الـسـلام عـلـيـكـم و رحـمـة الـلـه و بـركـاتـه
س: حـكـم رد الـسـلام وتـشـمـيـت الـعـاطـس فـي خـطـبـة الـجـمـعـة؟
اختلف الفقهاء في حكم رد السلام وتشميت العاطس في خطبة الجمعة إذا حصل موجبه ، وذلك على أربعة أقوال :
القول الأول : يحرم .
وبهذا قال أكثر الحنفية ، وبه قال المالكية، وهو الوجه الصحيح عند الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد .
القول الثاني : يجوز .
وبهذا قال أبو يوسف في رواية عنه ، وهو وجه عند الشافعية ، والرواية الصحيحة عن الإمام أحمد ، والصحيح عند
أصحابه ، وبه قال ابن حزم.
القول الثالث : يحرم على من يسمع الخطبة ، ويجوز لمن لا يسمعها .
وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه ، وهو قول لبعض أصحابه .
القول الرابع : لا يجوز رد السلام ، ويجوز تشميت العاطس .
وهذا قول للشافعية ، قال عنه في حلية العلماء : " وليس بشيء " .
الأدلة :
أدلة أصحاب القول الأول :
استدلوا بأدلة من السنة ، والمعقول :
أولا : من السنة :
1- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المشهور الذي تقدم مرارا ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إذا قلت
لصاحبك : أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت » .
وجه الدلالة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى الأمر بالمعروف حال الخطبة لغوا ، مع أنه أمر مطلوب شرعا ، وفيه
فائدة متعدية للآخرين وهي منع التشويش عليهم ، فكذلك رد السلام وتشميت العاطس ، بل هو أولى .
2- ما رواه أُبَيُّ بن كعب - رضي الله عنه - قال : « قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة ( تبارك ) وهو قائم
، فذكرنا بأيام الله ، وأبو الدرداء ، أو أبو ذر يغمزني ، فقال : متى أُنزلت هذه السورة ؟ فإني لم أسمعها إلا الآن ،
فأشار إليه أن اسكت ، فلما انصرفوا قال : سألتُك متى أُنزلت هذه السورة فلم تخبرني ، فقال : إنه ليس لك من صلاتك
إلا ما لغوتَ ، فذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك ، وأخبره بالذي قال له أُبي ، فقال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - : صدق أُبي » .
وجه الدلالة : أن ما طلبه أبو الدرداء أو أبو ذر من أبي بن كعب - رضي الله عنهما - من تاريخ المنزل ، فقد كان فرضا
عليهم ، ليعرفوا الناسخ من المنسوخ ، وقد جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اللغو في حالة الخطبة ، فكذلك
رد السلام وتشميت العاطس
ثانيا : من المعقول : 1- أن تشميت العاطس يترتب عليه ترك الاستماع المفروض والإنصات ، والتشميت ليس بفرض ، فلا
يجوز ترك الفرض لأجله ، وكذا رد السلام في هذه الحالة ليس بفرض ، لأنه يرتكب بسلامه مأثما ، فلا يجب الرد عليه كما
في حالة الصلاة .
2- أن السلام في حال الخطبة لم يقع تحية ، فلا يستحق الرد .
3- أن رد السلام مما يمكن تحصيله في كل حالة ، أما سماع الخطبة فلا يتصور إلا في هذه الحالة ، فكانت إقامته أحق ،
ونظيره ما قاله بعض الفقهاء من أن الطواف تطوعا بمكة في حق الآفاقي أفضل من صلاة التطوع ، والصلاة في حق
المكي أفضل من الطواف .
واستدلوا على تحريمهما على من لم يسمع بما يلي :
أن وجوب الإنصات شامل لهم ، فيكون المنع من رد السلام وتشميت العاطس ثابتا في حقهم ، كالسامعين (4) .
أدلة أصحاب القول الثاني :
استدلوا بأدلة من السنة ، والمعقول :
أولا : من السنة :
1- ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : « حق المسلم على المسلم
خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس » .
2- ما رواه البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : « أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع ، ونهانا عن سبع ،
أمرنا بعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، ورد السلام ، وإجابة الداعي ، وإبرار المقسم ، وتشميت العاطس ، ونصر
المظلوم » . . . ) الحديث .
وجه الدلالة من هذين الحديثين ونحوهما مما جاء في معناهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر برد السلام وتشميت
العاطس ، وهذا الأمر عام ، فيشمل بعمومه الرد والتشميت حال خطبة الجمعة .
مناقشة هذا الاستدلال : يناقش بأن هذا محمول على حال غير الخطبة جمعا بين ذلك وبين ما ورد في تحريم الكلام حال
الخطبة والأمر بالإنصات .
3- ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : « جاء رجل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس يوم الجمعة
فقال : أصليت يا فلان ؟ قال : لا ، قال : قم فاركع » .
قال في فتح الباري : " واستدل به على جواز رد السلام وتشميت العاطس في حال الخطبة ، لأن أمرهما أخف وزمنهما
أقصر ، ولا سيما رد السلام فإنه واجب " .
مناقشة هذا الدليل : يناقش بأن هناك فرقا بين الصلاة والرد والتشميت ، فالصلاة يفوت بها الاستماع على المصلى وحده
، أما الرد والتشميت فيفوت بهما الاستماع على الراد والمشمت ومن حولهما من الحاضرين ، فضررهما أبلغ .
ثانيا : من المعقول : 1- أن رد السلام فرض والاستماع سنة ، فلا يترك الفرض لفعل سنة .
مناقشة هذا الدليل : يناقش من وجهين :
الوجه الأول : أن رد السلام إنما يكون فريضة إذا كان تحية ، وفي حال الخطبة المسلم ممنوع من السلام ، فلا يكون
جوابه فرضا .
الوجه الثاني : عدم التسليم بأن الاستماع للخطبة سنة ، بل هو واجب كما تقدم .
2- أن رد السلام وتشميت العاطس واجب ، فوجب الإتيان به في الخطبة ، كتحذير الضرير .
مناقشة هذا الدليل : يناقش بأنه وإن كان الرد والتشميت واجبا فإنه لا يصل إلى مماثلة تحذير الضرير من الهلكة ؛ لأن
الضرر المترتب على ترك التحذير أعظم من الضرر المترتب على ترك واجب الرد والتشميت ، فلا يصح القياس .
أدلة أصحاب القول الثالث :
أولا : استدلوا على التحريم على من يسمع بما استدل به أصحاب القول الأول .
ثانيا : واستدلوا على جواز الرد والتشميت لمن لا يسمع بما يلي :
أن الإنصات واجب ، فلم يجز الكلام المانع منه من غير ضرورة للأمر بالإنصات ، بخلاف من لم يسمع فإنه لم يؤمر بالإنصات
، فله الرد والتشميت .
مناقشة هذا الدليل : يناقش بعدم التسليم بأن من لم يسمع لم يؤمر بالإنصات ، بل إن عموم الأدلة تشمله كما تقدم .
دليل أصحاب القول الرابع :
أن السلام قد وضعه المسلم في غير موضعه باختياره ، فلم يستحق الرد عليه ، والعاطس عطس بغير اختياره فلم يكن
منسوبا إلى وضعه في غير موضعه ، فاستحق التشميت .
مناقشة هذا الدليل : يناقش بأن ليس المانع عدم الاستحقاق للاختيار ، وإنما المانع هو عموم الأحاديث المانعة من الكلام
في هذه الحال ؛ لما يترتب عليه من ترك الإنصات والتشويش على السامعين .
الترجيح :
الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بتحريم رد السلام وتشميت العاطس في
خطبة الجمعة ، لقوة ما استدلوا به ، وعدم استقامة أدلة الأقوال الأخرى .
وقد أفتى بعدم جواز رد السلام فيها فضيلة شيخنا محمد بن صالح العثيمين ـ حفظه الله ـ
مـنـقـول: مـن كـتـاب خـطـبـة الـجـمـعـة و أحـكـامـهـا الـفـقـهـيـة
لـلـشـيـخ: عـبـدالـعـزيـز الـحـجـيـلان
مـحـبـكـم: عـمـر بـن عـبـدالـعـزيـز