الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن الظلم عاقبته وخيمة، ولا يصدر إلاَ من النفوس اللئيمة، وآثاره متعدية خطيرة في الدنيا والآخرة؛ وإذا تفشى الظلم في مجتمع من المجتمعات كان سببا لنزع البركات، وتقليل الخيرات، وانتشار الأمراض والأوجاع والآفات.
فقال سبحانه وتعالى فيما رواه رسول الله في الحديث القدسي: { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا ******
[رواه مسلم].
وعن جابر أن رسول الله قال: { أتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ****** [رواه مسلم].
فيا أيها الظالم لغيره:
اعلم أن دعوة المظلوم مستجابة لا ترد مسلماً كان أو كافراً، ففي حديث أنس قال: قال رسول الله : { اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب ******. فالجزاء يأتي عاجلاً من رب العزة تبارك وتعالى، وقد أجاد من قال:
لاتظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
فتذكر أيها الظالم: قول الله عز وجل: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [ابراهيم:43،42]. وقوله سبحانه: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36]. وقوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:45،44].
فتذكر أيها الظالم: الموت وسكرته وشدته، والقبر وظلمته وضيقه، والميزان ودقته، والصراط وزلته، والحشر وأحواله، والنشر وأهواله. تذكر إذا نزل بك ملك الموت ليقبض روحك، وإذا أنزلت في القبر مع عملك وحدك، وإذا استدعاك للحساب ربك، وإذا طال يوم القيامة وقوفك.
وتذكر أيها الظالم: قول الرسول : { لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ****** [رواه مسلم].
والظالم فى عذاب نفسى, وقلق دائم يطارده شؤم الظلم وان تظاهر بالفرح والسرور! ولا يزال ضميره يلاحقه ويؤنبه ولو بعد فوات السنين , ولا يُمكّن من التوبه والأنابه غالباً الا بعد ذهاب أهل الحقوق وتفرقهم! وهذا كاف فى الزجر عن الظلم ما يحصل للظالم فى آخر أمره من الحسرة والندامة, والخوف من المثول بين يدى الجبار العادل يوم القيامة, وكم رأينا وشاهدنا الكثير من الظالمين الذين ندموا فى آخر حياتهم وراحوا يبحثون ويسألون عمنّ يرخص لهم ويخرجهم من هذا المأزق الكبير !!
وكثير من الناس حين يسمع الحديث عن الظلم ينصرف ذهنه الى الظلم الحسى !!الظاهر من تعدى على الأموال والدماء والأعراض ونحو ذلك مما تنفرمنه الطباع السليمة ويعرفه الجاهل والعالم و الصغير والكبير , ولكن ثمّة نوعاً خفياً يتساهل فيه كثير من الناس ويخفى عليهم حتى الصالحين, وينتشر فى بعض البيئات المحافظة الا وهو الظلم الأجتماعى؟؟؟
وأعنى به الظلم المعنوى الذى: يصدر من بعض أفراد المجتمع تجاه الآخرين فى التعامل معهم والأنحياز عنهم وتفضيل غيرهم عليهم أو عدم تحقيق العدل معهم أوالإساءة إليهم
والواجب على المسلم أن يحاسب نفسه ويقف معها فى ختام كل ليلة , ويتأمل تعاملاته مع أقاربه وجيرانه وزملاءه ,....
ويجب أن يعلم المسلم أن حبه لأحد لايقتضى الغلو والمبالغة فيه وعدم نصحه كما أن بغضه أو عدم ارتياحه لأحد لا يسوّغ له ظلمه , أو التعدى عليه أو ترك ما يجب له من التكريم والصله وهذا هو العدل الذى قامت به السموات والأرض وأمر به الشرع " واذا قلتم فاعدلوا , اعدلوا هو أقرب للتقوى "
والمتأمل فى كثير من حالات العقوق والقطيعة والأختلاف , يجد أن السبب الأكبر فى وقوعها هو حصول الظلم ابتداءٍِ واستمراره على المظلوم , والسكوت على ذلك, وعدم معالجة الموضوع ؟!!حتى عظم وحصل مالم تحمد عقباه! وأحب أن الفت النظر هنا أن كل من شارك الظالم فى ظلمه بسكوته أو تأييده معنوياً فهو مؤ آخذ شرعاً وتناله المسؤولية؟وكان الواجب عليه أن ينصر المظلوم, وينصح الظالم كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم"انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"ولايعذر أحد بترك النصيحة,
ومما يندى له الجبين أننا فقدنا الناصح فى كثير من أحوالنا الا من وفقه الله لذلك!! وكثر فينا النممامون والمغتابون والساعون فى قطع حبال الوصال والأخوة....
ومما يجدر التنبيه عليه أن كثيراً من الوعاظ والمتكلمين فى حلّ المشاكل الأجتماعية يوجهون الخطاب فقط للمظلوم ويوصونه بالصبر والرفق! ولكنهم يغفلون عن توجيه الخطاب أولاً للظالم وزجره ونهيه , وكفّه وتهديده عن الوقوع فى الظلم؟!!مما يضع الأمر فى نصابه ويهوّن على المظلوم مصابه!!
خالد سعود البليــهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة