عند الأحنَفِ بنِ قيس الكَمْأةَ بالسَّمْنِ فقال عند ذلك الأحنَف :
رُبَّ مَلومٍ لا فبِهذهِ السيرةِ سرتَ فينا .

وما أحسنَ ما قال سعيدُ بنُ عبدِ الرحمن :

( وإنّ امرأ أمْسَى وأصْبَحَ سالماً ** مِنَ النَّاس إلاَّ ما جَنَى لَسَعيدُ )

عناية العلماء بالملح والفكاهات وقلتَ :
وما بالُ أهلِ العلمِ والنظرِ وأصحابِ الفكرِ والعِبَر وأربابِ النِّحَلِ والعلماءِ وأهلِ البصر
بمخارجِ المِلَل وورثَةِ الأنبياء وأعوانِ الخلفاء يكتُبُون كتبَ الظُّرَفاءِ والمُلَحَاء وكُتب الفُرَّاغِ والخُلَعاء وكتبَ الملاهي والفُكَاهات
وكتبَ أصحابِ الخُصوماتِ وكتبَ أصحابِ المِراءِ وكتبَ أصحاب العصبيَّةِ وحَمِيَّةِ الجاهليّة
ألأَنَّهُمْ لا يحاسِبون أنفسهم ولا يُوازِنون بينَ ما عليهم ولهم
ولا يخَافُون تصفُّحَ العلماءِ ولا لائمة الأرَبَاءِ وشنف الأَكْفَاء
ومَشْنأة الجُلَساء فهلاّ أمسكتَ يَرْحَمُكَ اللّه عَنْ عَيْبِها والطَّعْنِ عليها
وعن المَشُورَةِ والموعِظة وعن تخويفِ ما في سوء العاقبةِ
إلى أنْ تبلغَ حالَ العلماء ومراتبَ الأَكْفاء فأمَّا كتابُنا هذا فسنذكرُ جُمْلَة المذاهب فيه
وسَنَأتِي بعد ذلك على التفسير ولَعلَّ رأيَك عند ذلك أنْ يتحوَّل وقولَك أن يتبدل
فتُثْبِتَ أو تكونَ قد أخذتَ من التوقُّفِ بنصيب إن شاء اللّه .

يتبع
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 26-03-2012, 10:55 PM   #2
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: كتاب الحيوان للجاحظ

أقسام الكائنات


وأقولِ : إنّ العالَم بما فيه من الأجسام على ثلاثة أنحاء :

متَّفق ومختلف ومتضادٌّ وكلُّها في جملةِ القول جمادٌ ونامٍ

وكان حقيقةُ القولِ في الأجسام من هذه القِسْمة أن يقال :

نامٍ وغيرُ نام ولو أنَّ الحكماءَ وضعُوا لكلِّ ما ليس بنامٍ اسماً كما وضعُوا للنامي اسماً
لاتبّعنا أَثرَهُمْ وإنما ننتهي إلى حيثُ انتهوا وما أكثَرَ ما تكونُ دلالةُ قولِهمْ جماد كدَلاَلةِ قولهم مَوَات

وقد يَفتَرِقان في مواضِعَ بعضَ الافتراق وإذا أخرجت من العالَمِ الأفلاكَ والبروجَ والنجومَ والشمسَ والقمر
وجدتَها غيرَ نامية ولم تجدْهم يسمُّون شيئاً منها بجَماد ولا مَوات
وليس لأنَّها تتحرَّكُ من تِلقاءِ أنفُسِها لم تُسَمَّ مواتاً ولا جماداً
وناسٌ يجعلونها مدبِّرة غير مدبَّرة ويجعلونها مسخِّرة غير مسَخَّرَّة
ويجعلونها أحْيَا من الحيوان إذْ كان الحيوانُ إنَّمَا يَحْيا بإحيائها لَه
وبِما تُعطيه وتُعِيره وإنما هذا منهم رأي والأُمَمُ في هذا كلِّه على خلافِهم
ونحنُ في هذا الموضعِ إنَّما نعبِّر عن لُغَتنا وليس في لُغتنا إلاّ ما ذكرنا .

والناسُ يسمُّون الأرضَ جماداً وربّما يَجعلونها مَوَاتاً إذا كانتْ لم تُنْبِتْ قديماً
وهي مَوَات الأرض وذلك كقولهم ( مَنْ أحيَا أَرضاً مواتاً فهي له ) .

وهم لا يجعلون الماء والنارَ والهواءَ جماداً ولا مَوَاتاً ولا يسمُّونَها حيواناً ما دامت كذلك
وإن كانت لا تضاف إلى النَّماء والحسّ .

والأرضُ هي أحدُ الأركانِ الأربعة التي هي الماءُ والأرضُ والهواءُ والنار والاسمانِ لا يتعاوَرَانِ عندَهم إلاّ الأرض .

يتبع
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 28-03-2012, 05:04 PM   #3
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: كتاب الحيوان للجاحظ

تقسيم النامي

ثمَّ النامِي على قسمين : حيوان ونبات
والحيوانُ على أربعة أقسام :
شيءٌ يمشي وشيء يطير وشيء يسْبَحُ وشيءٌ يَنْسَاح
إلاّ أنّ كلَّ طائرٍ يمشي وليس الذي يَمشي ولا يَطِير يسمى طائراً

والنوعُ الذي يَمشي على أربعةِ أقسام :
ناس وبهائم وسباع وحشرات
على أنّ الحشَرَاتِ راجعةٌ في المعنى إلى مشاكلةِ طباع البهائمِ والسباع
إلاّ أنّنا في هذا كلِّه نتبع الأسماءَ القائمة المعروفة البائنات بأنفُسِها
المتميِّزاتِ عند سامعيها مِنْ أهلِ هذه اللغةِ وأصحاب هذا اللسان وإنَّما نُفْرِد ما أفْرَدوا ونَجْمَع ما جَمَعوا .


تقسيم الطير

والطيرُ كلٌّ سَبُعٍ وبَهيمة وهَمَج
والسباعُ من الطير على ضَربَيْن :
فمنها العِتاقُ والأحرارُ والجوارحَ ومنها البغاث وهو كلُّ ما عظمَ من الطير :
سبعاً كان أو بهيمة إذا لم يكنْ من ذواتِ السلاحِ والمخالبِ المعقَّفة
كالنُّسورِ والرَّخَم والغِربان وما أشبهها مِنْ لئامِ السباع
ثم الخَشَاش وهو ما لطُف جِرمُه وصَغُر شخصه وكان عديمَ السلاح ولا يكون كالزُّرَّقِ واليُؤيُؤ والباذنجان .

فأما الهَمَج فليس من الطير ولكنَّه ممَّا يطير والهمَجَ فيما يطيرُ كالحشراتِ فيما يمشي
والحيّاتُ من الحشرات وأيُّ سبع أَدخَلُ في معنى السَّبُعيَّة مِنَ الأفاعي والثعابِين
ولكن ليس ذلك من أسمائها وإن كانتْ من ذوات الأنيابِ وأكَّالة اللُّحوم وأعداِء الإنسِ

وجَميعِ البهائم ولذلك تأكلُها الأوعَال والخَنازيرُ والقَنافِذُ والعِقبان والشاهْمُرك والسنانير
وغير ذلك من البهائم والسباع فَمنْ جَعَلَ الحيَّاتِ سِباعاً وسمَّاها بذلك
عندَ بعضِ القولِ والسببِ فقدْ أصابَ ومن جَعلَ ذلك لها كالاسمِ الذي هو العلامةُ
كالكَلْبِ والذئب والأسَد فقد أخطأ .
ومن سِباعِ الطيرِ شكلٌ يكون سِلاحُه المخالبَ كالعُقابِ وما أشبهها
وشيءٌ يكونُ سِلاحُه المناقيرَ كالنُّسُورِ والرَّخَمِ والغِرْبان وإنَّما جعلْناها سباعاً لأنّها أكَّالةُ لحوم . )

ومِنْ بهائم الطير ما يكون سلاحُه المناقيرَ كالكَرَاكِيِّ وما أشبهها
ومنه ما يكونُ سلاحُه الأسنانَ كالبُومِ والوَطْوَاطِ وما أشبهها
ومنه ما يكون سلاحُه الصياصي كالدِّيَكَة ومنه ما يكون سلاحه السَّلْح كالحُباري والثعلب أيضاً كذلك .

والسَّبع من الطير : ما أكل اللحمَ خالصاً والبهيمةُ :
ما أكلت الحبَّ خالصاً وفي الفنِّ الذي والمشتَرَك عندهم كالعصفور
فإنَّه ليس بذي مِخْلَبٍ معقَّف ولا مِنْسَر وهو يلقط الحبَّ وهو مع هذا يصيد النَّمْل إذا طار ويَصِيد الجرادَ
ويأْكُلُ اللحم ولا يَزُقُّ فِرَاخَه كما تزقُّ الحمامُ بل يُلْقِمها كما تُلْقِمُ السباعُ من الطير فراخَها
وأشباهُ العصافيرِ من المشترَك كثيرٌ وسنذكُر ذلكَ في موضِعه إن شاء اللّه تعالى .

وليس كلُّ ما طار بجَناحينِ فهو من الطير قد يطير الجِعْلاَن والجَحْلُ
واليَعاسِيبُ والذّبابُ والزَّنابِيرُ والجَرادُ والنمْل والفَراشُ والبَعوضُ والأرضَة والنحلُ وغيرُ ذلك
ولا يسمَّى بالطير وقد يقال ذلك لها عند بعض الذكرِ والسبب
وقد يسمُّون الدجاجَ طيراً ولا يسمُّون بذلك الجراد والجرادُ أَطْيَر والمثلُ المضروبُ به أشهر
والملائكةُ تطِيرُ ولها أجنحةٌ وليستْ من الطير وجَعفر بن أبي طالب ذو جناحين
يَطير بهما في الجنَّة حيثُ شاء وليس جعفرٌ من الطير .

واسم طائرٍ يقَع على ثلاثة أشياء :
صورة وطبيعة وجَناح وليس بالريشِ والقَوادِمِ والأباهِرِ والخوافي يسمَّى طائراً
ولا بعدمه يسْقط ذلك عنه ألا ترى أنَّ الخفَّاشَ والوَطواطَ من الطير وإن كانا أمْرَطَينِ ليس لهما رِيشٌ ولا زَغَبٌ ولا شَكِيرُ
ولا قَصَب وهما مشهورانِ بالحمل والولادة وبالرَّضاع وبظهور حَجْم الآذان
وبكثرة الأسنان والنعامة ذاتُ ريشٍ ومِنقارِ وبَيضٍ وجَناحين وليست من الطير .

وليس أيضاً كلُّ عائمٍ سمكة وإن كان مناسباً للسمك في كثير من معانيه
ألا تَرَى أنّ في الماء كَلْبَ الماء وعنْزَ الماء وخِنزيرَ الماء وفيه الرِّقُّ والسُّلَحْفاة وفيه الضِّفْدَع
وفيه السرطان والبَيْنيبُ والتِّمساح والدُّخس والدُّلْفين واللَّخْمُ والبُنْبُك
وغيرُ ذلك من الأصناف والكَوسَج والد اللُّخْم وليس للكوسج أبٌ يُعرَف
وعامَّةُ ذا يَعيش في الماء ويبيت خارجاً من الماء ويبيض في الشطِّ ويَبِيضُ بيضاً له صُفْرَةٌ وقَيْضٌ وغِرْقِئٌ
وهو مع ذلك ممّا يكون في الماء مع السمك .

يتبع
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21-04-2012, 12:22 AM   #4
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: كتاب الحيوان للجاحظ

تقسيم الحيوان إلى فصيح وأعجم

ثمَّ لا يخرج الحيوان بعد ذلك في لغة العرب من فصيح وأعجم كذلك يقال في الجملة
كما يقال الصامت لما لا يَصْنَع صمتاً قطُّ ولا يجوز عليه خلافه والناطق لِمَا لَمْ يتكلَّمْ قطُّ
فيحملون ما يرغو ويَثغو ويَنهَق ويَصْهِل ويَشْحَج ويَخُور ويَبْغَم ويَعوِي ويَنبَح ويَزْقُو ويَضْغُو ويَهْدِر
ويَصْفِر ويُصَوْصِي ويُقَوْقِي ويَنْعَبُ ويَزْأَر ويَنْزِبُ ويكِشُّ ويَعِجُّ على نطقِ الإنسان إذا جمع بعضه على بعض
ولذلك أشباهٌ كالذكور والإناث إذا اجتمعا وكالعِيرِ التي تسمَّى لَطِيمة

وكالظُّعُن فإنَّ هذه الأشياءَ إذا وجد بعضُها إلى بعض أو أَخَذ بعضُها من بعض سُمِّيَتْ بأنبَه النوعَين ذِكْراً
وبأقواهما والفصيحُ هو الإنسان والأعجم كلُّ ذي صوتٍ لا يفهَمُ إرادتَه إلاّ ما كان من جنسه
ولعمري إنا نفهم عَن الفَرس والحمارِ والكلبِ والسِّنَّور والبعير كثيراً من إرادته وحوائجه وقصوره
كما نفهم إرادةَ الصبيِّ في مَهْده ونعلم وهو من جليل العلم أنّ بكاءَه يدلُّ على خلافِ ما يدُلُّ عليه ضَحِكُه
وحَمْحَمَةُ الفرَس عند رؤية المخلاة على خلاف ما يدلُّ عليه حَمحمتُه عند رؤية الحِجْر
ودُعاء الهِرَّةِ الهرَّ خلافُ دعائها لولدها وهذا كثير .

والإنسانُ فصيح وإنْ عبَّرَ عن نفسِه بالفارسيّة أو بالهنديّة أو بالروميّة
وليس العربيُّ أسوأ فهماً لِطَمْطَمَةِ الروميِّ من الرومي لبيانِ لسان العربيّ
فكلُّ إنسانٍ من هذا الوجه يقال له فصيح فإذا قالوا : فصيح وأعجَم فهذا هو التأويل في قولهم أعجم
وإذا قالوا العرب والعجم ولم يلفظوا بفصيح وأعجم فليس هذا المعنى يريدون إنَّما يَعنُون أنَّه لا يتكلَّم بالعربيَّة
وأنَّ العربَ لا تفهم عنه وقال كُثَيِّر :
( فبُورِك ما أعطَى ابنُ لَيلَى بِنِيَّةٍ ** وصامتُ ما أعطَى ابنُ ليلى وناطقُه )

ويقال جاء بما صَأى وصمت فالصامت مثل الذهب والفضّة وقوله صأى يعني الحيوانَ كلَّه
ومعناه نطق وسكَت فالصامت في كلّ شيءٍ سِوَى الحيوان .

ووجدْنا كونَ العالَم بما فيه حكمةً ووجدْنا الحِكمَة على ضربَين :
شيءٌ جُعِلَ حكمةً وهو لا يَعقِل الحكمةَ ولا عاقبةَ الحِكمة وشيءٌ جُعِل حكمةً وهو يَعْقِل الحكمة
وعاقبةَ الحكمة فاستوى بذاكَ الشيء العاقلُ وغير العاقل في جهةِ الدَّلالةِ على أَنَّهُ حكمة
واختلفا من جهةِ أَنَّ أحدهما دَليلٌ لاَ يَسْتَدِلّ والآخر دليل يستدل فكلُّ مُسْتَدِلٍّ دليل وليس كلُّ دليل مستدلاً
فشارك كل حيوانٍ سوى الإنسان جميعَ الجمادِ في الدَّلالة وفي عدم الاستدلال واجْتَمَع للإنسان أَنْ كان )
دليلاً مستَدِلاًّ ثُمَّ جُعِل للمستدِلِّ سببٌ يدلُّ به على وجوهِ استدلاله ووُجوهِ ما نتج له الاستدلال وسمَّوا ذلك بياناً .

يتبع
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 23-04-2012, 12:16 AM   #5
عضو مميز جداً
 
تم شكره :  شكر 16431 فى 4678 موضوع
أسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضوأسد نجد نسبة التقييم للعضو

 

رد: كتاب الحيوان للجاحظ

وسائل البيان

وجُعِل البيانُ على أربعة أقسام : لفظ وخطّ وعَقْد وإشارة

وجُعِل بيانُ الدليل الذي لا يستدِلُّ تَمْكِينَهُ المستدِلَّ من نفسه واقتيادَه كلَّ من فكَّر فيه إلى معرفةِ
ما استُخْزِنَ من البرهان وَحُشِيَ من الدَّلاَلة وأُودِع مِن عَجيب الحكمة

فالأجسامُ الخُرْسُ الصامتة ناطقةٌ مِن جهة الدَّلالة ومُعْرِبةٌ من جهة صحَّة الشهادة
على أنَّ الذي فيها من التدبير والحِكمة مخبرٌ لمن استخبَرَه وناطقٌ لِمَن استنطقه
كما خبَّر الهُزَالُ وكُسُوف اللونِ عن سُوءِ الحال
وكما ينطق
( فعاجُوا فأثنَوا بالذي أَنْتَ أَهلُه ** ولو سكتوا أثنتْ عليك الحقائب )
وقال آخر :
( مَتى تَكُ في عدوٍّ أو صديقٍ ** تُخَبِّرْكَ العيونُ عن القلوبِ )

وقد قال العُكْليُّ في صِدق شمِّ الذّئب وفي شدّةِ حسِّه واسترواحه :
( يَستخبِر ُالريحَ إذا لم يَسْمَعِ ** بمثل مقراعِ الصَّفا الموقَّع )

وقال عنترة هو يصف نَعِيبَ غُراب :
( حَرِقُ الجَنَاحِ كأنَّ لَحْييْ رأسه ** جَلَمانِ بالأخبار هَشٌّ مُولَع )


وقال الفضل بن عيسى بن أبان في قصصه :
سَل الأَرْضَ فقلْ :
مَنْ شقَّ أنهارَكِ وغَرَسَ أشجارَكِ وجَنَى ثِمارَكِ فإنْ لم تُجبكَ حِواراً أجابتْكَ اعتباراً .

فموضوعُ الجسم ونَصْبته دليلٌ على ما فيه وداعيةٌ إليه ومنبهة عليه
فالجمادُ الأبكمُ الأخرسُ من هذا الوجه قد شارَكَ في البيان الإنسانَ الحيَّ الناطق
فمَنْ جَعَل أقسام البيانِ خمسة فقد ذهَبَ أيضاً مذهباً له جوازٌ في اللّغة
وشاهدٌ في العقل فهذا أحدُ قِسمَي الحكمة وأحَدُ مَعْنَيَيْ ما استخرنها اللّه تعالى من الوديعة .

والقسمة الأُخرى ما أودَع صدور صنوفِ سائر الحيوان مِنْ ضُرُوبِ المعارف وفَطَرها عليه من غريب الهداياتِ
وسخَّر حناجِرَها لَهُ من ضروبِ النَّغَم الموزونة والأَصواتِ الملحنة والمخارِجِ الشجِيَّة والأغاني المطربة

فقد يقال إنَّ جميعَ أصواتها معدَّلة وموزونة موقَّعة ثمَّ )
الذي سهَّل لها من الرفق العجيبِ في الصنعة مما ذلله اللّه تعالى لمناقيرها وأكُفِّها
وكيف فَتَحَ لها من باب المعرفةِ على قدر ما هَيَّأَ لها من الآلة وكيفَ أَعطَى كثيراً مِنها مِنَ الحسِّ اللطيفِ والصنْعةِ البديعة
من غير تأديبٍ وتثقيف ومن غير تقويمٍ وتلقين ومن غير تدريج وتمرين
فبَلَغَتْ بِعَفوها وبمقدار قوى فِطرتها من البَديهةِ

والارتجال ومن الابتداءِ والاقتضاب ما لا يَقْدرُ عليه
حُذّاقُ رجالِ الرأي وفلاسفةُ علماءِ البشر بِيَدٍ ولا آلة بل لا يبلغ ذلك من الناسِ أكملُهُمْ خصالا وأَتمُّهُمْ خلالاً
لا مِنْ جهة الاقتضاب والارتجال ولا من جِهة التعسُّف والاقتدار ولا من جهة التقدُّم فيه والتأنِّي فيه
والتأتِّي له والترتيبِ لمقدِّماته وتمكين الأسباب المُعِينةِ عليه فصار جهد الإنسان الثاقبِ
الحسِّ الجامِعِ القُوى المتصرِّفِ في الوجوه المقدَّم في الأُمور يَعجِز عن عَفْوِ كَثيرٍ منها وهو ينظرُ إلى ضروب ما يجيء منها

كما أعطيت العنكبوتُ وكما أعطِيَت السُّرْفَة وكما عُلِّم النحْل بل وعُرِّفَ التُّنَوِّطُ مِن بديعِ المعرفة
ومِن غَرِيبِ الصنعة في غير ذلك مِن أصناف الخلق ثم لم يوجب لهم العجز في أَنْفُسِهِمْ في أكثر ذلك
إلاّ بما قوي عليه الهَمَجُ والْخشَاشُ وصِغارُ الحشرات ثم جعل الإنسان ذا العقلِ والتمكينِ والاستطاعة والتصريف
وذا التكلُّفِ والتجرِبَة وذا التأنِّي والمنافَسَة وصاحبَ الفهْمِ والمسابَقَة والمتبصِّرَ شأنَ العاقبة
متى أحسَنَ شيئاً كان كلُّ شيءٍ دونَه في الغُمُوض عليه أَسهلَ وَجَعَل سائِرَ الحيوانِ
وإن كان يحسنُ أحدُها ما لا يحسنُ أحذَقُ الناس متى أحسنَ شيئاً عجيباً لم يمكنْهُ أن يُحسِن ما هو أقربُ منه في الظنّ
وأسهلُ منه في الرأي بل لا يحسِنُ ما هو أقرب منه في الحقيقة فلا الإنسانُ جَعَلَ
نفسه كذلك
ولا شيءٌ من الحيوان اختارَ ذلك فأحسَنَتْ هذه الأجناسُ بلا تعلُّم ما يمتَنِع على الإنسان وإن تعلَّم فصار
لا يحاوله إذْ كان لاَ يطمع فيه ولا يحسُدُها إذا لا يؤمِّل اللَّحَاقَ بها ثمّ جعل تعالى وعزَّ
هاتين الحكمتين بإزاء عُيونِ الناظِرين وتُجَاهَ أسماعِ المعتَبرِين ثمَّ حثَّ على التفكير والاعتبار وعلى الاتّعاظ والازدِجار
وعلى التعرُّفِ والتبَيُّنِ وعلى التوقُّفِ والتذَكُّر فَجَعَلَها مذكّرةً منبِّهة وجَعَلَ الفِطر تُنْشِئ الخَواطرَ وتجُولُ بأهلها في المذاهب
ذَلِكَ اللّهُ رَبُّ العالَمِينَ . فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ .
( مزج الهزل بالجدّ في الكتاب ) وهذا كتابُ موعظةٍ وتعريفٍ وتفقُّهٍ وتنبيه
وأراكَ قد عِبتَه قبل أن تقفَ على حُدودِه وتتفكَّرَ في فصوله وتَعتبِرَ آخَره بأوله ومَصَادِرَه بموارده
وقد غلّطَك فيه بعضُ ما رأيتَ في أثنائه من )
مزحٍ لا تعرف معناه ومن بَطالةٍ لم تطّلِعْ على غَورها ولم تدرِ لم اجتُلِبت ولا لأَيِّ علِّة تُكُلِّفت
وأيّ شيءٍ أُرِيغَ بها ولأيِّ جِدٍّ احتُمِل ذلك الهزل ولأيِّ رياضةٍ تُجُشِّمتْ تلك البَطالة
ولم تَدْرِ أَنَّ المزاحَ جِدٌّ إذا اجتُلِب ليكون علَّةً للجِدِّ وَأَنَّ البَطالة وَقارٌ ورَزانة إذا تُكُلِّفت لتلك العافية
ولمَّا قال الخليلُ بن أحمد : لا يصل أحدٌ من علم النحو إلى ما يحتاجُ إليه
حتَّى يتعلَّم ما لا يحتاج إليه قال أَبو شمر :

إذا كان لا يُتوصَّل إلى ما يحتاج إليه إلاّ بما لا يحتاج إليه فقد صار ما لا يُحتاج إليه يُحتاج إليه
وذلك مثل كتابنا هذا لأنّه إن حَمَلْنَا جميعَ من يتكلَّف قراءة هذا الكتابِ على مُرِّ الحق وصُعوبة الجِدّ وثِقل المؤونة
وحِلية الوقار لم يصبر عليه مع طوله إلاّ من تجرَّدَ للعلم وفهم معناه وذاق من ثمرته واستشعر قلبه من عزِّه
ونال سروره على حسب ما يُورث الطولُ من الكَدّ والكثرةُ من السآمة
وما أكثر مَن يُقَاد إلى حظِّه بالسواجير وبالسوق العنيف وبالإخافة الشديدة .

يتبع
أسد نجد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:45 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. موقع و منتديات سدير 1432 هـ - 1435 هـ

جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه وإنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه