كيف نجمع بين من قال من أهل العلم أنه لا يجوز الدعاء على الكافرين عامة، بل تخصيص الظالمين منهم، وبين دعاء نوح -عليه السلام- على قومه في سورة نوح في قوله تعالى: "وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا"؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقول العلماء: ليس من المشروع الدعاء على عموم الكافرين بالهلاك؛ سببه أنه مطلب لن يكون؛ لأن حكمة الله ومشيئته اقتضت بقاء النوع البشري حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، ويأذن الله بموت من في السماوات والأرض كما قال تعالى: "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ" [الزمر:68]. ومن حكمته بقاء الصراع بين الحق والباطل بين المؤمنين والكفار، فتبقى سوق الجهاد قائمة، ويبتلي الله كلاًّ من الفريقين بالآخر. فتتم حكمة الله، وينفذ قدره، ويبلغ الأمر منتهاه كما قدره الله.
وأما دعاء نوح على قومه فكان الحامل له على ذلك غضبه لله، وحنقه على قومه؛ لتمردهم على دعوة الله، مع طول بقاء إقامته بينهم وهو يدعوهم إلى الله بكل طريق. ولم يكن دعاؤه على قومه مأموراً به لكن كان ذلك باجتهاده –عليه السلام- لإصرارهم على التكذيب ولهذا قال: "إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا" [نوح:27]. ولم يكن على الأرض إذ ذاك إلا قوم نوح. فاستجاب الله دعاءه، وأغرق قومه، ولم ينج إلا من حمله نوح معه على السفينة كما قال تعالى: "فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ" [العنكبوت:15]. ومع هذا فإنه عليه السلام إذا طُلبت منه الشفاعة يوم القيامة فمما يعتذر به دعاؤه على قومه حيث لم يؤمر بذلك.
أما لعن عموم الكافرين والدعاء على الظالمين والمعتدين منهم فهذا جائز كما قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ" [الأحزاب:64]. وكما قال -صلى الله عليه وسلم- "لَعنَ الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". صحيح البخاري (1330)، وصحيح مسلم (531).
ولا يجوز لعن المعين من الكفار إلاَّ أن يكون ذا تسلط على المسلمين، وشدة عداوة كما كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقنت في صلاة الفجر، ويلعن بعض رؤوس الكفر، ويقول: "اللهم العن فلانا وفلاناً" ويسميهم، فأنزل الله تعالى: "ليس لك من الأمر شيء" [آل عمران: 128]. مسند أحمد (5416)، وسنن النسائي (1078). وفي هذه الآية بيان أن الأمر كله لله وليس للرسول –صلى الله عليه وسلم- من أمر هداية الخلق وإضلالهم شيء، فإنه سبحانه يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويرحم من يشاء، ويعذب من يشاء. فليس كل من لعنه الرسول يستجاب له فيه، ولهذا مَنَّ الله على بعض أولئك الذين دعا عليهم الرسول ولعنهم، فأسلموا وحسن إسلامهم وهم: صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام –رضي الله عنهم-. والله أعلم.
فضيلة الشيخ العلامة/ عبدالرحمن بن ناصر البراك حفظه الله